ترجمات أدبية

Die Kegelbahn

قاسم طلاعولفغانغ بورشَرد

(Wolfgang Borchert)

ترجمة: قاسم طلاع

***

رجلان كانا قد حفرا حفرة.

حفرة واسعة ومريحة، شبيهة بحفرة قبر.

أمامهما نصبا سلاحا،

اخترعه شخص مجهول،

يُطلق الرصاص منه على بشر غرباء،

لم يعرفونهم من قبل، ولم يفهما حتى لغتهم.

بشر لم يفعلوا شيئا أو قاموا بعمل، ربما قد أضر بهما أو أساء إليهما.

مع هذا، وبأمر من شخص آخر، فُرض عليهما إطلاق الرصاص، من هذا السلاح، على هؤلاء البشر.

 *

ولكي يتمكنا هؤلاء من حصد عدد كبيرا من الأرواح، فقد تمكن شخص آخر من اختراع سلاح له القدرة من إطلاق ستين رصاصة في الدقيقة أو ربما أكثر.

وقد منح جائزة مكافئة لذلك.

 *

على مسافة غير بعيدة من هذين الرجلين، كانت هناك حفرة أخرى، بدى منها رأسٌ، يعود لإنسان، له:

أنف، يستطيع منه أن يشم العطر والروائح الزكية (الطيبة).

عيون، أن ترى مدينة أو زهرة (وردة).

له فم، يستطيع فيه أن يأكل خبزا، أو ينطق به بكلمة حبيبتي أو أمي.

هذا الرأس رصداه كلا الرجلين، اللذين قد أعْطُي لهم هذا السلاح.

 *

أطلق الرصاص، قال واحد منهم للآخر.

فعل هذا وأطلق الرصاص.

وهنا كان الرأس قد تحطم.

لم يتمكن بعد الآن، أن يشم العطر والروائح الزكية،

ولم يتمكن من رؤية المدينة، أو النطق باسم حبيبته أو أمه.... أبدا.

 *

كلا الرجلين مكثا شهورا في هذه الحفرة. حطما، كثيرا من الرؤوس... رؤوس بشر لم يعرفوهم (غرباء) من قبل. بشر لم يفعلوا شيئا، ربما قد أسئ إليهما.

مع هذا، فقد أطلقوا الرصاص عليهم من سلاح، كان يطلق ستين رصاصة في الدقيقة، اخترعه شخص ما، وآخر كان يعطي الأوامر من أجل ذلك.

 *

وبمرور (الزمن) تمكن كلا الرجلين من تحطيم كثيرا من الرؤوس، التي تكونت بعضها على بعض، وصارت شكلا شبيها بقمة جبل.

وعندما يرقد الاثنان للنوم، تبدأ الرؤوس تتدحرج على مسار شبيه بمسار لعبة (Bowling) يصحبها دوي خافت، من جرائه يستيقظ الاثنان من نومهما:

ولكن كان هذ امرا، همس واحد منهم (بصوت خافت) في اذن الآخر.

لكننا نحن الذين فعلنا هذا. يصرخ الآخر

شيء مفزع ورهيب، تأوه الآخر حزينا

ومع هذا، فقد كنا، بعض الأحيان، نشعر بتسلية، بما نقوم به.... تسلية بالفعل. تفوه الآخر مبتسما.

لا أبدا... ليس هذا صحيحا...! صرخ الآخر، بصوت عال، بعد أن كان حديثه هادئا.

بلى، همس الآخر، أحيانا، كان هذا باعث لتسليتنا. وهذا، على أية حال، تسلية حقيقية بالفعل.

 *

ساعات كانوا جالسون تحت قبة سماوية معتمة. لم تغمض لهم عين.

ثم قال واحد منهم:

لكن هكذا خلقنا الاله...!

لكن الإله معذورا، كونه غير موجود (لا وجود له). رد عليه الآخر.

لا وجود له...؟ الأول، متسائلا.

وهذا عذره الوحيد. ردَّ عليه الثاني

ولكن... نحن.... نحن موجودون... وهذه ثمة حقيقة، لا يمكن نفيها، همسَ الآخر.

 *

كلا الرجلين، اللَذين، وبأمر من شخص ما، حطموا عدد لا يحصى من الرؤوس، لم يتمكنوا من النوم ليلا، لأن الرؤوس كانت تصنع دوي خافت.

واحد منهم: دعنا نواصل الآن، بما بدأنا به.

نعم، قال الآخر، لنشرع الآن بما بدأنا به.

هنا صرخ واحد منهم: هيا لنطلق الرصاص من جديد.

نهضا كلاهما، ماسكين سلاحهم.

وكلما ما رأوا شخصا، فتحا نيران سلاحهم عليه.

شخصا لم يعرفاه، من قبل، مطلقا، وانه لم يقم بفعلة سيئة ضدهم، ومع هذا، انهم كانوا يطلقون الرصاص عليه، من سلاح اخترعه شخص ما، ومنح مكافئة من أجله، وشخص آخر يعطي الأوامر من أجل أن يقتل الآخر.

****

......................

- لم أجد كلمة مناسبة ل (Kegelbahn) ما يقابلها باللغة العربية، فتركتها كما هي، إلا أن ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية تعني (Bowling Alley).

- ولفغانغ بورشرت (Wolfgang Borchert) كان كاتب ألماني (1947-1921) من مدينة همبورغ، التي ولد فيها. تعلم مهنة إدارة المكتبات، إلى جانب أخذه بعض الدروس في التمثيل. كتب الشعر مبكرا، حيث كانت أولى قصائده، وهو لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر، وكان ريلكه (ٌRilke) مثال يحتذيَ به.

عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية شارك في هذه الحرب وبعث إلى الجبهة الشرقية، عندما دخلت الجيوش النازية أراضي الاتحاد السوفياتي آنذاك عام 1941. وما أن جاء عام 1942٢، وعلى أثر الجروح الشديدة، التي أصيب بها وكذلك اصابته بمرض الدفتريا، عاد إلى ألمانيا. وبسبب مواقفه ضد هذه الحرب، حكم عليه بالإعدام بحجة إشاعة روح الهزيمة بين الجنود، إلا انه لم ينفذ حكم الإعدام فيه، وعوضا عن ذلك بعث من جديد إلى الجبهة الشرقية، رغم معاناته من المرض.. وعندما ألقي القبض عليه ثانية وإيداعه السجن، اشتد عليه المرض، أدخل على أثرها، إلى المستشفى، بعدها قرر تسريحه من الخدمة وعاد حيث مسقط رأسه.  وفي عام ١٩٤٤ اقتيد إلى السجن من جديد، وبقي ما يقارب من تسعة اشهر في الحبس، بعدها بعث من جديد الى الجبهة. وحينما وقع اسيرا في أيدي افراد الجيش الفرنسي، تمكن بعد فترة التخلص من هذا الأسر، بعد هروبه أثناء نقله الى معسكر للاعتقال، متوجها الى همبورغ، التي لم ير فيها سوى خرائب خلفتها الحرب.

يعتبر ولفغانغ بوشرت، واحد من كتاب جيل الحرب، حيث كانت كل كتاباته تدور عن الحرب ومأساتها، والخراب البشري (بكل أبعاده)، التي خلفته، فإلى جانب مسرحيته في الخارج أمام الباب (Draußen vor der Tür)، التي كتبها عام 1947، والتي جوبهت بالرفض في بادئ الأمر، وعرضت على شكل تمثيلية إذاعية، ثم انتقالها إلى المسرح، بعد وفاته بفترة قصيرة (عام ١٩٤٧)، وفاته معايشة ولذة النجاح الباهر، الذي حصلت عليه هذه المسرحية، وما كتبت عنها الصحافة الأدبية، والتي اخذت طريقها، بعد ذلك، إلى أكثر من مسرح أوربي، وترجمتها إلى أكثر من لغة (من ضمنها اللغة العربية)، وطبعت إلى أكثر من مرة، ولا زالت تقرأ على مستوى الشارع، والمدرسة، وحتى في الكليات المختصة بالدراسات اللغوية والأدبية.، أقول إلى جانب هذه المسرحية، فقد كتب أيضا القصص القصيرة ، ونصوص شعرية ، قامت دار روفولت (Rowohlt Verlag) الألمانية بطبع، ونشر مجموعة مؤلفاته (Gesamtwerk) في كتاب واحد، وبشكل أنيق، عام ٢٠٠٧. والنص أعلاه مستل من هذه المجموعة.

في نصوص اليوم