نصوص أدبية

زهرة الحواشي: أشعر بالبرد

الخزائن ملئى بالأغطية الخفيفة والسّميكة المزدانة بشتى الألوان

كم اشتريت أغطية

وأرائك

وصحونا

وكؤوسا

المطبخ يعج بالأثاث ...

لا يجب أن يحتاج الأولاد إلي أي شيء عندما يأتون ..

لقد اشتريت أضعاف ما أحتاج في المنزل ...

البيوت مدكوكة دكا بالأثاث

وأنا أشعر بالبرد

ألتفت يمينا وشمالا باحثة عن أغصاني الذين كنت أتدفأ بهم

أينهم ؟

أريد أن أضمّهم إلى صدري

أن أرضعهم فيمسكون "الزِّيزة" وينظرون في عيني فألاغيهم .. ويضحكون حتى يفيض الحليب من بين شفاههم الصغيرة

أريد أن أحضنهم وأدسّهم في حضن قلبي

أن أشعر بأنفاسهم الطيبة

أريد أن أشتمّ رقابهم الناعمة...

أريد أن أستمع إلى كلماتهم المعوجّة وهم يتعلمون النطق و التعبير ... فأضحك حد الدّموع .

مضى وقت طويل على تلك الكلمات وتلك الضحكات

أريد أن أحكّ أنفي على صدورهم الصغيرة وأنا أحمّمهم وألبسهم أثوابهم

وأدغدغهم ... فيضحكون قهقهات عالية ويمسكون شعري بأيديهم الصغيرة ليمنعوني من دغدغتهم

أريد أن أصرف راتبي في شراء ملابس العيد لهم

واللُّعب

والأدوات المدرسية

ماذا أفعل براتبي؟

لقد كبروا

وابتعدوا عنِّي في متاهات الحياة

أصبح المنزل نظيفا

دائما نظيفا !

لا أحد يدخل بحذائه الملطّخ بالتراب أو بماء المطر بعد ما انتهيت من تنظيف القاعة

لا أحد ينفلت منه كأس الحليب أو صحن الفطور فيتكسّر وأعيد التنظيف من جديد

لا أحد يلطخ ملابسه الجديدة بالشكولاطة أو المثلجات .

ترى هل كنت أُكبِّرهم كي يبتعدوا ؟

أستفيق الصباح وأهمُّ بالنهوض ثم أتراجع ... لماذا أنهض

لمن أنهض ...

ما أوسع المنزل

وما أفرغه

أقلب الأمكنة وأشعر بضباب ساخن يجتاح عيني..

ألتفت حولي فتترائى لي قاماتهم الطفولية البديعة

وهم يملؤون الدنيا صخبا ولعبا ولُعبا وبعثرةً ... ودفئا

لكن سرعان ما يهفت الصَّخب ويبتلعني الصَّمت يسلِّمني إلى وحدتي

أينهم ...

مازلت أستفيق كل ليلة كعادتي لأتفقدهم وأغطي من أزاح عنه غطائه ...

ترى هل كان علي أن أتركهم صغارا

لألفّهم تحت أجنحتي ... أتدفَّأ بهم عندما أشعر بالبرد.. كيف !

أصبحت أجلس الآن كلَّ يوم قبالة الباب وأنتظر ...

أنتظر ماذا؟

أن يدخل علي أحدهم ....

ويطول الإنتظار

أصبحت أفهم الآن لماذا كنت عندما أعود إلى منزلنا بعد غياب أجد دائما أبي جالسا قبالة الباب .

***

زهرة الحواشي

في نصوص اليوم