ترجمات أدبية

الكساندر بوشكين: إليكم هناك

قصائد للشاعر الروسي الكبير

الكساندر بوشكين، يتغنى فيها بالروح التواقة للحرية

ترجمة الدكتور إسماعيل مكارم

***

إليكم هناك ....*

إليكمْ هناكَ في أعماق مناجم سيبيريا

تمَسكوا بهذا الصّبر الجَميل،

فلن يذهَبَ سدى عملكمُ الجَبّارُ هذا،

ولا طموحاتكمْ وأفكارُكمُ النبيلة.

**

واعلموا ... أنّ الأمَلَ

رفيقُ مأساتِكم في تلكَ المَناجم

سَيبعَثُ فيكم الهمّة َ والنشاطَ َ،

حتى يأتيَ وقت ُ الخلاصِ المَأمولْ .

**

المَحبة ُ والودّ ُ سَيجدانِ طريقهما إليكمْ،

رغمَ هذه البوابات المُظلمة،

مثلما يَصلُ إليكم في تلك الزنزانات..

صوتي َ الحُرُّ هذا ....

**

واعلموا أنّ القيودَ الثقيلة َ سَوفَ تنكسِرُ

وهذه الأقبية ُ المُعتِمَة ُ سَوفَ تنهارُ،

بالفرَح ِ والغِبطة ِ سَوفَ تعانقونَ الحُرّية َ

وإخوة ٌ لكم سَوف يُسَلمونكمُ سُيوفَ العِز.

1827

***

Арион

أريون*

على ظهر القاربِ كنا فريقا كبيرا

جماعة تشدُّ الشّراعَ لترفعه

وأخرى تقوم بقوةٍ

بإسناد المَجاديف إلى الدّاخل

وكان الكابتن يُمسِكُ بعزم بالمقود

ويُسيّرُ القاربَ بهدوءٍ وحكمةٍ .

أنا لم أكن مباليا بشيء

وأردّدُ واثقا تلك الأغاني على مسمع البحّارة،

وفجأة هبّتْ عاصفة قويّة، وارتفعَ الموجُ،

قتِلَ رئيسُ البَحّارةِ ورفاقهُ،

أما أنا فقط، المُغنيّ ذو السّرّ الكبير،

المرميّ إلى الشاطئ،

تراني أردّدُ تلكَ الأناشيدَ المعروفة،

وأنشّفُ ثيابي المُقدّسة،

بجانب صَخرةٍ، تحْتَ أشعةِ الشَّمس.

1827

***

.....................

لمحة تاريخية

عندما جاء القيصر الكساندر الأول إلى الحكم عام 1801 وعد باجراء اصلاحات في البلاد، وأول وعد من قبله كان − العمل على إيجاد صيغة للحكم ذات طابع دستوري، مع التخلي تدريجيا عن صيغة الحكم القيصري المطلق. وفعلا في عصره بدأت تظهر بوادر الاصلاح، وأول قانون صدر بهذا المنحى - هو (قانون حرية الحصادين)، الذي صدر عام 1803، وقد أجري الاصلاح في مجال التعليم أي تم إحداث مؤسسات تعليمية تابعة للدولة، وفي عهده تم اصلاح الادارات في دوائر الدولة، وتشكلت وزارات جديدة، وتم تكليف ميخائبل سبيرانسكي لإعداد نص للدستور، بحيث يصبح نظام الحكم نظاما ملكيا مقيدا بالدستور، الذي ينص على فصل السلطات، غير أن وجود نظام الرق، وسطوة العادات الاجتماعية السائدة في البلاد شكلا أرضية خصبة استندت إليها القوى المحافظة، التي وقفت ضد القيام بالاصلاحات. وفي عام 1812 كانت حملة نابليون على روسيا، هذه الحملة التي أدت الى نشوء مقاومة شعبية ورسمية لهذه الجيوش الغازية، الغربية قوامها كل أبناء الشعب الروسي، إذ انتهت بهزيمة الغازي الفرنسي- الغربي، ومن حاربوا إلى جانبه، وبوصول الجيش الروسي الى قلب باريس.. من الحكمة أن نشير هنا أن ممثلي الأقليات القومية في روسيا القيصرية آنذاك شاركوا بجد وفعالية في مقاومة الغزاة: من فرنسيين وغيرهم، نذكر منهم الشعب في بشكيريا، هنا تم تجنيد كل الرجال في المقاومة الشعبية من سن الخامسة عشرة وما فوق، وكان الفرنسيون يهابون مواجهة رجال المقاومة الشعبية. غير أنّ هذه الحرب أدت إلى انخفاض ملحوظ في عدد السكان، والى تدهور اقتصادي كبير في المجالين الزراعي والصناعي. وقد استغلت القوى الرجعية هذه الظروف وتمكنت من اقناع القيصر بأن الاصلاحات لن تخدم القصر والحكم، بل ستكون أداة للإنقضاض على القيصر والمقربين منه.

أما الضباط الذين داست أقدامهم شوارع باريس، وأقاموا هناك فترة من الزمن، واحتكوا بالأوروبيين، وتأثروا بمفاهيم الحريات، والقانون المدني للمواطنين... ذهبوا بعد عودتهم الى وطنهم نحو تشكيل جمعيات سرية تدعو الى التغيير.

توفي القيصر ألكساندر الأول في تشرين الثاني عام 1825

وفي الفترة مابين وفاة القيصر الكساندر الأول وقبل تولي الحكم من قبل نيكولاي الأول قامت (انتفاضة الديسمبريين) المسلحة لأجل تغيير طبيعة الحكم في البلاد وذلك في 14 (ديسمبر) كانون الأول عام 1825 .

اتصف القيصر نيكولاي الأول بحبه لكل ما هو عسكري، لأن من قام بالاشراف على تربيته كانوا من الضباط وليس من المدنيين. مع الأسف استغِلتْ عملية القضاء على الانتفاضة بقوة السلاح للتخلي كليا عن فكرة الاصلاح ولهذا نرى كيف الكساندر بوشكين يدعو في كثير من قصائده إلى التخلي عن نظام الحكم المطلق، وانهاء نظام الرق. من الجدير بالذكر أنّ الكساندر بوشكين لم يشارك في تلك الإنتفاضة، وكان الشاعر من منتقدي أصحاب التوجه الديمقراطي من النبلاء، الذين أرادوا صادقين العمل لأجل الشعب، وفي ذات الوقت كانوا بعيدين بعدا كبيرا عن أبناء الشعب. ولا يفوتنا القول أنّ هذا الشاعر الروسي الكبير كان من الناس شديدي الارتباط بأرض روسيا، ومن العاشقين للوطن الروسي وقد كان من القامات الوطنية الشامخة في روسيا .

ففي رسالة أرسلها إلى الفيلسوف تشادايف يعترف فيها بحبه لهذا الوطن، ولتاريخ هذا الوطن.

هوامش ومصادر:

* تلك كانت رسالة من الشاعر بوشكين إلى الديسيمبريين، ممن شاركوا في إنتفاضة م 1825

* راجع الأسطورة الإغريقية عن المغني أريون، الذي أراد طاقم القارب، الذي رجع بواسطته إلى وطنه، أراد بالتعاون مع الكابتن رميه بالبحر ليصير طعاما للأسماك بغرض الاستيلاء على ما بحوزته من أموال وهدايا، وفعلا حدث ذلك، ولكن الدلافين، التي كانت معجبة بصوته وغنائه، قامت بانقاذه وإيصاله إلى الشاطئ سالما.هنا بوشكين يتكئ على هذه الأسطورة الإغريقية ليحكي قصة الديسمبريين، الذين قاموا بالإنتفاضة المسلحة ضد الحكم القيصري المطلق، ولكن هذه الإنتفاضة تم قمعها بقوة السلاح، ومن قتل قتِل، ومن بقي حيا تم إبعاده إلى سيبيريا، حيث السجن والأشغال الشاقة، بينما الشاعر بوشكين، الذي هو ممن كانوا يتعاطفون مع أفكار الديسمبريين فقد بقي حيا..في هذه القصيدة يستعمل الكساندر بوشكين وزن (يامب) المعروف في الشعر الروسي، إذ في الرباعية نهاية الشطر الأول والرابع واحدة من حيث القافية، بينما نهاية الشطر الثاني والثالث واحدة.

А.С. Пушкин. Сочинения в трех томах. Том первый. Москва .1954.

في نصوص اليوم