صحيفة المثقف

تنقيح سيرة الامام موسى الكاظم / غالب حسن الشابندر

فقد جاء فيه: (محمّد بن يحي، عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن أحمد، عن علي بن الحسين،عن ابن سنان، عن سابق بن الوليد،عن المعلى بن خنيس، أن أبا عبد الله عليه السلام قال: حميدة مصفَّاة من الادناس، كسبيكة الذهب، وما زالت الأملاك تحرسها حتّى أدَّيت إلي كرامة من الله لي والحجة من بعدي) 1، والرواية ضعيفة بـ (سابق بن الوليد) فلم يوثّق كما جاء في معجم 8 رقم 4917، نقرا في نص الخصيبي المتوفي سنة 334 للهجرة: (أمُّه حميدة البربرية، ويُقال: الاندلسية، والبربرية أصح) 2، في النص زيادة على ما في الكافي، فهي البربرية أوالاندلسية، وفي أخبار الامام الرضا لابن بابويه المتوفي سنة 381 للهجرة نقرا: (وفي رواية سليمان بن حفص: وأمُّه أم ولد، يُقال لها: حميدة)، وهي أمُّ أخويه إسحاق ومحمّد بن جعفر) 3، وسليمان بن حفص هذا مردّد بين البصري و المروزي، وكلاهما لم يوثَّقا كما جاء في معجم الرجال الجزء 8 رقم 5426، ورقم 5427، ورقم 5428، والرواية أصلا مرسلة، ولكننا نلتقي بزيادة مهمة هنا عن هذه الام، فهي أمُّ ولد، وأمُّ ولد تعني جارية وَلَدتْ ولدا من حر،كما أنها ذاتها أم أخوي الامام الكاظم إسحاق ومحمد بن جعفر، فإذا راجعنا الارشاد للشيخ المفيد المتوفي سنة 413 للهجرة، نقرا: (وأمُّه أم ولد يقال لها: حُميدة البربرية) 4، فالمفيد هنا لم يدرج الاندلسية، ننتقل إلى أبو جرير الطبري الشيعي من أعلام أوائل القرن الخامس الهجري فنقرا: (وأمُّه حميدة بنت صاعد البربري) 5، حيث نحضى بمعلومة جديدة، تلك هي اسم اب حُميدة، فقد افتقدنا هذا الاسم في المصادر السابقة، والرواية مرسلة، صاحب كتاب أعلام الورى الطبرسي من أعلام القرن السادس لهجري يقول: (... وأمُّه أم ولد يقال لها:حميدة البربرية، ويقال لها: حميدة المصفّاة) 6، ومن الملاحظ أن (المصفَّاة) ليس من أصل التسمية، بل هي مأخوذة من وصفها بالمصفَّاة على لسان الامام الصادق، نقرا مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب المتوفي سنة 588 للهجرة: (أمُّه حميدة المصفَّاة ابنة صاعد البربري، ويُقال: إنها اندلسية، أم ولد تكنَّى لؤلؤة) 7، ويبدو أنه أخذ اسم ابيها من دلائل الإمامة، فهو لم يبين مصدره، وهي المصفّاة بلحاظ الوصف الذي وصفه بها الامام الصادق كما مرَّ علينا في رواية الكافي الضعيفة، ولكن يضيف لنا معلومة لم نجدها في المصادر السابقة، كون هذه الام الطاهرة تكنّى (لؤلؤة)، ويدلي ابن سبط الجوزي المتوفي سنة 656 للهجرة بدلوه هنا ليخبرنا: (أُمُّه أمُّ ولد أندلسية، وقيل بربريَّة، اسمها حميدة) 8، والمصنف هنا يشكك بأنها بربريَّة، وفي كشف الغمة للاربلي المتوفي سنة 693 للهجرة برواية كمال الدين محمد بن طلحة: (... وأمُّه أمُّ ولد تسمى حميدة البربرية وقيل غير ذلك)،الرواية مرسلة، وبراوية أخرى: (أمُّه حميدة البربريَّة، ويقال الاندلسية،امُّ ولد، وهي أُمُّ اسحق وفاطمة) 9، وهي كاسابقتها مرسلة، (وفي الفصول المهمة لابن الصبَّاغ المتوفي سنة 855 للهجرة نطالع: (أمُّه تسمَّى حميدة البربريَّة) 10.

يمكننا ان نلاحظ على هذه الروايات ما يلي: ـ

أولا: إنها روايات ضعيفة، فلم تثبت ابدا، وقد جاء في كتاب مشرعة البحار للشيخ محسن آصف في ذلك: (ج48 تاريخ الامام الكاظم عليه السلام، الباب 1: ولادته عليه السلام، وتاريخه وجمل احواله ... ليس فيه رواياته رواية معتبرة سندا) 11 .

ثانيا: أن بعض الرواة ياخذ من بعض مع زيادة !، وكلَّما تقدمنا بزمن الرواة تكون الزيادة أكثر، ورواية صاحب كشف الغُمّة جمعها كلها، ولكن روايته مرسلة .

ثالثا: المصادر السنية، اي الفصول المهمة لابن الصبَّاغ، وتذكرة الخواص كانت مقلَّة .

رابعا: يبدو أن الشيخ المفيد كان متحفظا جدا في تقبل كل ما روي هنا ولذلك اكتفى بقوله: (وأمُّه أم ولد يقال لها:حُميدة البربريَّة) .

ليس هناك محصل واضح عن تاريخ هذه الام لحد الآن، ولا يمكن أن نبني تاريخا محكما على هذه الشذرات القليلة والمشكوك بها بطبيعة الحال .

 

كرامات الأم .. إشكالية طهر الرَّحم

نقطة أوَّل السطر

يتصاعد الحديث عن أمِّه سلام الله عليه، فتدخل العملية عالم الغيب والروحانيات البعيدة، فنحن نقرا في كتاب (الخرائج والجرائح) للشيخ قطب الراوندي المتوفي سنة 573 للهجرة: (روي عن عيسى بن عبد الرحمن،عن أبيه قال: دخل ابن عكاشة بن محسن الاسدي على أبي جعفر عليه السلام، فكان أبو عبد الله ـ الصادق ـ قائما عنده، فقدَّم إليه عنبا ... فقال ـ ابن عكاشة ـ لأبي جعفر عليه السلام لأيِّ شيء لا تزوِّج أبا عبد الله ـ اي الصادق ـ فقد أدرك التزويج؟ وبين يديه صُرَّة مختومة، فقال ـ أي الباقر ـ سيجيء نخَّاس من أهل بربر ينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصُرَّة جارية، فأتى ما أتى، فدخلنا يوما على أبي جعفر عليه السلام، فقال: ألا أخبرك عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ وقد قدِم، فاذهبوا واشتروا بهذه الصُرَّة منه جارية . فاتينا النّخاس فقال: قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين أحداهما أمثل من الأخرى .

قلتُ: فاخرجهما حتى ننظر إليهما، فاخرجهما فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتاثلة؟ قال: بسبعين دينارا، فقلنا: أحسن . قال: لا أُنقص من سبعين دينارا .

فقلنا: نشتريها منك بهذه الصرَّة ما بلغت وما ندري ما فيها .

قال النَّخاس: لاتفكُّوا، فإنَّها إنْ نقصت حبة من السبعين لم أُبايعكم .

قال الشيخ: زنوا .

قال: ففككنا ووزَّنا الدنانير، فإذا هي سبعون دينارا، لا تزيد ولا تنقص .

فأخذنا الجارية، فادخلناها على أبي جعفرعليه السلام وجعفر قائم عنده.

فاخبرنا أبا جعفر عليه السلام بما كان فحمد الله، ثم قال لها: ما اسمك؟

قالت: حُميدة.

فقال: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكرُ أم ثيِّب؟

قالت:بكر .

قال: كيف ولا يقع في يد النَّخاسين شيء إلاّ أفسدوه؟

قالت: كان يجيء فيقعد منِّي مقعد الرجل، فيسلِّط عليه الله عليه رجلا ابيض الراس واللحية، فلا يزال يلطمه حتى يقوم عنِّي، ففعل مرارا،وفعل الشيخ مرارا . فقال: يا جعفر خُذها إليك، فولدتْ خير أهل الارض موسى بن جعفر) 12، ورواه في دلائل الامامة بسند ضعيف جدا، ففي السند الشلمغاني، ورفعه هذا الى جابر الانصاري، فهو ضعيف من جهتين، ضعف بعض رواة السند، والرفع 13، ورواه بذات السند المحدِّث البحراني في (مدينة المعاجز) 14، ورواه المسعودي في إثبات الوصية ولكن بلا سند 15 .

روى الكافي مثله بسند: (الحسين بن معلَّى، عن علي بن السنديّ، عن عيسى بن عبد الرحمن) 16، والسند ضعيف، لان علي بن السندي لم تثبت وثاقته 17، وعيس بن عبد الرحمن لم يوثّق 18 .

هذه الرواية ضعيفة، ولكن ما هي الدواعي الكامنة وراء اختراع هذه الرواية؟ ينبغي أن لا نكتفي بإثبات ضعفها، بل يجب أن يمتد البحث باتجاه الاسباب الداعية إلى مثل هذا الوضع، إنَّها باختصار في ما يلي من نقاط: ـ

الاولى: إنها رواية استباقية، كان الهدف منها تبرئة ولادة الامام الكاظم من أَمَة ومن ثم ثيِّب، فكأن هناك نقصا فيما كانت ولادة الامام من رحم قد فُضَّ مسبقا، أو من العيب أن تكون أمُّه سلام الله عليه كانت في محاضن النخاسين، ومن يدرينا إنّها كانت كذلك؟ فلعل مضامين كل الرواية ضعيفة .

ثانيا: تأسيس لعقيدة مفادها أن أرحام الائمة عليهم السلام مصونة غيبيا، فهذا الرجل الابيض الراس واللحية، كان يحول دون مساس الام من قبل ذلك النّخاس،هناك راعية ربانية إ لهية لهذا الرحم !

 

رواية الطبرسي

يروي الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري ما نصُّه: [ ومن باهر خصائصه عليه السلام ما وردت به الآثار في شأن أُمِّه، وذلك ما أخبرني به المفيد عبد الجبار بن علي / الصحيح عبد الله / الرازي رحمه الله، إجازة، قال: أخبرنا الشيخ أبو جعفر الطوسي قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي عليّ أحمد جعفر البزوفريّ،عن حميد بن زياد،عن العباس بن عبيد الله بن أحمد الدهقان، عن إبراهيم بن صالح الانماطي، عن محمّد بن الفضل وزياد بن النعمان وسيف بن عميرة، عن هشام ابن أحمر قال: أرسل إليَّ أبو عبد الله عليه السلام في يوم شديد الحر، فقال لي: (إذهب إلى فلان الأفريقي، فاعترض جارية عنده من حالها كذا وكذا،ومن صفاتها كذا وكذا)، فاتيت الرجل فاعترضت ما عنده، فلم أر ما وصف لي، فرجعت إليه فأخبرته فقال: (عد إليه فإنَّها عنده)، فرجعت إلى الافريقي، فحلف لي ما عنده شيء إلاّ وقد عرضه عليّ، ثم قال:عندي وصيفة مريضة محلوقة الرأس ليس ممَّأ يعترض، فقلتُ له: اعرضها عليَّ، فجاء بها متوكئة على جاريتين تخطّ برجليها الارض،فارانيها، فعرفتُ الصفة،فقلت: بكم هي؟ فقال لي: إذهب بها إليه فيحكم فيها، ثم قال لي: قد والله أردتها منذ ملكتها فما قدرت عليها، ولقد أخبرني الذي اشتريتها منه عند ذلك إنّه لم يصل إليها، وحلفت الجارية إنّها نظرت إلى القمر وقع في حجرها، فاخبرت أبا عبد الله عليه السلام بمقالتها، فاعطاني مائتي دينار فذهبت بها إليه فقال الرجل: هي حرَّة لوجه الله تعالى إنْ لم يكن بعث إليَّ بشرائها من المغرب، فاخبرت أبا عبد الله عليه السلام بمقالته، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (يا بن أحمر أَما إنَّها تلد مولوداً ليس بينه وبين الله حجاب) 19.

الرواية تخالف سابقتها أو تختلف عن سابقتها، ليس هناك صلة بينهما، فهي رواية جديدة حقا، فالصادق هنا هو الذي خطط لزواجه وليس ابوه ! واختيار هذه الجارية كان بتحركه وليس بتحرّك ابيه !

 

ما هي قيمة السند في الرواية؟

مصدر الرواية من أعلى، اي المصدر المباشر عن الامام الصادق هو: (هشام بن إبراهيم الاحمر)، لم يصدر فيه بيان رجالي واضح، فلم يات على ذكره النجاشي ولا الطوسي في الفهرست، و لكن رسمه الطوسي في رجاله بأنه من رجال الإمام الرضا 20، وعدَّه البرقي من أصحاب الكاظم 21، فهو لم يوثق، وطريق الطوسي إليه ضعيف بـ (محمد بن علي بن ماجيلويه) / نفسه ص 259 /، في السند أيضا: إبراهيم بن صالح الانماطي، وقد وثَّقه النجاشي، ولكن طريق الشيخ الطوسي إليه ضعيف بـ (أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري) 22، والبزوفري واقع في السند، ولم يوثّق 23 .

تتردد بشكل واضح محاولة (تنزيه) رحم الجارية التي تزوجها الإمام والتي سوف تولد إ ماما، ذلك هو الرضا عليه السلام، ولذلك يوردها الشيخ المفيد وبلغة أخرى في معاجز ودلائل الامام الرضا في كتابه الإرشاد، كما سنقرا في الفقرة التالية بإذن الله .

هل هناك فذلكة خفية؟ كأن تكون هذه الجارية الضعيفة، المستهلكة تلد رجلا عظيما مثل الرضا وما ذلك إلاّ ببركة الإمامة؟

 

 3

الخلط والخبط في رواية ابن بابويه

كيف يرويها ابن بابويه؟

تقول الرواية: (حدثني أبي رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمَّد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب ابن اسحاق، عن ابي زكريا الواسطي، عن هشام بن أحمد قال: قال أبوالحسن الاول عليه السلام: هل علِمْتَ احداً من أهل المغرب قدِم؟ قلتُ: لا، فقال عليه السلام: بلى قد قدم رجل أحمر فانطلق بنا، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق فقال له: أعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجة لي فيها، ثم قال له:أعرض علينا قال: لا والله، ما عندي إلاّ جارية مريضة فقال له: ما عليك أنْ تعرضها؟ فأبى عليه، ثم إنصرف عليه السلام، ثم أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له كم غايتك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا . فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال: ما أريد ان انقصها من كذا فقلتُ: قد اخذتها وهو لك، فقال: هي لك ولكن مَنْ الرجل الذي كان معك بالامس، فقلتُ: رجل من بني هاشم، فقال: مِنْ أي بني هاشم؟ فقلتُ: من نقبائهم، فقال: أُريد أكثر منه، فقلتُ: ما عندي اكثر من هذا، فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة، إنِّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب،فلقيتني إمرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلتُ: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! إنَّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلاّ قليلا حتى تلدَ منه غلاماً يدين له شرق الارض وغربها، قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلا، حتى ولدت له علياً عليه السلام) .

هشام بن أحمد الذي هو مصدر الرواية عن الصادق هو هشام بن أحمر كما يبدو، ولكن حصل تصحيف، وقد عرفنا حاله قبل قليل، وفي السند يعقوب بن اسحق، لم يوثّق 25 .

 إ ن أبا الحسن الاول هو الكاظم عليه السلام، فهل يعقل هذا؟ وهل يمكن الاستناد على مثل هذه الروايات لتشييد تاريخ رصين؟ ولا يمكن أن يكون ذلك تصحيفا، ربما نسخ خاطيء، أم أن ابن بابويه سهى في نقله فاختلط عليه الأمر؟

يخبرنا ابن بابويه أيضا: (وحدَّثني بهذا الحديث محمَّد بن علي ما جيلويه رضي الله عنه، قال: حدَّثني عمِّي محمَّد بن أبي القاسم،عن محمَّد بن علي الكوفي، عن محمَّد بن خالد، عن هشام بن أحمد مثله سواء) 26 .

إن رواية ابن بابويه تبيِّنُ لنا أن هذا الجارية ـ حميدة ـ اشتراها الامام موسى الكاظم، وقد ولدت له الرضا عليه السلام، وليست هي زوج الامام الصادق وقد ولدت له موسى الكاظم ! فهل هناك أشد من هذا اللغط والتشوش والاضطراب؟!

هذه رواية في غاية الاضطراب، فلا يمكن الاعتماد عليها، وتكشف عن أن ابن بابويه لا يملك حاسة نقدية جيدة، ولم يكن دقيقا في فحص ما يروي، هذا فيما لم يحصل في الرواية تصحيف أو تعرضت لنسخ غير دقيق .

يرويها بهذا المتن وبهذا السند الشيخ المفيد في كتابه (الاختصاص) والذي يهون ا لخطب إن الكتاب المذكور مشكوك النسبة للشيخ المفيد .

يرويها صاحب كشف الغمّة مرسلة، وبالتالي، لا اعتماد عليها لا بناء ولا استمزاجا ولا تعزيزا .

 

تحليل رواية المسعودي

يروي لنا: (وَرُوِيَ عن هشام بن حمران قال: قال لي أبو إبراهيم عليه السلام قد قدِمَ رجل نخّاس من مصر فامض بنا إليه ....)، ويسرد القصة المحيرّة بفصولها الرئيسة، وينقل لنا خبر الكتابية بطهارة حميدة وكونها مدَّخرة في السماء لشخص بعينه من بني هاشم !، والزيادة هو اسمها الجديد، فالرواية تذكر أن اسمها (تكتم)، وفي رواية أخرى يقول: (فَروِي عن أبي إبراهيم عليه السلام إنه قال: لما أبتعتها جمع قوما من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأَمَة إلاّ بأمر الله ووحيه، فسئل عن ذلك قال: بينا أنا نائم إذا أتاني جدِّي وأبي عليهما السلام، ومعهما شقة من حرير، فتشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خيرُ أهل الارض بعدك، ثم أمرني إذا ولدته أن اسميه عليا، وقالا لي: إن الله جل وتعالى يُظهر به العدل والرافة،طوبى لمَن صدَّقه، وويل لمَن عاداه وجحده وعانده ...) .

إن هذه الرواية تستحق التحليل، ويمكن وبعجالة سريعة أن اسجل الملاحظات التالية: ـ

أولا: يرويها من دون سند .

ثانيا: ان (أبا إبراهيم) كنية الامام موسى الكاظم، وهي ثغرة كبيرة في صميم الرواية، فـ (حميدة) في الرواية الرئيسة هي أم الامام الكاظم، زوجة أبي عبد الله الصادق التي اولدت له ابنه البكر، أي الامام الكاظم، فكيف يكون هو الذي ابتاعها؟

ثالثا: تقول الرواية إن الكاظم عليه السلام جمع صحبه، واخبرهم بانه: (... والله ما اشتريت هذه الأَمَة إلاّ بامرالله ووحيه)، والوحي قد انقطع، والائمة لا ينزل عليهم وحي، ولا يتصل بهم الوحي، فهذا رواية تبغي تاسيس عقيدة باطلة بحق هؤلاء المؤمنين الاطهار، فهي رواية كما عبِّرت خادمة لاغراض بعيدة .

رابعا: وتتناقض الراوية عندما يخبر الامام صحبه، بان النبي الكريم وعلي بن أبي طالب اخبراه في (المنام) بان هذه الجارية ستكون من حظه وسوف يرزق منها الخير، فإن هذه الرؤية ليست من الوحي كما هو معلوم .

خامسا: تخبرنا الرواية إن النبي الكريم وامير المؤمنين عليا اخبرا الكاظم بانه سيرزق من هذه الجارية بولد سوف (يُظهر به الله العدل والرافة)، ويريد الراوي المختلِق بهذه الزيادة الإشارة الى الامام الرضا بلحاظ كونه صار وليا للعهد، وكانت ولاية ضعيفة، فهي حقا رواية خادمة، ولست أدري أي دور للإمام الرضا كان اثناء توليه ولاية العهد، وهو الذي كان محاصرا، محاربا، مرصودا؟

 

النتيجة

أن أم الامام الكاظم عليه السلام لا نملك عنها أي معلومات دقيقة، سوى كونها أَمَةً وتسمى حميدة، وقد لاحظنا كيف أن الرواية بدأت بسيطة، عادية، ثم تضخَّمت، واضطربت، وتداخلت، وكيف كانت هناك محاولات لادخال غير المعقول والمكذوب من أجل غايات عقدية، سواء كان ذلك عن حب اعمى أو حقد أعمى، ومن خلال سبر رجال الرواية على اختلاف صيغها نجد غياب الرجال والاصحاب المعروفين بالرواية الموثوقة عن الامام الباقر والصادق والكاظم، فرواة هذه القضية من المجاهيل أو المغمورين .

 

..................

المصادر

(1) الكافي للكليني الجزء الاول ص 468 نقلا عن البحار طبع مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1983، ص 6 ح 7.
(2) الهداية الكبرى للخصيبي ص 263 .

(3) عيون اخبار الرضا، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الاولى، سنة 1984، الجزء الاول ص 85 ح 7 .

(4) الارشاد للشيخ المفيد، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، طبع مطبعة مهر، قم، سنة 1413 للهجرة، الجزء الثاني، ص 215 .

(5) دلائل الإمامة، لابن جرير الطبري (الشيعي)، طبع قم المقدسة، دار البعثة، سنة 1413، ص 148 .

(6) اعلام الورى للطبرسي، تحقيق مؤسسة آل لبيت لاحياء التراث، مطبعة ستارة، قم، 1417 للهجرة، الجزء الثاني ص6 .

(7) مناقب آل ابي طالب لابن شهراشوب، تحقيق وفهرست دكتور يوسف البقاعي، طبع سليمان زادة، قم، الطبعة الثالثة، سنة 1429، الجزء الرابع ص 349 .

(8) تذكرة الخواص لابن الجوزي،

(9) كشف الغمة للاربلي، طبع دار الكتاب الإسلامي، بيروت ـ لبنان، 1981، الجزء الثالث ص 2 .

(10) الفصول المهمة لابن الصباغ، طبع دار الاضواء، قم، سنة 1988، الطبعة الثانية، ص 214 .

(11) الاصفي، محسني، مشرعة بحار الانوار، مكتبة الغري، مطبعة شريعت، قم، 1423، الجزء الثاني، ص 183 .

(12) الخرائج والجرائح، نقلا عن عوالم العلوم والمعارف والاحوال، للبحراني، منشورات مدرسسة الامام المهمي، مطبعة قم المقدسة،سنة 1409، الجزء 21 ص13، الهامش .

(13) نفسه .

(14) مدينة المعاجز،مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت ـ لبنان، الجزء الرابع، ص 62 .

(15) إثبات الوصية، للمسعودي، منشورات الرضي، قم، بلا تاريخ، ص 160

(16) الكافي 1 ص 467 نقلا عن البحار، الجزء 48، ص 6، ح6 .

(17) معجم الرجال للخوئي، 13 رقم 8181 .

(18) نفسه،13 رقم 9199،9192 .

(19) أعلام الورى للطبرسي،2 ص 31ـ 32 .

(20) رجال الطوسي، أصحاب الرضا، رقم (1) .

(21) معجم الرجال، 19 رقم 13314 .

(22) نفسه 1رقم 182 .

(23) نفسه 2 رقم 468 .

(24) عيون اخبار الرضا 2 ص 26ح4 .

(25) معجم الرجال 20 رقم 1370، 1371 .

(26) إثبات الوصية ص 170 ـ171 .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2223 الأحد 23/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم