أقلام ثقافية

حسين صقور: بين الناقد والفنان؟

(لا تتكلم لمجرد الكلام وكن مسؤولاً عن كل كلمة وعن كل حرف يطلقه لسانك وتتفوه به.. لاشيء يأتي من عدم ولاشيء يذهب إلى عدم).

قلما تبدأ المقالات والكتابات سواء كانت الأدبية أو النقدية بحرف جر لكني مضطر للبدء هنا بحرف جر لأثير فضول المهتمين ولأزيل الغمام عن بعض القضايا العالقة تاركا التخمينات للقارىء الجميل والمتلقي.

في مكان ما وفي زمان ما قيل لا يجوز للفنان أن يتخذ دور ناقد معللين السبب بعدم قدرة الفنان على اتخاذ موقف حيادي من التجارب وذلك لتأثره بتجربته الشخصية.. في مكان ما وفي زمان ما كررت تلك العبارة مرارا الفنان أهم من الناقد و الإبداع أهم من النقد وأنا هنا أقول بعيداً عن خلفيات ما قيل الإنسان سواء كان عتال أو عامل بسيط أو فلاح هو أهم من كليهما وأقصد الناقد والفنان أهمية أي كائن معقودة على ما يتسم به من صفات إنسانية أما الإبداع فهو كالجواهر النفيسة التي لا حصر لأنواعها ياقوت زمرد الدر واللؤلؤ وغيرها مما أدركناه ولم ندركه وهي موزعة ضمن محطات واستراحات على قارعة الطرق الكثيرة المؤدية إلى قمة الهرم

(النقد.. الفن.. الأدب.. الشعر.. الموسيقا.. الرقص.. التمثيل الإخراج وكافة المهن الحياتية) وطالما الحياة مستمرة وفضولنا لكشف ماهيتها وسر وجودنا مستمر سنظل نمضي في طريقنا الذي اخترناه بأنفسنا وستبقى تلك القمة على بعد أميال منا تبتعد كلما اقتربناز

وأجيب هنا عما قيل من أحدهم (لا يجوز للفنان أن يتخذ دور ناقد) ودون النبش في أسباب ومسببات ادعاءاته مستدعيا كل حروف الجر في مكان ما وزمان ما علها تستطيع أن توسع دائرة المهتمين داعيا للقراءة وللإنصات بقلوبكم النقية وأرواحكم الطاهرة الذكية  أنصتوا لكل ما كتبته وأكتبه ثم احكموا كونوا حذرين من إعمال العقل لأن العقل المخرب أناني يقودنا لأطماع دنيوية لا يمكن للعقل أن يبدع هو فقط قادر على الحفظ وعلى استدعاء ما قدمه المبدعون عبر التاريخ لتسخيره وفق أهواءه انصتوا ثم احكموا.. أولا ماهي مهمة الناقد... الناقد هو صلة وصل بين الفنان ولوحته من جهة وبين الفنان والمتلقي من جهة أخرى

الفنان أمام عمله هو الناقد الأول ولا يمكن له أن يتطور بغير ذاك النقد الذاتي وأمام أعمال الآخرين يستطيع أن يقدم بعض الملاحظات الشفوية غير المسؤولة لأنه قد يطرحها من وجهة نظر ذاتية متأثرا بتجربته الشخصية

فقط حين يمتلك الفنان القدرة على تقمص تجارب الفنانين الآخرين ومشاعرهم اللحظية حين العمل حين يستطيع سبر أغوارهم وأغوار العمل حين يستشف من خلال أعمالهم وتكنيكهم الخاص وأدواتهم المستخدم حين يستشف من خلال ما ذكرته الطريقة التي يفكرون بها وحين يكون له أسلوبيته الخاصة والمميزة ويمتلك  ناصية اللغة والكلمات ثم يستدعي المناسب من المفردات  حينها وحينها فقط يمكنه أن يكون الوسيط بين الفنان والمتلقي ويسهم بدور أساسي وجوهري في الارتقاء بالذائقة التشكيلية للمتلقي لتستطيع مواكبة الحداثة ومواكبة كل جديد هنا تكمن أهمية دور الناقد القادر على تقديم الفنان للمتلقي وتبرير عمله له كما أنه يستطيع من جهة أخرى أن يسبق الفنان بخطوة ويقوم عمل الفنان استنادا لرؤيته الشمولية وقدرته على المرور على كافة التجارب والأساليب

وتبقى نصائحه مجرد اقتراحات قد تخطيء إن لم يأخذ بها الفنان أو تصيب حين يأخذ بها وهي بكافة الأحوال وجهات نظر صحيحة

رغم أهمية دور الناقد الحضاري ورغم ما يبذله من جهد ووقت في ذاك الزمن الصعب فهو لايأخذ حقه كما يجب ولايوجد عندنا تلك المؤسسات التي تنظم عمله وتدعمه تحميه وكنت قد دعوت سابقا ً لاجتماع لجمعية النقاد السوريين لأطرح معهم خطة عمل تعود بمردود للناقد والفنان ولكن مع الأسف ذهب صوتي أدراج الرياح.

مما تقدم أقول إن لم يمتلك الناقد تلك الشخصية الجامعة بين فنان مبدع ومتمكن يمتلك عين حساسة وسعة اطلاع على التجارب الفنية ويتحلى بموهبة التحليل وسبر أغوار الذات من خلال اللوحات إن لم يكن كذلك.

ستبقى كتاباته سطحية ومجرد استعراض للسير الذاتية وتفخيم أو تضخيم لا يستند لمبررات ولا أساس له سوى وقوع من يدعي النقد في شبكة المصالح والعلاقات لذلك سيبدو نتاجه هزلي بلا معنى

وبالمقابل أيضاً أقول الغيرة على الفن في عالمنا تفرض علينا الاهتمام بالناقد الحقيقي وتقديم العون له ومساعدته لأهمية دوره الحضاري في الارتقاء بالفن والذائقة الفنية وخصوصا كوني أرى معظم إدارات الصحف الورقية العربية القادرة على إنصاف الناقد وإعطاءه حقه لا يبذلون جهداً في استقطاب الكلمات الجادة بقدر ما تسيطر عليهم في خضم عملهم المصالح والعلاقات ليصير المكثرون المقلون هم الأقرب إليهم بحكم ركيزتهم المادية التي تمكنهم من طباعة الكتب على نفقتهم الشخصية وبحكهم قدرتهم على التحرك والسفر وبناء العلاقات.

***

حسين صقور

في المثقف اليوم