دراسات وبحوث

جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة في مفاهيم التكامل (3)

قضية ساخنة: عزوف الشباب عن الزواج

أغلب شباب اليوم، ذكورا وإناثا يعزفون عن الزواج، ومرد العزوف هو تغيّر إيقاع الحياة بشكل كامل، فضلا عن أسباب أساسية نوردها على النحو الآتي:

1- شخصية: منها قد يكون بعض الشباب مصابين بعقدة دونية الذات، وعدم كفاءتها لخوض تجربة الزواج التي تبدو لهم أنها ليست سهلة، وليس لديهم الاستعداد الذاتي لخوض التجربة. ومنها الشروط المُبالغ بها اللازم توفرها في الشريك؛ منها الجمال، مشاعر الحب، الثقافة، كمال الخُلق والأدب، الخبرة في إدارة المنزل، وغيرها؛ وهذه الشروط يختص بها الشباب الذكور. أما الشروط المختصة بالأناث؛ فهي وجوب توفّر الشريك على الشعور العالي بالمسؤولية، والاهتمام، والرعاية، والتكافؤ الطبقي، والتعليمي، والاقتصادي.

ومنها الرغبة في الحفاظ على حقهم في الحرية الكاملة؛ لأن الزواج يحد من حرياتهم، والهروب من روتين ورتابة الحياة الزوجية يُعد بالنسبة لهم الحل الأمثل. والرغبة في تحقيق الطموحات والأمنيات عبر مواصلة مشوار الدراسة، والحصول على الشهادات العليا، وتحقيق الاكتفاء المادي الذاتي. ومنها ردود الفعل السلبية إزاء الزواج إثر المرور بعلاقة، أو علاقات متعددة سابقة سبّبت الكثير من المتاعب النفسية والجسدية للشباب؛ فيعزفون عن الدخول في علاقات جديدة؛ تجنّبا لتكرار التجارب السابقة التي ربما تنتهي إلى ما انتهت اليه سابقاتها. والخوف من الطلاق عند الإناث أعلى منه عند الذكور؛ لان وتيرة الطلاق في مجتمعاتنا العربية مرتفعة وأسبابها كثيرة، لذا لا تحبّذ الفتاة الدخول في تجربة الزواج حتى لا ينتهي بها المطاف إلى الطلاق. في المجتمعات العربية حالات الطلاق في ارتفاع؛ ففي المجتمع العراقي تحدث تسع حالات طلاق في كل ساعة بواقع مائتي وإحدى عشرة حالة في اليوم[1].

2- اقتصادية: على رأسها غلاء المهور، وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية الاقتصادية، وأعباء المعيشة التي ترهق وتثقل كاهل الشباب سيما الحياة الحاضرة فيها الوفرة والكثرة المادية بكل شيء؛ وقد لا يستطيع الشباب إيفاء متطلبات، وحقوق الحياة الزوجية الاقتصادية بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار. ومنها أيضا عدم توفّر فرص العمل، والوظيفة.

3- اجتماعية: ومنها اعتقاد الشباب بعدم وجود نظراء لهم أكفّاء على مختلف المستويات الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.

4- التطور التكنولوجي: سبب جديد لعزوف الشباب عن الزواج. ثورة تكنولوجيا المعلومات أحدثت تطورا كبيرا على وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي، فصار جيل اليوم جيلا ألكترونيا، والحياة الألكترونية انزلاقية سريعة مسخت القيم الجميلة، وفضائل المثل والأخلاق، وأدّت إلى إنفلات اجتماعي مرعب وهائل، وأذهبت جمال الحياة وصفوها، وبراءتها، وعفويتها، وأضحى الإنسان كائنا مستهلكا.

كيف يختار الشاب شريكة العمر وهي بين يديه بكل ألوانها؟

وهي سهلة لأن لا قيود معها في مسؤولية حياتية طويلة الأمد تستنزف المال والجسد. وجود المرأة الآن في الحياة وجود مشاع فوضوي حتى أكثر من الرجل، لدرجة أن حضورها الصاخب في كل مكان يُحدث تشويشا عند الشاب فيحتار من يختار، ومن يترك، وإذا اختار ربما تحصل غيرها أفضل. وجلّهم يعللّون عزوفهم عن الزواج بانفتاح الحياة، وتعدد الخيارات في العلاقات المتعددة، والمؤقتة العابرة.

هذا بالنسبة للشاب غير الملتزم بدين وشريعة، اما الملتزم فلديه حيل وحجج شرعية كثيرة.

الشباب المولع بالجسد لا يصلح للزواج لأن الزواج ليس عملية مادية ميكانيكية تُمارس وتنتهي، إنما هي مسؤولية معنوية تنطوي على الأخلاق، والقيم، والمثل، والاعتبارات التي لا يجب الزيغ عنها، والمسؤولية المعنوية هي بنظر المهووسين بالجسد قيود وسجون ينبغي التحرّر منها. وهذا تفسير ينم عن جهل، وجهل مركب؛ وهو اليوم تفسير الكثيرين العاجزين عن التمسك بكل متطلبات الحب، والزواج الواعي.

التقيتُ بعض الشباب والشابات العراقيين كلًا على انفراد، وسألتهم:

لماذا لا تتزوجون؟

الشباب كان جوابهم واحدا: انتهى زمانكم خالتنا، الزمان تبدّل، وبنات الزمان لا يحملن خصالكن، هن جيل الانترنيت والمعلومة الخاطفة، لذا فالعلاقة معهن أيضا زئبقية، سرعان ما تنزلق وتُستبدل. وصعوبات المعيشة، وغلاء المهور، وعدم الحصول على مرتب وظيفي، وأسباب اجتماعية كثيرة، وعدم التكافؤ في المستوى الطبقي، أو التعليمي، مثالها قد يتزوج شاب متعلم تعليما عاليا من فتاة أدنى منه مستوى أو أمّية، وغيرها أيضا هي من أسباب عزوفنا عن الزواج.

ونفس الجواب أدلت به الشابات: وأولاد الزمان خالتنا ليسوا مثل أجدادنا وآبائنا؛ هم ليسوا أوفياء بسبب الحياة الألكترونية التي مسخت القيم. بعد عام من الزواج يخون الزوج، ونكون نحن ضحايا في مجتمع لا يرحم المرأة، ويرحم الرجل، فمجتمعنا ذكوري. وعدم التكافؤ  في المستوى الاقتصادي، أو الثقافي، أو الاجتماعي. الزواج ليس واجبا حتى نسقطه؛ أو نرضي المجتمع، هو شراكة حياتية طويلة. تتزوج الفتاة المتعلمة تعليما عاليا من شاب أدنى منها في المستوى التعليمي، وقد تتزوج من شاب غير كفوء ماديا، وغيرها الكثير من أسباب عزوفنا عن الزواج.

هذه مفردتان، والمفردات كثيرة في وطن كالعراق الذي عانى من الحروب الخارجية والداخلية، وما حملت من تداعيات على الصعيد السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، وانجرت  بدورها على مستقبل الزواج. ليس تشاؤما لكن الوضع الذي وصل اليه مجتمعنا سيبتلع مستقبل الأجيال القادمة -أعني جيل الأحفاد- الذي ربما لا يكون للزواج الدائم موقع في حياتهم الاّ العلاقات المؤقتة العابرة التي تختصر كل معوقات الزواج والارتباط الجدي، كأني أرى ذلك جليّا، الاّ ما ندر فيهم.

على ضوء ما ذكرنا فإن مسؤولية عزوف الشباب عن الزواج تقع على عاتق المجتمع أولا، إذ لابد أن يغيّر من أنماط عاداته وتقاليده واعتباراته، فما لم يتساهل الأهالي في تذليل معوقات الزواج كالشروط القاسية؛ ومنها غلاء المهور، والتحكّم بشؤون الإبن والبنت؛ والتزمّت بالتقاليد والعادات القديمة؛ فإن قضية زواج الأبناء تبقى صعبة غير متحققة. وعلى عاتق الدولة ثانيا إذ لابد أن تهيئ فرص عمل للشباب والشابات، ومنحهم قروضا لتسهيل الزواج. وعلى عاتق الشباب ثالثا؛ فإذا ما لم يحدّوا ويغيّروا من نمط اهتماماتهم؛ فإن حياتهم العاطفية وصحتهم الجسدية والنفسية مهددتان بالخطر والانهيار، وسيكون مستقبل مجتمعاتنا في منزلق خطير، وإذا استطاع من ترويض نفسه، واستيعاب المتغيرات الهائلة في إيقاع الحياة، واستطاع التأقلم معها ربما سينجح في إدارة دفة العلاقات المشتركة إذا تمتع برصيد عال من الحكمة، والذكاء العاطفي والإجتماعي. وعلى عاتق الباحثين في علم النفس والاجتماع رابعا، إذ لابد من أخذ قضية عزوف الشباب عن الزواج بدقة وجد ودراسة أسبابها، ووضع الحلول المناسبة، لأخذ الشباب ذكورا وإناثا على جادة الصواب، حتى يمكنهم ولوج عتبة الزواج دون خوف، ووجل بل بكل ثقة، واستعداد ذاتي، فالزواج يحقق الاستقرار، والأمان الجسدي، والنفسي، والعاطفي.

الانهيار المهول للعلاقة الزوجية في الوقت الحاضر

جيل القدماء أجدادا، وآباء، وأمهات حياتهم كانت بطيئة الإيقاع، لذلك تمتع جيلهم بمعاني القيم الجميلة، وفضائل المثل، وأصالة الأخلاق. وقد تمتعوا بكل فصول الحب ربيعا، وصيفا، وخريفا، وشتاء.

كان الانفصال بين الزوجين في زمن مضى ليس سهلا وإذا حدث فله أسبابه؛ منها عدم التوافق بالحب والاهتمام والتقدير، أو عدم التحلي بالحكمة والتروي في حل المشاكل الزوجية التي تنتج عن التقصير في أداء الحقوق الزوجية والعائلية المادية، أو صدور أفعال وسلوكيات غير سوية من قبل الزوجين، أو أحدهما؛ من قبيل سوء الخلق، أو العنف الجسدي والرمزي، أو عدم الإنجاب، أو مرض أحد الزوجين.

إذا كان زواج الجيل السابق مستقرا فإن الفضل يعود إلى أنهم لم يشهدوا عصر التطور التقني، والانفجار العلمي والمعرفي الذي أدى بالعالم أن يكون قرية صغيرة مرئية على شاشة بنفسجية سهلة الحمل بمختلف قنوات الاتصال، وتقدّم بشكل جاهز ألوان واشكال المغريات والبدائل الكثيرة للشركاء بشكل جاهز آني، ولحظي انزلاقي. وإن وجدت البدائل سابقا فهي قليلة لا ترقى إلى ما نراه اليوم من تعدد لا عدّ له، ولا حدّ. الزواج مستقرا كان، وكونه مستقرا؛ فإن هرمونات الجسم عند كلا الجنسين مستقرة أيضا لا يحرّكها أي مثير خارجي، كذلك لا تتشابك أو تختلط أنيما الرجل مع هرمونات جسده وما يريده، وأنيموس المرأة وهرمونات جسدها وما تريده.

سابقا إذا ما أقدم الرجل على الارتباط بإمرأة أخرى حسب الشرع أو العرف؛ فإنه قد يواجه خللا هرمونيا، بسبب عامل التقدم في العمر- مثلا؛ لكن اليوم وبسبب التغيير الحاصل، وسطو الانترنيت تعددت الخيارات لدى الجنسين. هما متواجدان في كل مجال واقعي، أو افتراضي، خاصة الرجل الذي مُنح امتيازات دينية، أو عرفية اجتماعية، أو حتى تخطى العرف الاجتماعي في هذه الأجواء في اختيار ما شاء له من النساء، إذ تنفجر عنده العقد التي خلّفها عزل المرأة عنه عقودا من الزمن، أو عدم ارتباطه بالمرأة في فترة مراهقته؛ فتحدث الخيانة، أو تتعدد الخيانات -كما يسميها علم النفس- وتتسبب الخيانة أو الخيانات المتعددة بكسر قدسية العلاقة فيما إذا اكتشفت من قبل أحد الزوجين، وربما تؤدي إلى انهيار العلاقة، أو الإبقاء عليها بشكل صوري ظاهري؛ فيما يسميها الدين والعرف الاجتماعي زواجا مؤقتا متعددا، أو دائما متعددا. وتُعتبر الأنانية هنا اللاعب الأكبر في الخيانة حيث يرى أحد الطرفين نفسه بأنه مهمّ، وأنه يستحق الأفضل والأحسن على الدوام، في حين يرى الطرف الآخر في درجة أدنى منه، فضلا عن الحق الشرعي الديني الممنوح له.

جيل اليوم لا يتمتع بفصول الحب الأربعة التي أوردناها، إنما حياتهم اللحظية الانسيابية السريعة لا تسمح بالمرور في كل فصول الحب، والفصول لديهم متشابكة. لا يسود حياتهم التأمل، والنظر البعيد والعميق، والتفكير الطويل والمراجعة. لذا يقعون في تخبط شديد عند وقوعهم في الحب؛ لأن خياراتهم غير ثابتة، ومتأرجحة، وغير متوازنة. في بعض الحالات حتى في نجاح الاختيار والارتباط يفترق الشريكان؛ لأن الملل والرتابة تدب إلى حياتهما، وينفصلان عن بعضهما بحجة تجديد الشريك، وهذه الحجة عادة عند أغلب الرجال.

نمط الحياة الجديد يدعو الناس إلى المزيد من الاستهلاك لتذهب عنهم لذة التأمل، والاستمتاع بلحظات الحب. وإيقاع الحياة غدا سريعا فأحدث تراكما في المسؤوليات التي يحتار كل من الشريكين بأيّها يفي، ولا يسمح لهما بالجلوس، والبحث، والحوار، وتداول الأمور الزوجية التي تخص العلاقة الثنائية.

وبسبب فوضوية السلوك الذكري فإن الأنثى أيضا أصيبت بتشوّه في المظهر الخارجي، وفي الطباع، والسلوك؛ فغشيتها عشوائية، وضبابية في الرؤية والنظر للرجل، والتعاطي معه، فلا الرجل يفهم المرأة، ولا المرأة تفهمه وسط هذه الفوضى العارمة.

العلاقة الزوجية عند جيل اليوم ينتابها الانهيار السريع سببه الأساس هو حدوث خلل في هرمونات الجسم عن كلا الجنسين؛ بسبب تعدد الخيارات الذي بدوره يسبب عدم توازن في الهرمونات، خاصة هرمون الدوبامين المسبب للنشوة والسعادة لدى الشباب، فبمجرد هبوط نسبته في الدم، يلجأ الشاب الى التخلص من الشريك السابق، والارتباط بشريك جديد فيرتفع الهرمون في جسمه، ويبقيه على الدوام في فضاء الانبهار والبهجة. وهذا ما يحققه العالم الافتراضي، ناهيك عن العالم الحقيقي الخارجي.

عند جيل اليوم تعدّدُ المغريات والخيارات بلا حدود في شبكات التواصل الاجتماعي يساهم في حالة تأرجح الهرمونات؛ فتكون بين حالات الارتفاع والهبوط السريع والمتعاقب أولا، وعدم وضوح صورة الأنيما والأنيموس الكامنين في اللاوعي، أو تشابك الأنيما وذاتها الظاهرية، والأنيموس وذاتها الظاهرية ثانيا، وعدم التريث والتأمّل في العلاقة العاطفية قبل وقوع العلاقة الجسدية، عبر المعاشرة لأشهر، والوصول إلى مرحلة النضوج الكلي للارتباط، أو عدمه ثالثا.

وجود كلا الجنسين بات مباحا بإسراف في كل قنوات التواصل الاجتماعي وغيرها، الذي يضجّ بكل المغريات على مختلف الصُعُد. وإذا أردنا تحكيم العقل لا الشرع فإن خطيئة الانفتاح غير المنضبط هي واحدة، الخطيئة عاقبتها واحدة أيضا على كل من الرجل، والمرأة. لكن يبقى على الطرفين تحديد كيفية حضوره في الفضاء الواقعي، والافتراضي. فمن كان رقيبه ضميره فإنه يحضر باحترام، واتزان، وممانعة، حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه (وكل يعطي ما عنده).

الاستخدام المفرط لقنوات التواصل الاجتماعي له مردوداته السلبية على العلاقات الزوجية. اليوم يسود الصمت العاطفي، أو الطلاق العاطفي بين الزوجين سببه برود المشاعر، فضلا عن هموم، ومشاغل الحياة الحديثة وتعقيداتها. وتتصاعد وتيرة الطلاق كل يوم، بسبب وجود البدائل المغرية؛ فتحدث الخيانات الزوجية. في الآونة الأخيرة "كشفت إحصاءات اجتماعية خلال السنوات العشر الماضية ارتفاع حالات الطلاق والخلافات الزوجية أمام محاكم الأسرة، وأوضح قانونيون أن أسباب عديدة تقف وراء تفاقم مشكلات الطلاق والخلافات الاجتماعية في مقدمتها مواقع التواصل التي تسببت في فضح خصوصيات الحياة الزوجية، ونشرت كثيرا من المشكلات بين طرفي العلاقة الزوجية بدوافع الانتقام، أو التشفي، أو التشهير، أو الإيذاء، كل هذا كان سببا في الطلاق وكثرته"[2].

المكوث طويلا في العالم الافتراضي والاستخدام غير الرشيد، وغير المتزن لمنصات التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية يُعد العامل الأساس في الوقت الحاضر لانهيار العلاقة الزوجية، أو برود المشاعر بين الشريكين؛ وقلة، أو انعدام الجلوس مع الأسرة، وضعف التواصل بين أفراد الأسرة لانشغال كل بجهازه الخاص؛ فضلا عن الأضرار الأخرى التي يخلّفها المكوث الطويل في العالم الافتراضي التي منها مشاكل تنعكس على الصحة الجسدية، والنفسية، والعقلية؛ مثل الشعور بالإرهاق، والضعف، وارتفاع ضغط الدم، والاكتئاب، والقلق، وتشتت الفكر، والأرق، وقلة الإنتاج في كل مجالات العمل، وقد يؤدي الى فقدان الذاكرة المبكر.

"وجد باحثون في دراسة أجريت في جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز في المملكة العربية السعودية عام 2021 أن أكثر من نصف المشاركين(59%) الذي بلغ عددهم 300 أفادوا أن الاستخدام الطويل لوسائل التواصل الاجتماعي أثّر في تفاعلاتهم الاجتماعية في العلاقات الأسرية والصداقات، وجعل التواصل وجها لوجه أصعب"[3].

كما أن للشبكة العنكبوتية إيجابياتها كذلك لها سلبياتها لمن لا يحسن استخدامها. المواقع الافتراضية تقدّم صورا وألوانا مختلفة للشركاء رجالا ونساء خاصة إذا كان الوقت الذي يمضونه طويلا مع العالم الافتراضي. وقد يقدم الشركاء لأنفسهم صورا مغرية للطرف الآخر لغرض الإعجاب والإغراء والارتباط؛ وهذا الفخ غالبا ما يقع فيه الرجال؛ لأن الرجل مخلوق بصري يهمّه النظر والاستمتاع بالجمال. النظر وهيمنة غريزة الاستحواذ بالأنثى لدى الرجل؛ هي الصفة الغالبة، والمستثنى هو رجل شاذ ولا ينطوي على الرجولة الحقيقية اذا لم يعدد الخيارات- حسب رأي أغلب الرجال، وهي حالة عامة. قصد الرجل من النظر هو البقاء في حالة الانبهار والانجذاب الدائم لجنس الأنثى كونه كائنا ظاهريا همه النظر، والمرأة كائنا حسيا عاطفيا همها الكلام الجميل، والاهتمام، والعناية.

ما أحوج مجتمعاتنا اليوم الى دراسات علمية رصينة من متخصصي علم المجتمع، والنفس، والعلاقات الأسرية والعاطفية حول الاستخدام الصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي، وترشيد العلاقات الزوجية، والأسرية، والاجتماعية.

لعل أهم عامل يرتقي بالعلاقة الزوجية، ويحميها من الانهيار هو التخلص من الأنانية والانطواء على الذات المفرط، وتحريرها من آصار الرغبات والشهوات المفتوحة؛ هذا أولا، وترشيد استخدام منصات التواصل الاجتماعي، بتخصيص وقت محدد لها ثانيا. ويبدو الخلاص من سطوة الذات وأنانيتها، صعب التحقق عند أغلب الناس. التخلّص من الأنانية والتمحور حول الذات يمكّنان الوصول الى مرحلة الحب العميق الواعي، لا الإبحار في أمواج التيه في العالم الافتراضي، والواقعي.

نورد هنا مقولة جميلة لجلال الدين الرومي:

عندما يدفعك العالم كله للجثو على ركبتيك صلِّ، فأنت في الوضع المناسب للصلاة.

التوصيات والنتائج

بعد هذا الاستغراق الطويل في البحث حول العلاقة بين الرجل والمرأة نحن أمام ثلاثة أمور إن لم تكن أكثر هي:

1-عودة الحياة العاطفية بشكل جاد إلى مركز ثقلها الأول المتمثل بالفطرة والغريزة  الأولى، ونعني بها عودة الرجل إلى ذكورته ورجولته وخشونته؛ فالرجولة خُلقت لاحتضان المرأة وحمايتها ورعايتها، وعودة المرأة إلى أنوثتها ورقّتها؛ فالأنوثة خُلقت للعاطفة والنعومة والاحتضان والدفء. الذكورة والأنوثة كلاهما يتكاملان بالاجتماع. كل من الرجل والمرأة عليه أن يعي دوره الأساسي في الحياة؛ فالتشابك بين الدورين بسبب التطور ومسايرة الحياة ومتغيراتها أدى إلى أن تكون الحياة المشتركة بين الزوجين هي أولى الضحايا.

2- التوفّر على المحبة والرحمة عند الرجل والمرأة على حد سواء؛ فالمحبة تشمل كل ألوان الحب، والرحمة أكثر شمولا فهي تستوعب المحبة، والتسامح، والإيثار، والاهتمام، وكرم المشاعر.

3- يقظة الضمائر الحية من المصلحين، ومتخصصي العلوم النفسية والاجتماعية لانقاذ العلاقات البشرية بوضع مناهج في كل المراحل الدراسية لتعليم الجيل فن العلاقات، وكيفية استثمارها في بناء العلاقة المشتركة المستقرة والمتزنة في المستقبل.

4- عقد المؤتمرات والندوات الخاصة بموضوع وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية بشكل واسع؛ لمناقشة سبل ترشيد الاستفادة من قنوات التواصل الاجتماعي التي غطّت آثارها بشكل كبير العائلة؛ والعالم الافتراضي اليوم عامل أساس من عوامل التأثير على العلاقة بين الرجل والمرأة، ومن نتائجها انهيار العلاقات العائلية؛ حينما تنهار العائلة تنهار المجتمعات، فالمجتمعات هي مجموعة عوائل.

في خاتمة القول يمكن أن نصل الى نتائج ربما حتمية، أو وهمية؛ هي:

إذا لم تنجح السبل المتقدمة فإن الهندسة الوراثية قد تعود بالبشرية إلى سابق فطرتها؛ فتنتج كائنات بشرية معدّلة جينيا، متوفّرة على التوازن، والترشيد العاطفي والسلوكي، خالية من العقد، وقادرة على الحب بشكل عميق، ومتبصّر، وواعٍ.

وقد تنتج الهندسة الوراثية بدافع تنظيم وتحديد سكان الأرض كائنات بشرية مكتفية بذاتها، غير ميّالة إلى الحب والزواج. وأعتقد أن هذا سيكون قريب التحقّق ربما.

***

إنتزال الجبوري

....................

[1] الباسل، ميمونة. موقع العربي الجديد(9/8/2022).

[2]  حمشو، عمار. وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأسرة المسلمة. مجلة مقاربات التابعة للمجلس  الإسلامي السوري(العدد الثامن)(محرم 1442هـ/ أيلول 2020م).

[3]  موقع أنا أصدق العلم. حقل سايكولوجيا. (11 يوليو 2022).

 

 

في المثقف اليوم