أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: أعطني عقولاً فوق عقلي!

ماذا لو قيل لك: قم بتأليف كتاب عن حياتك واتركه لأبنائك؟ ماذا ستكتب؟!

 البعض ممن يُسأل مثل هذا السؤال سيقول: حياتي عادية ليس فيها ما يستحق السرد، أو ليس عندي وقت. رغم أن حياة كل إنسان غاصة بأحداث ومواقف وشخصيات لا حصر لها. وكلها ذات نفع، وأول من ينتفع بها صاحبها؛ لأنه يتعلم من مواقف الفشل والإحباط والانهزام، يتعلم الصبر والصمود والصلابة. كما يتعلم من النجاح الاستمرار فيه والبناء عليه. ولو لم يكن لديك وقت لتجلس مع نفسك جلسة مصارحة وتذكر وتأمل. فهل ليس لديك وقت لتقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟

  لهيئة الكتاب مشروع فكري جديد يقوم على فكرة إعادة استقراء عقول عباقرة معاصرين وسرد حياتهم. هذا المشروع اسمه: (سلسلة عقول). وسلسلة "عقول" وإن كانت تقليدية النزعة، فهي مبتكرة الاتجاه والأسلوب والمحتوي الفكري. إن لديها رسالة: أن تضيف لقارئها عقولاً وأفكاراً جديدة باستمرار..

التراجم ومهمتها الخطيرة

أكثر الناس لا يلتفت إلى الدور الخطير للسير الذاتية والتراجم. ويعتقد أن القراءة في الآداب والعلوم ربما يكون أكثر نفعاً أو متعة. بينما قلة من النابهين يدركون أبعد من هذا..

 في فترات تاريخية سابقة انصرف الناس لقراءة الصحف لأن كتابها أدباء. بل إن رؤساء تحرير تلك الصحف وأصحابها كانوا من كبار الشعراء والروائيين. خليل مطران وطه حسين والعقاد وإحسان عبد القدوس كلهم أنشأوا صحفاً وأداروها. وانتظر الناس ما يكتبوه وتابعوه وأحبوه، قرأوا أشعار شوقي وحافظ والمازني، وقصص إحسان وتيمور ويوسف السباعي. وتحولت رواياتهم لأفلام سينمائية باتت علامات ومحطات تراثية من ثقافتنا المصرية. فكيف فعلوا ذلك؟ كيف يصنع الناس التاريخ؟ ولماذا لا نكون نحن، أنا وأنت، مثل هؤلاء؟

 هذا السؤال قيل للعباقرة، فقرروا سرد حياتهم ووضعها بين دفتي كتاب لا يستغرق إلا ساعة أو ساعتين قراءة. سطور قليلة يكمن فيها سر نجاح هؤلاء. وقد يكمن السر فيما بين السطور لمن يستوعب ويستنبط ويحلل ليدرك ما خفي ودق من رسائل التراجم!

لهذا فإن تراجم العظماء يعاد كتابتها مراراً. وفى كل مرة يختلف التناول وتختلف الرسالة. لأنها خاضعة لرؤية المؤلف، وما يريد بثه من رسائل وطرحه من أفكار.

 قد تقرأ رواية من خمسمائة صفحة، وتشدك أحداثها، لكنك تخرج من قراءتها صفر اليدين والعقل. فلا أنت أضفت لنفسك درساً، ولا لشخصيتك وذاتك معني أو فائدة! بينما تلعب السير الذاتية دور حكماء العائلة، هؤلاء الذين يعطونك خلاصة تجاربهم في الحياة. فما بالك لو كان حكماء عائلتك هم عباقرة زمانك وأزمنة قبلك؟!

 سلسلة "عقول" نشأت منذ البداية برسالة ناصعة شديدة الوضوح والتركيز. وهي إعادة طرح سير العظماء والعباقرة بطريقة مشوقة مكثفة ومختصرة تناسب إيقاع العصر السريع. ولها هدف أسمي: أن تضيف للعقول عقلاً جديداً كل مرة. تختار من عباقرتنا عقلاً فذاً له تأثير عميق وواسع. يقدمه ويدرسه عقل لمؤلف بارع ذو رسالة، ليقدمه لعقول متفتحة نهمة للمعرفة. ومن هنا جاء اسم السلسلة: عقول..

باكورة العقول

أول إصدارات السلسلة استطاع اللحاق بمعرض الكتاب 2024. وهو كتاب عن عميد الأثريين (سليم حسن). ولأول مرة تجد كل ما كُتب عن هذا العالم الفذ مجمعاً في كتاب واحد صغير ومختصر. حتى القضايا التي كانت تبدو شائكة في حياته، كقضية سرقات الآثار، تناولها الكتاب بشكل حيادي فيه من الوضوح والجلاء ما فيه الكفاء.

الكتاب بسيط وصغير ومكتوب بأسلوب أدبي رائق راقي. وتقرأه في جلسة لا تزيد عن ساعة، لكنك لا تكاد تشعر بها لسهولة وبساطة أسلوبه، وكثافة ما فيه من معلومات ملفتة ومشوقة. لا أقول هذا باعتباري رئيس تحرير السلسلة الذي يريد الترويج لها. بل هو رأي من قرأ الكتاب من نقاد أعرفهم قرأوا الكتاب واستحسنوه.

الكتاب الثاني يوشك على الصدور، وهو عن الدكتور/ نجيب باشا محفوظ. وهو شخصية مفاجئة لكثيرين. وأول هذه المفاجآت أنه الطبيب الذي استقبل أديب نوبل (نجيب محفوظ) على يديه في ولادة مستعصية كاد الوليد فيها أن يفقد حياته لولا هذا الطبيب البارع!

 إن قصة رائد النساء والتوليد د/نجيب باشا محفوظ قصة مثيرة للغاية وممتعة، وفيها الكثير مما يثير الدهشة والتأمل. دارت في فترة من الفترات المفصلية في تاريخ مصر. وقد امتد عمر هذا العالم نحو تسعين عاماً، ختمها بسرد سيرته الذاتية سرداً تفصيلياً استغرق كتاباً كبير الحجم تم نشره عام 2013 في هيئة الكتاب ونفدت طبعته. ثم رأينا أن نختصر هذه السيرة الاستثنائية في كتاب يطرح رؤية جديدة لتلك الشخصية الفذة.

إنك عندما تقرأ هذين الكتابين وما سيتلوهما من كتب السلسلة ستشعر أنك تنتقل زمنياً إلى عصر قديم عاش فيه جدي وجدك. إن كل كتاب من هذه الكتاب هو شريحة زمنية مستعرضة من تاريخ مصر، وإن كان تاريخ فرد واحد، لكنه عايش تلك الفترة الزمنية بكل تفاصيلها.

  السلسلة وإن كانت تستهدف الشباب وتخاطبهم، لكنها مناسبة لجميع الفئات العمرية لبساطة أسلوبها، وأتمنى لقارئيها الاستمتاع بها والاستفادة منها على النحو الذي استهدفناه. كما أتمنى منهم الاشتباك معها نقداً وتفنيداً ومدحاً وذماً كما يشاؤون..

القارئ أولاً

سلسلة عقول لن تكون منفصلة عن قارئها. بل نريد من قارئها أن يكون بطلها الأول..

تفاعل القراء مع السلسلة أمر نتمناه ونشجعه بشدة. نريدهم حقاً أن يشاركوننا إنتاج تلك السلسلة. أن يكونوا من عقولها المؤثرة. يمدونها بآرائهم وأفكارهم في كل شيء يتعلق بها: أسلوبها أفكارها شخصياتها مؤلفيها مظهرها مضمونها.. مثل هؤلاء القراء الإيجابيون سيصبحون من المشاركين لإنجاح هذا المشروع ومن مطوريه الأساسيين.

سوف يكون للسلسلة منصات إليكترونية يشتبك معها القراء ويتفاعلون معها بكل ما يطرأ على أذهانهم من رؤي وتفاعلات وآراء. وللقراء الجدد للسلسلة ومن يحبون المشاركة في خطواتها الأولي أقول: قوموا معي ببناء أفكار تلك السلسلة، قولوا ما تشاؤون، عبروا عن رؤاكم وخلاصة تجاربكم في الحياة بتوجيه دفة سلسلة عقول نحو الاتجاه الذي تفضلوه وتحبوه، هي بالفعل سلسلتكم أنتم، موجهة إليكم متناً وفكراً وعاطفة. اجعلوها من ممتلكاتكم فكراً وتوجيهاً وتفاعلاً..

 سلسلة عقول دورية يصدر عنها كتاب كل شهر تقريباً. ومؤلفوها متنوعو التخصص والمزاج الأدبي؛ وهم مزيج من الأدباء الشباب البارعين ومن أساتذتهم ذوي الخبرة الأكبر. وأكثرهم من المتخصصين في مجالهم. وشخصيات السلسلة متنوعة المجالات: شعراء وروائيين وصحفيين ونقاد وعلماء وفنانين ومؤرخين ومفكرين من ذوي التأثير الكبير في محيطهم الثقافي والاجتماعي. وقد بدأت السلسلة خط التاريخ بدءاً من أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. أي من جيل الرواد في الفنون والآداب والعلوم. وليس هدفها حصر المبدعين والتحدث عنهم جميعهم، وهم كثيرون. فمصر غنية بنماذج لا حصر لها من قواها الناعمة. لكننا آثرنا انتقاء شخصيات محددة هم الأكثر تأثيراً في ملمح من ملامح التأثير الجمعي.

 إن قراء هذه السلسلة والحريصين على الانتفاع بما تقدمه سيكون انتفاعهم الأكبر بمتابعتها واستمرار تفاعلهم معها. لأن لديها تصور استراتيجي يكتمل قطعة بعد قطعة وعدداً تلو عدد. بحيث يكتمل هذا التصور بمجموعة من هذه الأعداد معاً أو بجميعها معاً. بل إن المنصة الإليكترونية المزمع إنشاؤها لمتابعة آراء قراء السلسلة والتفاعل معهم لها دور في اكتمال الصورة وتحقيق مستهدفات السلسلة، وأجلها وأسماها تحقيق رسالتها الفكرية المتضمنة في كل عدد من أعدادها.

***

عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم