نصوص أدبية

عبد اللطيف رعري: الفَقْدُ وجَعٌ طويل

السّماءُ على غيْرِ حالهَا

منْذُ الفَقْدِ..

كَالِحَةً

لا يمرُّ سِرْبٌ الَّا ويسْقطُ نِصْفهُ مَنْسِيّاً..

لا يَتَحَرَّكُ رِيحٌ

إلاَّ وَيَأخذُ مِنَّا زَهْرَة

لا غَيْمة توَجَّعتْ مدْرارَة للعطْشَى..

ولا قشْعةً أنارتْ مسْلكاً لِعمْشَاء..

هُناكَ بَعيداً عنْ عَيْنِ الزرقَاءِ

فَقطْ

سَرابٌ يلعقُ ماءَ النَّهرِ

ربَّما ضوء أعادتهُ الفيزياء لخَطْفةِ الرُوحِ.. انهيارٌ لنجمة تَحكَّكتْ بسيَّاجِ الأنبياءِ..!

أمَّا مَا أراهُ ،

ولستُ عرَّافاً للغُيُوبِ

ولا دجّالاً يشْمَتُ في طُقُوسِ الألُوهِيَّةِ..

أنَّ النَّارَ تُعَانِقُ الماءَ في خُلْوةِ الوَدَاعِ..

أنَّ الماءَ مُجرَّدَ خُدْعَةٍ في جَوفِ الحّجَرِ..

وبهذا ستَتلَحَّفُنَا النّكبَاتُ بِفَيْضٍ آخر من شذَراتِ المَسْخِ..

لستُ ملكاً مُشِعّاً في السّماءِ

لكنِّي

أحْمِلُ رائِحةَ الهٍ يعرِفُنِي

جِئْتُ أبْعَدَ حظٍ مِنَ الأرضِ

جِئْتُ أبْعَدَ عُمْقٍ منَ البحْرِ

أبعدَ عُلْوٍ منَ السَّماءِ.

. Je suis venu de plus loin que la terre De plus loin que la mer

De plus haut que le ciel

الذينَ يعرُفونَ فرْحتِي وآهاتِي

لمَّا وجَدُونِي أبْكِي فِي حُقُولِ الخُزّامَى

أُلقِي سوَادَ كَلماتِي فِي القَبْوِ المُقدَّسِ

قالوا:

أنِّي عَثرْتُ على لَوْحَةِ مِيلادِ العشْقِ

بينَ العُطُورِ الزرْقَاء في دُولِ النَّخِيلِ..

بَيْنَ بحورِ الخليلِ

بين جداول الكَرْمِ النَّقِيلِ

فخبَّأتها لِتتوسَّطَ لِي يَوْمَ خَتْمتِي بِمَلكِ الموتِ.. ومَا أنَا إلاَّ تَائِهٌ فِي عُنْفُوَانِ الجَبَلِ.

قالوا:

أنِّي أجرِي عَارِياً تَحْتَ النُّجُومِ َ

فاسْتوقفَنِي قُطَّاعُ الطُّرُقِ بِلَا أمْتِعَةٍ

وزَجُّوا بِي فِي زِنْزَانةٍ مُتْرعة عَلَى الصحْراءِ يحْكُمهَا كَاهنٌ يَحْتَرقُ ألفَ عامٍ

مخَافةَ أنْ يدَارِي غضَبَ امرأةٍ ..

وَمَا كُنتُ فيهِ كَافياً لأدُّقَ آخِرَ مِسْمَارٍ فِي نَعْشِي.

قالوا:

إنَّهُ يطعِمُ الخرافَة ويهدي الِميتَّةَ قرْباناً للوادِي ولهُ منَ الجنِّ قرينٌ يوَسوِسُ لهُ بالآتي ..

يَبِيعُ صُكُوكَ التَّوْبةِ مُقَابِلَ ثمْرَةٍ..

يَسْتَمِيلُ في مُجْرَيَاتِ الحَكْيِّ لقَوامِيسِ اللُّغاتِ المَلْغُومَةِ فيُقْصِي منْها الفَصِيحَ..

ويعرْبدُ حتَّى البَوح بمكنُونِ النَّفْسِ الأمَّارَةِ بالسُوءِ والعِصْيَانِ..

فإمَّا يرْمِيهَا بالبَاطِلِ والنُكْرَانِ

وإمَّا يُعَظِّمُها بِالسَّهْوِ والهذَيَانِ..

والصَّحُ أنِّي إبْنًا عَاقاً لِلُّغَةِ..

وَتُلْزِمُنِي حِصَصٌ لِلتَّشْهِيرِ َقبْلَ مَوْتِي مَطْعُوناً بِحُرُوفِهَا

قالوا:

إنَّهُ قصَبَة تَجَلَّفَتْ فِي عِزِّ رَبِيعِهَا

ثُمَّ تاهَتْ مَعَ العُمْيَانِ في ثَوْرَةٍ لِتَفْقَأَ عَيْنِ القَمَرِ..

ولمَّا غَرَّتْ بِهَا الأيادِي اليَابِسَةِ خَرَّتْ مُنْكَسِرَةً.. انتَهَى الحُلْمُ بِلاَ دُمُوعٍ..

وانْتَهى مِشْوَارُ القَضِيَّةِ تَحِتَ الأقْدَامِ..

حَالُ سَمَائِنَا يُغْنِي دَائِماً عنِ الإشَادَةِ بالغِنَاءِ.. قالوا:

فِي َموْسِمِ الجَرادِ

يَتَوَالدُ المخْبِرُونَ منْ يَأتِيكَ حَاِفياً..

منْ يَسْتَدْرِجُكَ بِعَرَاه لماخُورِ الاسْتِنْطاقِ..

لَكنْ مَا عَلَى ظَهْرِي الانَ سِوَى خِيشَة منَ الأحْلاَمِ المُنْتهِيَّةِ أبَداً..

أأجُرُّهَا لِمَقْبَرَةِ النِّسْيَانِ

كَمَا فَعَلَ الفَقِيدُ أبِي..

أأنهَشُهَا بأظَافِرِي لأبْكِي ويَّاهَا قضَاءَ وَفَنَاءَ العُمْرِ

كمَا الفَقِيدُ أخِي قدْ فَعَلَ..؟

..أأدُوسُها بقَدَمِي العَرْجَاءَ حتَّى تَصيِيرَ خَلاً وَأرُشُّ بِهَا موْطِنَ ضُعْفِي..؟

***

عبد اللطيف رعري

مونتبوليي حزينة لحزني

05/02/2024

في نصوص اليوم