دراسات وبحوث

الجدل العربي - الايراني حول تسمية (الخليج)

لا رأي لمن انفرد برأيه.

(ابن المقفع)

كانت لعنة الصراع والاحداث السياسية الدامية وما زالت من اكثر ملامح الخليج طفواً عبر التاريخ الحديث، الخليج الفارسي/العربي هو ذراع مائي للمحيط الهندي وبحر العرب، يتوسط الخليج بين ثمان دول هي: من الشرق والشمال الشرقي إيران، ومن الشمال والشمال الغربي والعراق ومن الغرب تطل عليه بلدان شبه الجزيرة العربية وهي: الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعُمان، كانت ايران من قبل تعرف باسم (بلاد فارس) ومن هنا تم اشتقاق اسم الخليج الفارسي Persian Gulf، الذي تعتبره ايران الاسم "التقليدي" الوحيد وترفض تسميات اخرى بلغات عالمية مختلفة مثل "خليج إيران"، "خليج أجام"، "خليج البصرة"، "الخليج العربي" "خليج البحرين" "الخليج الفارسي العربي"، "خليج فارس"، و"بحر فارس". بينما يحاول معظم الدول العربية تغيير التسمية الشائعة عالمياً الى تسمية الخليج العربي.

تعددت اسماء الخليج عبر التاريخ لتعدد الثقافات التي وطأت المنطقة سواء الاقوام الساكنة والرحالة او الغزاة الذين وصلوا هذه المنطقة خلال3 الاف سنة الماضية، لذا نجد ان تسمية (الخليج الفارسي) اكثر انتشارا وشيوها بل هي الاقرب لتضمينها في الوثائق الرسمية في اغلب دول العالم بينما يقتصر وجود اسم (الخليج العربي) على المدونات العربية، مع الاشارة الى ان اللفظة العربية بدأت تطلق في امريكا وفرنسا خلال الآونة الاخيرة لدوافع سياسية، وربما برزت التسمية الفارسية في اسم الخليج لسببين: الاول توثيق الرحالة والمؤرخين للاسم على احد ساحلي الخليج العربي او الفارسي، والثاني انتشار خرائط بلاد فارس القديمة بسبب اسبقية التفاعل العلمي لبلاد فارس مع اليونان والرومان الذين اهتموا بدراسة المنطقة وسجلوا تاريخها في مؤلفات وخرائط وثِّقت وانتشر ت عالمياً فيما بعد، وهنا نشير الى ان الحيوية المعرفية والتواصل الفكري مع العالم هو ما يعطي لأي مواقع قيمة معنوية واهتمام عالمي، وتحاول هذه المقالة اثارة موضوع تسميات الخليج وتداعياتها بسياق مرن ورؤية منفتحة بعيدة عن عاطفة الانحياز لما هو مناطقي او قومي لأنها تقصد الوصول الى الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.

الخليج قلب الارض:

يمتد الخليج بشكل طولي من الساحل العراقي ومصب شط العرب شمالاً الى خليج عمان جنوباً (اذ يُعد خليج عُمان جزءا منه)، بطول 965 كيلومتر. ومساحة مائية اجمالية تقدّر ب 100 233كيلومتر مربع, بلغ طول الخليج طوله 1000 كيلومتر ويختلف عرضه بين الحد الأقصى 336 كم و55 كم كحد الأدنى عند مضيق هرمز، بمتوسط عمق 35 م في الساحل العربي وعمق 80 مترًا على طول الساحل الفارسي، واما المناطق الساحلية للدول العربية فهي ضحلة وتتراوح من 5 إلى 15 م واقل من ذلك على طول الساحل العراقي، مع وجود أعماق اقصاها 100 متر في مضيق هرمز الذي يربط الخليج ببحر العرب والمحيط الهندي، ويشير بعض المؤرخين ان مياه الخليج كانت في العصور القديمة أعمق بكثير من الاعماق الحالية، بسبب انحسار المياه التدريجي عن الساحل الشمالي واتساع الاراضي مع استمرار تدفق الرسوبيات من شط العرب والكارون، ولان معظم تلك الاراضي خصبة جعلت المنطقة جاذبة للاستيطان.

يتوهم البعض ان منطقة الخليج اكتسبت اهميتها حديثاً بعد اكتشاف النفط وامتلاكها ثلث الانتاج النفطي في العالم وأكثر من نصف الاحتياطيات النفطية العالمي، فضلاً عن ضخامة احتياطي الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه مناطق واسعة في آسيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة. والحقيقة ان الاهمية الحضارية والتاريخية والاقتصادية لمنطقة الخليج تعود الى اكثر من 5500 سنة مضت، فقد ذكرت وثائق السومريين التاريخية ان سكان وادي الرافدين بدأوا بالتجارة البحرية عبر الخليج والمحيط الهندي وبحر العرب منذ عصور قديمة للحصول على المعادن والخشب والحجارة من الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية (عُمان= هومان= اومان) وبلاد السند، وكان ابناء الرافدين وأهل دلمون والعيلاميين في الجانب الفارسي يتاجرون مع الهند بالأعشاب والتوابل واللبان والأقمشة والجواهر والأحجار الكريمة والسيراميك والساج والأرز والمعادن كالنحاس في القرن الثالث قبل الميلادي بالإضافة الى اللؤلؤ الذي كان الخليج مصدره الاساس.

ومن الشيّق ان نذكر ان سكان الخليج القدامى قاموا منذ عام 3500ق.م. بشق طريق يمتد من شمال الخليج لربطه بالبحر المتوسط بعد ان سيطروا على التجارة ما بين الرافدين والهند بحلول القرن الأول الميلادي ظهرت إشارات ودلائل إلى وجود تجار فرس وعرب وهنود يقطنون مصر وأوروبا.

اقدم مسميات الخليج:

بحسب الدراسات الاثارية والانثربولوجية فأن أقدم اسم معروف للخليج هو اسم "بحر أرض الإله» واستمرت هذه التسمية لغاية الألف الثالث قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد، بينما وسمي «بحر بلاد الكلدان» في الألف الأول قبل الميلاد، تغيّر الاسم خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد الى «بحر الجنوب»، بينما سماه الآشوريون والبابليون والأكديون: «البحر الجنوبي» أو «البحر السفلي»، ويقابله البحر العلوي وهو البحر الأبيض المتوسط، كما أُطلق عليه اسم «نارمرتو» (أي البحر المر) من قِبل الآشوريين، كما ذكرت بعض المصادر ان الاغريق واليونان اطلقوا عليه لفترة خلال تجولهم في حملة الاسكندر الاكبر اسم (البحر الايرثيري) ومعناها البحر الاحمر.

اول من اطلق تسمية بحر فارس الاسكندر المقدوني (الاسكندر الأكبر) في حملته على بلاد فارس عام 334 قبل الميلاد، ويذهب البعض الى اقدم من ذلك بقرنين من الزمن ويرجع التسمية الى حقبة الملك الفارسي داريوش الأول في القرن الخامس قبل الميلاد. جرياً على الاستخدام التقليدي للجغرافيين اليونانيين القدماء سترابو Strabo في القرن الاول قبل الميلاد، وخرائط بطليموس (Ptolemy) في القرن الاول قبل الميلاد، بينما كان استخدام مصطلح (خليج العرب) للإشارة إلى ما يعرف الآن باسم البحر الأحمر حتى نهاية القرن التاسع عشر، وهذا ما وثقته الخرائط الأوروبية.

نِزاع التسميات

يرجع تعدد تسميات الخليج الى توسط الخليج بين ثقافات مختلفة، فقد اعتاد الرحالة والمؤرخين على تسمية البحر باسم البلد المجاور له فيسمون بحر الهند وبحر الصين وخليج البنغال كذلك يطلقون على البحر الاحمر تسمية بحر الحبش او البحر التهامي او بحر اليمن او خليج العرب او البحر الشامي، كما اعتادوا على استخدام اكثر من اسم لنفس البحر مثل بحر الروم وبحر الشام وبحر الأندلس رغم أنه بحر واحد وهو البحر المتوسط، ونعتقد ان تسمية الخليج، تأثرت كثيراً باختلاف درجة الاستقرار السياسي على جانبيه، فعلى عكس من تاريخ الجانب العربي للخليج الذي توالت على حكمه دول واقوام متعددة، كان الجانب الفارسي اكثر ثباتاً سياسياً، لذا اشتهر الخليج عالمياً بالخليج الفارسي على اسم الإمبراطورية الفارسية (إيران الحالية).

بدأ نزاع التسميات منذ منتصف القرن الماضي حيث أثار التنافس بين جزيرة العرب وايران، إلى جانب نمو المد القومي العربي وتغلغل المصالح السياسية والاقتصادية الغربية في المنطقة، لذا مصطلح "الخليج العربي" استخدامًا متزايدًا، وخلال الثمانينات تعمّق الجدل السياسي حول تسمية الخليج الفاصل، ولا شك ان صراع التسميات للدول المتشاطئة على جانبي الخليج تعدى كونه مسألة اعتزاز قومي ليصبح نقطة خلاف حادة تهدد استقرار المنطقة، لدرجة اعتبار اطلاق احدى التسميتين (الخليج الفارسي) او (الخليج العربي) اشبه بالإساءة للفرس او العرب واعتداء اعلامياً على الحقوق، واستمر اعتزاز الايرانيين بهذا المصطلح حتى بعد تغيير تسمية "بلاد فارس" الى جمهورية "إيران" من قبل شاه إيران رضا شاه بهلوي في العام 1935، وهذا يعكس الخلاف السياسي القائم بين الدول على اسس ايدلوجية، ولا يلوح في الافقين الايراني والعربي ما يشير الى امكانية انهاء هذا الجدل لان الصراع الحاصل على التسميات يرجع الى محاولة القوميتين على جانبي الخليج لتحقيق انتصار للسيادة والنفوذ البحري عن طريق انتساب هذا الجزء المائي المحدود الى احد الجانبين، وتصاعدت حدة المواقف مؤخراً لتزايد اهمية موقع الخليج اقتصادياً وجيوسياسياً في قلب العالم.

وثائق ومواقف الدول الكبرى

برأينا ان استخدام تسميات الخليج كانت ذات دلالة مكانية، ثم انتقلت مؤخراً الى اشارات قومية تصعيدية عكّرت صفو العلاقة على جانبيه، فاستخدام لفظة الخليج الفارسي شاعت لدى معظم الحضارات الاوربية القديمة وفي معظم الخرائط التي تضمنتها المعاهدات الدولية الحديثة والوثائق المطبوعة قبل عام 1960، باستثناء بعض التسميات التي اطلقتها الدول المحتلة نذكر منا اسم "بحر بريطانيا".!! وهو ما اشارت اليه صحيفة The Times Journal التي نُشرت في لندن عام 1840 م، كما اطلق العثمانيون على الخليج اسم "خليج البصرة" (بصرة كورتري).

وخلال التاريخ الحديث اعتُمدت لفظة "الخليج الفارسي" كمصطلح أمريكي رسمي في العام 1917، وقد وثق ذلك في (لوحة الأسماء الجغرافية الامريكية: The U.S. Board on Geographic Names (BGN). لكن المواقف بدأت تتغير بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، وبدأت بعض الدول وفي مقدمتها امريكا وفرنسا تستخدم مصطلحات مثل "The Gulf" أو "Arabo-Persian Gulf".

بعد العام 1991 ظهر توجه امريكي جديد لاستخدام لفظة الخليج العربي او لفظة الخليج، ويبدو ان ذلك كان لدوافع سياسية، اذ نشرت الجمعية الجغرافية الوطنية National Geographic Societyأطلسًا في عام 2004 يضيف مصطلح الخليج العربي بين أقواس اسفل مصطلح الخليج الفارسي. واضطرت في الطبعات اللاحقة كما في العام 2010 الى ادراج ملاحظة في الحاشية تقول: (تاريخيا والأكثر قبولاً وتداولاً هو اسم الخليج الفارسي) بعد احتجاج الجانب الايراني. وبدأت خرائط شركة Google الامريكية مؤخراً بتغيير سياستها باستخدام مصطلحات متضاربة كاستخدام لفظة الخليج الفارسي والخليج العربي معاً، كما تكرر استخدام شركة Google لفظة الخليج بشكل مجرد، وحدث ان رفعت الاسم بشكل كامل لفترة بعد 2012، اما حالياً فتظهر خرائط غوغل احدى التسميتين إما الخليج العربي أو الفارسي للمستخدمين المحليين اعتمادًا على تحديد الموقع الجغرافي وإعدادات اللغة، وعلى مستوى الرياضة حصل تعطيل لعدة بطولات داخل ايران بسبب تسمية الخليج بالفارسي، كما حدثت عدة ازمات دبلوماسية من قبل ايران بسبب اسقاط تسمية الخليج الفارسي (Golfe Arabo) بالفرنسية من تحديثات متحف اللوفر في باريس عام 2006، وفي العام 2017 ترددت على لسان الرئيس الامريكي ترامب ورئيس أركان البيت الأبيض جون كيلي، مفردة "الخليج العربي". ".وفي العام 2020 ردت الخارجية الإيرانية بتشنج على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون الذي استعمل اسم "الخليج العربي الفارسي"، كما ظهرت اعتراضات على اسماء بعض البطولات داخل الدول العربية الخليجية وكان اخرها اعتراض ايران على تسمية بطولي خليجي 25 في البصرة في العام 2023، وعلى الصعيد البحثي والاعلامي يجد الكثير من العرب والايرانيين صعوبة في تداول المصطلح المقبول اقليمياً، مما يضطر البعض الى تعطيل الانشطة الثقافية والفكرية في المنطقة بحسب رؤية الدولة التي تصدر فيها الانشطة الثقافية والمعرفية.

التسميات في التراث الاسلامي:

زادت اهمية الخليج بشكل كبير بعد انتشار الاسلام خارج الجزيرة العربية، واعاد المسلمون دور الحضارات القديمة في التجارة، وخلال القرنين السابع والثامن الميلادي أصبحت الدولة الإسلامية تسيطر على الطرق التجارية عبر الخليج والبحر الأحمر والطرق البرية عبر الأناضول والتجارة مع بلاد السند، وأصبح المحيط الهندي ميدان بحري إسلامي فقد سيطر التجار المسلمين على تجارة البضائع القادمة من الشرق وخاصة التوابل، وفي التراث العربي الاسلامي اطلق عرب الجزيرة على الخليج عدة مسميات منها "خليج البصرة" أو "بحر مسندم" "خليج عمان" أو "خليج القطيف" و"بحر القطيف"، و"بحر فارس" وبحر خليج العجم" و"الخليج الأخضر". و" بحر البحرين" و"بحر عمان" و" بحر هجر".

ولفظة خليج فارس او بحر فارس من المصطلحات التي وثقها العرب في الدراسات والادبيات والمراجع التاريخية وحتى الدينية منها، فهذه الأحاديث النبوية في كتب الصحاح، فضلاً عن المأثور من اقوال المفسرين واللغويين والمؤرخين عند مختلف المذاهب والمشارب الاسلامية.

ويبدو ان لغة العرب تميل الى تجزئة المسطح المائي الواسع لذا تشير الى التسمية المحلية للخليج وتعطف عليه اسم البحر الابعد، كما يبدو ان العرب اذا ارادت ان تصف البحار العظيمة او الاحداث العظيمة والكبرى الواقعة فيها تعبّر بلفظة الاكثر شهرةً والابعد مسافةً، وهذا واضح من عدة امثلة لنقل العلماء المسلمين ونختار من قول الادريسي في كتابه نزهة المشتاق اذ يقول (....ويتشعب من البحر الصيني الخليج الاخضر وهو بحر فارس...)، وهذا يؤكد ان ما نذهب اليه فقد عبّر الادريسي عن المحيط الهندي وبحر العرب الحالي ببحر الصين ونسبه الى ابعد بلد في اسيا لانه نسبة البحار تكون الى لمن اكثر مقدرة على ركوبه والتنقل فيه، كما اشار الى البحر الاخضر (الخليج) ونسبه الى بحر فارس.

اسم سائد وآخر مُستحدث:

تواردت تسمية الخليج "بحر فارس"، عند جغرافيي ورحالة الحضارة الإسلاميّة العرب والجغرافيين اليونان، واخذ تسميات عدة في الخرائط البرتغالية والأوروبية في بداية العصور الحديثة، منها (الخليج أو البحر الفارسي، بحر أو خليج البصرة، بحر القطيف، بحر مسندم)، بينما اطلق عليه عالم الخرائط الهولندي جودوكس هونديوس في القرن السادس عشر اسم "الخليج العربي". واطلق عليه العثمانيون في أول أطلس عثماني صدر مطلع القرن التاسع عشر تسمية "بحر البصرة"، باستثناء ذلك انتشرت تسمية الخليج الفارسي عالمياً وحتى اقليمياً وكانت البلدان العربية الخليجية تتداوله الى عهد قريب بحسب الوثائق المنشورة، مع وجود رغبة في بعض الاوساط العراقية خلال الثلاثينيات لتحويل تسمية " الخليج الفارسي"، الى "خليج البصرة". باستثناء ذلك شاع مصطلح بطليموس الخليج الفارسي في اللغة بالإنجليزية وكان متداولاً بشكل واسع في معجم الأمم المتحدة، وجامعات الغرب الكبرى، وكذلك اللغات الأوروبية، بداعي الاسبقية في وروده في مصادر الرحالة اما مصطلح "الخليج العربي" فهو مصطلح عربي جاء في مصادر مبعثرة واختلطت بتسميات عربية اخرى عبر التاريخ، اما التمسك بتسمية الخليج العربي بشكل قطعي فقد جارت في خمسينيات القرن الماضي، بحسب ما اقترحه رجل الأعمال والنائب اللبناني إميل البستاني، مع فورة المد القومي عند العرب، من منطلق ان سكان شواطئ الخليج على الجانبين العربي والايراني هم من الناطقين بالعربية، ثم استمرت التسمية تلقائياً في الثقافة العربية، وانتشرت داخل الوسط الفكري العربي باستثناء جامعة الدول العربية وبلدان الجزيرة وبعض البلدان العربية المتعاطفة مع المد العربي وبالأخص بعد الحرب العراقية -الايرانية، وذهبت بعض المصادر الحديثة ان هنالك قوى مناهضة لإيران من الداخل ترى ضرورة تغيير اسم الخليج الحالي لان نسبة الخليج الى بلاد فارس القديمة التي وثقها الاغريق في القرن السادس قبل الميلاد ليس في مصلحة الايرانيين، وان الاسم الحالي هو ايران.

تسميات محلية واخرى اقليمية:

هنالك شواهد تدل على ان دول الخليج تحاول مسك العصا من المنتصف مع الاحتفاظ بالرأي (القومي) بالتسمية وهذا ما يبرهنه تسمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) التي تضم إلامارات العربية المتحدة · مملكة البحرين · المملكة العربية السعودية · سلطنة عمان · دولة قطر · دولة الكويت. ولم ينضم العراق لمجلس التعاون الخليجي بالرغم من مطالبته بالانضمام لهذا التجمّع منذ ثمانينات القرن الماضي، لكنّ تمثيله ظل مقتصراً على بعض الفعاليات الرياضية والفنية في فترة الثمانينات تزامناً مع خوض العراق حرب الخليج الأولى.

وفي اسم المنظمة البحرية التي تتابع قضايا البيئة البحرية ظهرت تسمية متوازنة للخليج حين تم الاتفاق على التي تضم (إيران، العراق، البحرين، الكويت، عُمان، قطر، السعودية، الإمارات) التي اتفقوا على تسميتها ب(المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية- Regional Organization for the Protection of the Marine Environment (ROPME), بينما تحمل المنظمات والمؤسسات العاملة في بحار العالم اسماء البحار التي تعمل عليها، مثال ذلك لجنة حماية البحر الاسود من التلوث (Black Sea Commission - BSC)، والهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (PERSGA).

دروس غير مستفادة:

مرت حُقب سياسية واحداث عسكرية مؤلمة في هذا الجزء الفاصل بين المسلمين الايرانيين والعرب ومع اقتراب نهاية عقود طويلة من اعتماد المنطقة بشكل شبه كامل على مردودات البترول وقرب انتهاء فترة اعتماد العالم على استهلاك الوقود الاحفوري في توليد الطاقة، فأن المنطقة بحاجة لتكون بوضع إقليمي موحد وتبدأ وتنبذ الخلاف على الشكليات وتسعى الى التكامل الاقتصادي والمعرفي والجيوسياسي والبيئي، ولعل جائحة كورونا اعطت انذاراً مبكراً واخيراً للدول التي اعتمدت طويلاً على عوائد النفط، اذ من المؤمل ان يتضاءل الاعتماد على مشتقات النفط في العام 2035، وبحسب خبراء الطاقة فان آخر سيارة تعمل بالبنزين ستصنّع في العام 2034 واليك ان تتصور ما ستكون عليه حال الصناعة دول الخليج النفطية بعد 14 عاماً فقط.. لذا ينبغي التفكير بالخليج بين الايرانيين والعرب على انه مورداً اقتصادياً وبيئياً مصيرياً لكلتي القوميتين، والاستفادة من مزية تنوع الموارد الطبيعية على جانبيه وثرواته البشرية، ونبذ الخلاف على الشكليات والارتكاز على التلاحم في التراث الثقافي والديني المشترك، لاسيما ان جميع المشكلات بين الوجود العربي والفارسي وافدة من قوى خارجية غايتها الوحيدة تحقيق مصالح غربية وليست اقليمية.

ارادة الحل:

يبدو امر الخلاف على تسمية الخليج طبيعياً مع وجود نزاعات عالمية مشابهة، فهنالك خلاف اقليمي اكثر سخونة حول تسمية بحر الصين الجنوبي الذي تطل عليه الصين مع فيتنام وتايوان وبروناي وماليزيا والفلبين وسنغافورة وإندونيسيا وكمبوديا وتايلند ليس التسمية فقط بل وملكية بعض الجزر وقد اصبح هذا البحر حيزاً مهماً لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والصين ومحاولة اثارة الفتن من قبل الدول الكبرى ان تخدمها تفتيت مواقف الدول المتجاورة، كما حصل من محاولة تعميق الخلاف بين الايرانيين والعرب في الصراع على التسمية وعائدية الجزر بدفع من قبل بريطانيا العظمى في الماضي والولايات المتحدة في الواقع المعاصر.

بالمقابل هنالك شواهد اكثر سلاسة حول التعامل مع مسألة تسميات نماذج من البحار العالمية، فهذا البحر الابيض المتوسط لم تشكّل تسمّيته اية مشكلة بين شمال المتوسط وجنوبه، بالرغم من الاختلاف الأنثروبولوجي والثقافي بين الافارقة المسلمين والأوروبيين الغربيين، بل على العكس فقد كان هذا الماء المالح يوما جسراً حضارياً للثقافات على جانبيه، وكذلك الحال في تسمية المضيق البحري الذي يفصل بين فرنسا وبريطانيا، فاسمه بالفرنسية مضيق كاليه (ݒا دو كاليه)، على اسم البلدة الفرنسية عند شاطئه الشرقي، وبالإنكليزية مضيق دوڤر (دوڤر سترايت)، على اسم البلدة البريطانية على شاطئه الغربي. ولم يتسبب بأي نزعات قومية لدى الجانبين.

ان العرب والايرانيين تجمعهم امتدادات تاريخية وثقافية وعقائدية واجتماعية من المهم ان تتغلب على هواجس الخصومة والعداء والأطماع والانتهازية المقيتة، ولهذا السبب اطلق جهات رسمية عليا نها السبعينيات مقترحاً حول تسمية الخليج تحت اسم موحد هو (الخليج الاسلامي) باعتبار ان المنهج الإسلامي يتجاوز التابو القومي والشعبوي لكنه لم يلقَ موافقةً من الدول العربية والخليجية خصوصاً بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية.، ومن الغريب مصطلح "الخليج الإسلامي" استخدمه أسامة بن لادن في خطاباته أواخر عام 1996، بالمقابل طُرح رأي محايد لتسميته (الخليج) المجردة او (الخليج الفارسي⁄ العربي) وهذا المصطلح اكثر توازناً فالخليج هو ''الخليج العربي'' بالنسبة للدول العربية، و''الخليج الفارسي'' بالنسبة لايران، لكن أيضاً الأمم المتحدة، وفي حال تعّذر امر تغيير تسمية الخليج فمن الممكن قبول تعدد التسميات من كلا الطرفين وتفهم دوافع الاعتزاز التاريخي والقومي لكل طرف على جانبي الخليج، ان وهذه الحلول ممكنة جدا اذا توفرت ارادة الحل.

ومن الواضح ان نزاع التسميات اصبح مادةً لإشعال الحروب الكلامية التي تستخدمها الاطراف الغربية في معركتها الاقتصادية والإيديولوجية في منطقة الشرق الاوسط، وهو بذرة لخلاف مستقبلي للأجيال القادمة في منطقة الخليج، لذا لا نرى مبرراً لحرب التسميات التي تخوضها بلدان المنطقة لأسباب لا تستحق الخوض فيها وهي تصب في مصلحة قوى خارجية، ونرى ان صِدام المواقف التي يستخدمها العرب او الايرانيون لن تحقق الاستقرار والتعايش السلمي في المنطقة، بالمقابل هنالك قوى خارجية تحاول التلاعب بالاسم مقابل مواقف ضد هذا الطرف او ذاك من خلال اعتمادها لتسميات متضاربة في المنشورات الواسعة الانتشار عالمياً، وتاريخياً هنالك بلدان يمكن الاحتكام اليهما في التسمية الملائمة للخليج هما اقدم حضارتين في المنطقة (الحضارة السومرية في العراق وحضارة ايلام في بلاد فارس) وهاتان الحضارتان تعودان الى 4000-3500 سنة قبل الميلاد، واذا اتهمني احدهم اني (اجرّ النار لقرص دون قرص غيري) فأني اقول ان اغلب ما يثار حول التسمية كانت ومازالت بدوافع ايدلوجية وان ثمن الخوض في الخصومة حول التسمية اكبر بكثير من الابقاء عليها ومن اتقن رائحة البارود لثمان سنوات في حرب الخليج الاولى بدفع خارجي وقومي تحت شعارات الحدود اكثر فهماً بتداعيات الخصومة بين الجيران المسلمين، وان من يغذي شحنات الخصومة من الاطراف الاقليمية ليس بعراقة الحضارات الاولى وان تم عزلها معنوياً من معظم العناوين الخليجية المعاصرة...!!!

***

د. حسن خليل حسن

................

هوامش.

* The Commission on the Protection of the Black Sea Against Pollution, http://www.blacksea-commission.org/

* Rattibha: https://rattibha.com/thread/1467937422088589320..

* https://misbar.com/qna/2021/02/09/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC

* https://www.cais-soas.com/CAIS/Geography/persian.gulf/persian_gulf_name_disputing.htm

* Brian Whitaker(2010) Persian Gulf? Arabian Gulf? One big gulf in understanding. The Guardian News

* https://www.strausscenter.org/strait-of-hormuz-about-the-persian-arabian-gulf/

* https://www.quora.com/Which-term-is-geographically-more-accurate-the-Arabian-Gulf-or-the-Persian-Gulf-Why

* https://en.wikipedia.org/wiki/Persian_Gulf_naming_dispute

* https://raseef22.net/article/110058-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D9%85%D8%A7

* https://learnenglish.nu/english-learning-language.php?english-learning=1236

* Karen Zraick(2016)Persian (or Arabian) Gulf Is Caught in the Middle of Regional Rivalries. The new York times,

* http://istta.ir/pages/ar/details/6779/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A https://www.nytimes.com/2016/01/13/world/middleeast/persian-gulf-arabian-gulf-iran-saudi-arabia.html

* فؤاد جميل، الخليج العربي في مدونات المؤرخين البلدانيين الاقدمين، مجلة سومر، ١ﺝ.،. ﻤﺠﻠﺩ. ٢٢.،. ١٩٦٦.، 18 صفحة.

* حسن خليل حسن، مقالة كنوز العراق... في زمن الكساد النفطي؟ صحيفة المثقف: العدد: 5984 : 23 - 01 - 2023م.

* بحر الصين الجنوبي... «البيئة الأخطر» للمواجهة بين واشنطن وبكين: صحيفة الشرق الاوسط-رقم العدد : 15852- 23 أبريل 2022

* نزار بدران(2017)البحر المتوسط... شرخ فاصل أم جسر واصل؟صحيفة العربي الجديد

* بحر الصين الجنوبي"؟ CNN الاقتصادية، ولماذا يتم التنازع عليه؟ 17 شباط 2016

* الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (PERSGA): https://persga.org/ar/

 

في المثقف اليوم