الرئيسية

طارق الكناني: الرمزية في النص النثري.. مذهب شعري أم ضرورة اجتماعية أو سياسي

tariq alkinaniأن الهدف من كتابة النصوص الشعرية والنثرية هو عملية تواصل الشاعر ونقل هواجسه الى المتلقي بشكل خلاق وبأسلوب لغوي مختلف تطغي عليه الصبغة الفنية والخيارات الجمالية التي يلجأ إليها الشاعر فهو يطمح من خلال كتابته هذه النصوص  الإبداعية الى  جعل هذا التواصل مثمراً تنتج عنه تفاعلات اجتماعية وسياسية  مؤثرة وهذا يتطلب من الشاعر أن تكون له مرجعية ثقافية رصينة وواسعة لن تتأتي إلا من خلال وعي ثقافي حقيقي...

ان النصوص النثرية جاءت لتعبر عن حالة رفض للعروض وتقييد الصور الشعرية بموجب الأوزان التي وضعها الفراهيدي فهي نصوص غير منضبطة كما وصفها الناقد الدكتور عبد الرضا علي  لأنها لا تخضع للتقنين وهي بذلك تنحو منحىً آخر غير منحى قصيدة التفعيلة التي تحاكي الشعر العمودي وأوزانه ولكنها تشترك معه في الرمزية التي سار عليها الشعر الحر بل تتعداه ولكنها نصوص غير فاقدة لروح الموسقة والصور الشعرية المتعددة حتى وإن جاءت برمزية عالية ...

وهنا يتبادر الى أذهاننا تساؤل أولي وهو كيف تمكنت الرمزية من الاستحواذ على النص النثري بشكله الحالي وهذا التكثيف اللغوي والاستخدامات المتعددة للرمز الواحد حيث لم توضع أسس لهذه المصطلحات ولم يتفق الشعراء بشكل نهائي على مفردات معينة كما اتفق شعراء العمودي والتفعيلة على استخداماتهم لمفردات معينة جاءت وفق شبه اتفاق لغوي على هذا الإيحاء أو ذاك المعنى  .

مارغوريت س مورفي (*) سمات النص النثري الى نوعين:- تقسم

السمات الخارجية:

 مع ان التركيز على المؤشرات شبه النصّية قد يبدو طريقة ساذجة للتعرف على قصيدة النثر (إذ تشير قصيدة النثر إلى نفسها بذاتها)، لا يخلو هذا التمييز من دلالة بالنسبة لهذا الجنس الأدبي " المبتدع " حديثاً نسبياً، والذي يشبه بسهولة شديدة أنواع النثر الأخرى، أو الذي [الجنس] مراراً ما يتم خلطه مع مقتطفات من أشكال خطاب أخرى. فالكثير من قصائد النثر قد يشبه الحكايات أو الأمثال الرمزية أو التوصيفات الرمزية القصيرة أو غيرها من الشذرات النثرية، في حين انقاد النقاد والانطلوجيين إلى إغراء " اكتشاف " قصائد النثر المتضّمنة في أعمال أخرى طويلة.

(1). فالعنوان الذي يمنحه بودلير لمجموعته، " قصائد نثر صغيرة "، له دلالته في تأسيس الجنس الأدبي؛ إذ توحي إحالته إلى [ ألويزيوس برتران ] بتراث سالف، وبذا فهو حديث التولد

2:الإيجاز الذي تتسم به قصيدة النثر قد ميز هذا الجنس، منذ نشأته، عن النثر الشعري على النحو الذي أبدى فيه نقد والتر باتر الانطباعي إعجابه بأعمال شاتوبريان، مثلاً، أو ما جاء بعده في إنكلترا، كما أسهم في تثبيت شكل مادي لهذا الجنس. ويُفترَض أن يكون لقصيدة النثر مظهراً شبيهاً بالكتلة، تملأ الصفحة أكثر مما تفعله قصيدة النظم، لكنها تبدو مع ذلك شذرة من خطاب لا يتعدى طولها الصفحة أو الصفيحتين، غالباً. قد ينبع هذا الجانب " الشذراتي

 أيضاً من التوتر الجوهري لقصيدة النثر؛ أي الإيحاء بالأجناس النثرية التقليدية وهدمها. ويخلق هذا التوتر مآزق نصية؛ إذ لا يصل النص إلى كمال الجنس [ الأدبي ] مطلقاً ما دام جنسه نفسه منقسماً على ذاته. ومع ذلك، يبدو ان مظهره الشبيه بالكتلة يوحي ببعض الكلية في نفسه. وقد شجع هذا الأمر مقارنتها بالرسم، كما لو أن قصيدة النثر " كأنفاس " canvas عليه موضوع  جمالي

 تؤطره الهوامش البيضاء للصفحة ومن الواضح أن ثمة إمكانية مشروطة تاريخياً وراء أي قرار لكتابة قطع نثرية قصيرة تصنّف بأنها قصائد نثر بسبب عنوانها أو عنوانها الفرعي أو أية مؤشرات ضمنية أخرى. ويبدأ هذا التاريخ، ظاهرياً، مع الرغبة بدحر قيود الأجناس الشعرية التقليدية.

 وتركز برنار على أصوله الفوضوية وطابعه المتمخض عنها 

مالت كل المحاولات في الشعر الفرنسي، منذ الرومانسية، إلى كسر نير المواضعات والوصايا التي خنقت روح الشعر : القافية، الأوزان، قواعد النظم الكلاسيكي كلها، قواعد الأسلوب " الشعري

وعلى غرار النظم الرومانسي، وما أعقبه من نظم حر للرمزيين، فقد ولدت قصيدة النثر من التمرد على أشكال الاستبداد كلها التي منعت الشاعر من خلق لغة فردية، وأجبرته على صب مادة عباراته اللدِنة في قوالب جاهزة.

إلا أن قصيدة النثر رفضت تماماً القوانين العروضية والوزنية؛ منعت نفسها، بكل صرامة، من أي تقنين. إلا إن ما يفسر تعدد أشكالها والصعوبة التي يواجهها من يحاول تعريفها هو إرادتها الفوضوية، التي تكمن في نشأتها "

3: لاشك في أن قصيدة النثر تبدو رافضة للتقنين تماماً، وقد احتفظت لنفسها بمكانة مهمة في ثورة الشعر العامة التي بدأت في فرنسا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. لكن القول بأن إيماءتها الثورية، واصلها كجنس أدبي، ولد ثائراً على الجنس الأدبي وتمخض عنه تعدد فوضوي في أشكالها أو انصهاراً في الأجناس الأدبية، كما يوحي بذلك اسمها، لهو قول مضلل لعملية فحص تشكيلاتها. فهل أن أصل قصيدة النثر مختلف بالمرة عن أصل الأجناس الأخرى، وفوضوي إلى الحد الذي تستعير فيه القليل من الأجناس التي سبقتها، أو لا تستعير شيئاً بالمرة ؟ توحي تاريخانية الجنس الأدبي بأن قصيدة النثر لم تأتي من فراغ، بل ارتكزت على أشكال أخرى، على الأقل من أجل تدميرها أو تحويلها. ومثلما َّبيّنَ تزيفتان تودوروف في " أجناس في الخطاب"

من أين يأتي الجنس الأدبي ؟ ببساطة متناهية : من أجناس أخرى؛ فالجنس الجديد هو تحويل جنس سابق، أو بضعة أجناس، دائماً : بقلبه، بإزاحته، بالارتباط به "

(4). ولهذا لا تختلف قصيدة النثر عن الأجناس الأخرى في هذا الصدد، هذا إذا تصورناها مرتكزة على تقاليد النثر التي أربكتها هي لاحقاً.

 

السمات الداخلية:

ما وراء المؤشرات الواضحة لهذا الجنس من حيث العنوان والمظهر على الصفحة، يتوقع القارئ في قصيدة النثر خطاباً مختلفاً عما يجده في أنواع النثر الأخرى. فعلى سبيل المثال، قلّما يمكن أن ننظر إلى المقتطفات المأخوذة من تاريخ باترسون، نيوجرسي، التي ضمّنها ويليام كارولز ويليام في قصيدته الطويلة، وعنوانها " باترسون "، بأنها قصائد نثر، في حين تحقق قصيدة ارتجالات)

  توقعات القارئ عن قصيدة النثر أفضل مع إنها لا تندرج في خانة هذه التسمية. يشكل هذان النموذجان من النثر أنواع مختلفة من الخطاب؛ أحدهما تاريخي يسهل فهمه، أي إنه " قرائي "، بحسب تراث السرد التاريخي، والآخر مُميز لقلم الكاتب نفسه ومُبهم. يوحي هذا الاختلاف على وجه التخصيص بإحالية أكبر أو أقل، وباختلاف في نوع

" الحقيقة " المحال إليها. (لاشك في أن إدخال الخطاب التاريخي في النص الشعري يضّيق على الأخير ويضع إحاليته التقليدية موضع شك، مثل اعتماده على " الوقائع " بوصفها أساس "

 الحقيقة "). ومثلما تشير بربارة جونسون في " مدخل " لعملها " Défigurations du langage poétique " عن قصيدة النثر :

ببساطة أقول إن الحد الذي كان يفصل النثر عن الشعر، سابقاً، قد انتقل إلى مكان آخر، والإزاحة الحالية لخط المتاخَمة هذا من محور "النثر/الشعر" إلى محور

"اللغة الاعتيادية/اللغة الشعرية" لم يفعل شيئاً لتشتيت كثافة القضايا

التي تم تخطيها بهذا الصدد. فإن كان التاريخ الأدبي يبني نفسه على قمع التجديد الذي يربكه، فان هذا الإرباك لا يعمل، في الواقع، سوى على إزاحة نفسه، ليعُاود الظهور في مكان آخر حتماً  .

5: قصيدة النثر تقوض القطبية الأساسية بين الشعر والنثر، لكن يبقى التساؤل قائماً داخل هذا الجنس عن ما يجعل نصاً ما  شعرياً  أو أدبيا حقاً.

يركز أحد المسارات الواضحة في تقصي الشعرية في النثر على التأثيرات الصوتية؛ إذ يعرّف رومان ياكوبسون " الوظيفة الشعرية للغة " بأنها " التوجه نحو الرسالة بذاتها؛ أي التركيز على الرسالة لغرضها فقط " مما " يؤدي، من خلال ملموسية العلاقات، إلى تعميق الفصل الجوهري بين العلامات والموضوعات "

 6: ومع ان وظيفة الفن التعبيري هذه تتبدى بوضوح في الكثير من قصائد النثر، فهل هي القاعدة التعريفية لهذا الجنس وهل نستطيع ان نعد وجودها مقياساً للقيمة الشعرية لأية قصيدة نثر ؟ يمكن لنا التغاضي عن خط التقصي هذا لصالح قصيدة النثر ولأسباب عدة، أولها قد يظهر النثر شديد الإيقاعية أو الجناسية بسهولة في أنواع أخرى من النثر مثل خطابة القرن السابع عشر أو النثر الشعري للقرن الثامن عشر أو الرواية الغنائية للقرن العشرين. لا شيء يمنع لغة مشحونة صوتياً من الظهور بأشكال الخطاب كلها، الأدبية ومنها وغير الأدبية، مثلما أشار ياكوبسون نفسه

 7: وبالتالي، قلّما يمكن اعتبارها سمة ممّيزة لقصيدة النثر. وفضلاً عن ذلك، عند الإساءة للمؤثرات الصوتية عبر المبالغة بالإيقاع أو الجناس تكون النتيجة مضحكة غالباً أو متوسطة الجودة؛ أشبه ما تكون بإنتاج الشعر الهزلي [مُحطَّم الوزن عادة] عبر المبالغة بالوزن والقافية النظمية. والتاريخ الأدبي شاهد، قطعاً، على هذه الظاهرة : فعلى سبيل المثال، عندما حاولت قصيدة النثر البرناسية Parnassian [ مدرسة شعرية فرنسية في النصف الثاني من القرن 19 ارتكز أتباعها على الشكل الشعري أكثر مما على العاطفة] أن تنافس النَظْم، تمكنت من استعمال الدوبليت والتكرار لخلق إيقاع قوي وعمارة متينة. وكانت النتيجة، بحسب ما ذكرته سوزان برنار، شيئاً من حِلية معمارية ليس إلا، قطعة صغيرة في ماكنة ساعة … تسلية إيقاعية "

 (8). وبدلاً من ذلك، تكمن أخصب مصادر قصيدة النثر في اللعبة التي يقدمها النثر بوصفه نثراً، لا في النثر المشوّه من أجل محاكاة صفات النَظْم الموسيقية؛ فقصائد النثر الجد مهذبة أسلوبيا توحي بأن لغة النَظْم متفوقة على لغة النثر، وبذا فهي تقلد النَظْم برداءة،حاملة دمغة ركاكتها الشكلية. وبحسب ما يراه "باختين"، فان لغة الشعر تكاملية بتكلف أصلاً؛ تشوه طابع اللغة اللامتجانس المفردات. ان قصيدة النثر، أي الجنس "الروائي النمط"، تكون الأكثر ثراءً عند استثمار مثل هذه الخاصية اللسانية للا تجانس المفردات، بدلاً من تضييقها. والحق إن نطاق الأساليب النثرية الموجود في قصائد النثر هو بسعة ما نجده في النثر عموماً ما دامت قصيدة النثر تغتصب أو تحاكي الأنواع النثرية الأخرى كي تولد تأثيراتها الخاصة. وبذا فقد تعمد قصيدة النثر إلى توظيف القافية المتصاعدة أو التكرار أو الجناس أو القرار، لكن قلّما تكون مثل هذه الصفات أمراً ضرورياً لهذا الجنس ما دامت البنية المؤلفة من أربعة عشر بيتاً وقافية معينة هي خاصة بالسونيتة.

وبالعودة لقصيدة النثر العربية يقول البعض:

(إن الرمزية وتعدد الدلالة صبغة حديثة للشعر، ولم يكن الشعر القديم يصطبغ بهذه الصبغة، والجواب عن ذلك بأن الشعر القديم و إن كان لا يستكثر من الرمزية إلا أنه يقوم على الإيحاء والاختصار، فالشاعر يعبر عما يريد دون تفصيل و إطالة كما يحدث في النثر الذي يعتمد على الشرح والبيان فالخطيب يظل بحاجة إلى توضيح رأيه لا تعميته وكذلك صاحب القصة والرواية، أما الشاعر القديم أو الحديث فهو غير منشغل بفكرة التوضيح، بل قد يعمد إلى الغموض والتعمية، ليزيد من حيوية النص)

تقول ياسمينة حسيبي (شاعرة): (الـغموض" كصفة مشروعة في الشعر يتيح للشاعر ان ينتقل بنصه إلى مرحلة أعمق وأكثر غنى سواء على مستوى القيمة المضمونية أو القيمة الجمالية وبالتالي يوسّع من حوله دوائر التأويل والجمال ويظهر مدى قدرته على الارتقاء بنصه الشعري ليصبح مصدرا للإدهاش وللسحر من خلال لغة شـعرية مكثفـة بالمجاز والاسـتعارة وتوظيف الرمـز والأسـطورة بحرفية..

وأيضا من خلال الصور الفنية الرامزة التي تشير الى أفكاره أو الى شحناته العاطفية والنفسية، وتُـفرغُ اللغة من معناها المعجمي لتُشحنها بحمولات جمالية عميقة المعنى والفكر.

لكن هذا القول لا يعني الميل الى الإبهام والألغاز والطلاسم في التراكيب النحوية تحت ذريعة الرمزية .. إذ يقول جون كوهين : "أن الغموض في القصيدة أساسي بالنسبة إليها ولكنه ليس مجانياً، إنه الثمن الذي تدفعه مقابل إيضاح من نوع آخر") وتقول ياسمينة حسيبي أيضا (وبعيدا عن ادعاء المعرفة وكرأي شخصي لقارئة متذوقة للشعر، أجد ان مغالاة " هؤلاء الشعراء" في الغموض الملغز والمعقد ليس إلا نتاجَ جهل بإسرار قصيدة النثر العربية الحديثة من حيث الصورة المركبة والاستعارة والرمز والمجاز، ومن حيث ماهية الغموض الشفاف،المقبول والمحبذ، فنصوصهم تتعمد التعمية والتعقيد، وتكشف بالتالي عن قصور في " خيال "الشاعر إذ تسعى بالدرجة الأولى الى الإبهار المتصنع والبحث عن الشهرة والتضليل بقصد إدعاءِ الشاعرية).

أدونيس اعترف (بأنّ رفضه للقطع مع الواقع، لا يعني التعبير عنه بمفاهيم ومواقف وجمل مبهمة لا يفهمها إلا هو، لهذا فهو يقول

" الشعر نقيض الوضوح الذي يجعل القصيدة سطحا بلا عمق، والشعر كذلك نقيض الإبهام الذي يجعل من القصيدة كهفا مظلما).

وكما نقلت لنا حسيبي عن بعض الشعراء قولهم (الغموض المعقد" أصبح من ضروريات قصيدة النثر العربية الحديثة .. وان على القارئ ان يفهم ما يقولون) .....

" هؤلاء الشعراء" فهموا الحداثة في قصيدة النثر العربية على غير معناها الحقيقي، يخلطون بين الرمزية الموجَّهة وبين الغموض المتطرف أو الهذيان المجاني، ولم يُدركوا ان الرمز المدروس أو الغموض (الشفاف) المحبب في قصيدة النثر العربية خيارات جمالية وتقنية فنية عالية لا تُقحَمُ بشكل اعتباطي في النص وإنما تدمج فيه بمهارة لتبرهن عن شاعريّة فذة وتدعو القارئ الى التأمل والتفكير العميق والشهي من خلال " ضوء جمالي خافت " يتركه الشاعر لكي يستهدي به القارئ الى المعنى أو الى الفكرة ............  

لابد لي أن أتطرق لأراء الشعراء المعاصرين ممن نظموا قصيدة النثر والوقوف على أراء البعض منهم حول الرمزية في النص النثري:   

يقول الشاعر علاء الحامد:

الرمزية لغة خاصة تتلبس المادة الثقافية فتحييها متعة وتزيدها جمالا   (من أهم الأدباء الذين نجد لديهم سمات رمزية: جُبران خليل جبران، وأمين الريحاني، ومي زيادة، ومصطفى صادق الرافعي. ويقول بعض الدارسين: إن "أديب مظهر" المتوفى عام ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين في السادسة والعشرين من عمره هو أول شاعر عربي أدخل جذوة الرمزية إلى الشعر العربي في قصيدته "نشيد السكون"، وكان مقدرًا له أن يبرز لولا أن الموت عاجله وهو صغير السن.

كما برز الشاعر اللبناني "سعيد عقل" الذي كان من أوائل أدباء العرب نقلًا للرمزية الغربية، وكان يرى أن الشعر يجب ألا يُخبر، بل يوحي ويلمح، وأصر على إدراك اللامنطقي والحدسي للعالم، كما اعتبر أن الشعر موسيقى قبل أن يكون فنًّا فكريًّا.

وفي رأيي الرمزية ظهرت مدرستها لجمالية اللغة التي تحتويها، والمادة التي تخلو من الرمزية تُعد مادة يابسة لا حياة فيها وخصوصا قصيدة النثر التي اتكأت الرمزية عليها، وبدأت بداية نشيطة والى يومنا هذا ... نالت الرمزية رضى معظم الكتّاب في أنحاء العالم ومنهم أخصّ الشعراء).

كما علق الشاعر صدام غازي محسن العبيدي على نفس السؤال قائلاً:

الحداثة أتت بعد توسع العالم والمصطلحات كالبعد الثالث أو ثلاثي الأبعاد والانا وغيرها من الأمور أضافت توسع بعيدا عن الأفق الضيق الذي كان يتفرد به الشعر العمودي كون الشعراء في ذلك الوقت لا توجد مدن غير الصحراء والسماء.

في حين ذهب الشاعر قاسم العزاوي إلى رأي أبعد من ذلك قائلاً:

أصلا الرمزية صاحبت النص النثري كما صاحبت النص التشكيلي والرمزية مدرسة ومذهب أدبي فني ..طبعا يصاحب النصوص النثرية ولا حد يحده بجنس أو آخر.

أما الشاعر عبد الكريم الساعدي فيقول:

الرمز أداة تعبير عالمية قديمة، واللغة في حد ذاتها مجموعة من المنظومات الرمزية، وكان الناس وما يزالون يعبرون بالرموز عن مقاصدهم سواء أكان بالإشارة أم بالرسم أم بالألفاظ.... والرمزية مدرسة جديدة عملت على محورين أولهما التقاط التجربة الشعرية في أقصى نعومتها ورهافتها وثانيهما التماس الإطار الفني الحر المرن الذي يستطيع التعبير عن التجربة الشعرية ونقل أحوالها إلى القارئ بخلق نوع من المغناطيسية التي تسري إليه من

الشاعر تماما كما هو الأمر في الموسيقى والفنون التشكيلية (مالارميه) ومن أعلامها (بودلير) ومن أهم خصائص الرمزية أنّ الرمزيين يسعون إلى الدخول في عالم اللاحدود، عالم الأطياف والحالات النفسية الغائمة أو الضبابية والمشاعر المرهفة الواسعة والتغلغل إلى خفايا النفس وأسرارها

كذلك تعتمد الغموض الذي يتعلق بمفردات اللغة وتراكيبها واستخدام الرمز بطريقة تفسح مجالا للخيال والتعبير بالإشارات والتلميحات واستخدام التكثيف وشدة الإيجاز والاقتراب من الموسيقى والفن التشكيلي كفني الرسم والنحت.

في حين تذكر الأديبة والشاعرة رائدة جرجيس:

الرمزية مذهب أدبي انبثق عن نظرية المثل لأفلاطون وباتت مدرسة ضد الواقعية والطبيعية وهي تعبر بالتلميح بطريقة الرمز لخدمة الخيال. بعيدا عن الواقع. والرمز متعدد الأشكال وتعتمد الصورة الحسية والإيجاز.

كما ويذكر الناقد خالد الشمري:

اصطلح النقاد على تسميتها بـالمذاهب الأدبية، التي تعد تعبيرا أمينا عن حالات نفسية عامة أوجدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة. ونعني بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية هي تلك المذاهب التي وضع أسسها الشعراء والنقاد والكتّاب، وبينوا الأصول النظرية التي تقوم عليها سواء فلسفية أو فنية.

الرمزية: هي الإيحاء أو التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة، والتي لا تقو على أدائها اللغة في دلالاتها الوضعية، والرمز هو الصلة بين الذات والأشياء، فتولد الإثارة النفسية عن طريق الإحساسات لا عن طريق التصريح والتسمية.

الشعر رمز: الرمز هو الأداة الرئيسية للتعبير في هذا المذهب – والرمز أقدر على نقل الحالات النفسية والشعورية التي لا يصرح بها الشاعر، كالرمز باللون الأحمر إلى الثورة والحركة والحياة، وهذا هو سبب إبهام الشعر

الرمز: موجود في كل أدب، شعري ونثري، فالليل في قصيدة امرئ القيس رمز لحالته الوجدانية، وهو يوحي بالحزن والحقد والخيبة .

الرمزية: هي مدرسة أدبية ذات أسس ومقاييس محددة، وهي بنت الفكر الذي أنتجها والمجتمع الذي احتضنها .

الرمزية في النثر العربي:

ـ كان جبران أول من التقت في نثره تيارات الإبداعية والرمزية والصوفية .

هناك مجموعة من الشعراء اتخذت الرمزية مذهباً لهم فاستفادت من خصائص الرمزية، واستخدمتها للتعبير عن إحساس دقيق أو تحليل فكرة عميقة أو إضافة قيم جمالية للأدب كالإيحاء والرمز والأسطورة ومنهم: (بشر فارس ـ وصلاح لبكي ـ ونزار قباني ـ وعمر أبو ريشة ـ و السياب)

أن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من كافة قيود الوزن التقليدية. ولاشك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم إن درسه دون أن يكون ملماً سلفاً بأسسه المتقدمة والتي تهدر القيم الدينية.

في حين يذهب الشاعر باسم فرات إلى القول:إن الرمزية فرضتها حالة سياسية وشعرية أيضًا، فثمة كثير من الشعراء يرون أن الرمز يعمق ويوسع في دلالات القصيدة، ويمنح القارئ قدرة لا متناهية على التأويل، ففي الرمز ثمة محو، والشعر مبني على المحو وليس على الإخبار، وهو يضفي غموضًا شفافًا على النص الشعري، على أن يكون الغموض فيه حرفة وتلقائية، مثله مثل استعمال الرمز، لأن كثيرًا من الشعراء يتناولون رمزًا تم استهلاكه من قبل شعراء سبقوهم ولا يأتون بالجديد، أي أن توظيف الرمز يكون تقليديًّا مما يوقع الشاعر في فخ التكرار والاجترار.

لا ينكر أثر الترجمات في الشعر العربي الحديث، ومنها الدراسات التي تناولت الرمزية  وأعمالاً لشعراء شكلت الرمزية محورًا مهمًّا في تجربتهم الشعرية، لكن هذا لا يعني خلو الشعر العربي القديم من الرمز والرمزية. وثمة شعراء خلقوا رموزهم الخاصة، أمثال السياب ونهره بويب ووفيقة وشناشيل ابنة الجلبي، والبياتي وعائشة، وسعدي يوسف والأخضر بن يوسف، وأدونيس ومهياره.

الشاعر مکي الربيعي كانت له وجهة نظر حول الضرورات التي أتاحت للرمزية الظهور في الأدب والنص النثري على وجه الخصوص حيث يقول : الرمزية هي قناع أو قل أنها اشتغال في مكان غير منظور،وهي ليست خاصة بالنصوص النثرية،حيث ان هذا النوع من الاشتغال موجود منذ أول ظهور بواكير الشعر العربي، يوم كان يعمد الشاعر لاستخدام ما يسمى بالتورية،حين يقترب الشعر من المناطق الخطرة،، كذلك موجود في المقالة والقص والروي، وحتى الشعر الشعبي العراقي، بالتأكيد ان ضرورة الحفاظ على رقبة الشاعر هي التي أوجدت هذا النوع من الاشتغال،وخاصة حين يكون الوضع الاجتماعي والسياسي ملتبسا.

نستنتج من مجموع الآراء التي طرحها الأدباء والنقاد ومن خلال مقاطعة هذه الأفكار وإظهار مشتركاتها في بنيوية قصيدة النثر أن الرمزية لم تكن حديثة الولادة وطارئة على الشعر حيث استخدمت الرمزية بشكل أو بآخر في كل مجالات الأدب من الشعر والنثر والمقالة وكان أيضا يستخدم كأسلوب للتورية كما ذهب إليه الربيعي،حتى صارت مذهبا أدبياً خاصا بقصيدة النثر أو النص النثري،وإما حالة الاستغراق في الرمزية من قبل بعض الشعراء قد يفقد النص تماسكه ويجعل منه كالكهف المظلم كما قال اودونيس .