تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

شهادات ومذكرات

معاذ محمد رمضان: ماذا لو تزوّج الملك غازي من ابنة ياسين الهاشمي؟

قبل الدخول لصُلب الموضوع لا بُدّ من تعريف موجز لحياة صاحبنا الملك غازي:

ينتمي غازي الى الأسرة الهاشمية في الحجاز، والتي يرجع نسبها الى الحسن بن علي بن أبي طالب. وُلِدَ في مكة يوم 21 / آذار / 1912 أثناء قيادة والده الأمير فيصل بن الحسين الحملة التأديبية لتأديب محمد بن علي الإدريسي الذي خرج عن طاعة الدولة العثمانية في عسير، ولهذا سُمي بهذا الإسم أي غازي، تيمّنَاً بتلك الغزوة، وقد عاش غازي طفولته الأولى تحت رعاية جده شريف مكة الحسين بن علي، وقد نشأ خجولاً متردداً بسبب دلال امه المفرط، فقد حاولت تعويضه عن غياب أبيه. وصل غازي مع الأسرة الملكية الى بغداد في 5 تشرين الأول 1924، وقد سُرّ والده الملك فيصل سروراً عظيماً عندما رأى ولده غازي1.

توفيّ الملك فيصل الأول 2 في 7 أيلول 1933 3، فأحدثت وفاته فراغاً كبيراً لم يتَمَكّن الملك غازي من سَدّه 4، ولا نريد أن نقسو على الملك غازي كما قسى غيرنا عليه 5، بل نحن مع الأستاذ عبد الرحمن البزّاز في تحليله الممتاز عن حدوث الانقلابات في عهد الملك غازي:

(لا يصح أن يتحمّل الملك الشاب إلا جزءاً يسيراً من تبعاتها، وان اقترانها بعصره كان اقتراناً زمنياً محتوماً .. وقد حتّمت الاقدار عليه ارتقاء العرش وهو بعد في فجر الشباب، لم تكتمل رجولته، ولم تنضج تجاربه)6.

أراد الملك غازي أن يتزوج الآنسة "نعمة" اصغر بنات السياسي المعروف ياسين الهاشمي، حيث كانت هناك صداقة بين بنات الهاشمي وبنات الملك فيصل، أي شقيقات غازي وربما تكون أخوات الملك قد حَبّذن لأخيهن الاقتران بإحدى بنات الهاشمي 7، وهناك من يرى أن هذا الزواج قد كان بتدبير الهاشمي والد نعمة:

فبعد أن خلق رحيل فيصل فراغاً صعب على الملك الصغير ملؤه، فإنه أوجد فرصة لم تكن موجودة من قبل لظهور شخصية لها القوة الكافية وروح المغامرة والقدرة على تولّي مقاليد القيادة، وكان الهاشمي هو الشخصية المقصودة، فإنه أول من حاول ذلك وتحرك بهدوء وثبات نحو هذا الاتجاه بالانتساب الى العائلة المالكة 8. فلماذا لم يتم هذا الزواج؟

يقول السيد ناجي شوكت وهو سياسي ملكي ورئيس وزراء سابق:

تلقيت إشارة تلفونية من ديوان الرئاسة لحضور جلسة مستعجلة فوق العادة يعقدها مجلس الوزراء، فلما حضرت وجدت نوري السعيد في حالة هياج شديد وهو يقول "هاي عايزه" يصبح ياسين عم الملك. وبعد أخذ وردّ إرتوئي اقناع الملك غازي بضرورة العدول عن ترجيحه الاقتران بكريمة الهاشمي على الاقتران بكريمة عمه، وكان غازي سهل الانقياد لمثل هذه النصائح، ولا يُستبعد أن يكون نوري السعيد وبقية افراد العائلة المالكة والمقربين منها قد اقنعوا الملك بالتخلّي عن فكرته 9.

أما الأستاذ زهير كاظم عبود فيقول:

سافر نوري السعيد الى الأردن واتصل بالملك عبد الله من أجل الإسراع بتزويج الملك غازي بالأميرة عالية ابنة عمه الملك علي. وقد ذكر مصطفى العمري ـ مدير الداخلية العام يومها ـ ما يؤيد هذه الرواية فقال: في يوم 26 أيلول 1933 زارني محمود جلبي الشابندر ومصطفى عاصم، وقد روى لي الأخير، أن الهاشمي كان يسعى الى تزويج ابنته من الملك غازي، الا أن السعيد وناجي شوكت وجعفر العسكري قد تَدَخّلوا في الأمر ووسّطوا الأمير عبد الله والملك علي فحالوا دون ذلك، وعقدوا النكاح على بنت الملك علي، على الرغم من عدم وجودها في العراق 10.

واضح الآن أن نوري السعيد قد كان الفاعل الأول في افشال زواج الملك غازي من ابنة ياسين الهاشمي ودفعه للزواج من ابنة عمه الأميرة عالية أخت الأمير عبد الإله.

والآن نسأل: ماذا لو تزوّج الملك غازي من ابنة ياسين الهاشمي؟ يقول ناجي شوكت:

كنت أُفَكّر لو كان الملك غازي قد اقترن بإحدى كريمات ياسين الهاشمي في تلك الأيام، ولم تحل العنعنات والتقاليد دون ذلك، لرأينا كيف كان قد انقلب تاريخ العراق السياسي رأساً على عقب، وسارت البلاد في اتجاه غير الاتجاه الذي سارت فيه بعدئذٍ، ولبقي الأمير عبد الإله بعيداً عن التدّخّل في رسم سياسة العراق والسيطرة على ابن اخته فيصل الثاني سيطرة تامة أفقدت البلاد عزّها وهناءها، وزجّها في أتون غروره وصلفه وطيشه ونزقه 11.

ويقول الأستاذ زهير كاظم عبود:

والحقيقة التي لا جدال فيها ان الملك غازي لو تزوّج ابنة ياسين الهاشمي لتغيّر تاريخ العراق وسارت البلاد في غير الاتجاه الذي سارت به فيما بعد، وفي تاريخ العالم كثير من الأمثلة على ان زواج الملوك يغير مجرى تاريخ أوطانهم التي يحكمونها فقد تسعد وقد تشقى نتيجة ذلك 12.

وفعلاً لو تزوّج الملك غازي من ابنة ياسين الهاشمي لتغّير مجرى تاريخ العراق، وأنصع مثال لم يُذكَر من قِبَل الأساتذة في أعلاه، هو تعامل ياسين الهاشمي رئيس الوزراء مع الملك غازي، اذ لما رأيناه يُضيّق على غازي ويحاول عزله عن الشعب ويسيطر على البلاط الملكي، ليتمكّن الهاشمي في النهاية من شَلّ تصرفات الملك وتحويله لمجرد رمز 13. اذ سيكون الهاشمي وقتها "عم الملك"! وعليه لما رأينا ـ على الأرجح ـ انقلاب بكر صدقي ضد حكومة الهاشمي! وهو أول انقلاب عسكري في المنطقة تم بعلم الملك غازي، اذ يقول غازي صراحة:

لقد طلبت من بكر ومحمد علي ان يُنهيا الوضع الشاذ والذي دفعت البلاد به وزارة ياسين وكتلته وانهاء الدور الدكتاتوري الذي تقوم به ضد شعبي العزيز .. ان بكر ومحمد علي أوعدوني خيراً وسوف يُنفذون الأوامر بشكل دقيق 14. وبكر المذكور هو الجنرال بكر صدقي، ومحمد علي هو قائد القوة الجوية محمد علي جواد.

تم حبك المسألة كما أسلفنا من قِبَلِ نوري السعيد بالدرجة الأولى، ويصف الملك غازي نوري السعيد بكلمات يجب على كل عراقي ـ برأينا ـ يميل الى النظام الملكي الاطلاع عليها وقراءتها بعمق، يقول غازي:

ان نوري هو البلاء الأكيد لهذا البلد الطيّب فلينصرنا الله على القوم الظالمين 15.

ولا بُد من التأكيد هنا على أننا نتحدّث عن "لو" مع وعينا بأنها مرفوضة تاريخياً 16.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

...............................

الحواشي:

1ـ لطفي جعفر فرج: الملك غازي ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي 1933 ـ 1939، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد 1987 ص17 الى 20

2ـ نُوَجّه القارىء الكريم الى عدة دراسات رصينة تناولت حياة الملك فيصل الأول، منها:

علاء جاسم محمد: الملك فيصل الأول / حياته ودوره السياسي في الثورة العربية وسوريا والعراق 1883 ـ 1933، مكتبة اليقظة العربية بغداد ط1 1990

محمد مظفر الأدهمي: الملك فيصل الأول / حياته السياسية وظروف مماته الغامضة ـ دراسة وثائقية، الذاكرة للنشر والتوزيع بغداد ط1 2019

علي عبد الأمير علاوي: فيصل الأول ملك العراق، ترجمة: سيمون أكرم عبد العباس و غيث يوسف محفوظ، مراجعة: د. مقدام عبد الحسن فيّاض، مركز الرافدين للحوار بيروت النجف ط1 2022

3ـ الأدهمي: المصدر السابق ص221

4ـ سامي عبد الحافظ القيسي: ياسين الهاشمي وأثره في تاريخ العراق المعاصر 1922 ـ 1936، منشورات دار دجلة المملكة الأردنية الهاشمية، جمهورية العراق بغداد 2013 ص428

5ـ ولنا أن نقول، ان الملك غازي قد غُلب على أمره واستسلم لضغوط وقيود الحكومات، شاء أم أبى حتى النزع الأخير من حياته، لأنه لم يكن سياسياً مُحنّكاً، ولم تصقله التجارب أو تُدركه الحيل في مواجهة أضداده من الساسة المخضرمين آنذاك. يُنظر:

عبد الله كاظم عبد: تطور البلاط الملكي العراقي 1933 ـ 1939، مكتبة الرائد العلمية عَمّان الأردن ط1 2007 ص332

6ـ عبد الرحمن البزاز: العراق من الاحتلال حتى الاستقلال، مكتبة العاني بغداد ط3 1967 طبعة مُزيدة وفيها فصول تُنشر لأول مرة ص233 و 234، ولنا مقال أثبتنا فيه أن الملك غازي لم يكن جاهلاً بفنون السياسة، يُنظر:

معاذ محمد رمضان: الملك غازي والسياسة، صحيفة المثقف الألكترونية، بتاريخ 7 نيسان 2023

7ـ من أوراق الملك غازي، تحقيق وتعليق: زهير كاظم عبود، تقديم: د. سيّار الجميل، مراجعة: د. عبد الرضا علي، مؤسسة شرق غرب للنشر بغداد ط1 2010 ص32

8ـ القيسي: المصدر السابق ص428 و 429

9ـ ناجي شوكت "رئيس الوزراء الأسبق": سيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894 ـ 1974، مطبعة دار الكتب بيروت ط2 1975 طبعة موَسّعة ومزيدة ص248 و 249

10ـ أوراق غازي ص32

11ـ ناجي شوكت: المصدر السابق ص249. حاول المؤرخ الدكتور سيّار الجميل ما وسعته المحاولة "إنصاف" الأمير عبد الإله، يُنظر: أوراق غازي ص48 الى 54، ولا أدري ما فائدة ذلك؟! وماذا سيُضيف الدكتور الجميل في هذا المجال؟! وإلا فقد صدرت دراسة أكاديمية جيدة عن الأمير عبد الإله، وقد ذكرها الجميل أيضاً، وهي:

عبد الهادي الخمّاسي: الأمير عبد الإله 1939 ـ 1958 دراسة تاريخية سياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1 2001 وفيها يقول الخمّاسي:

ان التصدي لدراسة شخصية بمستوى الأمير عبد الإله ليست بالأمر اليسير، لا سيما عندما يصطدم التصور المسبق بالواقع، ولهذا فقد تَطَلّب الأمر دراسة الأسباب التي حرّكت الأحداث وصاغتها وبلورت نتائجها، بتأمل مجرد يهدف الى استيعابها ومحاولة تفسيرها للوصول الى الحقيقة، ذخيرتنا في ذلك المصادر المتوفرة الرسمية وغير الرسمية على اختلاف نزعاتها، مراعين الأمانة العلمية المقترنة بالموضوعية ص17 و 18. فأين هذا من كلام الدكتور الجميل "الانشائي العاطفي" والذي اعتدنا عليه!! ولنا وقفة سابقة مطوّلة مع الدكتور الجميل في كتابه عن الملك فيصل الأول، يُنظر:

معاذ محمد رمضان: قراءة في كتاب الملك فيصل الأول، جريدة المدى العدد 5198 السنة التاسعة عشرة، الاثنين 6 حزيران 2022 ملحق ذاكرة عراقية.

12ـ أوراق غازي ص33

13ـ لطفي جعفر فرج: المصدر السابق ص113 و 119

14ـ أوراق غازي ص129

15ـ المصدر السابق ص169 ولا حاجة للتأكيد على أننا هنا لم نقصد تأييد الملك غازي في هذا الوصف بالمطلق بقدر ما نحاول تسليط الضوء على "المشكلة السعيدية".

16ـ فاروق صالح العُمر: ثورة مايس ودول الجوار في الوثائق البريطانية، بيت الحكمة بغداد ط1 2002 ص11 الحاشية.

 

في المثقف اليوم