صحيفة المثقف

الطفل مع حاضنته لا مع من يملك حق احتضانه

حين يطالب الاب بحضانة ابنه، بعد انفصال الابوين لايقوم بذلك بعد ان كان قد رباه على يديه بكل تفاصيل التربية، وكان هو الراعي الاول  له،  فمن المعروف ان هناك علاقة تنشأ بين الطفل وبين من رعاه يوميا واعطاه الطعام والشراب والتدفئة والتنويم والتنظيف، واعطاه الاهتمام الكامل بكل جزئيات حاجاته وعلى مدار الساعة، وهذه العلاقة تنشأ عادة بين الحيوان الاليف وبين من رباه من البشرايضا  كمن يملك كلبا او قطة او طيورا، فنلاحظ هذه العلاقة الحميمة التي تنشأ بين الاثنين، هي علاقة تشبه علاقة الامومة بالكائن الحي، وربما قد مرّ بعض الرجال بهذه التجربة لمن ربى حيوانا اليفا في كنفة وعرف طبيعة العلاقة التي تنشأ بين الاثنين . ان انتزاع هذا الكائن من مربيه غاية في القسوة  للطفل او الحيوان  وللمربي، ففي هذه الحالة لايهم ملكية الحيوان لمن ؟، بل القضية تتعلق بهذه العلاقة العاطفية القوية التي جمعتهما، فليس من المناسب انتزاع الطفل- الحيوان  من مربيه بحجة ملكية هذا الطفل تعود لكائن اخر قرر اعادة ملكيته له اواعادة حق احتضانه له. ويتحجج  بهذا الحق او بعقد الملكية الذي بيده .

هذا مايحدث مع الطفل الصغير حين يطالب الاب بحقه الشرعي باحتضان ابنه وينتزعه من امه بحجة هذه الملكية الشرعية (الطفل وماله لابيه)، ان الطفل بعمر السنتين او السبعة او في الثانية عشرة من عمره  هو بحاجة لمن قام برعايته الرعاية الاولية الكاملة ولمن اهتم بشؤونه التفصيلية منذ الولادة، ولايجب التفرقة بينهما بحجة مالكية او عائدية هذا الابن لطرف اخر ساهم نسبيا باقل رعاية من حاضنه ومربيه وان كان الاب . ان هذا الانتزاع في غاية القسوة للطرفين للطفل وللمربي (الام عادة) هذا اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الام هي والدة هذا الطفل ولها الدور الاول والاكبر في انجابه واخراجه للحياة، وان كل تفاصيل هذا الكائن عائد لوالدته ولجهدها في ابقائه حيا في بطنها واثناء ولادته وبعدها . ان النسب والملكية والعائدية تتلاشى هنا امام ضخامة العلاقة بين الطرفين والتي هي الاساس الوجودي الاول  للكائن اما الامور الاخرى فهي اعتبارية شكلية خاضعة لتنظيم اجتماعي كان يرى ان الاب، لكونه ذكرا لابد ان يستحوذ على كل منتجات الانثى، حتى حليب الام صار هو صاحبه، لكون الطفل ابنه حصرا وماكان الحليب ليدر في ثدي الام لولا هذا الطفل الذي اهداه الاب لها، اما كل العمليات الفسيولوجية التي يقوم بها جسد الام فغير محسوبة ولاينظر اليها كعامل مؤثر لاحقيتها في الاحتفاظ بابنها في كنفها . ان الاحكام التي انبثقت في عصورمعينة كانت ترى في الاب هو العامل الوحيد للوجود، وانه -لكونه الممول للاسرة مع ذكوريته كافية لان يستحوذ على كل شيء في الوجود وان كل الكائنات الاخرى مسخرة له بما فيها المرأة التي لولاها لما كان موجودا، فنظرة تابعية الانثى للذكر مازالت قائمة في نظر الرجل لليوم، وهو المتحكم برؤيته عنها في القوانين والاعراف والاحكام الدينية، لايستطيع الرجل ان يتخيل الانثى كائنا مستقلا عنه وهي فرد كامل الاهلية ولاتحتاج لوصايته ونظرته الظالمة عنها، ربمايشعر الذكر ان اساس  وجوده قائم ليستحوذ على اكبر عدد ممكن من الاناث، وان على الاناث ان يرتبن حياتهن لما يريده  منهن  ، فلا يحق لهن التحكم باجسادهن وكيانهن وفكرهن،  بل الامر تعدى لتكون المرأة  وجسدها شرف الرجل . اعطاه هذا  التصور الحق  بالتدخل بحياة نساء عائلته، لكونه يحافظ على شرفه هو، اما شرفهن ووجودهن وسعادتهن فلا ينبغي الحديث عنه فهو من  المعيبات . وهنا يُطرح سؤال: حين لايكون الكائن حرا ولايحق له فعل اي شيء يخصه، ولا حتى الاحتفاظ بابنه، هل سيكون مكلفا؟

كل ذلك لان هذا الكائن  ينتمي الى جنس ملعون في الاديان والثقافات السائدة  وفي القوانين . هذا الكائن ينبغي ان لا يكون مكلفا، وغير خاضع لاحكام لايستطيع ان يرفضها، ان اغلب النساء وضعن في قوالب الزواج والامومة والحجاب والعفة بشكلها الاجتماعي دون رغبتهن وارادتهن، وسقن في دروب الحياة سوقا بلا ارادة فعلية منهن  والبعض أُنتزع منهن ابناؤهن بلا ادنى رحمة لمجرد ان الاب قرر استعادة ملكيته، لكونه يملك حقا اونسبا او عينا، ان فطام الامومة لايكون بالانتزاع لمجرد بلوغ الابن سنإ معينة بل لابد ان تصحبه تدبيرات كثيرة لاتحرمه في النهاية من حضانة امه بشكل كامل اذا ماثبت بدليل ما ان صلاح حياته يكون مع ابيه.

ان كمية الرعب التي استشعرها وانا اتخيل ان الطفل بعمر سنوات ينتزع من امه، لان الولد (الذكر) لابد ان يكون مع ابيه بسن مبكرة جدا، الذي لايقوم في غالب الاحيان  الا برميه على امرأة اخرى ليست امه وليس بينها وبين الطفل علاقة الحضانة والتربية لتقوم بتربيته، ان عاطفة الامومة او الابوة لاتنشأ اعتباطا، بل من خلال تربية الطفل والاعتناء به منذ ايامه الاولى، كيف يريدون من زوجة الاب ان تعتني باطفال لاتعرفهم، ولم ترتبط بهم باية عاطفة؟ . هذه جريمة اخرى بحق المرأة ان تجبر على رعاية اطفال لاترتبط بهم بعلاقة عاطفية، التربية ليست الاطعام والاكساء، بل ارتباط قوي يشعر به الطرفان . فالام حين تغضب من ابنها وتعاقبه يدرك عميقا ان امه تحبه وهو لايرضى بزعلها وغضبها، ولذلك ياخذ غضبها بمأخذ حسن، اما غضب زوجة الاب او العمة او الجدة فلن يفهمه على هذا الامر فيشعر انه مكروه ومغضوب عليه من محيطه، ومن هنا تنشأ الاضطرابات النفسية عنده  . من قال ان مصلحة الطفل بالمطلق في وجوده بحضانة الاب، لتعطى احكام مطلقة بذلك؟، الامر يستدعي دراسة كل حالة على انفراد، ومعرفة مصلحة الطفل النفسية والاجتماعية والصحية وترتيب الامور لصالحه، وهذا يستدعي ان تتنوع الحلول والاحكام، فليس الطفل ملكا لابيه او امه بقدر ان ينشأ سليما نفسيا،  فلا ينتزع من حاضنته لسبب يعود لحق احد اخر بحضانته، لست هنا بصدد الدعوة الى  حرمان الاب من رؤية اولاده بل لابد من تنظيم ذلك لصالح الطفل اولا والاب والام ثانيا، ان قرار الطلاق كان بيد الاب وهو كان مدركا ان خياره هذا قد يحرمه من احتضان اولاده بالكامل، ومع ذلك قدم رغبته بالطلاق على البقاء معهم ولذلك لاينبغي معاقبة الابن والام عبر ممارسة قاسية لاتحمد عقباها .

 

بتول فاروق

٢٣/ ١١ / ٢٠٢٠

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم