صحيفة المثقف

مسؤوليات أركان الأسرة: الرجل الزوج المرأة الزوج الأبناء / رشيد كهوس

وهي المهد والمرعى الأول للطفل، ومنها تنطلق مسيرة الفرد لبناء شخصيته، وفي رحابها يكتسب أخلاقه وعقيدته وتربيته.

وعلى الأسرة تقع مسؤولية كبيرة في تربية الفرد في جميع مراحل عمره.

أما الأسرة في قواميس اللغة فهي:"الدرع الحصينة، والعشيرة وأهل الرجل، وتطلق على الجماعة يربطها أمر مشارك".

أما لفظة الأسرة فهي غير واردة في القرآن الكريم ولا نعلم بورودها في الحديث النبوي، فالقرآن الكريم والحديث النبوي ركزا على لفظ الأهل قال الله عز اسمه: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)(سورة النساء من الآية 35)، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) (رواه الإمام الترمذي وأبو داود وابن ماجه)، وركزا على معنى الزواج والتزويج للإشارة والدلالة على معنى الأسرة.

وتبدأ الأسرة بذلك الرباط الوثيق والميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي.

 

أركان الأسرة مسئوليات ووظائف:

1-الرجل الزوج: القوامة: لقوله عز اسمه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)(سورة النساء: من الآية 34)، وقال الحق تبارك وتعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (228سورة البقر:) درجة الرجال على النساء هي درجة الإشراف والرعاية والذود عن الأسرة. هي درجة الرفق والرحمة والتعاون وكل الصفات الواجبة في حق الرجل في معاشرته لأهله... وليست محاباة للرجل ولا تنقيصا من حق المرأة أو مكانتها، وإنما هي مسؤولية ملقاة على عاتق الرجل وسيسأل عنها يوم القيامة هل أداها كما أمره الله تعالى أم لا!

وبكلمة جامعة هي درجة القوامة.

والقوامة هي: الصيانة والرعاية، والكفالة والحماية، والقوامة تعني قيام الرجل الزوج على أسرته بالحماية والرعاية والتدبير.

والآية الكريمة الأولى بينت أسباب القوامة، فالأول: وهبي لقوله تعالى: (بما فضل الله بعضهم على بعض). بما جعله الله في كل منهما من استعدادات وخصائص نفسية وخِلقية...، والثاني كسبي لقوله تعالى: (وبما أنفقوا من أموالهم)، لأن الرجل هو الذي يؤدي المهر وهو الذي يتكلف بكفالة أسرته والذب عنها والنفقة عليها...

والقوامة تشمل:

-قوامة الرجل في بيته تعني أن يوفر لهم كل أسباب الحياة من مسكن ومطعم وملبس...ورعايتهم وكفالتهم وحمايتهم من كل ما يتربص بهم...

- الرعاية الدينية: أي أن يعلمهم دينهم وشريعتهم لقوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (سورة التحريم : 6).

وبالرعاية الدينية يضمن الرجل لأهل بيته صلاح الدنيا والآخرة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ».(رواه الإمام الترمذي عن أنس وصححه الشيخ الألباني حديث في صحيح الجامع الصغير).

ومجمل القول: القوامة ليست سيفا مسلطا على المرأة بل هي تكليف للرجل وحماية للمرأة.. والقوامة مبنية على المحبة والتعاون والتآلف والتشاور والتراحم والتفاهم.

والقوامة معناها التكامل لا التنافر، التعاون لا التناحر، التفاهم لا التنازع...

والأسرة مرفأ للحب وليست خندقا للصراع.

2-المرأة الزوج: الحافظية: لقوله جل ثناؤه: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(سورة النساء: من الآية 34): وحافظية المرأة الزوج لا تقصُر على حفظ حقوق الزوج بل تشمل كل حقوق الله تعالى المكلفة بها. حافظية المرأة الصالحة القانتة في الإسلام لا تقتصر على شُغل بيوتها وإرضاء زوجها، بل تنطلق أولا من إرضاء الله تعالى وترجع إليه.

وهنا أذكر حديثا نبويا شريفا تظهر فيه ملامح حافظية المرأة الزوج جلية واضحة:

عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ» (رواه الإمام أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في حقوق المال. وابن ماجة في سننه، والحاكم في مستدركه بسند صحيح وغيرهم).

(إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ): ينظر الرجل الزوج إلى المرأة زوجه فتسره؛ يعني ذلك أنه يحبها ويسكن إليها، ولا يعني هذا أن شرطها أن تكون فاتنة الجمال الجسدي. فالجمال جمال الروح وجمال الخلق وجمال الحافظية أما جمال المظهر فذلك يذبل ويزول.

(وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ): وهذه الطاعة مقرونة بالقوامة التي تجعل من الزوج ربانا لسفينة الأسرة، والرئيس عادة يستجاب لأوامره ويطاع في المعروف وفيما يرضي الله تعالى لقول رســــول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد). والطاعة ليست طاعة خنوع أو نزول عن مستوى الإنسانية، بل هي طاعة تضمن استقرار الأسرة وسلامة رحلتها.

أما الذي يلوي عنق الطاعة فيتأله ويظلم ويشتم، فتنقَلِبُ العشرة الزوجية من معاني المحبة والمودة والرحمة إلى علاقة الجلاد بضحيته، والمالك في ملكه، فالعيب فيه لا في الإسلام الذي أمر بالطاعة في المعروف وجعل القوامة قائمة على التعاون والتفاهم والتشاور والمحبة والرحمة والمعاشرة بالمعروف...

(وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) إن أنفس ما تحفظه المرأة أنساب الأمة. لأن لفيفا من اللقطاء لا يسمى أمة. وتحفظه في أبنائه تأمر بالحسن، وتزجر عن القبيح، وتجيب عن الأسئلة، وتلقِّنَّ اللغة.

وفي رواية عند الإمام الطبراني في المعجم الكبير: (إذا غاب حفظته في نفسها وماله): (في نفسها): عفة وشرف. وفي (ماله): تدبير للنفقة واقتصاد.

والمرأة الصالحة القانتة مربية الأجيال وصانعة المستقبل.

3-الأبناء: الاحترام والطاعة في المعروف والإحسان إلى والديه، ورعايتهما وحمايتها في كبره كما رعوه وسهروا عليه في صغره، وحفظ مال أبيه: قال الله سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)) (سورة الإسراء).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه الإمام البخاري. سبق تخريجه).

 

د. رشيد كهوس/المغرب

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2150 الاربعاء  13/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم