أقلام فكرية

علي محمد اليوسف: مصطلح ما فوق اللغة الوعي والوجود

مصطلح ما فوق اللغة* هو مصطلح إخترعه فلاسفة وعلماء فلسفة اللغة واللسانيات. ما فوق اللغة هو باختصار شديد ان تتكلم عن اللغة العادية التداولية بكمالها النحوي بلغة اخرى ليست اعلى منها بالدرجة النوعية من حيث التراكيب والقواعد والنحو وحسب بل تعتبر اغنى من اللغة الام في اسبيقتها التراتيبية الفطرية النحوية وقواعد اللغة التداولية المتعارف عليها.. كما ان اختلاف مافوق اللغة جوهريا عن اللغة العادية التداولية الأم انها فطرية غير مكتسبة. وهذه مسالة اشكالية ليست محسومة. المتعارف عليه أن كل ماهو فطري يكون موروثا جينيا بالوراثة فهل هذا المنطق العلمي ينطبق على فطرية اللغة؟ لا اعتقد ان هذه الاشكالية يمكننا اختصار حسم الاجابة عنها بنعم او لا فالقضية اصعب من ذلك.

قام الفيلسوف فردريك سكينر الامريكي 1904 - 1990 رائد (نظرية السلوك اللفظي) وعالم النفس والمخترع الميكانيكي متعدد الاهتمامات. شغل سكينر كرسي الفلسفة في جامعة هارفرد. باختراع نظريته في السلوك اللفظي في مرجعية اللغة الى علم النفس.

يعتبر الباحثون في علم اللغة واللسانيات سكينر صاحب الكتاب الفريد (السلوك اللفظي) الذي حاول فيه جعل تعلم الطفل للغة سلوكا تجريبيا يقوم على ثنائية الاثارة والاستجابة حسب هذه الترتيبية اللفظة اللغوية الدالة + الاثارة + رد فعل الطفل + الاستجابة وتتم هذه العملية تحت مراقبة وتوجيه طرف ثالث يشمل الطفل المتعلم والمفردة اللغوية والقائم على تعليمها.. كما ويعتبر الباحثون سكينر ممهّد الطريق امام نعوم جومسكي في نظريته التوليدية اللغوية. رغم الاختلاف الجوهري الذي جرى بينهما لاحقا. ما فوق اللغة هي لغة تخارجية معرفية تجمع بينها وبين اللغة الام وما فوق اللغة لا يلغي اصل اللغة من حيث ثبات نحو وقواعد اللغة الام. بل تحاول ما فوق اللغة تعديل بعض قواعد اللغة الام بالاضافة عليها او حتى اختزال حروفها الابجدية.

معيار قياس ما فوق اللغة

ما الجديد الذي يمكنني اضافته على ما سبق لي ونشرته على صفحات العديد من المواقع الالكترونية المحكمة في دراستي الموسومة (اللغة العربية ومصطلح ما فوق اللغة)؟... ينظر الهامش لطفا.

بأي معيار يمكننا الكلام عن مصطلح ما فوق اللغة؟ وهل يمكننا توطين المصطلح عربيا اسقاطيا كما فعلت انا بدراستي المشار لها حين اسقطت مصطلح ما فوق اللغة على اللغة العربية الفصحى عندنا منذ عصر ما قبل الاسلام وفي لغة القران الكريم ما قبل تنقيط الحروف في القران وفي اللغة العربية ووضع ضوابط النحو والحركات الاربعة على الحروف والشدة والتنوين في اللغة العربية من قبل عبقري اللغة العربية الخليل بن احمد الفراهيدي 100- 170 هجرية.. الذي وضع بحور الشعر العربي واجملها بستة عشر بحرا.

تبدو لي مفارقة غريبة ان اللغة العربية الفصحى في العصر الجاهلي كانت تمتلك مقوماتها النحوية وقواعدها التي يتكلم بها العربي ولو اخذنا مثالا صارخا لا يقبل التفنيد هو السليقة الشعرية الفطرية التي كانت القبائل العربية تتناقل بها القصائد الشعرية شفاها او مكتوبة بالعربية الفصحى من غير ما تعرف تلك القبائل ان الشعر العربي له ضوابط وبحور الا بعد مجيء عبقري اللغة العربية في القرن الثاني الهجري الخليل بن احمد الفراهيدي 100-170 هجرية وقام بتصنيف وحصر الشعر العربي بستة عشرا بحرا. ولما وجد الصحابة عثمان والامام علي وعمر بن الخطاب وآخرين غيرهما انتشار (اللحن) في كلام المشفهة وفي قراءة القران الذي اخذ يتنامى بعد دخول غير العرب من الاقوام الفارسية والتركية والهندية بالاسلام.

قام الصحابة رحمهم الله بتكليف ابو الاسود الدؤلي البدء بتنقيط لغة القرآن الكريم يساعده كلا من عاصم الليثي ويحيى بن يعمر ولم يستطيعوا ثلاثتهم انجاز المهمة الا زمن الدولة الاموية حين امر عبد الملك بن مروان تكليف الخليل بن احمد الفراهيدي بتنقيط القران الكريم ووضع الحركات الاربعة الضمة والفتحة والكسرة والسكون على الحروف بأمر من والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي حينذاك.. كما وقام هذا العبقري الفذ الفراهيدي باختراعه التنوين والشدة. (للمزيد حول الموضوع يمكن العودة الى دراستي المنشورة قبل سنتين بعنوان: (اللغة العربية ومصطلح ما فوق اللغة).

في هذا المثال لو اسقطنا مصطلح ما فوق اللغة على لغتنا العربية الفصحى منذ العصر الجاهلي وعصر صدر الاسلام. لوجدنا ان العربية كانت بالعصر الجاهلي وبعد قرنين من ظهور الاسلام لغة متوارثة بالفطرة والسليقة في مقدمة ذلك ياتي نظم الشعر الجاهلي وصدر الاسلام. هنا اعترف بان هذه الاشكالية جعلتني افكر مليّا كثيرا قبل أن احكم على نظرية وجود لغة فطرية ام هي في طبيعتها الانثروبولوجية مكتسبة؟. السؤال من الذي وضع الابجدية العربية في دلالة كل حرف على صوت معيّن في العصرين الجاهلي وصدر الاسلام قبل ان يقوم الفراهيدي بتنقيط حروف اللغة اللعربة؟

نعود الى صلب موضوعنا هل تعتبر لغة مافوق اللغة انها لغة فطرية موروثة عقليا وهي تتجاوز بالتجديد اللغوي النحوي قواعد اللغة الام المتداولة قبل لغة ما فوق اللغة علما أن الاثنتين متعايشتين. الفطرة اللغوية الغير موجودة فما فوق اللغة هي لغة مكتسبة عن اللغة الام التي تتحدث عنها. يوجد فرق كبير بين أن تقول فطرة لغوية موروثة تتبلور بالنمو التجريدي النحوي وبالاكتساب المجتمعي في دخول كلمات جديدة عليها. وبين ان تقول يولد الطفل مزودا بجينات استعداد فطري لتعلم لغة ابويه واسرته بالممارسة.

نعم هنا يكون الاستعداد الفطري لتعلم اللغة هو في وراثته الجينية له عن طريقين هما تطور حنجرة الانسان بمرافقة اللسان على امتلاك الطفل تعلم اللغة في اطلاق حنجرته النوعية الانسانية غير الحيوانية اصواتا لها معنى محددا لا تستطيعه الحيوانات التي تعيش معه؟.

ولو نحن ذهبنا الى ما يقوله علماء اللغة واطباء فسلجة وظائف اعضاء جسم الانسان فهم يقارنون بين طبيعة تكوين حنجرة الانسان عبر مرور الاف السنين انها هي سبب امكانيته نطق اصوات لغوية لا يستطيع الحيوان مجاراته بها. كما ان لسان الانسان لعب دورا لا يستهان به بتماهيه حنجرة الانسان بالنطق اللغوي صوتيا الذي له معنى. فطرية اللغة لا تكتسب بكروموسومات DAN كغيرها من الصفات الوراثية مثل لون البشرة، شكل العينين، طول القامة، لون العينين وهكذا.

 نعوم جومسكي ميّز في نظريته التوليدية اللغوية بين الفطرة اللغوية والاستعداد الفطري لتعلم اللغة حسب فهمي. ولم يتنكر جومسكي الفيلسوف اللغوي المرجع ان يتنكر للمبدأ اللغوي أن اللغة فعالية فطرية مكتسبة عن الاسرة والمحيط والمجتمع. واللغة تتجدد ابتكاريا توليديا ناميا متصاعدا بتاثير من المحيط والبيئة بالاستعمال.

أهم عقبة تقف امام أن لا تكون اللغة فطرة موروثة هو عامل أن كل لغة تمتاز عن غيرها بضوابط وقواعد نحوية وابجدية حروفية صوتية خاصة معينة بها لا تجدها بغيرها. والسبب الاهم تطور حنجرة الانسان في اطلاقه اصوات لا يستطيعها الحيوان.

بناءا على ما تم ذكره نتساءل هل اللغة منطق عقلي شفاهي أي بمعنى هل نستطيع القول عن اللهجة العاميّة مثلا انها لغة ما دون اللغة الام وليس ما فوقها؟ لا بالتاكيد كون اللغة تمتلك ثوابتها النحوية وقواعدها وابجديتها المحكمة التي لا يمكننا التفريط بها وهو ما تفتقده اللهجات التي تعتاش على اللغة الفصحى الام في خروجها التام عن ضوابط واحكام اللغة النحوية المرجع الاول والاخير.

الوعي واللغة

عندما نقول الوعي ليس هو العقل فنعني به افصاح العقل عن ذاته في مدركاته. بعبارة ثانية العقل لا يدرك ذاته الا بوعيه الاشياء والعالم من حوله. الادراك العقلي ليس هو المطابقة في وعي مطابقة الدال مع المدلول. ولا بتعبير هيجل ماهو عقلي موجود وكل موجود عقلي. بل العقل لا يدرك ذاته الا بادراكاته الغيرية من الاشياء. وما لا تعبر عنه اللغة في الاشياء والمواضيع لا يكون موضوعا لتفكير العقل. واذا ما كانت اللغة هي تضليل العقل اغلب الاحيان فمع من يكون صدق الحقيقة مع اللغة الام ام مع تعبير ما فوق اللغة؟.

اللغة والوجود:

(اللغة هي استفهام حول المعنى والوجود). بول ريكور

يتوسط الوجود بين حقيقة الشيء واللغة المعبّرة عنه، وكلاهما الحقيقة واللغة، مفاهيم تصورات نسبية، تنعكس عن الوجود المستقل للاشياء، وحقيقة اللغة كما يعبّر عنها عالم اللغات دي سوسير(نظام معرفي قائم بذاته) من جهة، ونسبية الحقيقة الوجودية من جهة اخرى. وفي تعالقهما الثنائي بالاشياء والموجودات يتعيّن بهما الوجود الحقيقي.

(كما ان الانسان لا يوجد في المطلق، بل يوجد في الزمان والتاريخ، يوجد حيث يفكّر، ويفكّر حيث هو موجود، ولا يمكن فهم الذات من دون توسّط اللغة والعلامة والرمز والنص)1، وبحسب بروتاغوراس ان الحقيقة هي مظهر الوعي، وان كل شيء نسبي، والموجود لا وجود له الا بالاضافة الى الوعي. الوعي هو إفصاح العقل عن ذاتيته.

هذه الجدلية التعالقية العلائقية بين الوجود والفكر كان تم حسمها منذ قرون، في اما ان تكون علاقة (مثالية) او ان تكون علاقة (مادية) ويتوضّح معنا هذا لاحقا.

ان اللغة ادراك عقلي مفاهيمي تداولي، شفاهي ومكتوب ومرئي، وتعبير رمزي صوري تواصلي. اما لغة الصمت فهي نوعين من التعبير اللغوي، من حيث الادراك العقلي لها، فهي لغة حيّة لا تقل اهميتها الوظائفية عن اللغة المنطوقة او المكتوبة، او المرئية، حين تكون لغة الصمت ادراكا ذاتيا واعيا بضروراته التواصلية والوظائفية، كما نجده في طقوس الديانة البوذية التأملية وبعض الاديان الوثنية الاخرى المعبّر عنها بلغة الصمت الطقسي الشعائري، واليوغا، المسرح الصامت، رقص الباليه، ولغة بعض المتصوفة المجذوبة الاغترابية عن المجموع*.

الوجود كينونة متعيّنة بالادراك العقلي لها، ويكون وجودا معطّلا من غير ادراك اللغة تواصليا معه. اما ان تكون لغة الصمت غير مدركة عقليا، بمعنى التعطيل الوظائفي لها في الحياة، عندها تكون وهما، وتعبيرا زائفا عن وجود الاشياء، بل تكون وهما خارج فاعلية الوجود، فهي لغة خارج المدرك الحسّي والعقلي للاشياء والموجودات، وهذه اللغة نجدها عند بعض الحيوانات وفي غطرفة وهذاءات المجانين العصّية على التلقي والاستقبال. فهي لغة غير منطوقة بنظام لغوي تعبيري تعريفي، ولا تهتدي بالعقل ادراكيا، وهي بلا معنى ولا هدف. فلغة الحيوان هي نوع من اللغة التواصلية (غريزيا) فقط، ليست لها امتدادات وظائفية خارج الحاجات البيولوجية الغريزية المحدودة للحيوان، بينما اللغة العقلانية لدى الانسان، لغة تواصل تداولي لمحمولات وظائفية لا حصر لها تغطّي جوانب الحياة بمجملها من ابسط الامور والى أعقدها. وبذا تكون اللغة المؤنسنة بالنوع خاصية انسانية لا يشاركه بها الحيوان، هنا الانسان يتأنسن باللغة وهي تتأنسن به، مثلها مثل علاقة الانسان بالطبيعة فهو يتأنسن بها وهي بدورها تتأنسن به .

 اللغة وجود ادراكي عقلي يتفرّد الانسان بحيازته ويختّص به دون غيره من الكائنات. واللغة هنا وسيلة العقل لأثبات وجود الاشياء، وبحسب غاديمير: (الكائن الذي يمكن ان يفهم هو الكائن اللغوي، وان اللغة هي الفهم، وهي التي تحدد علاقة الانسان بالعالم)2 .

يذكر الزواوي بغورة ان الفلسفة الوضعية المنطقية حوّلت التحليل اللغوي المنطقي الى واقع فلسفي قائم، وحصرت مهمة الفلسفة في التحليل اللغوي، واعطت اولوية اللغة على الفكر. كما سبق لفنتجشتين قوله (ان اللغة هي الفكر).

 تساؤلنا ايهما أسبق ادراكيا الوجود ام اللغة؟

في معرض اجابتنا اود تثبيت هنا تناقض كبير في عبارة عالم وفيلسوف اللغة دي سوسير يقول: (وجود الاشياء يسبق فكرتنا عنها) وهذا منطق مادي سليم ليس فلسفيا وحسب وانما علميا ايضا، لكن لنتأمل تكملة العبارة حين يقول:( الا انه يمكن القول بأن تصوراتنا هي التي تخلق الاشياء)؟ كيف؟.

طبعا هذا التناقض في عبارة واحدة، ينكر فيه دي سوسير موضوعة فلسفية معرفية ان مثالية التفكير تقود لمثل تلك الاستنتاجات الفكرية البائسة، في تقاطع ان وجود الشيء يسبق فكرتنا عنه، وهذه نظرة علمية مادية صحيحة، اما اننا ندّعي اننا نستطيع خلق اشياء من تصوراتنا عنها فهو لا يستقيم مع اي منطق عقلي اوعلمي. وجود الشيء لا يحدده التفكيربه، وانما يحدد الفكر وجود الشيء السابق عليه على الفكر.

في هذا التناقض المثالي لسوسير نجده ينسف ابجدية الفكر المادي حين يقول بامكانية المفاهيم المدركة واللغة خلق وجود الاشياء، فالجدل الماركسي يقول ان وجود الشيء يسبق ادراكنا له، وليس بأمكان تصوراتنا ان تخلق واقعا حقيقيا لوجود الاشياء، وانما وجود الشيء يخلق تصوراتنا التجريدية والمفاهيم عنه، واللغة او التصورات المنبثقة عنها لا تخلق حقائق الوجود، وانما الوجود يخلق حقائقه لغويا تجريديا بعد ادراك العقل له.

اما اذا أخذنا في نفس السياق مقولة فينجشتين(اللغة هي الفكر) فيكون معنا ادراك العقل للوجود والاشياء هي أسبق على أدراك العقل للفكر، من حيث ان الفكر هو انعكاس تجريدي وصوري لغوي في فهم الواقع والوجود. والعقل مستودع الافكار ومكمن انطلاقها، لذا فان ادراك العقل للوجود والاشياء يسبق ادراك العقل للافكار او اللغة المتعالقة بالتبعية التراتبية لوجود الاشياء. والادراك اللغوي مستمد من علائقية ادراك العقل للاشياء. وهذا الادراك يكون قاصرا وظيفيا ما لم تسعفه اللغة كنسق منظّم في تبيان خواص وتمظهرات الاشياء والموجودات المدركة عقليا(الحواس+العقل)، وكذلك وجود الانسان في الطبيعة ومحددات كينونته وجوهره.

انه من المهم جدا ان لا نغفل ان اروع الافكار هي التي تصوغها عبقرية اللغة، ولا يعطي وجود الاشياء المادية اللغة جمالية التعبير العبقري. ان عبقرية اللغة تسبق عبقرية الفكر. كما لا تقل اهمية اللغة في التعبير عن اهمية التفكير العقلاني، واللغة وسيلة العقل لا ثبات الوجود. ولغة الخيال ادراك غير فاعل لواقع الاشياء والموجودات في تعطيله التواصل المثمر.

اهمية ادراك اللغة للاشياء

ادراك العقل للوجود والاشياء ادراك ناقص ولا فاعلية له من دون مدركات اللغة التعبيرية الافصاحية عنه. الوجود يتم ادراكه عقليا كموضوع مستقل فقط قبل ادراك اللغة له، الوجود من غير ادراكه لغويا وجود مكتف بذاته يفتقد الحيوية والفاعلية والتأثير، اللغة كشف ادراكي عقلي للاشياء والموجودات، والوجود الواقعي لا ندركه ادراكا واعيا حقيقيا في تجريدنا ادراك اللغة له، ومن غير الادراك العقلي وتزامن الادراك اللغوي معه تصبح معرفتنا للوجود قاصرة غير منتجة.

وتعجز اية فكرة مدركة عقليا، أن يكون ادراكها مثمرا تواصليا منتجا من غير ادراك اللغة لها تداوليا، والفكرة التي لا تستوعبها اللغة بأرقى درجات التعبير التواصلي تبقى ناقصة ومشوّهة كفكرة ادركها العقل ولا يستطيع البوح بها ومقيّدة لا تستطيع التعبير عن نفسها.

نجد في دعوة كروتشة ان اهمية اللغة، يجب ان تكون مقتصرة على دراستها (جماليا) على صعيد الشعر تحديدا، فيها الكثير من التطرّف في تجاوز أهمية دراسة ابعاد اللغة كوسيط تداولي تعبيري، فلسفيا، اجتماعيا، وثقافيا واقتصاديا. ودراسة اللغة جماليا هو دراسة لواحدة من خصائصها الوظائفية العديدة وليس منتهاها .

ومثل ذلك ذهب هيدجر في اهمية دراسة اللغة، وايضا الشعر تحديدا لتبيان (المقاصد الوجودية من اللغة) وهي دعوة ايضا تستبطن اهمية اللغة جماليا، وفي تعطيل السمات والخصائص المتعددة للغة وظائفيا. ويضيف هيدجران اللغة وهي من تركيبات الانية، الا ان هذا التركيب لا يظهر الا في حالة الوجود الزائف، في صورة ثرثرة يومية، وهذه لا تتضمن حوارا بمعنى الكلمة او تبادلا للافكار. وقد ترتب على ذلك ان يصبح الوجود الحقيقي هو الصمت.

ان اهمية ادراك الشيء والتواصل به ومن خلاله ومعرفته لغويا، هو اكبر من اهميته كمدرك عقلاني (موضوع) مكتف بذاته خارج فاعلية واهمية اللغة له، اللغة بعد العقل هي المتعيّن الوجودي لجميع الافكار في ان تكون تداولية تواصلية ذات حيوية واثراء نافع للحياة.

***

علي محمد اليوسف

.........................

هوامش

* حول مصطلح ما فوق اللغة نشرتها دراسة قبل عامين ولاقت اعجابا كبيرا بعنوان (اللغة العربية ومصطلح ما فوق اللغة) فقد نشرت الدراسة على مواقع عديدة منها موقع كوكل، موقع الحوار المتمدن، موقع المثقف، موقع اضواء للبحوث والدراسات، موقع انفاس نت، موقع المجلة الثقافية الجزائرية. وغيرها من المواقع.

(1) و(2) نقلا عن الزواوي بغورة، شذرات عن كتاب الفلسفة واللغة، عرض وتلخيص.

* احيل الى دراستنا الخيال واللغة والتصوف، موقع صحيفة المثقف الغراء

في المثقف اليوم