نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: آخر الزلات

للمرة الثالثة مذ انحازت بهيجة بعد طلاقها الى أختها خلال هذا الشهر وهي تحس أن يدا بليل تنزع عنها غطاءها ثم تتحسس ساقيها، تقفز بهيجة من مكانها ثم تستقيم جالسة والذعر يتلبسها، لاترى غيرشبح يمرق منسلا من الغرفة دون ان تتبين له وجها؟..

ليس في البيت غير أختها وزوج الأخت وابنهما الطالب الشاب الذي يتابع دراسته الجامعية في العاصمة والذي لا يزورالقرية الا في العطل والأعياد..

في الصباح وهي على مائدة الفطور تحاول بهيجة أن تسرق نظرات خاطفة لسحنات زوج أختها وابنه:

 أيهما قد كان الشبح الزائر؟..

 لا يسعف بهيجة نظر ولا تفكير، فالزوج رجل ستيني متدين، يعرف ربه، مارأته يوما يحاول أن يرفع اليها عينيه بسوء قصد، تعود النوم بعد صلاة العشاء،ولا يغادر سريره الا قبل الفجر بقليل، ثم لا يعود الى البيت الا حين تستدعيه زوجته للفطور بنداء من كوة صغيرة تطل على الكتاب الذي يعمل فيه الزوج كمدرر لابناء القرية الصغار لايفصله عن البيت غير حاجز من طوب.. الابن متخلق يستحي من خالته ويعزها لمواقفها الكثيرة في إصلاح ذات البين بين أمه وأبيه،ومن احترامه لها أن وجهه يصير كطمطمة حمراء حين تفتح معه حديثا..امتنع أن يشاركها غرفته بعد أن تنازل لها عنها رغم معارضة أمه مكتفيا بالمبيت تحت سقيفة البيت كلما حل بالقرية..

لم تكن بهيجة صاحية فتتوهم طيفا أو خيالا من التصورات قد تشغل انتباهها بل كانت نائمة غارقة في سبع نومة و لم تصح الا على لمسات يد حاولت أن تبلغ شيئا أو تحقق أمرا مبيتا..

أيكون الشوق الى زوجها وهي لا تدري هو ما يلاعب أحلامها مما يجعلها تستعيد لحظات كان الزوج لا يعود فيها من عمله الا بعد منتصف الليل فتصحو على يده وهي تتلمس فخديها او شفاهه وهي تطبع قبلة على خدها، يصر على أن تصحو لتجالسه قليلا..

كم تريد أن تبعد الزوج عن تخيلاتها حتى تقطع كل علاقة كانت تربطها به بعد أن ضحت وعانت وفي كل مرة يدعي الثوبة ثم يكرر الزلل..

تغلبها دموعها، فتحاول أن تمنع صرة الغيم قلب محاجر عيونها، من فتق، فهي من أصرت على الطلاق بعد أن استعظمت زلة سقط فيها الزوج حين لبى رغبة أحدى الجارات يتحدث الناس عن مرض خبيث قد أصابها، دعته ليغير لها حبابة فاسدة ثم ألحت على أن تهديه كاس قهوة لكن ما لبث أن طوقها بذراعيه وهو يودعها فلانت و تبادلا القبل... وكانت الخادمة بالمرصاد فصورتهما بهاتفها وأبلغت زوجته محذرة أن ينقل الى بهيجة عدوى الجارة..

لم تكن هذه هي الزلة الأولى لدى الزوج، فكثيرا ما وقع في زلات غيرها مع عاملات المعمل ومع غيرهن وكأنه يريد أن يختبر استمرار فحولته خاصة بعد فحوص وتحليلات طبية أكدت عجزه الكلي عن الانجاب..

ـ " لئيم، لا امنعه شيئا متى شاء وكيفما أراد، ولم أحرك رغبة في ضنى بحديث أو شكوى أو حتى بالتلميح قد يحسسه بالدونية لكن جرثومة الخيانة تينع في أعماقه بلا ذبول"

بهيجة أنثى في العقد الرابع من عمرها لا يخلو وجهها من مسحة جمال خصوصا حين تكون بكامل زينتها وبحكم أنها لم تلد فقد ظلت تحافظ على جمال قوامها وتناسق جسدها، لكنها كانت نقيض أختها، عفة نفس ورجاحة عقل،مقابل رذالة أختها وخسة نفسها وطيشها..

بعد العطلة الأسبوعية عاد ابن أختها الى جامعته لكن في الليلة الثانية لرحيله تستفيق بهيجة مفزوعة على نفس اليد تتحسس خصرها، حاولت أن تمسك بها لكن صاحب اليد كان أقوى منها واستطاع الانفلات من قبضتها، وقفت وشرعت تصيح، وعلى ضوء شمعة خافتة أضاءت غرفة أختها رات بهيجة من خلاله أن أختها وزوجها يهرعان معا من غرفتهما إثر صياحها..

لم تصدق عيونها، فاذا كانت أختها وزوجها وهي تراهما رؤية عين وهما خارجان معا من غرفتهما فمن يكون هذا المتسلل اليها بليل يحاول ان يتحسس جسدها؟..

ضاق بها التفكير، فذاكرتها العرضية تؤرقها،فهل حولها طليقها الى أرشيف من زلات تؤرقها حتى بعد طلاقها، لكن مايقع لها ليس تخيلا بل حقيقة يتصرف فاعلها عن قصد وإصرار..

 نصحها زوج أختها أن تقرأ آيات من القرآن الكريم قبل النوم، أما أختها فقد كانت نظراتها بين السخرية والارتياب؛ وكأنها تحاول أن توجه ظنون زوجها منحى آخر..

دخلت بهيجة في جلبابها بعد طلوع الشمس وخرجت الى فتيحة صديقتها التي تسكن نفس الدوار..كانت تريد أن تتنفس هواء غير هواء بيت أختها، أن تنشغل عن أحداث ليلها وتخفف من أثرما يؤرقها وقد غطى على كل هدوء تتميزبه بهيجة..

أدركت فتيحة أن بهيجة تعاني وأن إصرارها على الطلاق ربما كان تسرعا وخطأ،فالأخبار الواردة عن الزوج تقول أنه قد ارتبط بإحدى عاملات المعمل والتي كانت تربطه بها علاقة قديمة..

حقا بهيجة قد تعبت من السلوكات الوضيعة لزوجها، خيانة بعد أخرى، لكن أن يربط علاقة بأنثى قد تكون عدواها وبالا عليها فهذا ما لن تقبله..

 "ليس بالجنس وحده يحيا الانسان.. لو كنت أحرمه أو أرفض له رغبة لتحملت مسؤولية طلاقي.. أما وفضيحته مع أختي لازالت تؤرقني بالليل والنهار تحملت وتسترت عليه على حساب كرامتي وحالتي النفسية والعقلية حتى لا أشتت شمل أختي لو بلغ الخبرالى زوجها فقد بالغ في علاقات أخرى بلا خجل ولا حياء "..

الحديث يسرق المرأتين الى ساعة متأخرة من العشي، حيث تعود حماة فتيحة من عملها في بيت أحد سكان المدينة..

تحية وسلام، وخيوط الكلام تنسل من هنا وهناك فتقترح الحماة على بهيجة عملا كخادمة لوالد مشغلها السبعيني في مدينة كبيرة، توفيت زوجته وامتنع عن الزواج،وأبناؤه يبحثون له عن سيدة ثقة ترافقه وتقوم بأعبائه..

 تلقت بهيجة العرض بترحيب وفرحة بعناق حار لحماة صديقتها..

ثم عادت مهرولة الى بيت أختها وهي تحمل الخبر السار.

.أخيرا أتى الفرج وستغادر القرية بل تترك أختا ما لجأت اليها بعد طلاقها الا لتحميها من نفسها..

تقترب بهيجة من باب غرفة أختها فتتناهى اليها ضحكات ثم كلمات من نافذة صغيرة ذبحتها:

ـ اياك أن تعرفك فننفضح، حاول أن ترهبها ما استطعت..حظ من زفت ما ان تخلصت من الابن بدخوله الجامعة حتى فاجأتني الأخت بطلاقها..

تتداعى الصور على بهيجة، تهتز نفسها بقشعريرة وهي تستعيد لحظة ضبط أختها بين أحضان زوجها وعلى سريرنومها..

كانت بهيجة لا تفكر في زوج تعودت سلوكاته لكن تفكيرها كان في الرجل الطيب زوج أختها والذي لم تهدأ زوبعة الشك الذي انتابته في ابنه إثر خروج أختها اليومي بلا إذنه، وقد لعبت فيه بهيجة دورا كبيرا في تهدئة الأوضاع الى أن عادت أخت بهيجة الى بيتها، وكان الجزاء خيانة مع زوج بهيجة..

قبل أن تعود بهيجة أدراجها بكل هدوء، تعتلي على نتوء صخري  وتمد رأسها قليلا من النافذة الى الداخل لتجد أختها عارية تماما مع أخ زوجها الحارس لفرعية مدرسة ابتدائية تقع في الدوار..

انقبض صدرها بألم وقد غالبتها دموعها..

 أنثى لا تثوب، يحركها شيطان مارد بِشرٍّ وفجور تلك هي اختها منذ صغرها وهي لا تنتهي من زلة الا لتبدأ أخرى..

في العاشرة من عمرها أسلمت نفسها لراع في الدوار ففض بكارتها وحين بلغ الامر الى أمها اصابتها جلطة صدرية افقدتها الروح..

قبل زواجها بسنة حملت سفاحا من شيخ القرية الذي بادر الى اجهاضها في المدينة وهو من زوجها الى قريبه فقيه القرية..

لم تجد بهيجة غير بيت فتيحة تبيت فيه ثم تصاحب حماة فتيحة صباحا لمقابلة والد مشغلها..

ما أن رآها الرجل الذي يريد تشغيلها حتى اختلى بخادمة أبنه:

ـ السيدة لازالت شابة هل انت متأكدة من عفتها وأمانتها.. لا يخفى عليك أني أقيم في مدينة سياحية تغري،ولست مستعدا أن أجد نفسي قلب مشاكل،معرضا للقال والقيل..

طمأنته الحماة بان بهيجة امرأة درويشة ولا تبحث الاعن سترها في مكان ترتاح فيه،وتبتعد عن أختها ومشاكل أختها وهي الضامنة لها..

وجد الحاج في بهيجة أنثى تعيد اليه ما افتقده بعد موت زوجته، اهتمام به فاق الحد وعناية بكل ما يحافظ على حياته..ارتاح لأمانتها ونظافتها وصدق تعاملاتها..

تعود الحاج أن يخرج كل صباح ليمارس هواية المشي، لايغيب أكثر من ساعة ثم يعود الى بيته أو يجلس في أحد المقاهي الى أن يؤدي صلاة الظهر في المسجد ثم يعود الى بيته..

فتح الباب بمفتاح ثم دخل ليجد بهيجة وسط الدار تسبح في بركة من الدماء، ورائحة الغاز تخنق البيت !!..

من فعل بها هذا ؟ هل سقطت ؟ كيف ؟ بسرعة فتح النوافذ ثم استدعي الشرطة وبسرعة تم حمل الضحية الى المستشفى حيث تم انقادها..

بمجرد ما اطلع رجال الشرطة على تسجيلات الكاميرات الموجودة في بيت الحاج حتى تعرفوا على المجرم الذي لم يكن غيرعشيق أختها وأخ زوجها بايعاز من أختها حسدا وغيرة

والتي أرادت أن تنهي زلات حياتها بعشرين سنة سجنا مع عشيقها..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

في نصوص اليوم