تجديد وتنوير

مراد غريبي: ماهية التعايش وفكرة التعارف (1-3)

مراد غريبيمدخل: مفهوم التعايش كأغلب المفاهيم السوسيوثقافية التي تتحدد وتتنوع حسب السياقات والحقول التي تم تناوله فيها. ورغم تعدد المعنى إلا أن المعاني تلتقي في دوائر ومستويات عدة، وتجتمع في مجال التداول الفلسفي، حيث فلسفة التعايش تعكس صور إلغاء سطوة التعصب والتسقيط والقسر والإكراه والتهميش والإستضعاف وحجر الحقيقة وملكيتها هذا من جهة، ومن أخرى توفير مناخ التواصل والحوار والاعتراف بالتنوع والتعدد والاختلاف وتأسيس لتطور حركة التعارف..

 يفهم من التعايش انه التفاعل بين الناس بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم، كما أنه مطلوب موضوعيًا واجتماعيًا، حتى لو تقاطعت الأفكار والقيم والمبادئ والمقدسات، التعايش ينعقد على قبول الآخر واحترام خصوصياته والتعامل مع الاختلاف كمعامل غنى وتطور وتقدم وواقع طبيعي لا يجوز السعي لرفضه أو اجتثاته، بل موضوعية الواقع الإنساني والطبيعي أنه جملة من الاختلافات العديدة، في الالوان والامزجة ووجهات النظر والعقائد والمفاهيم والتطلعات، وهذا الفهم يستدعي التعارف التواصلي أي معرفة الآخر بالتواصل معه وليس بما يقال أو يوصف به أي طلب المعلومة من اهلها..

و يذهب المؤرخ الفرنسي فرانسوا جان دي شاتليه الى ان التعايش السلمي لا يقوم بين الدول فقط وانما بين الشعوب، فمحرك السلم كمحرك الحرب تماما وهنا تكمن الاهمية والضرورة معا ايضا، ليس علاقة دولة بدولة، وانما بصورة اعمق، معناه علاقة الشعوب بعضها البعض (اديولوجيات الحرب والسلم: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ترجمة جوزيف عبد الله، بيروت ١٩٨١)

في حين احد اهم المقاربات لمفهوم التعايش عربيا وإسلاميا، هي المقاربة التي طرحها الأستاذ المفكر محمد المحفوظ والتي مفادها: أن التعايش هو الشراكة في المصير والاعتراف بحق الاختلاف مع ضرورة المساواة، ولذلك لا يمكن أن نحقّق التعايش إلّا بإعلاء قيمة المواطنة فوق الانقسام الديني والمذهبي."، ورغم وضوح هكذا مقاربة وفهم معتدل وواقعي واستشرافي لأفق التمدن بثقافة حياة على ضوء المشترك الا ان العديد في مجالنا العربي لا يزال يفتقر لوعي راق بماهية المواطنة كأفضل صيغة للشراكة في الحق والحقيقة، وعلى حد تعبير الأستاذ زكي الميلاد في احد حواراته " نحن اليوم بحاجة لاستعادة مفهوم المواطنة، وتحويله إلى مفهوم مركزي ومرجعي في خطابنا الثقافي والديني، ليكون مفهوما مشعا وخلاقا وثريا بحقله الدلالي، بعد أن ظل مفهوما غائبا أو مغيبا ومتنازعا عليه في الخطاب الديني التقليدي."، ومفهوم التعايش بمعنى روح المواطنة، لا يمكنه أن يستوعب اجتماعيا، بل لا أبالغ في القول حتى فكريا وثقافيا، الا من خلال وعي التعارف كأفق تواصلي مفتوح، يغني الوعي والمعرفة قيمة ووزنًا، ويضع الأفكار الميتة والقاتلة أمام خبرة معرفية ونقدية فعالة ومعمقة خصوصا في ظل راهن المجال الفكري العربي والإسلامي المعاصر، كما يسهم في تفعيل نسق ومسار التمكين لفعل التعايش في الأفقين القريب والمتوسط..

و مما لاشك فيه تنمية واقع التعايش بالأساس هو حركة تعارف مستمر ومتطور واستراتجي، تركيزا للوعي والشراكة والسلم الأهلي، اي السعي الحثيث للتعاون الابداعي بين فلسفة الذات وفلسفة الآخر لفقه العمران، فلا بد من التعرف على الآخر حتى نحيا التعايش..

نحو ممارسة التعايش على ضوء نظرية التعارف الإنساني:

 في خضم عبقريات التنظير المنتشرة على طول الجغرافية العربية لمفهوم التعايش ضمن أطر ما أسماه الدكتور علي أسعد وطفة ثقافة التخلف، لا يمكننا بين جرة قلم ونبرة صوت نرسي معالم التعايش، هذا المفهوم ينتمي إلى دائرة العلوم الإنسانية والاجتماعية وليس فوضى الأفكار في الاعلام المأزوم، يشتغل عليه في الفلسفة والأخلاق والسياسة والقانون وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم الاتصال وعلوم التربية واقتصاد المعرفة وعلم الاناسة وما هنالك، ولابد أن لا يتوقف النقاش العلمي عن الاهتمام به كمحور أساسي من محاور التغيير والتجديد، ويظل يتطور الفهم والتطبيق ويتجدد حتى يتبلور في شكل قضية صحيحة بتعبير المناطقة في الواقع العربي والإسلامي المعاصر بالتوازي مع إسهامات ونقاشات "المواطنة على أساس التعارف" أو "أنسنة المواطنة" التي تجمع في قالب استراتيجي بين الانسانية، الدين، الوطن ضمن ثقافة عقلانية تطبيقية.

بالقياس على ما أنجزه عالم الإجتماع الألماني يورغن هابرماس، لابد من الأخذ في الحسبان الأسس الأخلاقية قصد إضفاء صفة الأخلاقية على التعارف وقبل هابرماس هناك تأصيل قرآني لماهية التعارف التي ترتكز على فاعلية الكرامة الإنسانية والتقوى الإيمانية، ليكون التعارف جدي ومنفتح ومتسامح ومتطلع بوعي وضمير لمشروع التعايش فكرة وممارسة، متجاوزا لسلوكيات التعصب والتحقير والتسقيط والعجب الذاتي وما هنالك من صور التخلف الحضاري بإسم الدين والقومية والأيديولوجية والتاريخ والسلف وكل ذلك منه براء..

خطاب التعايش على أساس ثقافة التخلف:

من مآزق التعايش هو الخطاب النابع من ثقافة التخلف، حيث ضاعت القضية ضمن مسارات التقاطية واسقاطية تفتقر للمنهج والنسق والمسار والمقصد سوى الذاتية والترقيع الأيديولوجي، ولقد تأثر خطاب التعايش عربيا وإسلاميا، بخمسة معاملات متشابكة أسهمت في تشكيل ضبابية حول مفهومه، واستثماره غير الأخلاقي في تعطيل مشاريع الإصلاح والتجديد والنهوض والتمدن، هذه المعاملات هي:

أولا: المعامل الفكري والثقافي: الفكر والثقافة عربيا يشهد منذ قرون ظاهرة ازمة معقدة وعميقة عمق إشكالات قيم العقلانية والمناهج التربوية والتعليمية وأدبيات وفنون التنمية البشرية، ولعل الاحصائيات تغني عن الكلام، لما تجد شخصا بدرجة دكتوراه يمارس دور التحوير لمفهوم التعايش بدل تطويره وتريسخه، تتساءل هل الابداع الانساني لاكاديمي وباحث في التعليم العالي يتمثل في شرعنة التطرف والاقصاء والخراب والصراعات والصدامات دينيا وعلميا بلي عنق النصوص الدينية واسقاط النظريات العلمية خبط عشواء أو عن قصد في نفس صاحبه ومن خلفه ؟

أم أن الابداع أن نعلم الناس التسامح والحوار والتعارف واللقاء والتعايش من أجل عمران يلهمنا السلام وحقائق الكرامة الإنسانية والتدين الحضاري.. ؟؟!!

 هذا عن الأمية الثقافية والتخلف الفكري المستشري بصورة مذهلة في عمارات التربية والتعليم العالي بأبنيته والإعلام المؤدلج ومجاميع الفقه المستنسخ في مجتمعات العالم العربي، ولهذا يصبح السواد الأعظم من النخبة في العالم العربي والإسلامي مغشوشا- مقايسة على حديث المفكر الإسلامي محمد الغزالي رحمه الله عن التدين المغشوش- تفسد خطاب التعايش كما يفسد الخل العسل..

ثانياً: المعامل النفسي والتربوي: في هذا المجال أيضاً لم يشهد العالم العربي أي تطور في ميادين التربية والتعليم والدراسات النفسية والسوسيولوحية التطبيقية الهامة والمؤثرة في تعزيز الاهتمام الشامل باستحقاقات التعايش والتسامح والتعارف، مما يجعلنا في مأزق أمام تحديات العنف والطائفية والعنصرية التي تحتاج مواجهتها لمعرفة دقيقة للجذور ومستويات الآثار النفسية والثقافية مجتمعيا مما ينعكس في خطابات مأزومة وضيقة تبشر بحروب وصراعات وفتن..

ثالثا:المعامل الحقوقي:

 راهن الحقوق في المجال العربي للاسف مخزي، حيث أصبحت الأنظمة العربية تسعى لتلميع صورها أمام منظمات حقوق الإنسان والمفوضيات الحقوقية في الغرب واستدراك عدم نشر تقارير تبرز مستوى التدني الحقوقي وانعدام الديمقراطية والمواطنة الحقيقية، والتعايش لا يمكنه ان ينمو أو يبرز ولو للحظة في مجتمع مريض حقوقيا او الحقوق فيه وفق قانون الغاب او بالتبعية او على أسس عرقية ودينية ومذهبية وأيديولوجية وهذا عمق الأزمات السياسية في الاوطان العربية، حيث دولة القانون هي دولة الأقوى وليست التي تحمي الحريات وتصون حقوق الإنسان. التخلف الحقوقي يولد الاستبداد والصراعات ويقلل من إمكانية تقدم وصعود مؤشرات التعايش ويعرقل حركة التعارف بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة والدين الواحد، ويفسح المجال في المقابل أمام تقدم وصعود الاتجاهات المتطرفة والمتشددة والدموية والعنصرية، مستفيدة من حالات الانسداد الحقوقي والسياسي وترجمة ذلك في خطابات عنصرية لا تخشى العقوبة أو الردع لأن القانون في صالحها أو من صياغتها.

رابعا: المعامل المصلحي والإقتصادي:

جدلية المصالح غالبا ما تتسبب في ارتفاع الجدران بين التنوعات وإنفجار الكراهيات المنفلتة -كما عبر عنها الدكتور نادر كاظم-مما يخلق صراع ارادات وتغليب النزعات الضيقة والضد انسانية مما يصور مصلحة الذات في إلغاء الآخر والتضييق عليه ومواجهته لامتلاك الواقع وهذا الصراع المصلحي هو نتاج ثقافة التخلف الغالبة على تصورات كل الأطراف حول مصالحهم وجهلهم بمعادلة التعاون الابداعي التي يرسم معالمها التعايش وفق روح التسامح وثقافة التعارف الدائم وما يصاحب هذه الوضعيات من شعور بمهدد للمنفعة والمتعة والهوية يقرب الشرائح الكبيرة من الناس إلى التطرف والتشدد، ويكرس في المقابل قدراً من القطيعة والانفصال عن قبول الآخر والعيش المشترك معه، وتتضح هذه الحقيقة من خلال التفاوت الإقتصادي في المجتمعات المتعددة عرقيا ودينيا حيث تفرض حساسيات من مشكلات الفقر وتفاوت فرص استغلال الثروة وما هنالك من إنعدام المساواة، كما أن البعد الإقتصادي في مشكلة التعايش ناظر للشق المادي على المدى القريب ويتصل أساسا بالبعد الثقافي لمأزق خطاب التعايش.

خامسا: المعامل الإعلامي والمعلوماتي:

المتعارف عليه أن الإعلام المترجم الأبرز للقيم، لكنه مع تطور وسائله ووسائطه وأنماطه أصبح هو المتحكم في تغليب قيم على أخرى بحسب اجنداته الإدارية وخلفيته الثقافية وأهدافه الإستراتيجية التي تعكس رغبات القائمين على السوق الإعلامية، والملاحظ أن واقع التعايش وثقافته ظلت تتأثر هبوطاً وارتفاعاً بالترويج الإعلامي لقيم التمدن أو قيم التخلف، حيث يلاحظ أن وتيرة التعايش ترتفع كلما كانت حركة الحوار والتعارف حاضرة وجادة، وتكون أقل ارتفاعاً كلما كانت هذه السبل باهتة وصورية فارغة او غائبة تماما في ظل لغات التطرف والتهميش والإقصاء وخطابات العنصرية والتعالي والاحاديات الفكرية..

حاجتنا إلى التعارف:

فكرة التعارف لماذا لا تزدهر عربيا وإسلاميا؟

من الظواهر العجيبة، ظاهرة رفض التعارف بشدة جملة وتفصيلا بين فصيل عريض أبناء الأمة، ولعلنا الأمة الأكثر حاجة إلى فكر وروح وأدب التعارف، لكن هناك منا، لم يدرك بعد هذه الحاجة، ويظهر أحيانا البعض الآخر، أنه كافر بحاجته للتعارف، وأن فكرة التعارف رجس من عمل الشيطان، وهذا مركز أزمة التعايش في الأمة العربية والإسلامية !

معضلة السواد الأعظم من أهل التعالم الثقافي خاصة الديني منه، أنه عالق في سجن ملكية الحقيقة المطلقة، لدرجة لا يستطيع الإعتراف بالتعارف، حيث فهمه وأثاثه الفكري ومقدساته التاريخية الموروثة هي كل الحق، أما الآخر فمرفوض جملة وتفصيلا ولابد له ان يحتكم الجميع لحقه المطلق، وهكذا إلغاء التعارف من المشهد الثقافي للأمة يوفر لهم الطمأنينة والسطوة على الواقع .

من زاوية أخرى التعارف الذي يعنيه القرآن في آية سورة الحجرات متوقف لدى هذا الفصيل أو بحكم المتوقف من دون تدبر وبلا نقاش، فزمن الآية بالنسبة لهؤولاء ما زال في الماضي ويقصد الآخر غير المسلم لأن داخل الإسلام هناك مسلم واحد نسخة طبق أصل حقهم المطلق.

في ظل هذا التيار التخلفي الجارف، أصبح الحوار معقد وبزنطي، عبر المبالغة والإسراف في تعقيد الأمور وتمويه مقاصد آيات القرآن، والمدهش في الأمر أن يجري التركيز على قضايا الخلاف وتعظيمها، ولا يجري الالتفات إلى قضايا اللقاء، وإذا جرى الالتفات إلى الأفكار الحية فإنها تحور وتشوه وتضيق، ويجري طرحها بخطاب مؤدلج تفقد معه صحتها ومصداقيتها وحيويتها ومركزيتها في بناء الثقة بين أبناء الأمة كمدخل نحو التعارف.

وبتأثير هذا التيار التخلفي كذلك، الذي يعتمد الرجعية فنا والتقدم عدوا، من آثاره تفشي عقلية التقليد، تقليد تمثلات التعامل تاريخيا بكل تفاصيلها وشخصياتها وقضاياها ضمن سياج من القداسة المعطلة للعقلانية والتجديد.

هذا الوضع ترتب عليه أن يكون مبلغ العلم تسفيه نهج التعارف، وتبني منهج الشك فقط في مواجهة آفاق مشاريع التسامح والتعايش والتقارب والوحدة!!

أما الأخطر والأشد لدى هذا التيار التخلفي، يتمثل في توظيف نزاعات وصراعات التاريخ، لشرعنة الصدام والتطرف والتكفير بدلا عن انوار التسامح والتعايش وخيارات الحوار والتعارف..

إجابة عن السؤال السابق، نجد أنفسنا أمام عدة عوالم معرفية تعكس عدم إزدهار فكرة التعارف في المجال العربي والاسلامي، وهي:

عالم المعرفة:

كما سبق وأشرت لتأثير التيار التخلفي في حركة فكرة التعارف، لاتزال الفكرة لا أقول مجهولة وإنما لم تنل قسطها الوافر من التداول والرجاحة والتباحث، ولعل الوحيد بين المعاصرين الذي درس وناقش وسبر أغوار فكرة التعارف بين الحضارات هو المثقف الديني والمفكر الإسلامي الدكتور زكي الميلاد، ولاقت أبحاثه في هذا الخصوص استحسانا خارج العالم العربي أكثر من داخله الا بعض الدول العربية التي دمجت نظريته حول تعارف الحضارات ضمن مقرراتها التعليمية أو بعض الدراسات الأكاديمية التي تمت حول نظريته هذه في عدة جامعات عربية، لكن عموما لا تزال فكرة التعارف محجوبة عن التفكر التجديدي، ولم تناقش في الفضاءات المعرفية العربية والإسلامية بالمستوى المطلوب والمزدهر.

عالم إقتصاد المعرفة:

فكرة التعارف عدا نظرية الدكتور الميلاد، لا أعرف شخصيات فكرية أو جهات رسمية أو مؤسسات علمية أو حواضر ثقافية جعلت منها مشروعا وهدفا إستراتيجيا على المدى المتوسط، أغلب الاستثمارات في المعرفة ذات طابع مادي بحت، ليس هناك اهتمام بتمكين الأفكار الحية من الانتعاش في واقع العرب والمسلمين، وهذا راجع لغياب ثقافة إقتصاد المعرفة هذا المجال العلمي الحيوي في الغرب والشرق إلا في جغرافيا العرب والمسلمين لأسباب ترتبط بغياب سياسات ثقافية معاصرة وجادة في تحرير الإنسان والمجتمع من ثقافة التخلف.

عالم مجتمع المعرفة:

 فكرة التعارف بحاجة لأرض خصبة قابلة لنمو بذور الحوار والتسامح والتعاون والتكافل والتعايش، ومجتمعاتنا العربية والاسلامية ليست فاقدة لخصائص قابلية ازدهار فكرة التعارف وكل قيم التمدن والتحضر، كل ما هنالك هي مجتمعات عانت ولا تزال تعاني كالاراضي المهملة من فضلات الفكر التقليدي الفاسد ومن أمراض ثقافة التخلف وآثار التطرف والاقصاء والاستبداد بشتى صورها، إذن مجتمعاتنا بحاجة لاستصلاح ثقافي جديد من قبل صفوة مؤمنة وحرة وجادة ومتمكنة من معارف وعلوم التجديد الثقافي للمجتمعات بإحصاء الأفكار الحية والمؤسسات الفاعلة والطاقات الفكرية الخلاقة المهمة في تهيئة المجتمع لإستقبال فكرة التعارف وجل الأفكار الحية التي من شأنها إنعاش روح التغيير وإرادة الإصلاح والتجديد..

التعارف أساس الوعي الناضج للتعايش:

كلما حاولنا الإجابة عن سؤال: كيف يستعيد التعايش بريقه في مجتمعاتنا العربية والاسلامية؟

كان للتربية والتعليم السبق والصدارة، لأنه مركز صناعة الوعي، وما دمنا نرنو لوعي ناضج وخلاق للتمدن لابد لحقل التربية والتعليم أن يكون مميزا وخاصا وقويا في موارده الثلاثة: المنهجية، البشرية، التقنية، ومنبثقا من عمق النقد المعرفي التجديدي فكرة ووجهة ومسارا..

ومن يمعن النظر في الموارد الثلاثة، يجد أنها قضايا ذات علاقة بنيوية ووظيفية وبقوة مع فكرة التعارف في صياغة سياسة ثقافية جديدة لإصلاح المجتمع وإنعاش ثقافة التعايش، خصوصا في ظل تعدد الآفاق..

نحو إبداع التعارف:

ملخص هذا المقال: لماذا غابت فكرة التعارف عن مشاريع رواد الإصلاح والنهضة؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، هناك تجارب عديدة ومتنوعة في العالم الحديث والمعاصر، اتخذت من التعارف أساسا لترسيخ التعايش في مجتمعاتها تأسيسا لأرضية النهوض والتقدم، منها جنوب افريقيا وماليزيا وروواندا وقبلهم أمريكا الشمالية التي اختصر الدكتور ستيفن آل كوفي في العديد من مؤلفاته الخاصة بالتنمية البشرية والقيادة على أساس المبادئ، أن جذور التعايش المجتمعي في أمريكا تعود لفكرة العصا الناطقة والتي أسماها لاحقا فكرة التعاون الابداعي، هذه الفكرة تتقاطع كثيرا مع فكرة التعارف المؤسس للتعايش والتسامح والتعاون والنهوض الحضاري والتي أرسى خطوطها العريضة القرآن الكريم عبر وعي حقيقة التدين السليم ضمن تحقق الكرامة الإنسانية التي لا تزدهر إلا في بيئة التعايش النابع من التعارف الإنساني..

لعل غياب فكرة التعارف في مشاريع الإصلاح والنهضة عربيا وإسلاميا يرجع لعاملين:

1- نمط الرؤية

- هاجس التخلف

نستعرضها في مقال قادم بإذن الله..

 

بقلم: مراد غريبي

كاتب وباحث في الفكر

 

في المثقف اليوم