أقلام ثقافية

في رواية: ذات القلبين للأديبة فاطمة بن شعلال هل هو زمن القلوب الافتراضية؟

fatimaalzahraa bolaarasرغم أن الكاتبة الصحفية والمترجمة فاطمة بن شعلال غنية عن التعريف إلا أن الغنى عن التعريف في بلدي يحتاج الكثير من التعريف كي نعرف صاحبه فهذه المرأة المثقفة خريجة الاتصال والإعلام كما خريجة القانون صاحبة الموهبة الكبيرة في الكتابة والترجمة لا تحظى كما كل المتميزين في بلدي بذات التقدير التي تستحقه وهنا أنا لا أقصد التكريمات أو الجوائز وإنما أقصد أن مجتمعنا مازال بعيدا عن أن يتجاوب مع نظرة السبق التي وصل إليها بعض ابنائه ولا زالت من مهامه الرئيسية المحافظة على(الجهل) دون أن ندخل في الأسباب والمسببات.

رواية (ذات القلبين) هي رواية قصيرة كما كتبت صاحبتها لكن أحدائها تمتد على طول الكرة الأرضية والعالم الافتراضي الذي أصبح واقعا ألغى الكثير من عالم الواقع ولاشك أن ما هو آت أكثر وأعظم فلا ندري إلى أي مدى ستسحلنا هذه المواقع الاجتماعية والتطبيقات السهلة التي تتيح لك ربط علاقات كثيرة ومتشعبة يصبح (العنكبوت) براء منها لأن أوهن البيوت بيوت العنكبوت لكن هذه الشبكة قوية بحيث قلبت حياة الناس رأسا على عقب بدء بالأفراد إلى الدول والحكومات.إلى الكتل والمنظمات وهلم جرا.

الرواية الصادرة عن دار الكلمة تقع في:94 صفحة من القطع المتوسط وتدور أحداثها حول امرأة شابة  منفصلة عن زوجها(دون طلاق) تربط علاقة مع طبيب مصري في الستين من عمره يعيش في أمريكا الجنوبية.ومن خلال الحوار الذي يدور بينهما نستشف معاناة(وحيدة) من الفراغ وظلم المجتمع الذكوري ومعاناة الطبيب الستيني من الغربة هذه المعاناة فسحت المجال للاثنين كي يتبادلا بوحا قرب بينهما لكن سرعان ما برزت على سطح علاقتهما كل المنغصات التي حاولا الهروب منها

وحيدة تريد الهروب من خيانة زوجها ومن التهم المجانية التي تلاحق المرأة في مجتمعها. و(البلاوي) يهرب من مجتمع استنزف جهوده دون أن يحقق فيه الاستقرار الذي ظل حلمه الأول على ما يبدو

وكفيلم (مصري) من الزمن الجميل حضرت الروح المصرية الفكاهية في الحوار وكذا اللهجة المصرية التي يتقنها الجزائريون وحضرت الأحلام التي تخبئها المرأة الجزائرية في أغوار نفسها رغم أنها أحلام بسيطة وهي حاجتها إلى الكلام الجميل الذي تشرق به روحها ورغم أن (البلاوي) كان فنانا في هذا إلا أن نفس وحيدة كانت قد( بارت) وكل ما كانت تسمعه من البلاوي تحيله على نفسه المعتمة بالجراح والخيانة فلا تصدق منه شيئا بينما يستمتع هو بوقته معها ويرتب نفسه كما يريد.

علاقة بدأت هشّة رغم أنها جميلة ليس لأنها افتراضية وإنما لأن ما يسري على الواقع ينطبق على الافتراض لكن الجميل في الأمر أنها انتهت لينطلق كل واحد منهما وقد عرف طريقه

طريق الاستقرار الأسري للبلاوي وطريق  الحرية لوحيدة حرية ربما علمتها التجربة الافتراضية كيف تحتفظ بقلب واحد وتعود لزوجها رغم خيانته

النهاية مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها احتمال تجربة علاقة افتراضية أخرى من يدري فربما أصبحت لنا قلوبا افتراضية ؟

رواية ذات القلبين تستحق القراءة لسهولة لغتها البعيدة عن الفذلكة اللغوية التي أصبحت موضة العصر وبعيدة عن (الشعرية) رغم أن كاتبتها شاعرة أيضا هذه الشعرية التي أخلطت أوراق الرواية بأعمدة الشعر وليس لها من داع سوى اللعب بالكلمات.

هذه اللغة الجميلة ذكرتني بما قرأناه  في مراهقتنا لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وفهمناه دون أن  نرجع للقاموس رغم صغر سننا وفقر لغتنا وليس كمن يحاولون الآن العودة بنا إلى عصر المكر والمفر والجلمود الذي سقط من عل ولم يسقط من أذهانهم مع أن الشيخ (غوغل) لا يستطيع فهم ما يسطرون ببساطة لأنها ألغاز وأحجيات أكثر منها سرد ومتعة وتشويق

هنيئا لنا  بما نقرا وهنيئا لفاطمة بن شعلال انطلاقتها الجديدة

-(غدا يوم جديد.تذكري هذا جيدا يا وحيدة: فاطمةبن شعلال)

 

فاطمة الزهراء بولعراس

جيجل (الجزائر)

 

 

في المثقف اليوم