أقلام ثقافية

درصاف بندحر: قصص تصنعنا

نولد في هذه الحياة لنعيش فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر..نحيا خلالها أحداثا  وقصصا  كثيرة..تفرحنا بعضها..نحزن لبعضها.. وقد لا نفهم مغزى ما يحدث لنا إلا بعد وقت طويل.

ظروف الحياة الصعبة قد تعلم الإنسان المقاومة..تعلمه الصبر وتمرنه على السعي الدؤوب.

الأحزان كما الفقدان  قد تلين قلوب الناس فتُصيّرُها ملجٱ  للناس.

كذلك الأنانية والتدليل المفرط يجعل من البعض أشخاصا  متواكلين..سطحيين..تافهين فتلقاهم نتاجا لحياة قدمت لهم على طبق من ذهب.. تربوا على قصص الأخذ  ففاتهم التدرب على العطاء.

إلا أنه ولئن كانت هذه الحقائق صحيحة إلا أنها ليست مطلقة..بعض الاستثناءات لا تخضع للنتائج المنتظرة.

ههنا تلعب إرادة الشخص دورها في أن تغير وجهة النتائج المترتبة عن "قصته" إلى ما لم يكن من المفروض أن يحدث.

يقول الفيلسوف " شوبنهاور":

"نحن لا نريد الأشياء، لأننا وجدنا أسبابا لها، بل نخلق أسبابنا لأننا نريد أشياءً معينة".

 كانت تلك فلسفة شوبنهاور باختصار، وكانت الحياة بالنسبة له كفاحا أبديا وصراعا لا يهدأ إلا بالموت.

ويحدث أن يكون  لقصتك التي صنعتك تأثير مباشر أو غير مباشر على من يحيطون بك..3771 درصاف

غير بعيد عن هذا، عثر الفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه" على كتاب شوبنهاور «العالم إرادة وتمثلًا» عن طريق المصادفة، في دار لبيع الكتب القديمة في مدينة "لايبزج" الألمانية، وعندما فرغ من قراءته اجتاجه دوار عقلي لازمه تسع سنوات، وجعل صورة العالم تتبدل أمام ناظريه، فكتب:

«هنا يصرخ كل سطر عن رفض ونكران زاهد للذات، وترويض للنفس، هنا رأيت مرآة لمحت فيها العالم والحياة وروحي، في تمجيد رهيب، هنا رأيت المرض والعلاج، المنفى والملاذ، الجحيم والجنة».

كل ما نقرؤهُ..كل ما نعيشه..كل القصص التي نكون أحيانا موضوعها ..أو نكون أبطالها وفي أحيان أخرى ضحاياها، هي مصدر ليس فقط للتعلم، بل هي المصدر الأساسي للمذهب الذي نعتنقه  في الحياة..هي المحدد لرؤيتنا لأنفسنا وللعالم من حولنا.

بالعودة إلى تاريخ فيلسوف الإرادة "شوبنهاور"

 نقرأ أنه نشأ في ظل علاقة  متأزمة مع أبيه.

كان والده تاجراً ناجحاً، يروم أن يكون ابنه مثله، فجاب به أنحاء أوروبا  وعمل  على إغرائه بكل الوسائل لكي يمتهن التجارة ويحقق الأرباح المادية الطائلة.

قبل شوبنهاور على مضض وخضع إلى إرادة والده التاجر إذ قد " نشاء غالبا مالا نشاء"..

لم يكن شبنهاور  يجرؤ على الإفصاح عن رغبته الحقيقية في مواصلة دراسة الآداب والفلسفة. لكن  مثلت وفاة أبيه المفاجئة حدثا يرمز إلى تحرره من طريق كان سيقضي على موهبته الواعدة.

  إثر هذه الوفاة باعت والدة شبنهاور كل مصالح الأسرة التجارية، وأنشأت صالوناً أدبيا كان يتردد إليه الأديب الألماني العظيم "غوته". كذلك انصرفت الأم إلى الرواية، ومهدت لتنشئة ابنها تنشئة فكرية ساعدته لقاءات الصالون الأدبي في تهذيبها وإثرائها.

هذه قصة شبنهاور ..ونحن مثله لكل منا قصته..قصة صنعت من كل واحد ما هو عليه..فوجهت إرادته إلى ما هو عليه اليوم.. ربما لولا تلك القصة لما كان الإسم هو الإسم.

تقول الروائية المصرية رضوى عاشور:

"لكل شيء في هذه الدنيا علامة قد لا يفهمها الإنسان أبدا، وقد يفهمها بعد حين".

***

درصاف بندحر - تونس

في المثقف اليوم