الرئيسية
أوفيـــــــــليا .. لمحات مضيئة من تاريخ الفن (14)
لم تكن "أوفيليا" Ophelia الا شخصية خيالية درامية ابتكرها وليم شكسبير كأحدى الشخصيات الرئيسية في مسرحية هاملت التي كتبها عام 1600.لكن صورتها كأمرأة شابة جميلة ماتت بظرف مأساوي علقت في الذاكرة الجمعية واصبحت قريبة من القلوب والضمائر في كل مكان.
والسبب الرئيس هومحاكاة الخيال الدرامي للواقع وقربه من تجارب الناس وارتباطه بعواطفهم ومشاعرهم. وهو السبب ايضا الذي الهم العديد من الفنانين والكتاب والشعراء والموسيقيين لاستخدام موضوعة اوفيليا كمادة اولية في اعمالهم الابداعية.
مادار من احداث لاوفيليا في التراجيديا الشكسبيرية كان في الحقيقة ومايزال طوال الاربعة قرون الماضية تصويرا لحالة جوهرية من حالات وضع المرأة العائلي والاجتماعي عبر اختلاف الثقافات والازمان. وهو الوضع الذي يلغي دورها الاساسي في تقرير مصيرها ويجعلها بيدقا في الصراعات العائلية والاجتماعية من اجل النفوذ والسيطرة التي غالبا مايكون ابطالها الرجال وغالبا ماتنتهي لغير صالح المرأة.
أوفيليا البنت الشابة الفاتنة الرقيقة التي لاتعرف غير النقاء ولايشغل عقلها غير الحب والتي استجابت بصدق لاهتمامات هاملت بدأت تحلم ان تأسر قلب ذلك الامير الشاب الوسيم الذي تتمناه كل نساء الارض.
ولكن قبل ان تحلق باحلامها الوردية مع هاملت وجدت اوفيليا نفسها مذعنة لتحذيرات ومحددات ابيها واخيها معا ووجدت ان خطواتها وانفاسها اصبحت محسوبة عليها، وليس في مقدورها الا ان ترضخ لما يفترض ان يكون من محبة وحكمة من قبل عائلتها التي تسعى من اجل حمايتها.
الا ان حقيقة امر الرجال التي تخفي وراءها نزعاتهم الذكورية واعتبارات القوة والنفوذ وتصفية الحسابات مع منافسيهم تفاقمت في هذه الحالة فأدت الى مقتل والد اوفيليا الامر الذي اثارنزعة الثأر والانتقام عند أخيها الذي عزم على قتل هاملت! وهكذا ضاعت احلام اوفيليا وسط صراعات الرجال فهي من جانب فقدت اباها ووجدت اخاها عازما على قتل حبيبها، كما انها لاحظت في هاملت برودة التعامل ونزوعه الى اللقاء بها فقط من اجل اشباع رغبته وليس اكثر من ذلك. هنا بدأ انفصال اوفيليا عن الواقع في رحلة من الالم الداخلي الذي انحدر بها في النهاية الى الانتحار غرقا.
لقد افتتن الرسامون والكتاب بالحالة النفسية التي اعترت اوفيليا في ايامها الاخيرة حيث توحدت مع الطبيعة انعزالا وتأملا مما جعلها تهيم في المروج تقطف الازهار وتغني طوال النهار.
كما ان المبدعين وجدوا في طريقة موتها ماهو مؤثر وملهم حيث القت نفسها في البحيرة واستسلمت للموت غرقا فطفى فستانها الجميل مع باقات الازهار مما جعلها تبدو وكأنها عروس فاتنة مستلقية بهدوء وسكينة فوق سطح الماء. كانت الملكة ام هاملت هي التي اعلنت خبر موت اوفيليا واصفة مشهد موتها بطريقة شعرية قيل عنها بانها افضل ماكتب على الاطلاق في وصف الاموات.
من الرسامين الكبار الذين رسموا اوفيليا جان ايفرت مليه، جان وليم ووترهوس، آرثر هيوز، الكساندركابنل، جولز جوزيف لافري وآخرين غيرهم.
خاص بالمثقف