صحيفة المثقف

سلوك الإرتهان!!

صادق السامرائي"نتعلم من الماضي ولا نرتهن به"

الأجيال العربية أمضت عصورها رهينة أحداث تأريخية لا يمكنها  التحرر من أسرها، ولا زالت تجتر تفاصيلها وتستهلك طاقاتها في النظر المتكرر فيها دون جدوى أو منفعة حضارية، حتى تحول التأريخ العربي إلى داء عضال وطاقة سلبية مدمرة للحاضر والمستقبل، بل أنه ألغى هذين البعدين وأمعن في تضخيم الماضي وهيمنته على الوجود بأكمله.

وبسبب هذا الإرتهان فأن العرب يتحركون وكأنهم العربة التي تدور عجلاتها في الوحل ولا قدرة عندها على التقدم خطوة إلى الأمام.

وقد أسهمت في هذا الإرتهان الحضاري المروّع، حركات وطوائف، لأن سلوك الإرتهان يحقق لها البقاء والتواصل وفرض السيطرة على الناس، كما أنه يعود بمنافع إقتصادية لأصحاب النفوذ والقدرة على  التحكم بسلوك الناس، وتحويلهم إلى جموع خانعة تابعة بلا رأي، وإنما مشدودة عاطفيا وإنفعاليا إلى الموضوع وتتلذذ بدور الرهينة والطاعة المطلقة وتنفيذ الأوامر وحسب، لأنها أصبحت ركن مهم من أركان السلوك.

ومع أن الإسلام دين الحرية والكرامة والسعادة الإنسانية، وهو ضد إستعباد الإنسان وإمتلاكه ومصادرة رأيه وحريته وحقه في الحياة، فأن مناهج الإرتهان أخذت تسوغ للرهينة ضرورات الإستسلام والشلل وعدم التفكير بغير ما تملي عليها لكي يتم إسلامها وإستلابها.

وفي واقعنا العربي لعب منهج الإرتهان الدور الأساسي في التدهور الحضاري والتردي الثقافي والأخلاقي، ومنع الناس من التعبير عن طاقاتهم الفكرية والعلمية والثقافية فعمت الأمية والجهل، وكأن الإسلام لا يحث على العلم والمعرفة والوعي المعاصر للزمن الذي يعيش فيه المسلم، حتى صار الناس يتصورون الإسلام مقرون بالفقر والجوع والجهل وسفك الدماء والصراعات الحامية ما بين المسلمين أنفسهم.

ولا يمكن لأمة أن تقوم بدورها وتؤدي رسالتها إذا لم تتخلص من قيود الإرتهان التي أبتليت بها.

أمة تحررت من الإرتهان الجاهلي وسلطته التي لخصها جعفر بن أبي طالب في كلمته أمام النجاشي ملك الحبشة، وإنطلقت في رحاب العلم والفكر والثقافة والحضارة وأسست وجودها السامي النبيل.

وبرغم نكساتها وإنكساراتها لكنها بين عصر وعصر تتحرر من الإرتهان وتؤكد دورها الحضاري.

ولا يمكن للثورات العربية المتوهجة أن تؤكد فعلها الثوري إن لم تحقق حالة التحرر من الإرتهان، الذي يأسر الأمة ويحجب رؤيتها ويغلق دروبها ويضع الحواجز في مساراتها.

إن معنى الثورة أن تتخلص الشعوب والأمم من قيود الإرتهان، وأن تتحرر عقولها ونفوسها  من نمطية  الضياع والتداعي والإنحباس في بقعة  تأريخية لا تبارحها.

فالتأريخ نتعلم منه ولا نرتهن به، والتأريخ يمنحنا الدروس والعبر ولا يضعنا في زنزنة القنوط.

فهل ستحررنا الثورات العربية  المعاصرة من سلوك الإرتهان ، وهل ستتحرر الأمة من دور الرهينة، أم أننا سنزداد إرتهانا وأسرا؟!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم