 مناسبات المثقف

المثقَّفُ الجليل: خُبْزُ الفِكْر الأصيل وماءُ الجَمَالياتِ الزُّلال

mohamad benjelali الله، ثمَّ باسْم الشِّعر، ثمَّ باسْم النثر .. أفْتحُ لُغتي .. كما أفْتح قارورةَ عطْرٍ باريسيٍّ ذبَّاح ..

أفْتحُ أبْجَديَّتي .. كما تفْتح الوردةُ نفْسَها لاحتضان الأنوف .. لالتقاط ذبْذبات النحل البعيدة .. لاستدْراج احتمالات العسَل العديدة ...

أفْتحُني .. كما تَفْتحُ الفاتحةُ كتابَ الله ..

لأكتُبَ بكلِّ قوَّةٍ وفُتوَّةٍ .. بعضَ كلمات الشُّكر، والعرفان، والتبْجيل .. إلى مُثقَّفِنا، ومُثقِّفِنا (المثقف) البَجيل.

**

أحاول، في هذا المقام الجليل، أن أكون الكريم الذي (مَلَكْتَهُ)؛ الذي أكْرَمَه (المثقف) الكريم، فملَكَه كما يمْلك الربُّ عبْدَه، .فإن فاتَني فضْلٌ من أفْضاله، فأرجو أن يُلْتمَس لي عُذْرٌ واحدٌ؛ هو عذْر النسيان الإنسانيِّ .. ليس إلاَّ.

**

صحيفةُ المثقف نشيطةٌ، تبارَك الله، كالنحلة العاملة في ممْلكة الفكر، والإبداع، والمحبَّة الإنسانيَّة. لمْ تلْبث تفْتح ذراعيها، شبابيكَها، أبوابَها .. لكلِّ من يحْمل في كفِّه قلَمَيْن: قلَمَ جَمالٍ، وقلَم حُرِّية.

وأظنُّني واحداً من هؤلاء، والحمد لله .. لذلكَ؛

أشْهَد أنَّ (المثقف) لمْ يبْخلْ عليَّ يوماً بنشْر حَرْفٍ من أحْرُفي المكْبوتة، وقصائدي المخنوقةِ المرْكومة في درْج مكتبي على أفْضيَته البيضاءَ النورانيَّة ...

قبْل (المثقف)، لمْ يكن هناك في حياتي مَساحةٌ مُتحضِّرةٌ .. متَمَدِّنةٌ .. معاصِرةٌ تصْلُح لنشْر هواجسي المرْعبة، وأحاسيسي القاطعة ...

أشْهَد أنَّ بفضْل (المثقف) تجلَّيْتُ شاعراً كاد يختنِق بشِعْرِه، وكادتْ كرَيَّاتُ الشِّعر تنْشَفُ في عروقه، وكاد دمُه يتكلَّس، ويتحوَّل إلى ماءٍ هَرْهارٍ يسيل من حنفيَّةٍ صدِئة ...

لا زلتُ أذْكرُ أولى كلماتي في أوَّل رسالةٍ أسْريْتُ بها إلى (المثقف) الغالي في السَّابع من شهر نيسان (أبْريل) عام 2014م:

(أنَى لي أن أسُلَّ نفسي من بُؤرة التوحيد الأكاديميّ .. لألِج عوالِم الشِّعر الهَرْمَسيَّة ...

أنَى لي أن أتْرُك خلْفي شفافةَ التقرير .. لبعض الوقت طمَعاً في هسْهَسَة الإيحاء، ورغيفِ الجماليات الفذّ ...).

أشْهَد أنَّ أفْضال (المثقف) عليَّ كأفْضال الشَّمس على اخضرار النباتات، واحمرارِ الأزهار، واكتضاض الحدائق العامَّة بالعصافير، والأطفال ...

فقَدْ أنطقني حبيبيَ (المثقف) الشِّعرَ الذي لمْ أكُ أتوقَّع .. فأخْرجَ من فمي كريسْتالاً، وزبَرْجداً، وماساً، وحجَراً كريماً .. ومن جَوْفي ناراً باردةً، وغضباً جَميلا ...

أشْهَد أنَّ (المثقف) كان لي جسْراً نَبَويّاً .. عانقْتُ من خلالِه كوْكبةً ذهَبيَّةً من الشُّعراء، والأدباء، والعُلَماء، والقرَّاء ... فكانتْ أصابعُهم، في أكثر المرَّات، جزءاً من أصابعي، وتوشَّحتْ، بحقٍّ، بَصْمَتي في كتابة الشِّعر برؤاهم النقديَّةِ، والإبداعيَّة الراجحة.

فلْيسْمَح ليَ (المثقف) هاهُنا بمُصافحة: الشَّاعر الكبير يَحيى السَّماوي، والمقاميِّ الراقي زاحم جهاد مطر، والناقد العميق جمعة عبد الله، وسيِّدةِ الحرف الباسل فاطمة بولعراس، والشَّاعر المفْلق جَمال مصطفى، والشَّاعر القدير حسن البصام، وطاغورِ العرب سردار محمَّد سعيد ... وغيرِهم من اللذين لم أذكُرْ أسماءهم لا لشيءٍ، سوى لضيق المقام.

أشْهَد أنَّ (المثقف) منحَني حواراً خرافيّاً حول قصيدتي (إمام) المغمورةِ، المقهورةِ منذ عشرة أعوام ..

حواراً أشْبَهَ ما يكون بالمتاهات الأسطوريَّة التي لا تفْضي إلاَّ إلى كنْز الحقيقة .. إلى الآفاق السماويَّة المُعقَّمة ...

حواراً خصيباً كغيمة .. دار بيْني، وبيْن الشَّاعرةِ الأديبةِ الفنَّانةِ الرَّقيقة، الأختِ الصَّديقة: ميَّادة أبو شنب؛ فكان منها السُّؤالُ واحةَ ليلٍ، وكان منِّي الجوابُ قمَرَ إضاءة ...

أشْهَد أنَّ (المثقف) كان ماهراً، واحترافيّاً في التعاطي مع مَرَضي المزْمن؛ داءِ (الشُّعَّريِّ)، أعني داءَ الضغط البلاغيِّ الذي أعاني منه مذ عرفتُ الشِّعرَ إنْ على ورَق القراءة، أو على ورَق الكتابة ..

كان ماهراً .. إذ طالما حافظ – عكْسَ أطبَّاء السُّكَّريِّ – على نسبة السُّكَّر عاليةً في دم قصائدي. وإنِّي لأجزم قاطعاً أنَّ أيَّ شاعرٍ أصيلٍ .. يرفض أن تنخفض نسْبة السُّكَّر (أو ترتفعَ نسْبةُ المُلوحة) في دمِ قصائدهِ دهْرَ الداهرين!

**

آهٍ أيُّها (المثقف) الكبير ..

آهٍ يا ماجد العرْباويَّ الكبير ..

بأيِّ لغةٍ أشْكركَ؟ وبأيِّ عبارةٍ مسْكوكةٍ أهْنِئكَ في ذكرى ميلادكَ العاشرة؟

هل تسْمح لي بأن أسْتعير لسانَ سيِّدي المتنبِّي، لأتْلوَ على مسْمعيْكَ الكريميْن هذا البيتَ الشِّعريَّ الشَّريف، احتفاءً بكَ، وبتألُّق (مُثقَّفكَ) الأشْرَف:

ما لَنا في الندى عليْكَ اختيارٌ        كلُّ ما يَمْنَحُ الشَّريفُ شَريفُ

 

مُحمَّد عدلان بن جيلالي

محبَّتي وتقديري

وهران في 01/ 06/ 2016

 

للاطلاع على مشاركات ملف:

المثقف 10 سنوات عطاء زاخر