صحيفة المثقف

الروحانيات في قلب الشعر وصلاة الكلمة في ديوان (صلاة عشتار لأسماء بنت صقر القاسمي) / نعيم عبد مهلهل

محض جنون

العاشق محكوم بلباس الرفض

والرفض فصول روايات

كتبت بدم بارد)  

قصيدة القديسة / ص / 90

 

ندرك مع الشعر ما ينبغي أن تحس فيه أرواحنا قبل ذاكرتنا ورعشة الأصابع .انه حس متوارث ولكن لقلة من البشر تمنحهم السماء والطبيعة هذه الميزة وهم لا يتوارثوها بل هي نعمة تأت من إحساس مبكر وموهبة تصقل بالتجربة والقراءة وسعة الإحساس المرهف الذي يولد عندما يولد فينا الحساس أن هناك هاجسا في نبض قلوبنا ورعشة أصابعنا يريد أن يتوسد الورقة .فنكتب.

منذ الأزلية الخالدة للشعر والروحانيات تأخذ حصتها في منح الكتابة الشعرية خصوصية التميز بين المذاهب الأدبية كلها ...وصار يمثل هذا الجانب الفعل المهيمن على جمالية الأداء الشعري لنه يقترب من حسية الغيب والانتماء إلى السماوي كما يكون الأقرب إلى صناعة الفعل الحقيقي والصادق لأن الروح هي خلق الرب وبها تدام صلة الرحم مع كل أشياء الكون من الحجر إلى النجمة المضيئة في أقصى السماء...

كان الشعر حاجة لاتوقتها أزمنة وامكنة بل أن الحاجة لصناعته تقترن بما يوحى إلى الشاعر ليقول وحتما ما يتلى في إيوان الروح سيقع على الورقة حبرا ومطرا وغزلا ومناشدة هي منذ أبديتها مثلت المناجاة الأولى التي تربط الكائن البشري بالموجودات التي حوله..! وكان عليه أن يظل وفيا إلى هذه المناجاة وتبعاتها ليقال منذ أن حدثت وقيعة الحجر بين ولدي آدم (ع) أن دمعة الروح انهمرت من أعماق صاحبها وصنعت القصيدة الأولى..لتمثل هذه الدمعة معبرا بين القصيدة وصناعها .والمحفز الذي أوقد في اللحظة نار التعبير ليكون هذا المدلول إشارة الوصول إلى القصد الذي يعيش في الذات المبدعة لتجعل من روحها منصة لانطلاق اللحظة الجميلة لتشكل جسد النص ومغزاه وما يريد قوله.

يقول المتصوفة :أن الروح رائية البدن وشمعة الرؤيا ...وهذا يقترب تماما مع الفهم السماوي للروح على أنها طريق المؤمن إلى ربه .فمن روحه مضيئة أدى القروض كلها ، ومن كانت روحه مظلمة فتحت له أبواب الجحيم .وحتما الشعر الروحي المؤمن .هو الطريق إلى الفردوس بمجده وأبهته ولنقف عند قول ابن الهيثم :الروح نور للعقل قبل البدن..!

هذه المقدمة الرؤية للفصل الثاني من قراءة كتاب أسماء بنت صقر بن سلطان القاسمي وفي جانبه الروحاني الذي تمل القراءة فيه لستة قصائد مختارة من الديوان بين قصائد كثر حملت في روحانياتها الكثير من مباهج المسرة لهذا الهاجس الذي يوقظ فينا مدارات الرؤيا والكشف والمناغاة وقراءة ما يكون وكان .والشاعرة في هذه القصائد في تنويعاتها الروحية تريد أن تصل مع قارئها إلى نقطة واحدة عي أننا دوما نكتب لنكشف في المكنون عن روح وحلم الكائن ومحاولته صنع الرغبة والصلاح وإيقاد شمعة الأمل والمناجاة والعبادة والتواصل في عالم الآخرين .ومنطلقين من خلال موهبتنا وتجاربنا إلى تلك الرحاب القصية لنمثل في وجدان القصيدة وجدان الروح التي تعي بالحس ما يحدث في هذا العالم وعليها أن تناجيه بإيقاع الكلمة ومدلولاتها .وهو ما تفعله تماما القاسمي فيما اخترناه لها من قصائد.

أول وجدانيات روح كتاب (صلاة عشتار) تتمثل في قصيدة رعشة أناملي التي هي تمثل في رؤيتها ما يعتمر الروح من صدى لما يحدث لنا ويدفعنا للتعبير عنه ، والقصيدة في بناءها الروحي تمثل نبرة معبرة عن خلجات النفس وتنامي إحساسها وسط عالم قلق ومترنح وعصيب ، وربما الشاعرة في هذا المنحى تؤكد أن الافتراض لا يصنعه الوثوق من إيحاء الشيء بل من رعشة الأنامل وهي تخط هاجسنا بقصد أو بدون قصد .وكما أسلفنا في مقدمة الفصل فأن صنيع الروح هو صنيع لا يبتكره سوى الذي يدركه في حرفته ألمه قبل سعادته ليعظم في وعاء قدرته منار الوصول إلى حقيقة الأشياء حتى ولو بطيف قصيدة وأظن أن الشاعرة أسماء القاسمي من أولئك الذين يدخرون في الروح طاقتهم ويتواصلون معها من خلال طيب النية والوضوح ويكتبون أيضا نتاجهم الشعري على هذا الأساس ولهذا نرى في بوح رعشة الأنامل اختلاجات لا تحصى لحركة الروح وهي تفتش في النفس البشرية عن طرقات الوضوح .ويتحول هذا الاختلاج إلى مناشدة وتريد لأيقونات كثيرة تحدد فيها الشاعرة أحلام ذاتها ولتصل من خلال هذا البوح وحلمها إلى أحلام الآخرين :

((دقت ساعة البوح

تعلن موعد الهذيان

ارتعشت أناملي

وأرتجف قلبي

لنبحث معاً

على أرصفة الأوراق...............................................قصيدة رعشة أناملي / ص 35

....................................

هذه الأرصفة هي من تشكل امتداد ضوء تلك الروح التي تتشبث بالأمل من أجل الوصول إلى غاية أن يدرك الشاعر إن حياته رهنا بالتحولات التي يمكنها أن تحقق السعادة والحب لاخر قبل أن تحققها له ..ولكنها هنا في هذه (الأنامل المرتعشة) ترينا شكلا ممتدا إلى ابعد الأمكنة لنحس بوجودها مثل كائن خرافي عليه أن يحقق من أسطورته متعة للحياة التي يتطلع أليها الإنسان لراحة دنياه وأخرته .تحاول أن تظهر مساحة من الحزن في ثوب التحدي ، أن تفرض كينونتها من خلال تواجد روحها أولا ومن ثم تواجد جسدها والقصيدة .تنذر نفسها لمثابات بعيدة وصعبة ولكنها تريد أن تحقق مع هذا التحدي جزءا كبيرة من رسالة أن تكون شاعرة فتبسط لنا الهاجس وترينا في جغرافيته الدلالات ونقاط الضوء ومصدر حزنه وقوته ومدة تحمله ليكون معبرا حقيقيا عن هاجس الكتابة والذات والموقف :

((منحتني الحياة

بعض أحلام أتتنفس بها

رئة الشتاء الماطرة

لأخربش بقلمي عبر كل الأمكنة

تارة في شموس الذاكرة

وتارة أجلس

في دهاليز الأرصفة المتجمدة ....................قصيدة رعشة أناملي / ص 35

يكشف النص هنا عن ملامح سيرة ذاتية للشاعرة .بوح سري لعن يفترضه الشعر ليعرف الآخر نوع عطر صحبة القصيدة ، العطر الروحي الذي تسجل فيه الشاعرة بعض تأريخ الأسى لأزمنة معاشه من لحظة ما .لها أو لقريب تحس انه منها .ولهذا تعيد هنا في البوح الروحاني نفس لوعة عشتار وحزنها وتكتب عن حاجة لما نتمناه وعن محطات لم تكن اذونات السفر فيها كما تشتهي السفن بل كما تشتهي الريح ..

لا أعرف لماذا تحطم الروح هنا في القصيدة أوتاد خيمة الأمل .ربما إنها طريقة تبتكرها الشاعرة لتصنع أملا آجرا  غير هذا الذي تبدده مفارقات الحياة وأقدارها وسوء التقدير الذي يصيبنا من آخرين منحناهم لواعجنا فمنحونا الصد..!

لنقرأ شيئا من سمفونية الدمعة وخواطرها والنشيج الهائل الذي يملئ صدرها بنحيب الكلمات والرؤية القدرية لحياة البشر عندما لاترحمهم الموجودات المحيطة بقوة ومساحة ووعي ما يملكون ..ليرني النص مساحة شاسعة من حدائق الحزن يترتب عليها الكثير من المواقف والاستفهام والوصف القريب لروحها من خلال أرواح الآخرين الذين منحتهم الثقة والوفاء ولكنها لم تنل منهم ما يرضيها نتاج ما منحت واعطت ووهبت وقدمت .

هذه الرعشة التي صنعت هاجسها بحنكة الشعر وإحساسه العالي تجسده بقلق عندما تمضي لتسرد جزءا من السيرة الذاتية مع هذا الأسى الذي يلف حياة المبدعين جراء التعارض الذي يعاكس حياتنا بالرغم من إننا ننظر إلى الحياة بعيون الوردة.

في النص يتدفق الألم ويغمر قارئه بآهات الوجدان والضمير كما تغمر الغيم بدموع المطر الحقل الخصيب ..تتناثر الكلمات بصدى اللواعج الحزينة لتحكي ما تريد الشاعرة أن ترينا مواقفه ومشاهده منذ نحيب عشتار وحتى روحها ...

تحدث قارئها عن براءة الذات تسكنه وهج ضميرها وصبرها وقدرتها على أن تبقى بالرغم مما تلاقيه وتراه ويعذبها .لتمضي مع سيمفونيتها وترينا الكثير من المشاهد التي تكشف عن مدلول العاطفة وسرها في عالم يقول عنه كافافيس الشاعر اليوناني الشهير : انه الخراب أينما ذهبت.

القاسمي ترمم هذا الخراب بأداء كلمة وصوت الجمال في أردية الشعر ، تضعنا عند حدود الرؤيا والمكاشفة .تصوغ من دمعتها قلائد للضوء وللناس بكل مذاهبهم .تمتحنا قدرة التصور لنذهب مع مداركهم إلى فهم ما يجرى وتقص علينا حكايتها مع الحياة برومانسية المرأة الحالمة والتي تريد أن يكون الشعر حكمتها للوصول إلى الآخرين والتواصل معهم .والسيرة هنا كما في أناشيد كاهنات معابد أور وبابل .إنشاد روحي خالص النقاء وبالرغم من اللم في موقفه البشري لكن الشاعرة تمد مساحة الضوء إلى القارئ والصديق والقريب من أهل البيت والوطن وتكشف لهم تلك الهواجس والتقديم العميق  في سرد حكايتها وتقديم نفسه:

في عالمي الضيق

كثيرة هي المواقف المؤلمة

وقليلة هي أوقات الفرح

عشقت استعلاء القلوب الطاهرة

ونثرت كل أزهاري

لتُسعدَ بروائحها العطرة

كل من يقترب من قلبي)).........................................قصيدة رعشة أناملي /ص 36

شيء من طهارة الروح تفيض في وجدان القصيدة .تقدم فيها الشاعرة نفسها على سجيتها وحقيقتها ، وترينا حقيقة المعدن الذي خلقها الله منه لتعود بها إلى مواقف تصنعها دمعته وزهرة سوداء بشذاها المؤلم والجارح والقاسي:

((لم أبق لي سوى زهرة سوداء

حصدت من شذاها ما يؤلمني))................................قصيدة رعشة أناملي / ص 36

هذا الشذي النسرين الذي ينوع هواجس ألمه ودمعته بمطابقات شعرية تصنعها الحكاية والسرد والذكريات وكأنها تستجلب في نشيدها الروحي اللوعة العشتارية بهيبة ما يكون .لهذا تضعنا الشاعرة في المفترقات المتعددة لحياتها ..وهي مفازات تتعدد في إشكالية الوصف لحالها وحياتي وهي هنا تقف مع كل لحظة عامرة بالحب والاشتياق ومغروسة في ارض الدمعة لتكتسب الحقيقة والرؤية والنضوج.

وهذا النضوج كما يراه أصحاب المذاهب الروحية ومنهم المعتزلة والمتصوفة والبوذيون تحكمه قدرية القلب الطيب والاستنارة بشهقة الدمعة وهي ترنو إلى السماء .ويفكرون على أن لوعة الصدق في القصيدة تساوي تسبيح ألف صلاة .فكليهما يتحدان في المسير إلى سماء واحدة .

رؤيا الصوفيون هذه تحلينا إلى قراءة نص (رعشة أناملي) بوجدان آخر .فقه الشعر فيه يسير تماما بموازاة فقه الروح

ويتحدى عند أسى الدمعة وكلماتها التي تقطر شهدا في مصيبة الحلم الذي يرافق الشاعرة في حكايتها ...وهي تتحدث لنا عن ثمار شجرة الحياة المنغرسة في روحها والتي تتمنى أن يقطف ثمارها المحبين والمخلصين..

وهاهي تذهب مع حلمها بعيدا ..تمدد رؤى روحها بشهقة الحزن في سبيل الوصول إلى المعنى ، وكأنها تقيم ذات نذور المعابد التي كانت نساء الأمس يقدمنها في سبيل جل ذات النماء والخصب تعم كل شيء..

وهاهي الأنامل المرتعشة تجاهد من خلال الشاعرة لتعيد ذات الطقوس في بهجتها الحزينة والتي تظهر فيه أسماء بنت صقر القاسمي أن متمسكة بطقوس الحرف لتجعلها جسرا من المودة الروحية بينها وبين الوجود ، هذا النذر الذي نراه هو الوحدة الكونية لنماء تلك الفكرة العظيمة بالرغم من جريان انهار الحزن والمخيبات التي تحسها الشاعرة سكاكين جرح يغور في الجسد عميقاً:

((آه من ذكريات حزينة

تمزق مشاعري

وتذوب على صوت الألم

بداخلي

فيصبح الجرح أغنية

أعزفها نزفا وجرحا) ً

ولهبا يحرق الجسد)) .....................................قصيدة رعشة أناملي / ص 36

هاهي الأنامل تذهب إلى مملكة القصيدة في إحساس منها أنها خلاصا أبديا لما يعتمرنا من أسى ما يمنحه العالم لنا ، لتتشكل القصيدة بإرهاصات وان تنوعت مرافئها إلا أن بحرها واحد هو قلب الشاعرة التي تظهر لنا في هذا البوح الروحاني الذي تسطره الرؤية والأخيلة ومنادمة العقل لباطنه وهذا ما يطلق عليه في جماليات الشعر في رؤية غاستون باشلار على انه اندماج القريب في البعيد من أجل دهشة المشهد.

القاسمي بحزنها وموسيقى القصيدة تصنع هذه الدهشة وترينا مساحة من الضوء إزاء ما تعيشه وتعايشه وتحلم فيه ومعه .

إنها جدلية صعبة ولكنها تصنع طاقتها من أوصاف الروح التي تحملها .من نبع مدامعها ومن قلقها وأيمانها إن قدرية مثل هذا وان شح في قافلتها زاد المودة من البعض إلا أنها تمضي مع أناشيدها وارتعاش أناملها لتكون :

((ابحث عن ذات

قد غابت عن الوجود

وأطفأت كل الشموع

سعادة لحظة زمن مهدور

يمتطيها ألم الدنيا) .......................................قصيدة رعشة أناملي ص / 37

في النهاية يبقى مسار القصيدة هو ذاته ،ولم يتغير شيئا من قناعة القصيدة .تذوب في روح الدمعة لتشكل تساؤلاتها في المكان والزمان .تبعثر الحكاية باتجاهات سماوات لا تنتهي :

((وتبدأ ألف حكاية

خلف صمت تلك الجدران

تركت في نفسي

ألف ذكرى يائسة)) ................................قصيدة رعشة أناملي ص / 37

في الشعر الحياة عبارة عن قصاصات ندون عليها ما يحدث .هكذا كان بورخيس يفكر بمهمة وضرورة الشعر.

كونفشيوس الحكيم الصيني كان يرى الحكمة .هي قصاصته الورقة المشتعلة بضوء الكلمات التي تشد العقل بالفهم لتنير له الطريق في المكان الوعر.

قصاصات أسماء القاسمي له اتجاه نفسه ولكن بخصوصية امرأة ما زال القلق الشعري يسكنها إزاء ما يحيط فيها ، لهذا تلتجئ إلى ذات القصاصة لتدون عليها متغيرات الروح وخالها وبترقيم يبدأ من 1 إلى 12 في القصاصات الأولى  ص / 44 إلى القصاصات الثانية من 1 إلى 8 ...

هنا نقرأ القصاصات الأولى وكالآتي

القصاصة 1

 

لقد أوقدت القصاصة الأولى مشاعر السؤال ، مدت مع قارئها ذات التساؤل وهو يقيم مودته مع ما يريد الشاعر أن يضعنا فيه من متعة الشعر في موسيقاه وفكره وإحساسه وحزنه ،وكانت سيطرة الحزن هنا مهيمنة على كل الأشياء وكأنها تحلينا إلى عالم من التساؤل والقائمة على الأسئلة التي ولدت مع التجارب الأليمة للأسلاف بقيت أسئلتهم تبحث عن أجوبة كينونتها .تبحث عن سر الموت المبكر ، القدرية المعاكسة ، الحظ العاثر ، وغدر أولئك الذين نحسن بهم ونقدم إليهم في بعض الأحيان ولائم أرواحنا وأجسادنا جسورا ليعبروا إلى الضفة الأخرى ..!

تشد مفردة الكينونة الكثير من أمكنة الفكرة التي تبني عليها أسماء القاسمي نصوصها الشعرية .وربما في كتابها هذا (صلاة عشتار) تضعنا الشاعرة أمام كينونة واحدة في ثياب عدة ولكنها دوما تمتلك هاجس البحث وتغور في السؤال التالي : لماذا يحدث كل هذا ..؟

القصاصة نشيد لخراب الروح الذي يرمم الشعر المنسوج بكلمات التشكي وأناشيد الاستحضار على الورقة البيضاء لتضيف الشاعرة إلى الهم هما أخرا يجعلها تستعيد سيرة الكينونة قي ذات تتجرع كل هذا الألم لتكون...لهذا فأن نشيج دمعتها وآهاتها تضيع في التواريخ لتظهر لنا مشهدا قاتما هو وليد لحظة تراكم الحزن على صدرها كما جبل لنقرا أول أشياء القصاصات رثاء لروح متعبة لكن الشعر نارها وقوتها ورداءها :

((ارحل من نفسي إلى نفسي

لاهم يلاحق

ولاوهم سكن

العدم الموجود ورقة بيضاء

.................................................

تاهت الأقدام

إلى أين المرتجل

نحن لا نعرف بالضبط أين نكون............ ؟................................ قصاصات ـ/ ص 44

 

القصاصة 2

تكتب أسماء القاسمي ولقبلها مع نبضه وقعاً خاصاً..ففي قصاصتها الثانية تنوع شكل اللوعة بهاجس لا يبتعد كثيرا عن الأول لكنها هنا تجدد رؤاها ولكن بجمالية روحانية مرهفة جدا مقترنة بأمكنة الزمن الذي تعيشه على مدى الكلمة وهي تعبر عن تساؤلاتها وحزنها وغاياتها لتكون .

هنا تريد الشاعرة خلق اللحظة المناسبة التي نشعر معها بأريحية الروح لتقول حتى في ارتشاف ثمالة الكلمة والنغم الذي تشيده القصائد لنا لنبقى وارثي التأمل والقراءة والتواصل مع الأشياء .وحتى ارق ما في الأشياء هو دموعها التي بقيت منذ خيبت عشتار مع جلجامش تحمل أزمنتها وغاياتها من خلال نشوة الورقة والقصيدة .

في هذه القصاصة يبتعد الوصف السحري صورة المكان بحسه ونشوته .وكانت لغة الجماعة (نحن) تمثل لغة المفرد للذات التي تتأمل الكون وتفيض من دلال نشوته بنهر القصيدة وتصل إلى المعنى العميق لذاتنا وهي تبتكر للقصيدة مزاجا وطقسا وامنية :

((أحيانا لانجد بدا

من استدراج الثمالة

لارتكاب خمر الكلمات

وارتشاف السهر

فتمسي حينها أقمار الوجع

متقدة

كأن الشهر ينتصفُا ولا تنتصف)).................. قصيدة قصاصات / ص 45

 

القصاصة 3

في قصاصتها الثالثة يتصاعد إيقاع الكلمة  المصنوعة من أنشودة القلب في حزنه وأزليته ، ولم تزل الشاعرة تقف على ذات الضفاف وترتهن بهاجسها مع القدرية .

إنها القدرية المرتهنة بالإرادة الفوقية تلك التي تريد أن تبقي الروح رهينة (القدرية والقضبان) ولكن التحدي في هذه القصاصة يرفع نخب القصيدة إلى سمو دمعة الشاعرة وهي تفكر بالمضي بعيدا .ما سكة شموخها بحروف كلماتها بض قلبها:

((وتلك الحسرات

تناغي روحي الثكلى

لأسكت صراخ الريح

في وجه أقداري...

واحافظ على شموخي

وأخفي في داخلي أحزاني .............................)) .......................... قصيدة قصاصات /ص / 46

 

القصاصة 4

في هذا المقطع قراءة حسية جميلة لتأثير روح المكان ورقاده ووقته .

الشاعر لاتصل ذروة الوصول إلى مهد لحظة القصيدة لترفع ولديها ، إلى الأعلى وتتباهى به..!

تتعامل مع الوقت بتعامل الروح مع فاصل الكتابة ..

تصنع أرقا نرجسيا للحظة تكون فيها الشاعرة في نشوة الكشف والبوح والتوحد مع الكائنات الصانعة لأقدارنا..

تستخدم الشاعرة الفاصلة الزمنية في انتظار أحلامها ومتى هدأت أشياء الليل واقترب نور الفجر تأتي معاكسات الرغبة لتمد خيطا من الأمنيات المستحيلة :

الوقت الذي ينتمي للفجر يؤرقني..

لأني أنتظره طويلا ولا التقيه ..

فعيوني تعشقُ النوم فجراً

لأنها تصطدم بواقع السهد المستمر..!

 

القصاصة 5

في هذه القصاصة روح تتفرد الشاعرة في وصف دهشتها مما يحيط بها من أشياء تمنحها القدرة لتكون ، وربما تجد في القلم التعبير الأكثر  قربا لنبض القلب وعاطفته ..

وفي المفارقة الروحانية تظهر القاسمي في قصاصتها تمازج في دهشة الصراع بين جنون القلم وجنون الشاعرة المتمثل في عقلها.

يرينا النص توازن الحالة النفسية وثبات الشاعرة في موقفها الحياتي والخيالي والوجداني .

يظهر النص التساؤلات العامرة بالتحدي والانطلاق والموهبة الشعرية هنا أساس لرؤية العقل حتى في شطح الجنون الإبداعي...

في القصاصة نرى ثبات الشاعرة وأيمانها بانتصار ذاتها مهما اختلفت لواعج وهزات القلب والحرف :

((أثرثر الآن مع نفسي 

هكذا يمارس قلمي جنونه

لكن عقلي يتغلب عليه

ليثبت هو الآخر جنونه ...!)) ........................ قصيدة قصاصات ص / 47

 

القصاصة 6

في هذه القصاصة تتحول القصيدة إلى نوع من لواعج الروح والقلب ولكن بمسحة صوفية متقنة الحس والتصور والتجسيد الذي يعبر عنه هنا في القصاصة دخول الذات في ذاتها واستقراء الروح لروحها ومناجاة الظل لظله.

تعبر القاسمي هنا عن امتزاج الوعي بالمتمني وكأنها تعيد تصور أبن العربي في إحلال الذات لذاتها عبر متاهة الكلام والنور وقراءة ما في باطن اليد ليظهر لنا ما نعتقده قائم في الحدوث ومفسر لمصائر ما نحلم فيه .

يجسد النص في قصاصاته السادسة الحلال بما قادر عليه الشعر واتمام منى المواصلة مع النفس برائية الشعر وذائقته .والقصاصة قطعة موسيقية وفنية برعت فيها الشاعرة في حساً وتصويراً :

((هاربة مني إلي

من دوني ...من دونهم

وحدي أناجي وحدي

أحدق في خطوط يدي

أحاول أن اقرأ أسرارها

أبحث عن مدخل لكينونتي.!)) .................................... قصيدة قصاصات / ص 47

 

القصاصة 7

في هذه المقطوعة يتحدث الشعر عن ذاته ، تقرب الشاعرة إلى رؤاها الباحثة في كل محطات (صلاة عشتار) عن سفر تتنوع فيه الرؤيا والقراءة والكشف.

يضع الشعر هنا أثقاله في هم البحث عن الضوء والحقيقة وما تشعر فيه كينونتنا بأنه المخلص لكل انفعالات الحياة عندما نسكبه على الورقة حبرا ودمعا ...

ترينا الشاعرة عمق الشعور والتلبس لهذا الكائن الذي يعشعش في موهبتنا . ويفكر به أرسطو وأبن جني على انه الإلهام موحى بفضل منة من الله

أسماء القاسمي قي القصاصة السابعة تتعامل مع بكينونة شفافة ترتدي ذات اللمعان الصوفي ــ الأخلاقي .وتضعه أمام ناظرها لتحس انفعاله وتأثيره عليها ومن ثم تبث من خلاله إرهاصات الحرف والدمعة والحلم.

النص كما في رؤيته  يمنح القارئ تفسيرا منطقيا لعلاقة الشاعر مع قصيدته :

((وتدرك أن الكتابة

هي رئة الحياة عندك

تبكي من حر مابك

وتنعى حال زمانك

فتمتلئ محبرتك دمعا

يشهد صدق بوحك

وها أنا اليوم أشعر بهذا الألم

فماذا ستكتب دموعي....؟))   ...............................................قصيدة قصاصات /ص 48

 

القصاصة 8

الشاعر أسماء القاسمي في قصاصاتها هنا تنوع مدارك الإحساس .تذهب في كل اتجاهات روحها لا يوقفها صد عن التنوع في محاولتها الإلمام بسعة الرؤيا الشعرية في ذاكرتها .

تنوع لم يقف عند حدود الإنصات بل هي أشغلت قصاصاتها بحوارات تتعد في فضاءات الجمال .وكلها تأخذ من خفق قلب الشاعرة نقطة بدء لتكون ، وهذا التكوين يقوم هنا في محاولتها لجعل تلك الحوارات مثار قصد لكشف عالما شعريا خصيبا وصوت جعل من مناجاته بوابة حياة له وللآخرين معه.

صمت الكلام في قصاصة 8 هو كلام القصيدة ، مسافتها الممتدة بين بواطن الروح ورعشة الأنامل .عصير حبر القلم وهو يسقي الورقة بنداءات وتراتيل صلاة وكشوف وبوح واغاني وترانيم وطقوس.

كلها تضعها الشاعرة في مسافة واحدة بين القلم والكلام وتسطرها على الورقة قصاصات تتحدث بوعي ورومانسية وإيمان عن سرنا ونحن نفكر مع ذاتنا في خلوة الاندماج مع الملهم الذي يسكننا ويملي علينا كلامه.

يقول الفراهيدي :الكلام وزن ومعنى يشده انفعال الحرف في الحنجرة .

أسماء القاسمي تأخذ من الفراهيدي هذا المعنى وبقصاصتها الثامنة تشغلنا في جمالية بوحها بهاجس كلام عذب:

((هكذا نحن دائما نمارس صمت الكلام ..؟

المكان يملأه السكون

يتحول إلى حديقة غناء

تحلق في سماءها النظرات واللفتات

كفراشات

وتعبث بندى الزهور

تنصت بشجن إلى همسنا

عبر أثير صمتنا المعتاد ..)).........................................قصيدة قصاصات /ص 49

 

قصاصة 9

هذه القصاصة أتخيل أن من يناجيها بالكشف هو جبران خليل جبران .فأنه أيضا كان يبحث عن كينونته في المساحات الكونية للروح والطبيعة . ولهذا كان جبران يرمم في الأجنحة المتكسرة أحلامه وكان أنبياءه يسكنون ناي المراعي واجنحة الطيور ودمعة الألم .

تبحث الشاعرة عن ذات الذات في التساؤل المهم الذي يلف حياتها وتحاول أن تصيره إلى مستوى الوعي والقصيدة والحلم ومعرفة الإنسان لمكنونه الذي تحاول من خلاله الشاعرة معرفة ما يكنها ويدفعها لتحضي بمزيد من القوة لتبحث عن نفسها في نفسها ومن ثم تبحث عنها في مكنونات الطبيعة والآخرين الذين تحتك بهم في بيت ومعشر لزمالة بريئة وصداقة .

لهذا في القصاصة 9 تضع الشاعرة كينونتها أمام السؤال المحير الذي بقي مع استفهام البشر من أزل التفكير ..وأداة التحير (ربما) المكررة في أكثر من فاصلة ترينا حيرة الشاعرة الكبيرة ومدى رغبتها لمعرفة الجواب :

((لا تلمني

لست أدري من أكون

ربما كنت حنانا وجنانا من زهور

ربما كنت سرابا مر في درب حياتك

ربما كنت طيرا مهاجرا

ووطنا يهفو إليك

أتدري لست ادري من أكون ...؟)).................................. قصيدة قصاصات /ص 50

 

قصاصة 10

((بؤس

أفيقي أيتها الشمس

وذكريني أيتها الأرض..) ....................... قصيدة قصاصات / ص 50

هكذا تبدأ القاسمي قصاصتها 10 .تضع المفردة الهائلة بدمعها ومساحة حزنها (بؤس) تمثل هياجاً في يأسها مما تجده في مدى الرؤية في عالم يضطرب فيه كل شيء.

تلجأ الشاعرة للشمس كقوة هائلة تمنحنا طاقة الصبر والخيال ، والى الأرض الأم الحنون لكل أحلامنا وطموحاتنا ومشاريعنا الروحية والمهنية ..!

والروح هي بعض من مفترضات المهنة الشعرية .بل هي حاضنتها .ولكن مع البؤس تجد الشاعرة رغبة في الاعتكاف وكأنه ملاذا واستنكارا لما تراه الشاعرة يحدث للحياة لا تليق أن تعاش هكذا وعي في اعتقادي أنها تقصد فورة الغول الذي يجتاح العالم بقسوته وحروبه ودباباته .وتغير طباع البشر مع عولمة المال ومتغيرات المكننة.

تعكس الشاعرة هاجسها بحدود الصمت والاستنكار وتعبر عنه بقوة وأسى وبؤس:

((حين أعاهد نفسي

ألا أكتب شيئا

في زمن الصمت

في زمن الليل المعتم

في زمن التمتمات))................................. قصيدة قصاصات /ص 50

 

قصاصة 11

 

في القصاصة 11 تبقى أسماء القاسمي تبحث عن مغزى ما يكون..ولكن هذه المرة بوعي الفلسفة ...

قد تكون فلسفة بسيطة ولكنها تملك عمق الكلمات في إحساسها وتجربتها وتظهر القصاصة هنا قراءة روحية ومعرفية للعالم الذي يحيط بنا ونحاول من خلاله رؤية ما يجري وخلق حوارات مفترضة أو حقيقة معه لمعرفة ما يجري بالضبط؟

أقرأ في القصاصة وعيا جيدا لامرأة من الشرق ولكنها تحتفي بما ورثت من نبل الأساطير وموروث القراءة وتربية البيت .وهاهي تتحاور مع الذات المحيطة بقرائن الفلسفة وتتجاذب معه اشراقات التداخل والابتكار والتناسخ على مستوى الروح..والجدل الذي تقيمه الشاعرة هنا يحتاج إلى مساحات من رؤى التفسير لما يدركنا في حياتنا وعلينا وضعه في حساباتنا وتقديرنا ورغبتنا ليكون لنا ومعنا نتلبسه ويتلبسنا ..

الآخر المسكون في كتاب أو على الوسادة أو قارعة الطريق لهذا فالشاعرة هنا تسكن الغياب في لحظة الوجود الحاضر وتعالجه من خلال تصور أن الغياب هو المنى الذي علينا انتظاره بالرغم من انه مسكون في كل واحد منا ، كما تتحدث القصاصة عن معضلة أخرى في حياة البشر (الفراغ) الذي تشغله الشاعرة في مساحات قلوب البشر وتقرنه بذلك الغياب البعيد .

قراءة فلسفية برداء الشعر .وهذا اصعب هاجس في المذاهب الفلسفية أن تشتغل بين هاجس الداخل والخارج بمستوى آهة الشعر ورؤيته ..وكأنها لعبة تبادل الدوار كما تعاقب فصول أزمنة البشر ، وكأنا لعبة جذب وحل .

رحلة طويلة تعترف الشاعرة في متنها إن المتعة الآتية من غياب القدر تساوي متعة الرغبة في ملئ الفراغ الذي يحيط بنا من خلال كائناته التي لاتعي مثلما يعي الشعراء حجم المضلة:

((وأن الفراغ منزو في متاهة

لا يعرف الخروج منها

وان الخروج منها رحلة طويلة من عذاب

فعلينا أولا الخروج من الغياب

واخراج الغياب من داخلنا

ثم الخروج من داخل الغياب

ثم إخراج الغياب من داخل الفراغ))................................. قصيدة قصاصات / ص / 51

 

قصاصة 12

في نهاية القصاصات بمقطعها الأول ترينا الشاعرة نهاية مطاف الأشياء التي تحس وتشعر معها بمصير مشترك.

الآخر الذي يلازمنا بنية صادقة أو عكسها في رغبة منها لمعرفة تأثير المزيد من المشاعر والتجارب والعبر ..

وهاهي في القصاصة 12 تصل إلى قناعة مدرك الروح والفلسفة في التعاملات البشرية .

خاتمة لرؤية ما هاجسها الأقنعة التي يرتديها الآخرين ليظهروا النوايا الثانية .الكواليس الخفية لمشاعر البشر في قصدها السامي أو المدمر .وحتما هي هنا كما في الكثير من تراتيل (صلاة عشتار) تتحدث عن الزيف ومهارة الآخرين لإغوائنا فيه ..

إغواء يسكننا بلحظة من المشاعر وتجعلنا نعالجها بالمكابدات الشعرية  لتصل إلى القناعة الرائعة والقائلة على لسانها وفي نهاية القصاصة : من لا يعرف الحب ...لن يسكن قلبه يوما ملكٌ...

هذه الرؤية تشكل في مغزاها الكثير من أخلاقيات المعنى  وطموح الشاعرة لتجعل النية الطيبة هي الغذاء الذي يسكن بطون البشر ليعيشوا بسلام وأمان :

((عندما ينكشف القناع

تظهر الوجوه المختبئة

وتنكشف النوايا

كأننا بغابة

غالب ومغلوب))........................................... قصيدة  قصاصات ص / ص 52

 

في الشعر يحاول الإنسان أن يجد من يروي عطش الروح ويغذيه بسلوى أن يشعر أن إنسانيته وإحساسه عالي  الوجد والحلم والإلهام وكما يذكره الشاعر الألماني ريلكه في قوله للشعر والدمعة متاهة واحدة تبعثر فينا الرغبة لنتحول إلى طيور حديقة باردة وتريد أن تلم عشاقها بالدفء.

في قصيدة طريق التيه لأسماء القاسمي /ص 86 نجد المدخل الحقيقي لرؤية ريلكه ، وكأنها تتوجع لحظتها بمصائر ومتاهة واحدة ، تبحث عن معنا في سراب الأمكنة وأزمنتها .

كأنها تأخذ من تيه سيناء اشتياق اللحظة وعصور التنقل والبحث عن صفاء الذات .

طريق للتيه يساويه طريق للحقيقة .يجمع اللحظة الممناة بدقائق الزمن ومفرداته  يضع عند حدود الرؤية المتشحة بضابيتها (الماضي ، الذكريات ، التجارب ، المحطات).

وتقريبا في كل قصائد أسماء القاسمي هناك ملامح لتيه تؤشر أليه الشاعرة .تيه في طموحات البشر في تواريخهم في حزنهم وسعادتهم .

لقد كانت تبحث وفي كل قصائدها عن رغبة المكنون في إيجاد ذاته وسط كون هائل من الرؤى والتناقضات والتواريخ البعيدة . ولذا في كتابها (صلاة عشتار)تحاول دائما أن تجد المختفي فينا وفي ذاكرة التاريخ والمكان عبر رموز بقيت وعبر الأجيال تحمل المعنى والدرس والتجربة .وربما التيه هو بعض من هاجس تلك الرموز لتظل تحمل حلمها للبحث في دوامته والوصول إلى معنى ما .وهذا ما فعله موسى ع .ونوح ع وجلجامش وغيرهم في تواريخ الرسالات والملوكية والأدب والفن والفلسفة .وربما سقراط في لحظة جرعه السم دفاعا عن حقيقته يوعز له همسه بالقول ودمعته في عينيه :الآن اكتشفت لماذا أنا كنت تائها في سماء الحقيقة .

تكشف القاسمي بعض ألوان هذه الهواجس قي قصيدتها (طريق التيه ص / 86):

((يأخذني الطريق إلى التيه

أستمد من الماضي سكونا مؤلما

يعلمني ......الكلام

احلم بأغنية منتشية

بضحكات طفولة

مرهقة أنا وكأني أمارس الحياة كلها

منذ الأزل إلى الآن)).................................... قصيدة طريق التيه ص / 86

هذا التوافق الروحي بين الماضي وأزله وروح الشاعرة يتماسك بمتانة مع إصرار الشعر ليكون بعيدا عن جميع إرهاصاتنا الأخرى التي نحاول فيها أن نتغافل ما يحدث أمامنا .

تجربة التيه هي تجرب البحث عن السر والهدف لتضع القصيدة في مدار الرغبة والهدف والتواصل .

انه إعلان من الشاعرة على أنها موجودة بالرغم من مخاطر اللم الذي يجبرها لتفكر بهذا التسامي وان تمارس الحياة كلها .

رؤى لفلسفة وثوب لتصوف .ومدرك عميق لحالة أن نجعل الشعر طريقا يجسد الحلم والأمل بكل معانيه .

وكأنها هنا تضع خارطة الطريق لطموحها في دروب صعبة لكن تحديها واجب بالرغم من الإرهاق والتعب وهي تسجل (أسماء القاسمي) لروحها وذاكرتها سيرة ذاتية مرهقة مما تكتنز من أحلام وطموح ورغبة بكشف المعادل الحسي بين السلف والخلف..

رؤية تحتفي بهاجس المطلق وغموضه.

ارتشاف لرحيق متعة انتظار الدمعة لتسقينا زاد المشي بطريق التيه.

كان موسى ع حين يهبط سيناء يتلمس بالرمل من خلال عصاه وضوح الخطوة .

الشاعرة هنا تتلمس الخطوة من أزمنة التفكر من خلال الحرف والقصيدة والآهة التي شكلت في الكتاب جسدا من السؤال والبحث العميق في تأثيرنا بالآخر الذي نعيش معه وقربه وتأثير الآخر علينا .لهذا جعلت من الرموز معيارا لكشف مافي الذات من النوايا وحتى وهي تمشي في طريق التيه هذا .

يشكل التعبير في هذه القصيدة فهماً عميقاً لخواطر تلك المرأة  وهي تحاول أن تجعل من حياتها بالرغم مشاعر الأسى  فهماً منتجاً لحقيقة أن يحس الإنسان بوجوده ، لهذا ترى في أزلية هذا التيه أزلية الحقيقة المطلقة التي تجعلنا نرى أنفسنا جيدا ونضع المعايير الروحية والقدرية والاجتماعية لما نعتقد انه طريقا للتفاعل مع الأشياء وما نود أن نقدمه لمن نعتقد انهم يشاركوننا بناء الحياة وتجعل هنا من الذكريات هاجسا للوثوب واختيار اللحظة المجيدة التي نغرف منها وقودا لحديقة الروح وهي تسقي أزهارها بمعين الصلاة والحب والكتابة والتسامح والنبل الكبير :

((وكأن في عيني دهاليز

تذهب بي إلى زمن

ليس في خريطة اللاوجودية

في هذه الحياة

أتوسد واغرف

من معين الذكرى

حياة

كلما نضبت واحدةً

اغرف من أخرى

لأعيش في غيبوبة الماضي))................................ قصيدة طريق التيه ص / 87

في هذا التيه ترينا الشاعرة هاجسها واضحا في طريق من التفاؤل لتحقق لمجد راحتها القناعة إنها تعيش بالرغم من الكثير من المصاعب التي تواجهنا في الحياة .

إصرار على المواصلة هو الغذاء الذي نستمد منه المطاولة .وما كان التيه إلا مسافة نعتقد أن نهايتها هي كما عند جلجامش عشبة الخلود التي تنتظرنا .وليس كل خلود هي الأبد الذي لا يموت .وربما منتج لنا .فعل خير ، كشف يفيد البشر هو الخلود الذي يضمن لنا البقاء كما هو اليوم مع مجد العظماء الذين خدموا البشرية ومضوا..!

فجر أسماء القاسمي هو فجر للتيه الذي يعمق فيها قدرة التفكير والتفاعل مع الزمن بكل خصوصياته وأمكنته وهذا هو ما نحاول أن نصل أليه في الفصل الثالث من الكتاب .

عندما تضع الماضي في اجندة القصيدة وتقرأ ما ندركه نحن في كل مجريات السرد يفي حياتنا ليضعنا في غيبوبته لتشعرنا في النهاية إنها مع دمعتها لقادة أن تتواصل مع العالم حتى بمزيد من المخيبات:

((جرعات من هزيع الليل

أضعها في وسادتي

فاخفي وجهي بين يدي الليل

ثم أغرقُ في التفكير

حتى الفجر......................!)) ................................ قصيدة طريق التيه ص / 87

 

ظل الشعر في أبده السحيق لنتاج نظرة الإنسان إلى نفسه ، أي انه نتاج الهاجس الفردي الذي يشعر بتأثير المحيط عليه .لكن نقطة الصفر فيه وعلى الدوام هي (أنا) أي أن القصيدة في اصلها تنطلق من هاجس ألنا الموجودة عند الشاعر في بدء موهبته وإحساسه بالأشياء وتأثيراتها عليه ليتواصل الفهم المتبادل بمعرفية أداء النص الشعري وجماليته وقوة فكرته وبلاغته وبناءه اللغوي وعاطفته .

وبدون (أنا) لايمكن للقصيدة أن تحقق خصوصيتها بالنسبة لشاعرها .ولكن هذه (الأنا) عليها أن تبتعد عن الغرور والنظرة المتعالية والاستخفاف بالموجود ومحاولتها أن تشعر الآخرين ميزتها بالتفوق والتعالي والإيثار دون سواه من الخلق....!

هذه المقدمة المساقة للقراءة الروحية لقصيدة أسماء القاسمي (أنا) ص / 95 التي هي وصف لكشف الكيان الحسي الذي تحمله الشاعرة وتتعامل من خلاله مع العالم المحيط لتحسهُ عالم يستحق أن يعاش حتى مع دمعته واحزانه  ولهذا نراها تضع أسئلة الآخرين مدارا وحوارا لقضيتها مع الحياة ولكن من خلال نشبج الروح الذي هو القصيدة التي نراها تتصبب لوعة عندما يحاصرها فضول الآخرين بالأسئلة لنقف عن ورع جميل وبساطة وحلم امرأة تقر أن حزنها بعض صلاتها في محراب الشعر وهي قدرية محكومة عليها بإرادة السماء لها لتتطبع في هكذا هاجس حتى حين يوصلها هذا الهاجس إلى الظن الجنوني بان وراء دمعتا يكمن ضوء كاهنة لقصيدة تتحسر من خلال الألم إلى كشوفات الذات ومعرفة ما يجري في دواخل أولئك الذين يحملون فضول أسئلتهم أليها :لماذا أنت ؟

 

((يسألونني ويحاكمونني

وكأنني الوحيدة التي تتألم في هذه الحياة

لست أول من نزفت جراحها

ولست أول من انكسر قلبها بفعل الزمان ..!

لكنني بالتأكيد أول من غرقت بالأحزان!!!)).............................قصيدة أنا ص / 95

قدرة الشعر انه يقف في وجه الإحباط مهما اتقدت ناره لتسمو بتلك الإرادة المتعبة من فضول الآخر لنرى أن القصيدة لن تتراجع عن إحساسها بالكامن فيها .وهي تنقل بصدق مشاعر وصفات الذي دون ما يخالجه في أجوبة الحياة.

أجوبة هي ببساطة قائمة على بديهية أني (هنا) (أنا) بكل صيرورتي فأفعلوا ما تشاءون ..

وما يشاء الشاعر سوى انه يرتقي بضوء الحرف قي الظلمة المقيتة ويتجاهل تلك الضغوط الحياتية القادمة من سوء التقدير والفضول والحسد والمعرفة التي تسكننا لنعرف أسرار طباع الآخر وإبداعه حتى على حساب ألم يسكنه ودمعة تسيل على خد القصيدة في محاولتها لجعل (الأنا) هي أنا البحث والصفاء مع النفس والترنم في عالم البحث الذي كانت عشتار قبل الشاعرة القاسمي ترى فيها رغبة للتواصل مع الحالم الخالد ..

وكأن لسان حال آلهة الجمال السومرية يتقابل في وحشة الطريق والبحث مع الأنا التي تجسدها شخصية الإنسان في محاولته لردم الهوة القائمة بين السؤال والجواب :

((أركض وراء سراب الحقيقة

فيقتلني

أبحث عن أمان بين خلجات نفسي

فيستنكرون))...............................قصيدة أنا ص / 96

أنها أشبه بلعبة أن تحاول أن تتجنب مد الأسئلة وتتحرر من عبودية العيون وسوء الظن .ولكنها مع أغراء الزيف وارتداء القناع للتخلص من تعب الأسئلة وملاحقتها .

وهاهي القصيدة مع روحها تستعيد ما يجري .تحاول تحاشي ما يحدث تغرق في خاطرة واستذكار ودمعة فنرى الأنا تكتسب إنسانية شفافة وذات يتقاطر منها مطر الوجد لتخفي وجهها الحزين بين الأكف.

قصيدة أنا .تحاول فيها الشاعرة أن تصنع لطقوسها عالما يحميها مما ترى وتحس وتلاقي .

إنها نشيد النفس المؤمنة بقدريتها والتي تحاول أن تعيش بهذه القدرية وفق القناعة الإلهية وقسمتها التي تمنح وعلينا أن نرضى ونطيع .

في نهاية القصيدة يظهر مديح ما في هذه الروح من قوة وثبات ملياً وتمنحنا الشاعرة قرارة نفسها في الأنا (الثبات) وهو ما كان النفري يؤكد عليه في بحث الأنا في الذات الأخرى قوله : أنا مهما يكن .إمضائي نفسي وعبادتي هو ..!

هذه الخاتمة في رؤى القصيدة تحتفي بذات الثبات الذي همس به النفري .إنها الأنا التي تقول أني ماضية بطريقي مهما يحدث .

تجدد القصيدة هذا المضي في موسيقى الإصرار .تحتفي ببهجة ما تملك وتقرر وتتسامى معه لتاتي خاتمة القصيدة نسيج جميل من احتفاء الروح بما ملكت بالرغم من كل شيء :

((فأخفي وجهي الحزين بين كفي

وتذرف عيناي الدموع

ويبقى شيء في داخلي

يهتف بصوت هامس حنون

أنا هكذا

لا أستطيع أن أكون إلا كما أردت دائما

أن أكون..))..................................قصيدة أنا / ص 96

 

لقد أرتنا الشاعرة أسماء بنت صقر القاسمي في القصائد المقروءة ما ملخصة : أن البوح والروح هما بوابة الرؤيا للبشر عندما يسكنهم الشعر كما يسكن شراع السفينة قلب البحر..!

هذا السكن يدركه الشعر من خلال موهبة الشاعرة ومحاولته جعل الحياة بالنسبة لها نمطا للتعامل والتعاطي في مستويات عالية الحس والوجدان والتفكير والعفو والصلاة والمناجاة والارتباط بالوجود البعيد بطرائق تتراوح بين العادية والسماوية والتراثية والصوفية والفلسفية وكما هي قراءتنا في هذا الفصل قائمة على الرؤى الروحية لنصوص مختارة نقر إن أسماء القاسمي عندما يتعمق الدارس في أشياءها الحروفية التي بنت من طوبها قصائدها ، يكتشف إن هذه المرأة تتعامل مع العالم من خلال نقاء السريرة وحسن النية ودفء العاطفة وهو ما يصفه أفلاطون وهو يتهيأ ليضع الرؤى العريضة لجمهورية :النفس التي تتحسس ظلمة الطريق بقناديل القلب.

ولهذا نراها في كل النصوص   تلخص طبيعة السرد الشعري لديها من هاجس إنها تحترق من اجل آخر يحتاج إلى النور والدفء.

وفي باب من أبواب حسية الروح لديها نأخذ نصها الموسوم (هذيان ليلة / ص 106) وهي آخر نص لقراءتنا الروحية في الفصل الثاني كأنموذج لقراءتنا المعمقة لبناء الروح الشعرية في كتابها الشعري (صلاة عشتار):

أيتها الأماني الهاربة

إلى وحل الزوايا المهجورة

أرجعي

إلى سقف بيتنا العتيق))

هو هذيان روحي عميق .وقوده الذكريات وعودة الزمن إلى الوراء وحتما هي عودة الأصل والاستذكار وتخيل ما كان نقيا ونحتاج أليه الآن . وهي حاجة يحكمها هذيان الشعر واللاوعي .وهو حتما مبثوث الكامن فينا ، في أعماق ذاتنا.

تعبر الشاعرة في الهذيان الليلي عن مكنون وشجون وامنية وتحاول أن تطوع الزمن في جعل النص تعبريا عن الحالة ومحاولة جمع المشهد الزمني في الصورة المتخيلة والمستعادة لما كان :

يقول كرويشه في رؤيته الجمالية للهذيان : أن الهذيان يسكننا عندما يضيع منا الزمن ولايمكن استعادته إلا بهاجس كهذا..!

مافي روح الشاعرة طاقة كبيرة للتعامل مع الزمن وفق تصور عالم الجماليات كروتشه .وهي هنا تستعيد الفتنة بالمكان وفاصلته الزمنية تحاول أن ترينا قدرة جيدة من طاقة الذهن على الاندماج روحيا مع اللحظة القديمة .

المكان بيت .والزمان طفولة ...والقصد هو أن نكون بينهما ونحن نصنع لدوامة الكلام أسئلة الزمن ليعيش في خواطرنا وأصابعنا ودقات قلوبنا ..ومهما حدث فان استعادة الزمن وأحلامه ولذته تعتبر بالنسبة للشاعر بطولة ومقاومة وهدف نبيل .وان وجود الضد يزيد المر تحديا لتذهب القاسمي في رسم الملامح النرجسية لهذيان الحروف ومقاصدها :

((أيتها النوافذ المغلقة

بددي دمع الشكوك

وأسكني في أرواحنا

أيتها البواب الكئيبة

شققي ارض السكوت

لنبدأ

لعبة اجمل الأحلام .)) ................................قصيدة هذيان ليلة ص / 107

الهذيان عند أسماء القاسمي  هو إنشاد ومديح لما كان ويكون وهذا المديح جعل من محراب الطبيعة وسيطا للصلة الموصولة التي تجعلنا مرتبطين بروح المكان وزمانه .

هذا الارتباط لا يصلح غير الشعر ليكون له مسكنا وبوصلة .وفي هذه القصيدة ربما أدركت الشاعرة وكما قبلها من البشر في زمن الأسلاف أن الطبيعة هي الطريق المعبد لهاجس البشر في اكتشاف ماهية السماء وسلطتها .وحتما من سلطة السماء إنها تصنع في ذكرياتنا الرغبات عن طريق جعل الطبيعة سجادة تستريح عليها لحظاتنا الشعرية وهي تستعيد ماكان....

في هذيان ليلة تمزج الشاعرة القوى الطبيعة للأمكنة فيما نريد أن نحققه .فنرى الشاعرة تسكن هذيانها في الليل .لأنه على حد قول الحلاج : الجامع للمدامع والزمن الذاهب لما نحن أليه في المكان العلي.

في مقطعها الأخير تضع القصيدة رؤيتها في معطف الريح .هذا المتحرك الثري الذي يديم مشاعرنا بهيبة ورهبة التحولات .

يذكرني المقطع في قصيدة هذيان ليلة المبتدأ في عبارة التالية :

((أيتها الرياح الساكنة

اسحبي شعركِ

وتمرسي

على حدود أصابعنا)).................................قصيدة هذيان ليلة ص / 108

يذكرني هذا المقطع الممتلئ بلاغة في الوصف وإيقاعاً جميلاً في معنى ما يرمي أليه بمديح الشعر الذي كان يسجيه شاعري المفضل (سان جون بيرس).

كتب بيرس كتابه الشعري (رياح) ليشعرنا بان المتغيرات تمتلك هيبتها في متون القصائد وأزمنة الغيب ومدائح طفولة أيامنا المنصرمة  وكانت الرياح عند الشاعر اليد التي تمسك بأقدارنا لتذهب بنا إلى مستحيلات الزمن عندما يدرك الواحد منا إن قيمة ما نرث هو آت من قيمة مما ننتج بذاكرتنا وريشة القلم ومعول الأرض.

الريح في الاستعادة والتحول تسهم كثيرا في رفد الروح الشعرية بحاجتنا إلى أن نعيش هذياننا بمتعة نشوة الصلاة واستعادة الذكرى بالمتحول هي استعادة لكل بعيد .وهي وحدها من تنسينا أسى الفناء وتهمس لنا إن المتغيرات هي التي تجعلنا نهذي من اجل صناعة الملاحم الجديدة.

القاسمي في هاجسها تقف تماما مع رؤية هذا الكاشف (الريح) لتمزجه بأهزوجة الأنشودة ومديح التغريد السمفوني وهذا الاحتفاء تريد من خلاله الشاعرة أن تمرر ذات الهذيان إلى ذات الذاكرة لتولد لنا كما تقول القصيدة اجمل اللحظات :

((أيتها العصافير المهاجرة

ارجعي لنا ..واندرجي

في الحان سمفونية

لنتقاسم اجمل اللحظات ..!)) ...................................قصيدة هذيان ليلة ص / 109

وهكذا هو الفصل الروحي في كتاب (صلاة عشتار) رؤى مفترضة وليس بالضرورة أن يكون قصد الشاعر فيها .

انه قراءة جمالية لما تحمله القصائد في أرديتها الحسية تعكس رؤيا متعددة الصفات والخصال لرؤية الشاعر إلى الكون عبر إحداثيات تضعها الحروف باتجاهات مقدرة .

وكنا نرى أن هذه الرؤية قائمة على ثبات المؤمن بأيمانه ويظهر في اغلب قصائد الديوان كمظهر عام من أخلاق الشعر وثقافته ولم تحيد عنه حتى في لحظة الضعف واهتزاز مشاعر القصيدة صوب يئس الدمعة وخيبتها .

لقد قرانا في القصائد التي درسها الفصل فيما عكسته الرؤية الإيمانية للشعر وكاتبه ، قرانا مقاطع منشدة بطريقة لائقة ..تتعامل معها الشاعرة ضد ما تعتقده المحيط المعقد بهمومه والتي يريد أن يعكسها علينا ليخفف من ضغوطه النفسية والماديه عليه.

تكتب الشاعرة أسماء القاسمي بوعي مباح لهاجس التصوير والتكثيف وجعل الألم البشري مادة لمعرفة الكامن.

معالجة روحية ووجدانية تطلقها الشاعرة على ورق الديوان لترينا نمطا خاصا من السرد الشعري بجماليته المميزة.

تكتب القاسمي بذاكرة قدسية لحرف الضوء المبني على تجربة الحياة مع الحياة .

وترينا القصيدة قي الصفحة 90 خلاصة المعالجة الروحانية الواعية للفرد الأنثوي الذي تحمله روح الشاعرة ونبضة قلبها ..

وهي أن حملت التقديس شعارا وسلوكا إنما أرادت أن تقترب من ظل وعطر تلك المثل العظيمة التي حملناها من أسلاف المس لتجيء للزمن الحاضر بكل غرائبه وتناقضاته ..ففي هذه القصيدة خلاصة لرؤية الفصل ومحاولة جديرة بوضع المنار الروحاني لكل دروب الحياة وتعدد عناوينها بين قصائد الكتاب ال (41) ويمكننا أن نرى خلاصة هذا التقديس المميز للروح وتأثرها في العالم ما تذكره الشاعرة في هذا النص من قصيدة القديسة :

((عند حطام المنبر

والمئذنة الثكلى

فلك يسبح في فلك

والربان المسكين بألف ذراع

أي صراع سيحطم وجهك ياقديستي

جيل يأبى

والأرض كذلك رعبا يأبى

من يحملها

تلك جدائلها

في الجعبة فوق ظهور الخيل)) .................................... قصيدة القديسة ص / 91

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1496 الاربعاء 25/08/2010)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم