علوم

عزالدين مزوز: الزمن المقدار الفيزيائي الغامض

عزالدين مزوزتهتم الفيزياء بدراسة الظواهر الطبيعية، كدرجة الحرارة وحركة الأجسام الصغيرة والأجرام السماوية، والتفاعلات الذرية بين الجزيئات إلى غير ذلك من الظواهر، وكل ظاهرة طبيعية رُبطت بمجموعة من المقادير حتى نتمكن من تفسيرها ونتمكن بالإحاطة بكل تفاصيلها ولكي أيضا نتمكن من تكمميمها وقياسها باستعمال أجهزة خاصة بها، فدرجة الحرارة رُبطت بــ: المقدار الفيزيائي t وهو كمية تُعبر عن الحرارة وتقاس بالمحرار، وكذلك الطاقة الحرارية E، وحركة جسم أُلحقت به مجموعة من المقادير الفيزيائية ككتلة الجسمm وسرعته v وتسارعه γ ومدة الحركة T إلى غير ذلك من المقادير.

وقسًم العلماء المقادير الفيزيائية إلى سبعة مقادير أساسية وذلك وفقا للمرسوم 501_61 الصادر بتاريخ 3ماي 1961 والمتعلق بوحدات القياس ومراقبة أجهزة القياس:

المقادير الأساسية

الطول L ووحدته المتر (m)

الكتلة M ووحدتها (Kg)

التيار الكهربائيI ووحدته(A)

درجة الحرارة θووحدتها (كلفن(K°

كمية المادةN ووحدتها (mole)

وشدة الضوء Jوتُقاس بــــ: (candela)

الزمن T ووحدته (seconde)

وكل بقية المقادير الفيزيائية كالسرعة والتسارع والقوة والطاقة إلى غير ذلك فهي مشتقة من المقادير الأساسية، فمثلا السرعة تساوي المسافة على الزمن V=L/T فالسرعة اشتُقت من المسافة والزمن وهما أساسيان، نفس الشيء بالنسبة لجميع بقية المقادير الأخرى.

كل المقادير الست الأولى عدا الزمن، يمكن ملامستها أو رؤِيتها أو الإحساس بها عن طريق حواسنا المعروفة، إلا الزمن فلا يمكن أن نراه ولا يمكن أن نحس به بواسطة حواسنا المختلفة غير أنه موجود ويمكن قياسه بعدة طرق كاستعمال الظل، الشمعة، الساعة الرملية، الساعة المائية، الساعة الميكانيكية، الساعة الإلكترونية، النواس، النجوم....الخ، والزمن هو المقدار الفيزيائي الوحيد الذي تشترك فيه كل الاختصاصات من العلوم سواء علوم تجريبية أو ادبية وحتى الفنية مثل الموسيقى.

لم يستطع العلماء إعطاء تعريف دقيق للزمن، فمن بين التعريفات التي وجدتها تقول أن الزمن هو ترتيب لأحداث متتالية تقع بالنسبة لمعظم الناس وتشترك فيها، أما تعريفي للزمن فهو عبارة عن لوحات من الأحداث تتعاقب كتساقط قطع الدومينو المصفوفة في شكل فني بديع، فاللحظة التي تمر لن تعود كذلك قطعة الدومنو التي تسقط لن تقوم، كما يمكن القول أن الزمن هو مجموعة من الأحداث التي تتوالى وتتعاقب ثانية وراء الثانية كأنها طلقات رشاش، رصاصة تلو رصاصة.

تمكن العلماء لحد الآن من تعريف وحدة قياس الزمن الثانية، وسأكتب التعريف باللغتين الفرنسية والإنكليزية:

la seconde est la durée de 9192631770 périodes de la radiation correspondant à la transition entre les deux niveaux hyperfin de l'état fondamental de l'atome de césium 133.(Fr)

The second has been defined as the duration of 9192631770periods of the radiation corresponding to the transition between the two hyperfine levels of the ground state of the caesium 133 atom.(En)

ولما كان موضوعنا هو الزمن وليس وحدة قياسه، لذلك لم أكلف نفسي عناء الترجمة إلى العربية حفاظا على أصلية التعريف.

إن الزمن لم يكن موجودا قبل خلق الكون، فهو مخلوق كبقية الخلق وهذا مصداقا لقوله تعالى: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ "، فالزمن مرتبط بالكون وهو ينعدم وينتهي مع نهاية الكون، إن بداية الزمن بدأ مع الإنفجار العظيم، لأن الزمن مرتبط بالحركة ( حركة المجرات والكواكب وتشكلها)، فالكون كان نقطة مادية غاية في الصغر جد ساخنة وجد كثيفة ثم انفجرت، ومعها بدأ الزمن وبداية الكون(t=0) ، وللعلم فإن كلمة الزمن لم تُذكر في القرآن الكريم ولم ترد هذه الكلمة بتاتا.

إن الزمن بعد أساسي في عالمنا الذي نعيش فيه أي في هذا الفضاء والكون كالأبعاد الأخرى والتي هي الطول والعرض والارتفاع، ويسمى أيضا بالبعد الرابع، إلا أن هذا البعد وهمي لا يمكن رِؤيته، فلتعلم أنه إذاضللت طريقك في الأبعاد الثلاثة فستحدد موقعك ويمكنك العودة إلى مكانك بطريقة بسيطة، أما إذا ضللت طريقك في الزمان فلن تعود أبدا. فنحن نتحرك على محور هذا البعد في اتجاه واحد نحو الاتجاه الموجب منه وبسرعة لا نعرف قيمتها، أي هل الزمن يتباطئ أو أم أننا نسير بسرعة ثابتة نريد معرفة قيمة تغير الزمن، وكأننا نسير على قارب فوق نهر يجري، ولا يمكننا أن نتحرك في الاتجاه العكسي لمحور الزمن (الرجوع إلى الوراء) لأنه لم يحدث أن سافر أي شخص إلى الماضي، كما لا يمكن أن نسارع في تحركنا لنتصل بالمستقبل (السفر إلى المستقبل) فلم يحدث أن جاءنا أحد بأخبار من المستقبل لأن هذا من الغيبيات، ولا يعلم الغيب إلا الله، فلولا الزمان لما كان الوجود ولا يمكن أن تكون الحياة في هذا الكون بدونه.

وهناك نظريات تجعل منالزمن بعدا يمكننا التحكم فيه نظريا والسفر فيه سواء نحو الماضي أو نحو المستقبل. فهي تنص على أن الإنسان لو استطاع أن يخترع مركبة تسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء (وهذا عمليا من المستحيلات على الأقل في الوقت الحالي) فإن الزمن سيتقلص أي يتباطئ ، وعليه نصل إلى المستقبل بسهولة، وهناك عائق آخر وهو أنه لو فرضنا أننا تمكنا من اختراع مركبة فائقة السرعة فإن كتلتها وكتلة مافيها عندما تسير بسرعة الضوء ستصبح طاقة (كتلة نارية) وذلك وفقا لنظرية انشتاينE=mc²

الزمن في التاريخ

فنظرة العصور القديمة للزمان تختلف من عهد إلى آخر، فالإغريق يعتقدون أن الزمان ينجب الكائنات ثم يقضي عليها، وكان العرب في العصر الجاهلي يعتقدون أن للزمان قوة قاهرة تهيمن على الحياة، وتهلك الناس، كما جاء في القرآن الكريم: " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم من علم إن هم إلا يظنون. " الجاثية (24)، كما أن العرب أطلقوا على المصائب " بنات الدهر "وكأن الدهر هو الذي يأتي بالمصائب!.

أقسام الزمن

الزمن الطبيعي.

الزمن البيولوجي.

الزمن النفسي (السيكولوجي).

الزمن في الإسلام

أما الإسلام فقسم الزمن إلى مرحلتين، زمن دنيوي متغير مرتبط بحركة الكون ونهاية الكون وبقيام الساعة ينتهي، وزمن أخروي ثابت لا يتغير لأن الأخرة ليس فيها متغيرات، واقصد هنا أن الزمن ثابت أو لا وجود له بتاتا وهذا مصداقا لقوله تعالى " قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها" وقال أيضا " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا " فالخلود هو عدم الموت والبقاء على نفس النمط إما جنة أو نار، وتكون أعمار أهل الجنة ثابتة كما جاء في الحديث حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْعَوَّامِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

أسماء الزمن في القرآن (1)

كما قلت أعلاه، لم ترد كلمة الزمن بتاتا في القرآن الكريم، ولكن وجدنا له في القرآن مرادفات كثيرة وهي:

أبد، أحقابا، الدهر، العصر: وتسمى بأسماء الزمن الممتد.

أجل، أمد، أمة، ساعة، مدة، وقت، ميقات، موعد، ميعاد: وتسمى بأسماء الزمن المحدود.

حول، سنة، عام، شهر، يوم: وتسمى بأسماء السنة وأجزائها.

شتاء، صيف. (لم يذكر في القرآن الربيع والخريف): وتسمى بأسماء فصول السنة.

امس، اليوم، غد: وتسمى بأسماء اليوم الزمنية.

جمعة ، سبت. (لم يذكر بقية الإيام): وتسمى بأسماء أيام الأسبوع.

أصيل، إبكار، بكرة، سحر، إشراق، شفق، إصباح، صبح، صريم، ضحى، ظهيرة، عشاء، عشي، غداة، غدو، غسق، الفجر، فلق، ليل، نهار: وتسمى بأسماء أجزاء اليوم.

آناء، زلف: وتسمى بأسماء أجزاء الليل.

آنفا ، الآن: وتسمى بأسماء الزمن المقالب والزمن المصاحب للحدث.

تارة، أطوارا: وتسمى بأسماء الزمن المتجدد.

العمر، معاش: وتسمى بأسماء العمر الحياتية.

عدة، قروء: وتسمى بأسماء الزمن الخاصة بالمرأة.

أيان، بضع، كلما، لما، متى، كم: وتسمى بأسماء الزمن الظرفية الشرطية والاستفهامية.

إذ، بضع، بعد، بعض، بين قبل، كل، مع: وتسمى بأسماء الظروفالمتزامنة لإضافتها إلى ما بعدها.

في الأخير يبقى الزمن المقدار الفيزيائي مبهما رغم محاولات كثير من العلماء طرح عدة تفسيرات وتحليلات، والزمن مرتبط بالحياة بل هو الحياة فمن انتهى زمنه مات، فالكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات تسير في حياتها وفق إيقاع زمني منتظم فيما يعرف " بالزمن البيولوجي " فالقرآن الكريم تناول موضوع الزمن ببراعة تامة فهو يجمع بين الأسلوب العلمي الدقيق والأدبي الرقيق، فمثلا لم يرد من أسماء أيام الأسبوع في القرآن الكريم الا يومان فقط هما: (السبت والجمعة)، وكلاهما له علاقة وطيدة بالانتماء الديني، فالسبت ارتبط بتاريخ اليهودية كما ارتبط الجمعة بتاريخ الإسلام، وارتبط أيضا الزمن بالمواسم الدينية والأحكام الشرعية كموسم الحج والصوم والإرضاع...الخ. وفي الختام اسمح لنفسي بأن أدلو بدلوي لأقول أن الزمن مرتبط بالقمر، واستشهد بهذه الآية الكريمة التي يقول فيها المولى عز وجل: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "يونس5، وقال الله تعالى أيضا "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون "يس39، وفي النهاية أقول أن اليوم في الإسلام يبدأ مع مغرب الشمس وليس كما هو معمول به وهو بداية اليوم تكون عند منتصف الليل، فمثلا تحديد دخولوبداية أول يوم من شهر رمضان وبداية أول يوم من شهر شوال تكون مع رؤية هلال رمضان أو هلال شوال والذي يُرصد مع وقتالمغرب، وهذا دليل آخر على ما قلته بأن الزمن مرتبط بالقمر، فأقول للفيزيائيين إن أرادوا أن يجعلوا الزمن ثابتا لا يتغير فعليهم بتغييب القمر من الوجود.

 

الدكتور: عزالدين مزوز

قسم الفيزياء - جامعة باتنة1

..........................

1- أسماء الزمن في القرآن دراسة دلالية، محمود يوسف عبد القادر عوض

 

 

في المثقف اليوم