مقاربات فنية وحضارية

رياض ابراهيم: الهاجس الروحي والايدلوجي في لوحة "القدس" للفنان د. محمود شبر

في خضم كل احتراق ورماد تولد فكرة قد تحيي خلايانا المحبطة ويدب الأمل في عروقنا التي تكاد قد جفت.

في لحظة تاريخية مصيرية وجودية أما أن نكون او لا نكون كمجتمع أو شعوب يجمعها الإرث والفكرة والدم والنسب والمكان ويزلزل كل وجودها وتاريخها من عدو طامع همجي لا يكترث للتاريخ والإنسان محاولا اجتثاثك واجتثاث الأصول والسلالة في لحظة ضعف وتفوق لهذا العدو ' فيتوهم أن من السهل تزوير التاريخ والحقائق والظواهر لصالحه ويسوق فكرته بما يمتلكه من ماكنات اعلام ومال ومقدرات وليظهر للعالم بأنه ثمة ضحية وجودية محاولا بالترهيب أو الترغيب أن يجمع العالم من حوله. ربما قد ينجح هنا وهناك لكن التاريخ هو التاريخ ففلسطين هي موطن العرب منذ عصر الخليقة ومازال ولايمكن لأية قوة على الأرض أن تزور هذه الحقيقة.3894 محمود شبر

في ظل الأحداث المتسارعة ووفق صخب الرفض والاحتجاج العالمي والعربي والإسلامي يطل علينا الفنان التشكيلي د . محمود شبر في عمله " القدس الأثر والمصير" ليعبر من خلال فرشاته المبللة بدموع الأسى وحرقة القلب لما يحدث الآن في غزة والضفة الغربية في فلسطين من أعتى هجمة بربرية على مقدسات العرب والمسلمين من خلال القتل والتهجير وحرق الأرض ومن عليها وهدم كل بناها. فهذه اللوحة بتدرجاتها اللونية ونسقها وهرمونيتها شكلت لحنا حزينا وموجعا وفي نفس الوقت بصيص أمل من خلال التضاد بين العتمة والرماية والألوان الخافتة كأنها سيناريو حرب وساحة حرب رغم نصاعة وبريق اللون الذهبي لقبة الجامع المقدسي الذي نراه توسط النص البصري مضيئا بفعل الوان الفرح والنشرات الضوئية المبتهجة وكأنه يقول إن عجلة التدمير لن تستطيع أن تخفت من بريق القبة والمكان والروح في ضمير كل انسان يدرك قيمة المكان الروحية والفكرية.

انها لوحة تحد واستعادة ذاكرة بل هي ذاكرة حية لن تغيب ولن تموت طالما هي أصبحت عقيدة حب قبل أن تكون ثيمة دينية عاشت في الذاكرة الجمعية.

ان اللوحة تم بنائها بشكل هرمي عمودي كتوينات وتدرجت الوانها من اللون الرمادي الموشح باللون الابيض والذي يشكل أسوار القدس اي القبة ورصف الحجر وكأنه اسوار مانعة تحيط المكان ليتحول الحجر إلى قلوب تسور المكان وتراص وإرادة جمعية أعلنت بكل ما تملك من قوة أن تدافع عن هذا المكان المقدس وبكل تحد .

لقد تقصد محمود شبر أن تكون القبة المقدسية بؤرة الحدث لهذا جاء تشكيلها في مركز اللوحة ولتسطع عليها الالوان المذهبة ذات البريق الذي يترك شغفا وحبا على نفسية المتلقي وبقصدية الفنان أراد أن يلفت المشاهد للخطر المحدق الذي يهدد المكان من خلال الظلمة والعامة آلتي ألمت وأحاطت به وهو اشعار تنبية ودق جرس انذار.

في أعلى فضاء هرمية اللوحة والشكل جسد شبر جموع هاتفة مهلهلة وعفيرة هبت بغضب لتحمي المكان وسيما ترك محمود شبر في أعلى المكان شعل ولعب ساقطة من علو وهي إشارة مهمة وعلامة سيميائية جسدت هناك مخاطر تهدد المكان ووجوده وتحاول إزاحة كل ماهو مضيء وقبس لتحيله الى عتمة وظلام.

تشي دلالة التكوينات والإشارات الرمزية للشكل واللون والدلالة الفوتغرافية الآخرى المتسقة في ذات المبنى النصي شكلا معنا واحدا وفق الفكرة المطروحة التي شكل النص البصري لتوحي وتشكل خطابا جماليا وروحيا ثقافيا غير منفصلا وقد يتحد الشكل والمضمون وينصهران في بودقة الابداع وسحره وننسى مناسبة النص ووقته وظروفه ونشاهده بشغف كعمل فني جمالي وايقونة فنية وأغنية شجية فتتغلغل في النفس والوجدان الى أوسع مدياتها.

***

كتب رياض ابراهيم الدليمي

في المثقف اليوم