نصوص أدبية

ناجي ظاهر: ميال البحري وحبّوب النهري

(من اساطير ايامنا)

احب ميال الزهري البحرَ منذ اللحظة الاولى لمعانقته مياهه، كان ذلك يوم اصطحبه والده المرحوم، الى حافته وقذف به في لجته قذفة صاروخية، (حتى اليوم لا يعرف سببها تمام المعرفة)، تلك القذفة كادت تودي بحياته، لولا ان والده المرحوم قذف نفسه وراءه وأمسك به ساحبا اياه من بين فكي المياه في اللحظة الاخيرة. منذ تلك اللحظة قرر ميال الزهري امرين أحدهما ان يتعلم السباحة، مهما كلفه الامر، وذلك تحقيقا لحب لا يعرف تمام المعرفة من اين اتى فاحتل كيانه، والآخر ان يغير اسمه ليصبح، بكل فخر: ميال البحري.

قرار ميال البحري هذا..  قاده فيما تلا من السنوات، الى ان يرافق كلّ من اقترح عليه.. او دفعه هو ذاته بالأحرى، لان يقترح عليه، ان يقوما معا برحلة بحرية. وقد ترافق ميال البحري مع العديد من الناس.. في زيارة محبوبه الغادر: البحر، وكان في كلٍّ من مرافقاته هذه يضيف فشلا الى فشل سابق، في التغلب على امواج البحر الهادرة، واكتناه اسرارها.

بقي البحري على هذه الحال الى ان التقى شابا يدعى حبّوب النهري، وقد كان هذا حين التقاه شابا في مثل عمره، في اوائل الثلاثينيات، ويربط بينه وبينه اكثر من شبه.. اهمه معاركة البحر. ذات مساء، حمل الاثنان نفسيهما، وانطلقا مُعطيين السيارة ان تقلهما الى حيث تريد وتشاء، فكان ان دحلت بعجلاتها الاربعة باتجاه واحد: هو اتجاه البحر.

عندما توقفت عجلات السيارة.. الاماميان في الماء، والخلفيان في البر، هرع كل منهما الى الماء والقى نفسه فيها، غير عابئ بالجو العاصف القاصف، وراحت الامواج تتلاعب بهما، مبعدة أحدهما عن الآخر، الامر الذي اوقعهما بسرعة مذهلة في حيرة هائلة، وراح كل منهما يصارع الامواج العاتية، في محاولة عبثية لأن يعثر على مرافقه، تقدّم الوقت وكلّ منهما يغالب الامواج للوصول الى قرينه، لكن عبثا. وحدث كما يحدث في القصص، ان عثر كل من البحري والنهري على جسم طاف، فتعلق به اعتقادا منه انه خشبة الخلاص، ليكتشف فيما بعد انه كائن بحري حنون.. يبدو ان البحر ارسله مكافأة غرامية او رأفة. الغريب والطريف ايضا، انهما، هما الاثنين، أسلما امرهما لذاك الكائن البحري، واقتعدا متنه دون ان يرياه وسط العتمة المطبقة حولهما.

مضى الليل متقدما بقلق وبطء، وكان كلّ منهما يشعر ان لحظة منيّته قد دنت، الا انه كان في الآن ذاته يشعر بأمان وثقة.. لا يعرف مصدرهما، فما داما قد وجدا ذلك الكائن البحري فانهما بأمان.. موجودان. بقي كلّ من الاثنين يقترب من رفيقه ويبتعد، الى ان اقتربا غصبا عن الامواج، وغاصا معا عميقا.. عميقا.. في اغوار الماء.

هناك في اعماق الماء البعيدة السحيقة، اكتشف كلّ من الاثنين، البحري والنهري، انهما ما زالا حيين، فراحا يتراكضان في كلّ الاتجاهات، باحثين عن مستراح لهما، كانت الاسماك تحيط بهما من كل جانب، اما الاصداف فقد بدت وكأنما هي ترحب بهما محتضنة اياهما.

دخل كل منهما صدفة كبيرة، ليولد فيها مجددا، لينمو ويكبر، ويلتقي حبيبة قلبه بعدها ينجب منها اطفالا.. سبحان الخالق، وسرعان ما حانت اللحظة لان يخرج الاثنان كلّ من قوقعته. كانت رحلتهما هذه اشبه ما تكون بيوم او بعض يوم!!

في البداية رفضا المغادرة، مُصرّين على ان يبقيا هناك في حياتهما البحرية الحالمة الرائعة. غير انهما ما لبثا ان وجدا نفسيهما يصارعان الماء، وبقيا على ما هما عليه الى ان عثر كلّ منهما على ذلك الكائن البحري، فجلس على متنه، واندفع الكائنان البحريان مخترقين الماء، ليفتح البحري وقرينه النهري، عينيه وقد اطل الصباح.. على مناظر شائهة إذا ما قورنت بتلك التي رأياها في قعر الماء.

رغم ان الاثنين اتفقا على ان ما رأياه هناك في الاعماق المائية قد يكون من خلق الخيال، فقد راحا كلّما التقيا يتحدثان عما رأياه وكأنما هو الواقعة الحقيقية الوحيدة في حياتهما.

هكذا اصبح الاثنان صديقين حميمين للبحر، وباتا يتوجهان كلما سنحت الفرصة الى الشاطئ ذاته، في الظاهر ليصطادا الاسماك وليجمعا الاصداف النادرة وفي الباطن حلما بليلة مماثلة لتلك التي.. تتسمى.

***

قصة: ناجي ظاهر

في نصوص اليوم