الرئيسية

العِلّةُ والسَبب / أمين يونس

.. كانا في زيارةٍ لمجموعةٍ من الأدباء والشعراء .. فقالا مُمازحةً لأديبٍ في غاية النحافة: الذي يراكَ .. سيعتقد ان هنالك مَجاعة في العراق ! . فأجابهما على الفور: والذي يراكُما، سيعرف السبب في المَجاعة !! " .

قبلَ أكثر من خمسة سنوات، إفتخرَ الطالباني، في معرضِ حديثه عن السليمانية، قال : ".. كان في السليمانية في 1991 ثلاثة مليونيرية فقط .. واليوم هنالك حوالي ثلاثمئة مليونير !" . كان هذا قبل سنوات .. أما الآن، فربما تضاعف العدد .. ماعدا أربيل ودهوك، اللتان فيهما أيضا الكثير من أصحاب الملايين . بل رُبما إرتقى العديد من الشخصيات الثرِية في الأقليم، الى مصاف المليارديرية .. وهي أعلى مرتبة في النظام الطبقي الرأسمالي الإستهلاكي المتوحش !.

غيرَ ان [توزيع] الثروةِ في الأقليم .. يشبه توزيع السُلطة فيهِ .. فكما السلطة حِكرٌ على الحزبَين الرئيسيين وعلى الطبقة المتكونة من المُعاونين والسماسرة والوسطاء .. فكذا الثروة أيضاً حكرٌ على هؤلاء، دون غيرهم . أي هي مثل الشَعْر عند " برناردشو "، ومثل صلعته الجرداء القاحلة ولحيته الطويلة الكَثّة : غزارة في الموارد، وسوء في التوزيع ! .

.......................................

" سُئِلَ عراقي : ماهي طموحاتك في الحياة التي تتمنى تحقيقها ؟ .. أجاب : سَكناً لائقاً يسترني .. وتعليماً مقبولاً لأولادي .. ورعاية صحية ولو بحدودها الدُنيا . قيلَ له : ايها السيد، هذهِ ليستْ " طموحات " وهي ليست أموراً ينبغي عليكَ تحقيقها .. فكل ماذكرت إضافة الى أشياء اُخرى عديدة .. هي من صُلب [حقوقك] التي يجب ان يتمتع بها كُل إنسان ! " .

نعم إزدادَ عدد أصحاب الملايين والمليارات .. ففي العهد السابق، كانتْ الثروة مُتركزة في قمة هرم السُلطة :.. صدام وعائلته وأعضاء القيادة الكبار وبطاناتهم . لكن اليوم، في العراق الجديد .. عراق الديمقراطية والتغيير .. لم تبقَ الأمور كما كانتْ .. بل ان كُل المُشاركين في السلطة، " ينوبهم ثواب " .. وجميعهم يحصلون على قضمةٍ من الكعكة هنا أو هناك .. حقاً انها " حكومة شَراكة " .. شراكة في الإستحواذ على موارد الدولة .. شراكة في الفساد والنهب ! .. وكما يبدو، فأن معظم الخلافات والصراعات والأزمات بين الكُتل السياسية .. هي لسببٍ واحد : ان الكتلة الفلانية قضمتْ أكثر من إستحقاقها حسب التوزيع المحاصصي اللعين .. وغالبية الشعارات الكبيرة التي تُدغدغ مشاعر السُذج من الجماهير .. ما هي إلا خداع وزَيف .. فالصراع الحقيقي، هو على حجم " القضمات " من الغنيمة الكبيرة والشهية .. التي أسمها : العراق ! .

الآلاف من أصحاب الملايين الجُدُد .. متوزعون على المحافظات الثماني عشر في العراق الديمقراطي .. والعديد منهم تجاوزتْ أمواله المليار من الدولارات .. والكثير منهم هربوا الى الخارج مع ثرواتهم .. وجميعهم يّدعون : ان اموالهم حلال وهي من عَرق الجبين ! . بالمُقابل هناك الملايين من العراقيين المحرومين من كافة " حقوقهم " في السكن اللائق والغذاء المتوازن والتعليم الجيد والرعاية الصحية والكهرباء والماء النظيف والبيئة المناسبة وحرية التعبير .. الخ .

الذي يرى هؤلاء الملايين المُهّمَشين التُعساء .. سيقول بأن هُنالك مأساة حقيقية في العراق .. والذي يرى الطبقة الحاكمة وأحوالها .. سيدرك بالتأكيد سبب هذه المأساة ! .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2230 الأحد 30/ 09 / 2012)