أقلام ثقافية

ومات شامخا

abdulaziz khaylهكذا لقي ربه ...متجرّدا من كل شيء إلا من دينه ومبادئه وقيمه ...إنه محمد مهدي عاكف...أرعب الظالمين منذ شبابه ومات في سجونهم ففارق الحياة والرعبُ يملأ قلوبهم بينما هو مطمئن النفس راض مرضي، وكانت جنازته صورة طبق الأصل من جنازة معلمه ومرشده الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله سنة 1949، حمل نعشه رجلان وكوكبة من النساء وسط حضور بوليسي عسكري يوحي بحدث حربي كبير، بينما المتوفي شيخ في التسعين من عمره.

عاش المرشد العام السابع للجماعة لمحور واحد لا ثاني له هو الاسلام، يدور معه حيث دار، جعله يفني حياته في خدمة الشريعة والأخلاق والقيم الرفيعة ومصر والبلاد الاسلامية والإنسانية، ما سبّ أحدا ولا جرّح هيأة ولا نبس بكلمة نابية ولا حمل سلاحا إلا لمقاتلة الانجليز في القنال والصهاينة عند غزوهم فلسطين.

هكذا نشأ في الجماعة الربانية على الخلق الكريم والتضحية من أجل المبادئ والدعوة إلى الله تعالى .

تابعتُ حواراته ومواقفه وهو على رأس الجماعة فبهرني نشاطه الدؤوب واعتداله الفكري والنفسي والسلوكي وأدبُه الجمّ وروحه الخفيفة وتفانيه في خدمة الاسلام وأهله وحبّه للناس وبغضُه الشديد للظلم والظالمين.

سجنه النظام الملكي ثم جميع الأنظمة العسكرية التي تلتُه بتهمة واحدة ليس فيها شبهة اعتداء على أحد ولا تهديد لأمن البلاد ولا اختلاس لأموال ولا جريمة من أي نوع كان: إنها الدعوة إلى الله والتمكين للنظام الاسلامي بالوسائل السلمية.

وختم السلسلة النظامُ الانقلابي الأخير الذي قتل الأبرياء بدم بارد وزجّ بمن نجا منهم في المعتقلات، وكان من بينهم محمد مهدي عاكف، فلم تشفع له سنه المتقدمة ولا الأمراض المتعددة، وقد رفض – مثل الشهيد سيد قطب قبله - أن يستعطف الطاغية أو يطلب العفو من المستبدّ بل بقي ثابتا راسخا مع إخوانه المضطهدين حتى لبّى نداء ربه، لم يبدل ولم يغير.

أعطى بحياته في سبيل الله وموته في إباء وشموخ دروسا تطبيقية لأبناء الحركة الاسلامية ولجميع الأحرار، هتك عورات أدعياء الديمقراطية من جهة وأصحاب التدين المغشوش من جهة أخرى الذين ابتهجوا باعتقاله وبموته، لأنه حرّ وهم عبيد، ولأنه صادق وهم كذبة، و لأنه أصيل وهم دخلاء.

أنصح إخواني بالرجوع إلى حواره من 6 حلقات مع قناة الحوار يوم كان مرشدا عاما  ليكتشفوا عظمة الرجل والجماعة التي أنجبته، وسيحبّه كل مسلم محبّ لدينه ليبقى البغض والحسرة والحقد من نصيب الأدعياء الأغبياء.

وكم أتمنى أن يؤدي المسلمون صلاة الغائب على روحه الطاهرة ولو منفردين .

ولْتقرّ أعين الجبناء والأدعياء في زمن الرويبضات فسيأتي اليوم الذي يزول فيه ظلّهم وينطق فيه الأحرار بإذن الله.

 

عبد العزيز كحيل

 

في المثقف اليوم