الرئيسية

ألنائب عدي عواد - الإستثمار في الكهرباء والإعلام المخادع / صائب خليل

تمثيلية إعلامية تبدو كما يقول العراقيون، لعبة كرة طائرة، كان هوومقدم البرنامج "واحد يرفع وواحد يكبس" – واحد يقدم "وثائق" والآخر يتعجب، وواحد يقدم "حقائق" والآخر "يتأوه". وبدت المقابلة هزيلةً لكنها كانت في الحقيقة مخططة بشكل دقيق وعلمي (رغم تنفيذها السيء) فكانت فصولها تنتهي دائماً بالرسالة التي يراد إيصالها إلى المشاهد: لا أمل لك سوى بالإستثمار والخصخصة والشركات!

وتتناثر الرسالة الإعلامية على مدى المقابلة بشكل يساعد على إخفائها في التفاصيل، لكي لا تفتضح، مع إبقاء تأثيرها العام. وتساند هذه الرسالة الإعلامية إضافة إلى الخصخصة، مكسباً إضافياً للإستراتيجية الأمريكية في العراق، وهي تمزيق الحكومة المركزية وإعطاء صلاحياتها تدريجياً للمحافظات.

 

هذه المقالة تركز على الخطة الإعلامية للمقابلة، ولكن لنبدأ بملاحظاتنا على تنفيذها السيء، ربما لمحدودية إمكانيات النائب عدي عواد، لننتهي من هذه النقطة قبل الدخول في تفاصيل الخطة.

 

حين أراد النائب الدفاع عن نفسه كبرلماني يؤدي واجبه أمام الفساد الذي أسهب في المبالغة به، قال:

"لا، يعني إنت لا تنس، أيهم السامرائي عليه مذكرة قبض، رعد شلاش (هكذا!) عليه مذكرة قبض، الوزير السابق عليه مذكرة قبض، وإذن إحنا ما ساكتين ولا مجلس النواب ساكت"..

(الحقيقة أن إسمه "رعد شلال" وليس "شلاش"، وهونفسه "الوزير السابق"، وهوفي بيته في حديثه، وليس هارباً لتكون عليه مذكرة إلقاء قبض لا تنفذ، وليس منتمياً لأية كتلة لتدافع عنه.)

لكن طبعاً لابد لحملة عبادة الإستثمار أن تهاجم الرجل الذي فضح حقيقة الإستثمار في البرلمان وحرمه من 12 ونصف مليار دولار. فتحدث عدي عن أن "العقود الوهمية" بـ 6 مليارات دولار كلها لشركات في عمان ولها "أسماء غريبة" الخ..وهنا نذكر أن العقود لم تكن "وهمية"، ولا الشركات، وقدم ممثلوها في وقتها مقابلات تلفزيونية، ولوكانت وهمية لألقي القبض عليهم حينها، لكنها كانت شركات صغيرة وسيطة، تم قبولها بسبب رفض الشركات الأصلية الكبرى للعمل بالدفع بالآجل، ولم يدفع لها فلس واحد.

وأضاف عدي أن رعد كان لديه مكتب في عمان قبل أن يصبح وزيراً (!)، وقد اتصلت بالأستاذ رعد الذي قال ضاحكاً أنه سمع المقابلة، وأن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وأنه يعتبر عدي "مهرج"، رافضاً محاسبته بشكل قانوني أوإعطاءه قيمة بالرد عليه بأكثر من هذا النفي والتكذيب.

 

وكأمثلة أخرى، حين سأل مقدم البرنامج عن عدد الوزراء الذين تعاقبوا على الكهرباء أجاب عدي بعد تهرب: "يعني هوأطول مدة طولت هوالدكتور كريم وحيد"! الجواب لا علاقة له بالسؤال! وحين سأله إن كانوا قد عرضوا عليه عقود أجاب بنفي سريع ثم أعقبها بتفصيل الرشاوي التي عرضت عليه! ومن العجيب أن تعرض رشوة على نائب، دون أن يوصل الأمر إلى المعنيين، ثم ليعترف بأنه لوكان على علاقة بالوزير فقد لا يستجوبه لأنه "تنكسر عينه"!!

 

نعود الآن إلى الخطة العامة وتنفيذها. كان يجب إقناع المشاهد أولاً بأن الوزارة ضائعة ليست لها استراتيجية ولا حتى خطة، وأنها فاسدة بشكل ميؤوس منه وأن الفاسدين فيها أقوياء إلى حد أسطوري لا يستطيع معه شيء، لا المالكي ولا البرلمان ولا القضاء...لا شيء يقدر عليهم وينقذ المواطن المسكين منهم سوى السوبرمان الذي يقدمه عدي عواد: الإستثمار!

 

للإيحاء بالفكرة الأولى يقول عدي: "كل واحد صار خبير...كل عام هناك استراتيجية، وأي واحد قوي في العراقي يستطيع أن يفرض الإستراتيجية التي يراها مناسبة (على وزارة الكهرباء!)" وللدليل على ذلك، يقول عدي: "الوزارة مرة راحت للبخاريات..بعض الأحيان راحوللغازيات، محطات الديزل"، ويعود ليبدل قوله بأن الوزارة تغير ستراتيجيتها كل عام، ثم في مكان آخر في المقابلة " استراتيجية مال شهر واحد ما عنده" ليصل إلى "تغيير استراتيجيات الوزارة ربما بين يوم ويوم !!".

عدي يقفز من سنة، إلى شهر، إلى يوم. ثم هل هناك علاقة بين نوع المحطات و"الإستراتيجية"؟ هل تعني الإسترتيجية مثلاً أن "تشتري محطات بخارية فقط" كمبدأ لا تحيد عنه؟ كمهندس كهرباء وعضولجنة الطاقة النيابية، يفترض بعدي أن يعرف أن لكل نوع من المحطات استعمالها، فالبخارية كبيرة وتحتاج تبريد والديزل صغيرة وسريعة التشغيل تصلح لدعم فترة الذروة، وهكذا. ورغم ذلك يهاجم عدي "الجهل"، ويكرر حديثه عن "الوحدة" الكهربائية، التي يبدوأنه نسي إسمها (الكيلوواط ساعة)، ليذكر أرقاماً اعتباطية عن تكاليفها ويقارنها دون أن يشير إلى التفاصيل المهمة المحددة للكلفة، فمثلاً علمت أن كلفتها كانت تتراوح بين 3 سنت عند تجهيز الوقود من قبل الحكومة و7،5 سنت بدونه..الخ.

 

الرسالة الأخرى هي أن كل من قد يعترض على فرض الإستثمار يجب إسكاته والتشكيك بنزاهته أوبعلمه. فبعد التهجم على رعد شلال، يلتفت عدي إلى الشهرستاني الذي يقول عنه أنه "بعيد عن الكهرباء" وأنه جاء بـ "توافق سياسي،خوب ندري بالموضوع " فيهتف مقدم البرنامج: "عجيب!" (أي: أيها المشاهد يجب أن تندهش وتغضب هنا).

 

ولكي يبرهن أن الوضع عسير لا يحله إلا "الحلال" (الإستثمار) يجب تحطيم كل مؤسسات الدولة وتبيان عجزها التام بضمنها الحكومة والبرلمان والدستور والنظام الداخلي وجميع الكتل ومنها كتلته، أمام سيطرة الفساد والعجز عن "مواجهة المفسدين" في وزارة الكهرباء التي "مارضت تعطينا أي معلومة" و"الوزير مجبر يدفع نسبة من فلوس وزارة الكهرباء لعصابات المافيا" و"مجلس النواب يعطيك الأسماء المتورطة تروح إلى القضاء ينحال جهات عليا وينسد التحقيق و..هيه هيج حال الدولة شتسويلها"..."إذا أكول فلان مقصر لوراح يكرم لوراح يرتفع لمنصب أعلى!" " لوينطوإجازة يسافر لولدبي أوللإمارات" (دبي أوألإمارات؟؟)، وبين الحين والآخر يصرخ مقدم البرنامج:- الله واكبر!! ليذكرنا بإخراج المسرحية الدموية لكنيسة سيدة النجاة، وأخيراً يصل المقدم إلى "الذروة" فيسأل:

- يعني ما تنحل موضوع الكهرباء؟

- لا ما تنحل

- ماكوحل؟

- لا ماكوحل!

- اللللللللله!!

(الرسالة: "الآن إيأس يا مواطن..")

ولإبعاد المواطن عن التساؤلات، يبادر عدي بإخباره بما يجب أن يريد: "يعني آني أنطيكياها بكلام الشارع (وكأنه كان يتكلم حتى الآن بكلام سيبويه!)..المواطن ما يريد رعد شلاه انكض، رعد شلا..." (تلعثم، ويدخل مقدم البرنامج على الخط): "شله علاقة المواطن...المواطن يريد كهرباء".

ولتهديد من قد يتجرأ ويرفض الإستثمار، يخلطهم عدي مع "المفسدين" و"المدافعين عن الوزير" فيقول: "راح تشوفوهم بالإعلام مثل ما راح تشوفوهم باستجواب الوزير، مثلما انتفظوا من قضية الإستثمار وكأنه الإستثمار جبنا من عدنا".

الرسالة: ياناس، "الأشرار" الذين منعوا الكهرباء عنكم، يحاولون منعها بمنع الإستثمار، وهوالحل الوحيد!

 

من ناحية أخرى، ولدعم مشروع تحطيم الحكومة وإعطاء صلاحياتها للمحافظات، يقول عدي:

"أن تبني كل محافظة محطة، هذا الفنيين يعتبرونه كفر في وزارة الكهرباء، لكن المحافظ كان مقتنع وكان لديه وثاقة(؟؟)...لكن آنه أكللكياها هوهذا السبب اللي خله الكهرباء تتراجع..!!" (؟؟)

وحقيقة الأمر أنه لا يمكن لجميع المحافظات أن توفر الكادر الذي يمكن للحكومة توفيره ولا خبرته، ولا يمكن لها أن تمتلك القوة التفاوضية التي تمتلكها الحكومة مع الشركات، لا حول الأسعار، ولا عند حصول الخلافات. أما الفساد، فرغم الأمن، فهولا يسيطر على مكان في العراق قدر سيطرته على كردستان، حيث يمتلك السلطة كاملة. ويركز الأثنان على تحريض البصرة، فيقول عدي: "البصرة طبعا مظلومة تتعامل وياها الحكومة كأنها محافظة مسلوبة ومنهوبة..!!" (الرسالة: "يا بصرة ثوري ثوري").

وبمناسبة البصرة فقد جاءنا خبر موثوق يقول أن الناس اكتشفت أن مسؤولين في مجلس المحافظة يمتلكون المولدات الخاصة، وبالتالي فهم مستفيدين من تردي الكهرباء، ولا غرابة أن يعملوا على إفشال الكهرباء الوطنية من خلال تجاهل التجاوزات وتشجيعها وغيرها من الأساليب.

 

أخيراً يقود مقدم البرنامج المسرحية إلى الخاتمة بحكاية "العروس اللي تريد فلوس، والفلوس عند الـ....الخ ليحثه على قول الجملة الختامية: "بيد من مفتاح الكهرباء"؟

عدي عواد يتشجع فيقول: "مجلس النواب طككت روحة من سالفة الوعود والعهود والمواثيق... فأعطى قرار بالتوجه إلى الإستثمار!!"

ثم يروي لنا قصة أحلام وردية عن الإستثمار: "الإستثمار المعروف عنه بالعالم، بالهاي (؟) أنه أني أجيب محطة أشتري منها ثلاث أوأربع سنوات وبعدها كل المحطة بمعداتها وامكانياتها تتحول كلها ملك للدولة هذا المعروف عنه بدول العالم، تصير الدولة تشغلها"!!

هذا الكلام طبعاً عكس الواقع تماماً، فالدولة هي المطالبة بشراء المعدات وتحضيرها تماماً، ثم تقديمها لـ "الإستثمار" حتى يشغلوها ويستلمون الأرباح منها وتبقى لهم، كما بينت في مقالتي السابقة (2)

ثم يؤكد عدي بوقاحة :"اكيد الإستثمار راح يقلل الأسعار"!، ناسياً أن رئيس لجنته (عدنان عبدالمنعم رشيد الجنابي شقيق خالد عبد المنعم رشيد الجنابي، سكرتير صدام السابق ورئيس الديوان السابق(3)) كان قد قال بأن الوزارة ستقوم بدعم اسعار الكهرباء عند خصخصتها للحفاظ على سعرها عند إحالتها إلى المستثمرين!

 

لا بد أن أقول أنه رغم كثرة الأكاذيب الملفقة والكلام غير الدقيق، فأن بعض النقاط التي أوردها هذا النائب في هذه المسرحية الإعلامية، قد تكون صحيحة، والوزارة ليست خالية بلا شك من الفساد والتقصير والتبذير، الذي تجمع فيها منذ ايام أيهم السامرائي ووحيد كريم وقبلهما أيام صدام. لكن هذا لا يعني أن تستغل تلك الحقائق مبرراً لسرقة الكهرباء كلها، ومن خلال قصة اطفال خرافية ومشبوهة عن الوزارة العجيبة والمافيات المهولة التي لا حل لها سوى الإستثمار الرائع الذي يهب المحطات بعد أربع سنين. فمن المعروف أن قصص الفساد الأكبر في أية دولة هي قصص الخصخصة فيها، وما معالجة الفساد بالخصخصة إلا خدعة تروج لها جهات مستفيدة بإعلام إيحائي بأساس علمي، وإن كان مكشوفاً هنا.

 

ختاماً نسجل استغرابنا لموقف كتلة التيار الصدري التي صارت تقف مع الشركات والمستثمرين والأثرياء وأصدقاء أميركا، في مسعاهم لنهب ثروة العراق، وكانت أوضح الكتل في دفاعها عن الفقراء، والوقوف بوجه الأجندة الأمريكية في العراق، لكننا لم نعد نفهم سياسة التيار الصدري الأخيرة، آملين عودة الوضوح الجميل الذي كان يتمتع به، وأن لا يترك أمثال عدي ومواقف عدي يشوهون صورته مستقبلاً.

 

وكذلك نلاحظ أنه بالرغم من أن اللجنة تهاجم الحكومة بشكل صريح من خلال مثل هذه المقابلات وغيرها فإننا لا نجد ردوداً كافية من قبل الحكومة والتي يسلبها هذا القانون قراراتها في هذا المجال الخطير، فلا نعرف رأي الوزير عفتان بوضوح ولا سمعنا رأي الشهرستاني ولا كذلك سمعنا حتى الآن رأي رئيس الحكومة السيد نوري المالكي بما يجري، ونقول أن التجاهل لا يعني بالنسبة لنا إلا التواطؤ مع هذه اللجنة المشبوهة ومن يقف وراءها في مؤامراتها على العراق وثرواته واستقلال قراره.

 

سحور سياسي ج1 (1)

http://www.youtube.com/watch?v

=W16ARffwqzE

سحور سياسي ج2

http://www.youtube.com/watch?v=f_w3gcGxn4M

(2)http://qanon302.net/news/news.php?action

=view&id=20047

(3)http://www.iraqgreen.net/modules.php?nam

e=News&file=article&sid=19975

 

8 آب 2012

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2205   الجمعة  17/ 08 / 2012)