دراسات وبحوث

مناهج البحث في الفلسفة الإسلاميّة (5): المنهج الوجداني - الصوفي

التصوف في سياقه العام، هو تلك التجربة الروحانيّة الوجدانيّة التي يعيشها المتصوف، الذي تخلى عن معطيات الحياة الماديّة واكتفى منها بما هو ضروري لاستمرار بقائه وقدرته على التواصل مع الله، الذي اعتقد بعض المتصوفة العرفانيين بأنهم قد وصلوا إلى التوحد معه، كما هو الحال عند الحلاج والسهروردي والبسطامي وذو النون وغيرهم، (1)، ومن أجل الوصول إلى هذا التوحد، لا بد من تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، وأخيراً شد رحال للسفر إلى ملكوت الحضرة الإلهيّة، أو الذات الربانيّة، من أجل اللقاء بها وصالاً وعشقاً. أو بتعبير آخر، التصوف هو محبة الله والفناء فيه والاتحاد به كشفاً وتجلياً من أجل الانتشاء بالأنوار الربانيّة والتمتع بالحضرة القدسيّة. كما سموه بـ علم التصوّف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله. (2).

إن معرفة المتصوفة، قائمة على القلب والحدس والوجدان والعرفان اللدنيّ، وهم بطرق المعرفة هذه يتجاوزون بالضرورة الحس والعقل، للذهاب إلى الباطن. وعلى هذا التوجه نحو الباطن، يأتي تأويل النص القرآنيّ من أهم الآليات الاجرائيّة لفهم الخطاب الصوفيّ ودلالاته.

إن التصوف الإسلاميّ يقوم على موضوعات بارزة تغني عوالمه النظريّة والعمليّة. وهذه المواضيع هي: المجاهدات، والغيبيات، والكرامات، والشطحات. كما ينبني التصوف على مجموعة من المقامات، والأحوال، والمرافئ الروحانيّة، ومجاهدة النفس ومحاسبتها، والايمان بالصفات الربانيّة ومحاولة استكشافها روحانيّاً ووجدانيّاً، ورصد الكرامات الخارقة التي قد تصدر عن العارف، أو السالك أو المريد، أو المسافر إلى الحضرة الإلهيّة، وهنا تبرز العوالم الخياليّة والإيهاميّة، في تكشف الأسرار الكونيّة ومفاتيح الغيب أمام العبد العاشق الذي انصهر في حب معشوقه النوراني. هذا وتتحول الممارسات والأقوال والعبادات العرفانيّة عند بعض المتصوفة، إلى شطحات لا أساس لها من الصحة والواقع، وتكون أقرب إلى عالم التخريف والأسطورة والأحلام.

والمتصوفة السنة، هم من ربط بين الشريعة الإسلاميّة النصيّة والعرفان الباطني. أي كانوا يستندون في دعواهم إلى الكتاب المقدس والسنة النبويّة.

وللمتصوفة مصطلحات كثيرة منها:

الأنس: هو فرح وسعادة غامرة تملأ القلب بالمحبوب الذي هو الله، وهو (حال) يصل إليه السالك، معتمداً على الله، ساكناً إليه، مستعيناً به. وفي الأنس ترتفع الحشمة وتبقى الهيبة مع الله، وبذلك يكون الأنس طمأنينة ورضا بالله . (3).

الاتصال: وهو أن ينفصل العبد بسره عما سوى الله، فلا يَرَى بسره غيرَه، ولا يسمع إلا منه. (4).

التجريد: التجريد أن يتجرد المتصوف بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض، (أي: ألا يأخذ من عرض الدنيا شيئا، ولا يطلب على ما ترك منها عوضا: لا من عاجل ولا آجل)، بل يفعل ذلك لوجوب حق الله تعالى، لا لعلة غيره، ولا لسبب سواه، ويتجرد بسره عن ملاحظة المقامات التي يخلها، والأحوال التي ينازلها (بمعنى: السكون إليها والاعتناق لها).(5)

الوجد: ما صادف ويصادف القلب من فزع، أو غم، أو رؤية معنى من أحوال الآخرة، فتضطرب الجوارح طرباً، أو حزناً عند ذلك الوارد، وهي حالة يثمرها السماع، والاستماع للأشعار الملحنة بالأنغام، والأوتار، والدفوف، وغير ذلك، وهو من أحوال الصوفية البدعيّة، التي لم ترد في كتاب، ولا سنة، ولم يقلها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين. (6).

التواجد: هو ظهور ما يجد في باطنه على ظاهره، ومن قوي حاله تمكن فسكن. (7).

الغيبة: أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها، وهي قائمة معه، موجودة فيه، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق. (8)

جمع الهمة: الهمة، بتعبير المتصوفة، هو ما يملك الانبعاث للمقصود صرفاً لا يتمالك صاحبها ولا يلتفت عنها، أو بتعبير آخر: ينبعث قلب المتصوف نحو المقصود، ونحو الطلب الذي يطلبه، ويستولي عليه كاستيلاء المالك على المملوك؛ بحيث لا يستطيع أن يتخلص من هذا النزوع طلباً للكمال. (9).

أهم رجالات التصوف في شقه الطرقي:

– عبد القادر الجيلاني – أحمد البدوي – أحمد الرفاعي. وابن عبدك – والشاذلي ... وغيرهم.

التصوف الفلسفي أو العرفاني:

انتعش التصوف العرفاني أبان العصر العباسي، في منتصف القرن الثالث للهجرة، مع انتشار الفكر الفلسفيّ في عصر المأمون، بسبب الترجمة للفكر اليوناني بشكل خاص. ومن هذه الحاضنة التاريخيّة ظهر :

1- الحلاج : ونظرية الحلول.

2- البسطامي : ونظرية الفناء.

3- ابن عربي: ونظرية وحدة الوجود.

4- وهناك كما بينا في الموقع السابق: السهروردي – وذو النون – وابن الفارض – وجلال الدين الرومي – ونور الدين العطار –الشبلي. - الحسن البصري – المحاسبي– القشيري – البسطامي – الجنيد – أبو نصر السراج – ابن المبارك – ومالك بن دينار.

***

د. عدنان عويّد

كاتب وباحث من سوريّة

.....................

1- راجع كتاب مدارات صوفيّة - هادي العلوي. دمشق – دار المدى - 1997

2- الويكيبيديا.

3- (موقع نفحات الطريق. الأنس عند المتصوفة).

4- الويكيبيديا.

5- (للاستزادة في ذلك راجع موقع هنداوي. التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق.).

6- موقع الجمهرة . الوجد – (Islamic – content.com.

7- الويكيبيديا.

8- الويكيبيديا.

9 - (موقع نفحات الطريق.  الهمة عند الصوفية.).

10- للاستزادة في موضوع التصوف، راجع دراستنا عن التصوف بعنوان: (التجليات الفلسفيّة للتصوّف – التصوّف الإسلاميّ أنموذجاً). نشرت في العديد من المواقع الالكترونية العربيّة.

في المثقف اليوم