 مناسبات المثقف

الشمعة العاشرة في حياة المثقف

saleh alrazukاليوم نشعل الشمعة العاشرة للمثقف. من الواضح أن شموعنا تبكي وتذرف الدموع. لكنها نبراس نهتدي به في حقل أحزاننا.

لقد بدأت المثقف من هذه اللحظة الحاسمة من عمر العقل العربي. وهي لحظة التخلي والانكماش.

فنحن نترك الكثير من القناعات لأننا على وشك عالم له أدوات جديدة.

المثقف أصلا مشروع إلكتروني. يدخل في مضمار ثورة وانفجار المعلومات أو ما يسمى ثورة الصناعات الصغرية.

لقد بدأت مرحلة الورق بالأفول ودخلنا في فراغ إبستمولودجي جديد هو الفضاء الإلكتروني. وهذا يماثل ما حصل بدخول مطبعة غوتنبرغ.

إن ثورة المعلومات برأيي لا تقل عن ثورة النظام الشمسي لغاليلو.

وبعيدا عن هذه الفذلكة يمكن اختصار فوائد صحيفة المثقف بثلاث نقاط.

*إنها مساحة للمثاقفة. فهي تتعامل مع الثقافة كإمكانية وليس كمعطى أو دائرة منغلقة على نفسها.

ولا أشير إلى الترجمة فقط. ولكن إلى مناقشة موضوعات من منظور خلافي. وفي مقدمة ذلك مشاكل الهجرة والاغتراب. ناهيك عن مشكلة الأقليات في الداخل العربي ومعاناتها. وهذا ينسحب على الأكراد والشبك والآشوريين (هل هم السريان أم بقايا الشعوب الآرامية. أترك الإجابة لمن له علاقة). لقد أضافت المثقف لرصيدنا معلومات بغاية الأهمية عن ثقافات الهامش.

و هنا لي مداخلة بسيطة.

لم يعد للهوامش والمركز وجود فعلي. وبمنظور فلسفة ما بعد الحداثة أصبح المثقف العضوي يرتبط بكل ما من شأنه دحر اللوغو سنترية أو مركزية العقل الخاص. فتجيير الثقافة لنتاج عقلي مخصوص هو نوع من الشمولية أو بصراحة جزء من تفكير دكتاتوري فاشل انتهى أوانه.

وكل من يعود لكتاتبات جاك دريدا يفهم الناحية الدلالية للأقليات. فالحداثة كانت تعكس فكر الأقلية ولو أن الكاتب من مجتمع الأكثرية.

لقد كان جويس بحاجة لأن يهاجر من دبلن إلى باريس لينهي مشروعه الهام والشهير(عوليس).

وكذلك بالنسبة لعبدالرحمن الكواكبي، لم يكن قادرا على إنجاز مشروعه إلا بضيافة الأسرة المملوكية في مصر. وقل نفس الشيء عن جورج طرابيشي وأرملته هنرييت عبودي.

لم يكن من الممكن لهما تقديم جرد حساب مع المحافظين الجدد إلا في مدينة النور باريس.

للأسف إن كل نتاجات الداخل تعاني من الكبت والقهر والمساحات الرمادية. وهذا هو السبب المسؤول عن الحيرة والتردد وعدم الصراحة في مقارباتنا لمسائل لها علاقة بالمصير العربي.

 

الفائدة الثانية هي نهجها التنويري

فقد حملت المثقف شعار النهضة والإصلاح في وقت أصبحت فيه هذه المسائل بحاجة لمحددات.

ماذا تعني النهضة بالنسبة للمثقف العربي.

هل هي مشكلة عقلية أم أنها مشكلة في الإبداع.

بتعبير آخر.

هل نحن بحاجة لتفكيك المسلمات أم المتابعة من حيث انتهى الجيل السابق.

والجواب على هذا السؤال هو نفسه الفائدة الثالثة.

فالمثقف أتاحت الفرصة لمن ليس له منبر.

لقد تحولت صناعة النشر إلى مشكلة طبقية. وأصبح يوجد بين الكتاب طبقات. الأرستقراطيون الذين تتوفر لهم كل الامتيازات والطبقة المتوسطة التي تكافح لتجد لها مكانا.

وإن اتساع الحواجز بين الفئتين ساعد على انتشار مبدأ الاستعلاء من طرف والتجاهل واللا مبالاة من طرف آخر. إن بيروقراطية مؤسسات النشر الحكومية والأخلاق التجارية لمؤسسات النشر الخاصة لم تخنق الكاتب فقط وإنما دفعته ليكون عمالة عضلية. كأنه منتج في مجتمع تتحكم به قوانين العرض والطلب.

أتمنى للمثقف طول االعمر والتوسع بمجال نشاطاتها الإلكترونية والمطبوعة. فقد يوفر ذلك لنا شيئا من حرياتنا المفقودة.

و شكرا..

 

د. صالح الرزوق

جامعة حلب 2016

 

للاطلاع على مشاركات ملف:

المثقف 10 سنوات عطاء زاخر