لوحات فنية

أهات سازا

صوت يجمع بين رنين الضحكة، ودلع أنثى تتموسق في فيها أنغام الروابي الحالمة، وفي لحظة التجلي هذه، نقله الصوت إلى مسقط رأسه في ريف البصرة، حيث صوت العصافير، وتغريد البلابل، ونوح الحمام الحزين، يختلط في خدر الصباح، بوحاً عاشر اللون، والصوت، ورائحة الحشائش، وبخور الأكواخ، والطين يلبس الأخضر، وحال هذا الودع منفتح على فضاءات خميلة، تبسط شموسها على مياه شط العرب ونوارسه الراقصة

- ألووو "مرهبه".. أنا سازا

- أهلا وسهلا سا.. !

رد متثاقلاً ومتسائلاً وغير متأكد من الاسم

- من؟

- أنا سازا .. س  ا  ز  ا، هسه عرفتِ أسم آنه ؟ ألستِ أنتِ أستاذه حسن؟

- نعم.. نعم أنا حسن وليست أستاذه.. وأنتِ سازا.. س ا ز ا.

ضحكت على تلعثمه من هذا التعارف العبثي المرح، بطريقة ودع لهجتها الكردية.

أحس بصوتها وكأنه انسكاب سقسقة خمرة، فعم الخدر بأطرافه، شيء يشبه التجلي بتفاصيل مشبعة بالألحان،

تساءل حائراً مع نفسه ترى من هي سازا؟

بعد أن صحا قليلا من سحر أنغام كادت أن تأخذه إلى الضياع، وكأنّ حلماً فاجأه، فحمله على أجنحة عبثية، تتهادى بضوء رنين صوتها، سألها فاحصاً ومنقباً في ذاكرته، ربما مرت عليه هذا الخلجة من واحدة من الكثيرات اللاتي أعجبن به. ولكن من هي سازا؟

- من أنت يا سازا؟

ضحكت تتثنى.. وصوتها أخذ يصدَحُ لحنهُ بأمواجِ السنا، فإذا بضحكتها تغزوه نشوة، ونغم فؤادها يترامى في أعماقه فيشدوه فرحاً، ردت عليه بغنج يكاد يرقص في عينيه، من مراهقة ذكية بتجاربها العذبة.

- آني سازا.. سازا "أُخابركِ" من لندن هل عرفتِ؟ أنتِ مايعرف عربي؟ أنتِ شاعر شلون متعرفين عربي؟ أنتِ أستاذه حسن!

احتار حسن في تأنيث المذكر وتذكير المؤنث من المتصلة المرحة، لاشك أن اللغة الكردية لغة ظريفة وناعمة ولكن..،

كانت ضحكتها الطفولية تسيطر على كيانه بالتمام، كأنما قيثارة ينساب لحنها إلى دواخله ، فتحيله إلى مستمع جيد لا يلوي على الكلام، كم تمنى أن تستمر معه هكذا إلى مالا نهاية، في هذا النهار السعيد، وكأنه وجد فيها حلمه المفقود، وماضيه الجميل الذي انقضى موزعاً في عيون النساء، حاملاً معه مثار الشوق إلى الشباب الأول، شجن مراهقة كانت عاصفة بالمغامرات، فبدت له صور الماضي مشرقة، تكاد أن تستأنف مجدها من جديد، وتتملى بهذا الشبق الأنثوي.

أحس بها وحالها قريبة منه وهو يتَشَظَّى لعناقها، متمنياً ضمها إلى صدره، بلهفة حنان تحترق بلظّى الوجد، لتستقر وسط حضنه الدافئ، ويغيبا في سروح القبل الحيرى، حتى ترتوي الشفتان من ثغره اللهيب، ليدوم هكذا يتجلى في سعير نكهة الأنثى وفيافيها الرءوم.

قالت له وضحكتها تنهل عليه نسيماً، وتذوب في نغم، وشبق تكسر صوتها أوَقْعَ إثارة في خياله، الذي أنفتح على الرياض المستريحة في حضن الغروب.

سألته والأنوثة مكشوفة على أنات ألفاظها، وكأنها تخيره بين من عاشر من النساء وبينها:

- أصحيحاً إنك عاشق جنون المرأة؟ أنا مجنونه!

وموسقت ضحكتها.. وأرسلت قبلتها، عبر هاتفها لمسمعه الذي خدرته كركرات صوتها فزادته حيرة.

تهادى حسن الكلام في خاطره مريحاً، داعبته لحظات عذبة، فرد عليها بفرحٍ تعلوه نسائم طيّبة.

تردد قبل أن يسألها، لكنه وجدها تقوده إليها:

- ماذا..؟ ولكن كيف..؟ هل هو..؟ لا لا!! إنما..اتعنين أنتِ.. أنا.. يجب أن نلتقي و......؟

ضحكت.. ضحكت.. ضحكت، حتى طفح المرح في أنوثتها مستفزاً ذكورته، تواصلت وهي تحببه بها وتسمعه      نبضات صدرها. ولواعج مراهقة معلنة إنها تمسرح أصابعها على صورته المنشورة مع قصيدته في جريدة ما، تهمس له رنين دلع ينساب من حسن صوتها، من حنجرة تكاد أن تبوح رغبة تنبعث صريحة في سؤالها:

 

- أنتِ مجنونه أستاذه حسن، آنه اعرف كلشي عنك، آني هم مجنونه مثلك، أنتِ يمته يجيني للبيت، ولكن أستاذه إذا أنتِ ما يجي! آنه أجيك اليوم وتشوفيني عندك، ترى أستاذه ما عندك خيار آخر!!!

 

جعفر كمال

[email protected]

 

في المثقف اليوم