أخبار ثقافية

صدور كتاب: المحسوس وثقافة المتخيل للكاتب علاء حمد

صدر حديثاً عن دار جبرا في الأردن، كتاب المحسوس وثقافة المتخيل، بواقع 272 ص، حجم كبير للناقد والشاعر العراقي علاء حمد

نبذة عن الكتاب..

كتاب يتناول مصطلح المحسوس بدءاً من الشيخ العلامة ابن سينا ومروراً بالعديد من المدارس النقدية التي تناولت هذا المصطلح. قدم للكتاب الناقد والشاعر العراقي عبد الأمير خليل مراد.

من عناوين فصول الكتاب: اتجاهات النص المحسوس، المحسوس وثقافة الذات، المحسوس ولغة الذات، المنظور البصري، المحسوس وثقافة الصورة الشعرية، المحسوس الساخر.

اقتباس من الكتاب:

المحسـوس ما وراء الواقع

كتابة: علاء حمد

الذهاب نحو اتجاهات مغايرة، كأن نخرج من الواقع التقليدي والدخول إلى مناطق خارج التقليد، وبعيدة عن المواقع المقيّدة، وهذا ما يدعم الخيال نوعا ما، إذا بقي كما هو كخيال للشاعر الذي يلتزم بمهمّة الخيال؛ ولكن هناك الخيال الخلاق الذي ينتج من خلال المتخيّـل، لذا فإنّ للذهاب مع المحسوس خصوصيته بالتعبير عن بعض المواقف التي تعني الشاعر بالذات، ولا يمكن للمحسوس الاستمرار بشكله الطبيعي والمتعارف عليه ضمن قوالب بنائية قد تكون مقبولة. إنّ مثل هذه الاتجاهات متوفرة وبكثرة في المناطق والمواقع الشعرية، لذلك ينحى الشاعر بانفرادية غامضة ويزحف مع رؤيته مالم يستطع غيره بهذا الزحف، فيضع الباث أمامه كل ما هو مستهدف للتعبير عنه بواقع آخر وذلك من خلال واقعه. قد تنشب من خلال هذا الاتجاه ثورة أو فكرة ديالكتيكية ثائرة، مما يدخل الى منطقة السريالية، والتي أرى بأنّ هذه المنطقة هي الأكثر خصوبة من غيرها في العالم الذي نتداوله بشكل يومي.. (إنّ مهمة السريالية تكمن في التنبؤ عن دخول الإنسانية منطقة الأعاجيب الباهرة فهي تبغي استخدام الشعر والفنون الأخرى والحياة بأكملها لترسم صورة مسبقة عن حلول المملكة الخيالية، ولكنّها لا تكتفي بالتنبؤ ولا بالتصوّر، فهي عمل ومبتغاها أن تقود الانسانية قيادة فعلية إلى الهدف الذي يتراءى لها. - أندريه بريتون والمعطيات الأساسية للحركة السريالية – ص 91 – ترجمة: الياس بديوي – منشورات وزارة الثقافة السورية).

ومن هنا يتمّ الكشف عن المناطق المجهولة، والتي ترى الشعرية بأنّـها قادرة على توسيع مملكتها المقاومة من خلال النصّ الشعري، والذي أعتبره أيقونة فعالة للتغيير القصدي، وذلك لأنّ الباث يتوجه نحو القصدية، ولا يكتفي بالتصوّرات التي يحملها معه في العالم الثاني والعالم الثالث، ولو نظرنا إلى العالمين فسوف نكوّن علاقة ما بينهما، وذلك بوجود الإمكانية والتفاعل ما بين عالم مملكة الخيال، وعالم مملكة الذات المتشعّبة. لا تستقيم الذات خارج الذات؛ فهي الوحيدة التي تتسلّق المقدّس، وهذا يقودنا إلى مفردات أخرى ومنها الكلام القلبي، والكلام الذهني، فالذات تتوسّط ما بينهما من خلال مفردة ( الحبّ ) والتي تعتبر من المفردات الذكية والتي يسعى الباث من خلالها إلى تجاوز العقبات النفسية؛ والدخول إلى حقول التأمل والتصوّرات حيث تنزع الكتابة إلى أعمال خلاقة؛ وبدلا من الحضور المخيف راحت تتلو علينا التبدلات المعاكسة بالطمأنينة والتأمّل، وهما جانبان لمحاولة واحدة لا نراها أمام البصرية، وإنما تتلو المرسَلة من ثياب الإبداع المتجدّد؛ ومن هنا يخرج الباث من المحدود إلى اللامحدود في تقصّي العمل الشعري، فالواقع الذي أمامنا، واقع محدود وتقليدي، ففي كلّ يوم نصبّح بدائرة مزاجية، وهذا يدعو إلى مخاوف جديدة، وعندما نضع المرء بتلك الدائرة فهذا يعني أن نساعده على التحجيم.

إن التخاطب الموضعي يجرّنا نحو كتابة مغلقة؛ هذا من ناحية الكتابة الكلية، فهي تصلح ككتابة جزئية للنصّ الفريد، ونحن ننظر إلى أبعد من ذلك عندما ننتقل من كتابة محصورة وتتجوّل أمامنا إلى كتابة مفتوحة لا تجمعها البصرية ببساطة، لذلك فعملية الانتقال من خلال الذات إلى أفق مفتوح بعيداً عن الحقائق التي نشاهدها وهي حقائق مقولبة غامضة لا حلول لها، حيث يتدفق الشاعر نحو الفوضى والتراجع عندما تقع بصيرته كجسد مرتبك، وذلك بما يتطلّب معايشة البيئة التي حوله، وهذا ما يدفعه إلى الخروج من عالمه الأّوّل وإلى عوالم أخرى، تصنعها الذات والتي تدفع الكتابة إلى عالم خارج الالتباسات؛ ومن هنا نقول بأنّ القول الشعري الذي يسبح في عالم لا حدود له يميل إلى ترتيبات عجائبية وغريبة، علما بأنّها نفس اللغة ونفس الألفاظ يوظفهما الشاعر ولكن عملية الاختلاف هنا،  هي كيفية تركيب تلك اللغة وتدخلات الذات معها، في إعادة بعض التشكيلات، لكي تنشب حرب مفتوحة؛ حرب تدعو إلى المغايرات والاختلاف، حيث تتكوّن خاصّية مستقلّة لدى الباث لأنّه اختار عالمه التنظيمي وراح يحدّق من خلال عدسته البصرية بأفق آخر لا تغلقه المتاريس ولا البنايات الشاهقة ولا الحدود بين الدول وإثارة الحروب، فمعركة الشاعر معركة نصّية خالصة، يعكس من خلالها الصمت، وينطق من خلال النصّ الشعري.

***

علاء حمد: عراقي مقيم في الدنمارك

في المثقف اليوم