ملف المرأة

المرأة في العالم العربي بعيدة عن دوائر القرار السياسي / أروى الشريف

 

1- كيف تقيّمين إنجازات المرأة في العالم العربي؟

ان من المهم الاعتراف ببروز نماذج نسائية في الوطن العربي اللاتي سجلن أسماءهن بأحرف من ذهب .الانجازات مهمة جدا في كل مجالات الحياة لكن يبقى انجاز المرأة محصورا بين النشاط الجمعوي ،الأسري والثقافي أما في المجال العلمي والسياسي تكاد تعد النساء البارزات على الأصابع، على سبيل المثال الجزائر تشهد تطور المرأة الذي يبدو مكثفا في المجالات الثقافية المتعلقة برعاية الطفولة والدفاع على حقوق المرأة بالرغم من ذلك اعتقد أن نجاح المرأة الجزائرية يبقى نسبيا وأحيانا صوريا لان نساء كثيرات يراوحن مكانهن في صراع مستمر مع البيئة المباشرة لهن أو البيئة الخارجية.

الجدير بالتنويه أن المرأة في العالم العربي تظل بعيدة عن دوائر اتخاذ القرار السياسي الذي يمنحها ديناميكية تساعد على تطويرها على المستوى الحضاري والمعرفي إذ تعد كل القوانين مجازفة لإرضاء المرأة وكسب صوتها في فترات حساسة تمر بها البلاد كالانتخابات التشريعية والرئاسية. لذا اعتقد أن انجازات المرأة قليلة جدا بالنظر إلى عدد الحاصلات على شهادات عليا وحتى في الأوساط الثقافية يظل المنجز فرديا لا يكاد يبرز قدرات المرأة الحقيقية التي تكسبها ثقة في كينونتها كامرأة فاعلة في مجتمعاتها العربية.

 

2-هل هي على الدرب الصحيح المؤدي الى الحرية والمساواة مع حقوق الرجل؟

إن التعاطي مع هذا السؤال الصعب يحيلنا إلى مفهوم الحرية وكيف تتصورها المرأة داخل او خارج مجتمعها لأنها تبقى عرضة للتمييز والعنف اللفظي والجسدي حتى في الأوساط المثقفة كثيرا ما تعاني المرأة من التمييز بالتقليل من شان إبداعاتها والأمثلة كثيرة جدا اذ يبقى الجدل حادا حول ''كتابة الجسد عند المرأة '' و''كتابة الجسد عند الرجل '' كذا عدم احترامها كفاعلة في الأسرة بما تعانيه المرأة العاملة داخل وخارج بيتها وهل تخلص الرجل الشرقي من عقدة ""سي السيد"" حقا؟

هل بالإمكان التحقق من أن المرأة تسير على الدرب الصحيح ما لم نجري أبحاثا جدية يتم فيها التنقيب على بعض النماذج التي شقت طريقها نحو الشمس ثم هل نقيس على تلك النماذج التي فضلت أن تعيش في بلور نجاحها دون الولوج إلى كواليس المجتمع حيث نجد المرأة في صراع مخيف مع لقمة العيش وصراع في الشارع مع تفاقم عوامل التدحرج نحو الهاوية .

وما هي الطريقة السليمة التي تسلكها المرأة في سبيل إرساء مظاهر المساواة مع الرجل؟ هل تريد من خلال ذلك كسر كل الممنوعات أو تهفو إلى مساواة حقيقية بين فردين متساويين في الحقوق والواجبات بدون تدخل تعسفي من السلطة القائمة أو الحكومة التي تنضوي تحت ستار الديمقراطية الزائفة في الدول العربية . الحرية التي تريدها المرأة هي مصدر كل الصراعات الدينية والفكرية التي تستغل هذه الغاية لتتقاسم مساحات الفوز بالصراع الأزلي حول المرأة .فهل يعقل أن تظل إرهاصات النقاش العقيم حول ما إذا كانت المرأة تصلح لإدارة الحكم أو تصلح لبعث نهضة فكرية أو أدبية؟ . لعل الظواهر متعددة الطرح في كل مناسبة يطرح فيها الأمر للنقاش إعلاميا أو داخل مؤسسات دينية أو فكرية بحيث تبقى مظاهر الشكل الخارجي للمرأة هي التي تطفو على جوهر الصراع بين مطالبة المرأة بمساواتها مع الرجل وإصرارها على السير نحو   الحرية فهل حقا هي تحقق تقدما في هذا المجال؟ . بالنسبة لي إن ترسخ وتعشيش تعسف الذكر في قرارات المرأة وإن كانت مثقفة يحبط الكثيرات واعتقد نحن في بداية المسار لأننا ننصهر في بوتقة المجتمع الشرقي المنغلق الذي يدين أي تصرف من المرأة التي تتوق وتشرئب بتطلعاتها نحو التطور والخروج عن عادات المجتمعات العربية فنحن لازلنا في الخطوات التي تحدد واجبات وحقوق المرأة الواعية المثقفة بدورها عليها أمانة النهوض بالمرأة التي تعيش تحت وطأة الممنوعات الموضوعة من المجتمع العربي بعيدا عن الاستماع إلى صوت العقل والاستناد إلى منطق العلم والتحضر الحقيقي .

 

3- ما هي العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف السامي على يد المثابرات في نضالهن الطويل؟

اعتقد أن فكرتي''' النضال والمثابرة '''فكرتين قديمتين جديدتين .السنوات الآفلة التي ثارت فيها المرأة الغربية على واقع مظلم ظالم لكيان المرأة توحي ان الانتفاضة النسوية هي ثورة ضد مجتمعات صادرت حريات المرأة الغربية.

في الوقت الحالي لا بد وأن نتحدث حول بروز نساء واعيات كل الوعي بتوهج تلك الشعلة التي قامت من اجلها كل فكرة ''تحرير المرأة'' و من الطبيعي أن ندرك الفكرة ثم نؤمن بها إيمانا راسخا حتى نستطيع أن نثابر في نضال طويل الأمد لكن بالمقابل نرى أن المرأة العربية لازالت حبيسة الفكرة التمييزية بينها وبين الرجل والبعض منهن تواصلن المضي قدما في التوجه نحو مسار الحضارة الغربية التي أحيانا يطغى عليها الفكر المادي ، لذا اعتقد ان العقبات تتواجد   داخل المرأة ،ليصبح من الضروري اخذ وقفة مع الذات النسوية المفكرة لان التجديد في الفكر ضرورة وصيرورة لبعث عوامل التقدم عند الرجل والمرأة . بالتالي النهوض بواقع المرأة هو النهوض بواقع الرجل باعتباره شريك حتمي . نطمح إلى ''إزالة العقبات من الفكر المغلق على نفسه والاحتفاظ بهوية المرأة العربية '' فهذه أولى الصدمات الضرورية لفهم ماهية النضال ''من اجل المرأة وبالمرأة ومع المرأة'' وذلك لان المرأة المناضلة من اجل المرأة كثيرا ما تنسى أن الطرف الآخر يحتاج إلى تعليم حقيقي ، فهل نبدأ في ارض الواقع بالقاعدة العريضة في مجتمعاتنا العربية؟ في مهنة التدريس مثلا وعلى ضوء مراقبتي اليومية ألاحظ أن ''المُدرسة ''تلعب دور رقيب رادع وليست صديقة تصغي للمراهقة التي تريد ''الحرية'' و''مساواتها'' مع إخوتها الذكور وهذا واقع مشترك في الوطن العربي .     حسب رأيي العقبات في داخلنا لذا لا بد من فهم ''الأخرى'' أي المرأة التي تتمنى العيش الكريم ، فهل نتوجه إلى أعماق مجتمعاتنا بالحوار مع المرأة؟ أظن أن الأسئلة جدلية وليست استقصائية لان في نظر المرأة المثقفة لا تكون فاعلة ، ناشطة سياسية، جمعوية أو مبدعة إلا إذا أثرت على ''الأخرى'' البسيطة ''العادية'' المكافحة يوميا من اجل تربية أبنائها وتحقيق ابسط شروط العيش الكريم .من خلال عرض الأفكارالشخصية أو الفلسفية ،هل باستطاعة المرأة المناضلة اقناع المراة البسيطة في فهم فلسفة الحياة والحرية والمساواة التي تراها دربا من جنون لأنها تحكم على هذه المسائل بتمثيلها بصراع داخلي مع نفسها ''كيف يمكنها الوقوف ضد الجميع '' حتى تجرب ما سمعته ولم تدركه من ''المرأة المثقفة المناضلة الواعية'' .

تذليل هذا النوع من العقبات اليومية التي تصادفنا يكون بتفهم المرأة البسيطة وفتح أمامها الأفق واسعا حتى تمسك زمام أمرها وتقرر ماذا تريد دون أي مزايدات أو أي ديماغوجية لم تعد تواكب التحضر الحقيقي حيث بإمكان كل امرأة الطموح إلى المساهمة في خلق معالم عالم يشاركها فيه الرجل بكل الفروق التي منحها الله للجنسين .

 

4- هل ترين بصيص أمل في نهاية سراديب ما يُسمى بـ "الربيع العربي" لفك قيود المرأة العربية؟

مما سبق ذكره فانا أؤمن ولو بنسبة ضئيلة أن جيل ''الربيع العربي'' يمثل جيلا من التشاكلات الفكرية بالتساوي بين الشابة والشاب رغم تجربتهما ال قصيرة في المعترك السياسي أو النضالي . إذ الأخذ بالتحليل كل ''ربيع عربي '' لكل بلد عربي على حده يوجهنا إلى ما قالته خديجة شريف، الأمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان للمرأة أن "الوضع قد تغير : النساء من جميع الانتماءات، شاركت مشاركة كاملة في الثورة جنبا إلى جنب مع الرجال، سواء في الشارع أو على شبكة الإنترنت، للمطالبة بالحرية والمساواة والكرامة والديمقراطية. اليوم لم يعد بإمكاننا إنكار حق الوصول الكامل في الأماكن العامة ودورها في العملية الديمقراطية " و"أدى ظهور المرأة في الانتفاضات الشعبية لتبني هذا القرار .بإجماع جميع المنظمات غير الحكومية في المنطقة'' وقد قالت : ''ليست هناك ديمقراطية دون مساواة بين الجنسين "

لكن السؤال المحوري : هل الربيع العربي يأتي بالتغير الجذري في نمطية الحكم بإرساء أسس الديمقراطية الصحيحة ؟ نحن نشهد مخاضا عسيرا لكن ربما الحديث على ما جاء به الربيع الجزائري السابق لأوانه مفيد في محاولة إبصار بصيص أمل . تحررت المرأة الجزائرية واتخذت سبل عدة في جل مجالات الحياة العملية والعلمية والسياسية لكن حدث شيء فجر الصراع من جديد وهو نسبة ''الكوتا'' أي الحصة التي يسمح بها المشرع الجزائري في الحصول على عدد مقاعد التمثيل النسوي في البرلمان بغرفتيه . فعلا ترشحت امرأة للرئاسيات لكن الكثير كان ينافق بإظهاره رغبته بان يكون مرؤوسا من قبل امرأة رئيسة الجمهورية الجزائرية .تجربة الجزائر دموية برغم ذلك لم يحدث ذلك التغيير الجذري حيث تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات بدليل وجود مثقفات بارزات بنسبة معتبرة .ووجود نساء تعانين من عواقب الطلاق باتخاذهن الشارع بيتا لهن ولأبنائهن . لا يزال أمامنا العمل الكبير والكثير من التضحيات للوصول إلى تغيير الذهنيات قبل الثورة على أنظمة الحكم بالتالي يبقى الأمل منشودا في تغيير واقع المرأة في الوطن العربي بإرساء أسس الديمقراطية الصحيحة .

خاص بالمثقف، ملف: المرأة المعاصرة تُسقط جدار الصمت في يومها العالمي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2053 الخميس 08 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم