نصوص أدبية

نصوص أدبية

أوراقُ لَمْ تُقْرأْ

شعراءٌ مَجْهولونْ

خرجوا من أوراقٍ لَمْ يَقْرَأْها أحدٌ

منذُ قُرُونْ

صادَفَهُمْ شعراءٌ مَعْروفونْ

سألوهُمْ هَلْ تدرونْ

إنّ القرّاءْ

في هذي الأيّامِ العجفاءْ

لا يهتمونَ بشعرٍ  أو  شعراءْ

فإلى أيِّ مكانٍ أنتُمْ ماضونْ

قالوا إنّا

نبحثُ عَنْ قرّاءٍ نجهلُهُمْ

قالوا هَلْ ستجدونْ؟

ذهبوا دونَ جوابٍ

لكِنْ ما رَجَعُوا

ظلّ الشّعراءُ المَعْرُوفونْ

يَنْتَظِرُونْ

............................................

............................................

مَرَّتْ أيّامٌ وشُهورُ  وسُنُونْ

ما عادَ الشّعراءُ المَجْهولونْ

هل سيعودونْ؟

**

شاعرةٌ .. و شاعرٌ

منذُ بدايةِ سيرِهِما

كانا يختلفانِ، ويتفقانْ

تَمْشِي الشّاعرةُ   مُسْرِعَةً

و الشّاعرُ  يَمْشِي مُتَئِداً

اختلفا ثم اتفقا

اختلفا ثانيةً

تركتهُ وحيداً

ومَضَتْ مُسْرِعةً

تتساءلُ حائرةً

مَنْ يسبق من؟

ظلَّ الشاعر يمشي متئداً

حتى اِختفيا

راحَتْ تتساءل نادمةً

كيف التقيا؟

كيف اِفترقا؟

لا أحدٌ يَسْمَعُها

ظلت تمشي مسرعةً

تتذكر إنَّ الشّاعِرَ

قالَ دعينا لا نتعجّلْ

بَلْ فَلْنَتَمهّلْ

كَيْ نَكْتُبَ شِعراً أصفى

كَيْ نَكْتُبَ شِعراً أجملْ

***

شعر: خالد الحلّي

نَمْ يابنَ كَبْشَةَ في الثرى

بأمانْ

أحفادُكَ انتصروا على العُرْبانْ

بلِّغْ لما قد حققوا

لسجاحْ

وبني حنيفةَ تَعقدُ الأفراحْ

ماضلَّ إسلامٌ

ولا إيمانْ

فرَعِيَّةٌ تعبتْ من الرُعْيانْ

وكباشُها باتتْ كما الخِرفانْ

وجميعها قد قُدِّمتْ

قُربانْ

في مذبحِ الكهنوت للأصنامْ

**

هَبَنَّقةْ

يُفسرُ القرأنْ

لأنَّه في فقهه علَّامْ

فحلَّ ماقد أعجزَ الإفْهَامْ

- لاتقربوا الصلاة -

ركنٌ من الإسلامْ

-لاتقتلوا -

لاتشملُ الحُكّامْ

وبفقهه الجديدْ

قد أسقطَ الصيامْ

والحجُ والجهادْ

في شبهةِ الحرامْ

**

قد بتنا في زمانْ

يضجُّ بالزحامْ

وباتتْ التفاهةْ

شعاره الرنانْ

تسري به السفاهةْ

كالنار في الهشيمْ

في السوقِ في الحاراتِ في وسائلِ الإعلامْ

قد شوهتْ لإرثنا القديمْ

وشوشتْ ذو اللبِ والحليمْ

وأذهلتْ من هولها النساءْ

وأوقعتْ في فخّها

الشبانْ

لتنشرَ الخواءَ والغباءْ

ثقافةٌ سطحيةٌ بلهاءْ

تُغيّبُ الشعوبَ في غياهبِ الظلامْ

تقودنا للسّخفِ والعبثيةْ

بحجةِ التطورِ العصريةْ

أَعَدَّها لئامْ

أداتُها التّهرِيجُ والأفلامْ

هزليةٍ عاديةْ

تغزو بها الأنامْ

قد أُحْكِمَتْ

في خطةٍ ملعونةٍ خبيثةْ

تستهدفُ الإنسانْ

تقضي على الأخلاقِ والثقافةْ

تشجّعُ الفسوقَ والفجورَ والسخافةْ

**

ماعادَ في زماننا

خولةْ

ولا خنساءْ

كقدوةٍ في الطهرِ والايمانْ

بلْ أصبحتْ هيفاءْ

قديسةُ النساءْ

أو ربما عارضةُ الأزياءْ

سيدةُ النقاءْ

كم رفعتْ مُهرجاً

أو تافهاً حقيرْ

لسدَّةِ النجومْ

غدا مهماً بارزاً

في ليلةٍ و يومْ

ووجَّهتْ سهامَها

لعالمٍ كبيرْ

لاتقبلُ الأطهارْ

في أرضها سَدومْ

**

والشعرُ أضحى باهت الكلامْ

كجسدٍ مُقطّعِ الأشلاءْ

يلوكهُ الجُهّالُ والأقزامْ

لاقيمةٌ فيه ولا أوزانْ

طلاسمٌ ممجوجةٌ جوفاءْ

موجودةٌ في عالمِ الأوهامْ

ماعادَ رمزُ الشعرِ عنترةً ولا حسانْ

وإنّما أميرةُ البيانِ والأشعارْ

سيدةٌ غريبةُ الأطوارْ

قد أصبحتْ شمطاءْ

تميسُ مثلَ الحيةِ الرقطاءْ

كلامها فحيحْ

مضمونهُ هراءْ

في شكلها تحارْ

من كثرةِ المَكياج والبَهَارْ

حتى تُغطي وجهَها القبيحْ

فأعْيَت الطبيبَ والعطارْ

كي تَجذُبَ الأنظارْ

وتوهم الجمهورْ

بأنّها حسناءْ

كم أظهرتْ في قولها

من شبقٍ صريحْ

وفي الهيامِ والغرامِ دائماً تبوحْ

أغرتْ بهِ

عواطف الصغارْ

و تافهاً سبهللاً مهذارْ

فهللوا وكبروا لشعرِها المليحْ

وأغدقوا الإطراءَ والمديحْ

للمُلْهَمَةْ

عَشتارْ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

دفوف الشوق  تقرع في جواري

وتدعوني  إلى تلك الديار

*

ديار قد شغفن القلب وجدا

وحبا بعد صد وازورار

*

فكم من غيمة فاضت عليها

سلام من محب لا يداري

*

فاحمل ما  حملت من اشتياقٍ

وافرغ ما ملأت من الجرار

*

واقضي في دواع الشوق ليلى

لعلي لم يضع مني مساري

*

اعأتب من تمادى في عنائي

وأسرف في الملام على اصطباري

*

فقدتك  يا ضيائي بعد عمر

تقضى في شجون  وانتظار

*

فلا شعري يخفف من شجوني

ولا وجدي يخفف من أواري

*

فقدت البدر في صبح خجول

ولا  ادري  بأني في نهار

*

أبى قلبي السلو ،وانت تدري

بأن البدر بعض من بذاري

*

فإن كنا افترقنا في طريق

سيجمع شملنا بعد انتظار

*

دياري هل إليكِ طريق وصلٍ

فأشفى من همومي وانكساري

*

ومن اين التصبر بعد انسٍ

ونيران الجوانح في استعار

*

تفرقنا الدروب ونحن جمع

وتلفظنا المنافي والبراري

*

ونعدو خلف وحش مستبد

يرى في موتنا حلم النهار

*

ونمضي في دروب موحشات

خلت من اهلها  بعد ازدهار

*

ايا دار الحبيب إليك اشكو

فصبري آفل  والعمر جارِ

*

سلامٌ من محب مستهام

إلى وطن السنا والازدهار

***

د. جاسم الخالدي

 

مع ترجمة إلى الانلكيزية

بقلم: الدكتور يوسف حنا -  فلسطين

**

** سنختفي مثل فقاقيع هلامية..

تاركين أصواتنا معلقة على حبل الغسيل..

مثل ملابس شفافة في دير مهجور..

دموعنا في زجاجة ثمينة للغاية..

ظلالنا مندسة في عروق دوار الشمس..

تاركين أخطاءنا في قاعة الإستحمام..

قمح صلواتنا في عيون الصغار..

أجراس خطواتنا في المعابد..

سنختفي إلى الأبد..

تاركين الشمس تواصل لعبتها العبثية..

والقمر يضحك باستمرار

فوق رؤوس الجبال..

مثل إلاه تضحكه مشية الموت العرجاء ..

تاركين بريد التعازي لحمام الصداقة..

تاركين شقوقا عميقة

في قلوب الأحبة..

قواربنا لبحارة لم يولدوا بعد..

مقاعدنا لضيوف جدد..

منازلنا الهشة للعميان..

والغابة الأبدية لطيور الهواجس النائمة..

صورنا الأنيقة في ألبوم العائلة..

وفهارس أسمائنا في الحديقة..

بينما أرواحنا الجميلة..

والمتعبة جدا..

تزور العالم الحي..

في شكل فراشات نادرة..

تتدافع حذو شجرات اللوز ..

***

فتحي مهذب - تونس

............................

Roots and springs.يوسف حنا

By Fathi Muhadub / Tunisia

Translation from Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

one day

We will disappear like gelatinous bubbles.

Leave our voices hanging on the clothesline.

Like transparent clothes in an abandoned monastery.

Our tears are in a very precious bottle

Our shadows are buried in the veins of the sunflower.

Leave our mistakes in the shower room

Our prayers’ wheat in the eyes of the young ones

The bells of our steps in the temples

We will disappear forever.

Let the sun continue its absurd game

and the moon laughing constantly

Over the tops of the mountains

Like a god, the lame gait of death makes him laugh.

Leaving the mail of condolences to the dove of friendship.

Leaving deep crevices

In the hearts of loved ones

Our boats are of unborn sailors.

Our seats are for new guests

Our fragile homes for the blind

And the eternal forest of sleeping birds of obsession

Our stylish pictures are in the family album

And the indexes of our names in the park

While our beautiful

And very tired souls,

Visit the living world

In the form of rare butterflies

Come flocking towards the almond trees.

 

الأفكارُ المحتَشدةُ في رأسي

سَحَقَتْني

تحتَ رحى غاضبة

اجتاحَتْني

بجيشٍ من الوَخَزاتِ

قَذَفَتْني

في جحيمِ وسواسِها

في غيبوبةِ سَطْوَتها

ساوَمْتُ على نِسْيانِها

بَحثْتُ فيها عن نفسي

علَّني أجِد وسيلةً

كَي .. تَتَهاوى الأفكارُ

وأتحرَّرَ من قَيْدها

وأستَعيدَ مَشاعري المُبَعْثَرة

فلم أجدْ وسيلةً تُخرِجني

من سَطْوتها المخيفةِ

إلا رائحةُ ذاكَ الرَّغيفِ

في تَنّورِ أمّي ..

***

سلام البهية السماوي

من ديواني النثري (عابرون)

 

 

في خريف العام ١٩٨١، كان الطقس ما زال جميلًا، استعدت لاستقبال العام الدراسي الجديد في المعهد، ارتديت بنطلونًا رماديًا وسترة أزرق اللون وقميصًا أبيض. كنت متحمسًا وقلقًا في نفس الوقت، إذ كنت أتوق شغفًا لأجواء المختبر ولقاء الأصدقاء. استقلت الحافلة الصغيرة في الصباح التي اجتمع في جوفها كلا الجنسين، أغلبهم من طلاب الجامعة.

 في أول أيام الدراسة، تجمع حشد كبير من الطلاب، نساءً ورجالًا، في باحة المعهد. اختلط الجديد بالقديم، وأنا في حينها كنت في مرحلة التخرج. وبينما كنت أقف مع هذه الكوكبة المختلطة من الطلاب وأراقب الوجوه، جذبتني نجمة ساطعة فريدة من نوعها، ظهرت كالبريق الواضح وسط هذا التجمع الطلابي. لقد جذبت انتباهي هذه الفتاة المشرقة والمليئة بالحيوية والعنفوان. كانت في التاسعة عشرة من عمرها، وطالما التقيتها في الممرات لاحقًا، لم أعرف اسمها، ولكنني كنت أعرف إنها تدرس في المرحلة الأولى في قسم صناعة الأسنان، بينما كنت أنا في قسم التحليلات المرضية.

 اتصفت هذه الفتاة بجمال صارخ، وجسد ممتلئ طري، نابض، دافئ، شذي، ندي ومثير. كان شعرها الأسود الكثيف يغطي ظهرها، وكان وجهها أسمر مدور تزينه عينان سوداوان واسعتان. مع أنّها كانت تعاني من مشكلة في ساقها الأيسر إلا أن ذلك لم يغير شيء من مظهرها الساحر. كانت ردفها الأيسر يعلو قليلًا عند المشي وخاصةً عندما كانت تتسارع في خطواتها بسبب عرجها.

 حاولت مرارًا التقرب منها. ولكن لم ألفها وحيدة، كانت دائمًا محاطة بمجموعة من صديقاتها في الفصل، إضافةً إلى ذلك شعوري بالانزعاج التام من مشاهدتي للشاب الذي كان يرافقها على الدوام. لم أجد للأمر صيغة، حتى لو أمكنني من التقرب منها أو محادثتها، فلن تكون المبادرة ذات فائدة كبيرة، حيث إن الشكوك ما زالت تنخر ذهني بصدد ذلك الشاب.

 ذات مرة جلستُ في الكافتيريا إلى طاولة تبعد عن طاولتها في الجهة المقابلة قرابة عشرين مترًا، كانت ترتدي كنزة بيضاء خفيفة ذات عنق طويل، وتنورة زرقاء قصيرة. ظللت أتأمل وجهها طوال خمس دقائق متواصلة ولم أرفع عيني عنه، وفجأة رفعت رأسها فالتقت أعيننا، ثم أسرعت في خفضه. وبعد دقيقتين، رفعته مجددًا، لم تكد نظراتنا أن تلتقي حتى تلاشت سهامها في الهواء، ولكنني لم أكفّ عن ملاحقتها. لم أستطع أن أُحيد عيني عن وجهها الجميل طيلة الوقت. فجأة، رفعت رأسها والتقت نظراتنا، ثم انخفض رأسها سريعًا مع وجود آثار واضحة لغضبها من نظراتي، فأدارت وجهها إلى الجانب الآخر، ولكني لم أستسلم، بل واصلت النظر إليها. اعتراها الغضب بشدة من ثقل نظراتي، واشتعلت وجنتاها بالحمرة من غيظها.

 وبعد لحظات أرادت التأكد من أنني ما زلت أتلصص عليها. حينما رفعت عينيها نحوي ساورها تساؤلات عن فضولي الشديد من إلحاحي. قطبت حاجبيها ورمتني بنظرة جارحة من عينيها الحادتين وبرزت على وجهها إمارات الذهول، وشواهد احتجاجية عبرت عنها بهز رأسها قليلًا للإشارة إلى إنزعاجها. وعلى الفور اجتاحتني رجفة خفيفة، كانت تصيبني أحيانًا في المواقف الحرجة.

 شعرت بحرج مذل يملأ قلبي، مما أجبرني على تجاهلها وأن لا ألقي للأمر اهتمامًا كبيرًا. سرعان ما قفزت من مقعدها وعيناها كانتا تطفحان بالسخرية، وسارت نحو باب الكافتيريا بخطوتها العرجاء، مارة أمام طاولتي. واصلت التصرف كما لو أنها غير موجودة، والتزمت بموقفي ألّا تلتقي نظراتنا. بذلت جهدًا في استعادة توازني حتى غادرت المكان.

 بينما كنت مستغرقًا في أحلام اليقظة، متظاهرًا بقدرتي على الغائها ورميها من نافذة قلبي، جاءت مجموعة من زملاء قسمي، جلسوا إلى الطاولة المستديرة.

 سألني احدهم:

- ما لك لا تلعب الشطرنج اليوم؟

- لم يكن لدي الرغبة في الكلام بعد أن رمقتني تلك الفتاة بنظرة اشمئزاز، مما أدخلني في دوامة من الارتباك الذهني.

- قلت:

- تعبت من محاضرات اليوم. لا أرغب الآن.

- لكن جوهر الحقيقة كان مختلفًا تمامًا، فقد كنت في عالم سفلي، ولم يوجه لي تحذيرًا عادلاً. لقد حطمت اللحظة توقعاتي وأغرقتني في نهر انكساري. شعرت بهذه الهنيهات كأنها ذكرى دخيلة مرت كنسمة عابرة دون أن تترك أثرًا ظاهرًا وراءها.

- نهضت بجهد على قدمَيَّ، شاعرًا بوخزة ألم في أعماقي. وأثناء خروجي من كافتيريا المعهد، التقيت صديقي نزار الذي كان يدرس في المرحلة الأولى من نفس قسمِها. قال لي:

- هل لاحظت تلك الفتاة العرجاء. إنها كانت تنظر إلى طاولتِك طويلًا عندما غادرت مكانَها.

- وأضاف:

- هل بينكما علاقة حب.

- قلت:

- أي علاقة حب، أنا حتى لا أعرف اسمها.

- قال:

- اسمها ناهدة.

- ومع مرور الأيام، بدت الظلمة تحوم حولي لا أثر لبصيص الضياء. كأنني ابحث عن ظلٍ في سواد الليل، عن مجهول يغرق في بحر النسيان. ربما أخطأت في حكمي ولم أحاول أن أتخذ قرارًا بشأنه قبل أن أبدأ في مغامرة فاشلة.

- وفجأة بدأ الضوء ينير الطريق، ونسائم الأمل تداعب مشاعري ما أن لامستني بوادر الاستجابة منها شيئًا فشيئًا ولو بحذر شديد. وعلى الرغم من ذلك إلا أنني كنت لا أزال قلقًا في جوفي، سارحًا بتردد الأسئلة التي انهالت على جدران ظنوني، أريد إجابات شافية تزيل القلق من ذهني. مرت الساعات والأيام دون أن تتاح لي فرصة واحدة لمقابلتها وحدي لأتحدث معها عما يجول في خاطري.

- كنت أعاني صعوبة في الوقت بسبب تضارب المحاضرات النظرية والعملية من ناحية واختلاف الأقسام التي ندرس فيها. لذلك لم أستطع رؤيتها على الدوام إلا نادرًا. وكنت على وشك التخرج ولا زلت أتراوحُ في مكاني دون إحراز أي تقدم تفضي إلى نتيجة إيجابية معها، حتى أصابني الخيبة والاستسلام.

- تخرجت من المعهد وكنت في انتظار قرار التعيين. وفي أحد الأيام اشتقت لرؤيتها، فقررت زيارة المعهد ولقاء الأصدقاء الذين ما زالوا هناك. وفي باحة المعهد وبينما كنت أقف مع أصدقائي الذين يدرسون في المرحلة الثانية، رأيت ناهدة مع نفس الشاب. كانت مبتهجة ترتدي تنورة رمادية قصيرة، وقميصًا أبيض، وسترة خفيفة معقودة على بطنها وتغطي أردافها المستديرة، وكانت تهتز بمرح وهي تطأ قدميها الأرض.

- أثناء مرورها بنا خفضتُ رأسي حتى مرت بي, ومن ثم دلفت إلى الطريق المؤدي إلى المختبرات التابعة لقسمها. وبينما كنت أتابعها بعينيّ وهي تمشي على رِسْلِها إلى الأمام، وفجأة استدارت رأسها من فوق كتفها اليمنى، هربت بعض خصلاتها متأثرة بنفحة هواء، فأعطتني نظرة جريئة ملؤها مشاعر، وكما لو أنها أيقظتني هذه الثواني القليلة من سبات عميق. نعم، امتلأت بالسعادة بتلك النظرة والابتسامة المشرقة والساحرة أمام أعين جميع أصدقائي حتى غمرتني من الرأس إلى أخمص القدم. تم تصميم هذه البادرة بعناية. أثار في نفسي الابتهاج، وجعلتني أحيا هذه اللحظات الوجيزة في عالم الجمال، فيه ترى الأشياء مختلفًا. ينتشلك من العدم وينقلك على بساط السندباد إلى أطراف الدنيا في فضاء مترامٍ، إلى أحلام الطفولة البريئة وأساطير الجدّات عن المخلوقات الخيالية والابطال الوهمية.

- قال نزار:

- ألم أقل لك هذه الفتاة تحبك.

- قلت:

- كيف تحبني وهي تمضي كل وقتها مع هذا الشاب.

- قال نزار:

- هي من النوع التي تتمتع بعلاقات متوازنة مع الجميع، وهذا الشاب يطلقون عليه بالفصل لقب لزگة. مجرد أنه معها في نفس الشعبة ولديهم دروس عملية كثيرة في صناعة طقم الأسنان. ليس بينهما أي شيء.

- انتظرت مع أصدقائي لحين ابتداء محاضراتهم. تجولت قليلًا في أروقة المعهد، لعلي أراها. ولكن الحظ لم يكن حليفي.

- وبعد ثلاثة أيام زرت المعهد ثانية وجلست مع أصدقائي في كافتيريا المعهد.

- قال نزار:

- خلال عشر دقائق ستنتهي محاضرتهم وستصل.

- تظاهرت بعدم معرفتي مقصده قلت:

- مَنْ؟

- قال:

- الحبيب.

- دوت ضحكة من أفواههم وقال نزار:

- والله تحبك. لأن هي لا تجامل أحدًا بهذه النظرات كما فعلت معك. واليوم سوف نرى.

- وبعد ربع ساعة دخلت الكافتيريا مع صديقاتها واللزگة معهم الذي أثار الغيظ في نفسي. اتخذت الطاولة البعيدة عنا، ولكنها جلست على الكرسي المواجه لي، كانت ترتدي قميصًا أبيض اللون وبدا النهدان منتصبين من تحته.

- بدأت أنظر إليها خلسة. وجدتها تنظر إليّ بعيون الشوق. مسكت شعرها المنسدل على كتفها بأناملها الناعمة وابتسمت ابتسامة عذبة نحوي. وظلت هذه النظرات المتبادلة بيننا حتى غادرت.

- أصدقائي قالوا لي إنها تحبك ولكن تنتظر مبادرتك. طلبت منهم إحضار جدولها لي كي أكون مستعدًا في الوقت المناسب. ثم غادرت المكان بعد توديعهم.

- وأنا في طريق خروجي، نادى عليّ أمن المعهد. قال:

- رافقني إلى غرفتي.

- وأنا امتثلت للأمر وذهبت في أعقابه.

- قال وهو يؤشر على كرسي بجانب الحائط:

- تفضل، اجلس.

- بعد أن اتخذت مقعدي. رمقني بنظرة تساؤل وقال:

- أنت تدرس هنا؟

- قلت:

- كنت أدرس هنا وأنا بانتظار قرار التعيين.

- قال:

- ماذا تفعل هنا؟ وقد زرت المعهد قبل ثلاثة أيام أيضًا.

- قلت:

- زرت أصدقائي. واشتقت إلى أجواء المعهد.

- سألني أمن المعهد عن أسماء هؤلاء الأصدقاء الذين التقيتهم، ومن هم، ثم أخيرًا نصحني بالابتعاد عن المعهد، وأن تقتصر زياراتي فقط على الحالات الضرورية، عندما يتعلق الأمر بالأمور الإدارية. وهكذا تبددت كل آمالي في الهواء. ولم أزر المعهد قطّ بعد هذا التحذير.

*** 

كفاح الزهاوي

- الى سلام حربه -

يا صاحبي البابلي المُعتّق

بالمطرِ والنبيذِ

والماءِ الفراتْ

كُنْ بانتظاري

فأنا أُريدُ أَنْ أراكَ

في (بابِ المشهدِ)

أَو في (بابِ الحسينْ)

ومن ثمَّ نجلسُ

مشتاقينَ وظمآنينْ

في حانةِ (سيدوري)

حيثُ بابلُ النورِ والجمالِ

وحسناءُ الحبِّ الأزلي

وعنقاءُ الشعرِ الأولى

وسيّدةُ الجنائنِ المتلألأة

في القلوبِ والذاكراتِ والأرواح

والمتربّعة على عرشِ الكونِ

والمُتوهّجة في موسوعة

"Guinness"

للأرقامِ والأحلامِ

والعجائبِ والغرائبِ

التي هي فراديسُ

وكنوزُ أَهلِنا البابليينْ

التي سرقَها اليانكيونَ

والبرابرةُ والمجوسُ

امامَ انظارِنا وبرغم انوفِنا

نحنُ العراقيينَ الطيّبينَ

والموجوعينَ والمخدوعينَ

و" الغِشْمَةُ " حدَّ السذاجةِ

والنسيانِ والدموعْ

*

ولاتنسَ يا صاحبي

أنْ تصطحبَ معكَ

أصدقاءَنا الشعراءَ

والرواةَ والفرسانَ

والعشاقَ والصعاليكَ

البابليينَ النُبلاءَ والرائعينْ

وليسَ الادعياء والاشرار

والحمقى والمُتشاعرينْ

ولا كتّاب التقاريرِ المُريبةِ

والرهيبةِ، والضباع المُدججينْ

بأَقنعةِ الغدرِ والخديعةِ

وكواتمِ الموتِ والسكاكينْ

*

ويا خلّي وصاحبي

كُنْ بانتظاري

فأَنا بيْ شوقٌ

خارجَ النصِّ والكلامِ

لـ (بابِ الموكبِ)

و(بوابةِ عشتار)

وظلالِ وأَخْيلةِ

وجنوناتِ (كَلكَامشَ

وأنكيدو وشمختْ)

ولتراتيلِ ورقصات ِ

صاحبةِ الحانةِ المَرِحَةِ

والشهيّةِ حدّ اللذَّةِ

والدهشةِ والجنونْ

***

سعد جاسم

..................

* اشارة: كان الشاعر يُفكّر بوضع هوامشَ تعريفية بأسماء الأمكنة  والشخصيات الحلّية المعاصرة والبابلية الاسطورية والمثيولوجية، إلّا انَّه قررَ بعد تفكير أَن لا يفعل ذلكَ حتى لايُثقل النص بكثرة الهوامش والتعريفات، ولهذا فانَّه ارتأى أَن يترك الأمر لمعرفة وفطنة القرّاء والمُتلقين كي يكتشفوا ويتعرفوا على تلك الشخصيات والأَمكنة .

الربُ يُلهمني الدعاء

لكنّها الأقدار تأبى الانصياع

والصمت يَلقم ما تمردَ

من صعاليك الحروف

باللعن يزدري صوتها

وذاك الصَدى المتكسّر

خلفَ أحجار الردى

مثل أسراب اليمام

مهاجر بلاوداع

مثل أطواق المطر

راحل إلى لاحيث يَدري

متوعد بزمامهِ

سَوط القدر

الربُ يُلهمني الدعاء

وَفَجيعتي

إنَّ الشظايا بداخلي تأبى اللقاء

والروح فيًّ ممزقة

بين المدائن والقرى

كما السراب

يُهاجر الأفق البعيد

وتختفي قسماته

الربُ يُلهمني الدعاء

وَهَزيمتي

صوت يأن بداخلي

و الروحُ تعرجُ كل يومٍ

تتشبثُ

تتسمرُ

بعالمٍ الكلُّ  فيه مغيّب

إلاّ الرَدى

يَسترق الاحباب منّا

يتوعد الضحكات فينا

الربُ يُلهمني الدعاء

رِفقاً أقولُ للذكرى

أيُعقل أن تنطوي فيك الحكايا وتغيب

أيُعقل أن يَحزم العمر الجميل جُعب الرحيل

إلى لامدى

أيُعقل أن تموت بداخلي كل العروق

عَبثا يقودني ماتبقى من عتم الطريق

عَبثا أُطبّع الحلم البعيد

لأعيد أوهام الحياة

الشوق يَنحر خاطري

وَتَزدري الالام مني أصوات الحنين

لتحرق ماتبقى من شجن

كما لفافات السجائر

تنطوي الايام تترى وتحترق

ثم تغيب..

وأعود أدعو من جديد

فالرب يلهمني الدعاء..

***

مريم لطفي الالوسي

لــغــةٌ إِذَا تُــتْلَىٰ عــلى الــجُلّاسِ

تَــشفي الــعليلَ بــلحظةٍ كالآسي

*

هـي رُقــيةٌ للمشـتكـينَ  تـلـعثمـاً

وتميمــةٌ  كُتِـَبتْ على القِـرْطاسِ

*

تسمو بها الأرواحُ عِند سَمَاعها

فـتزولُ عنها لـَوثَـةُ الـوسـواسِ

*

وكــأنَّ في نُطقِ الحروفِ طلاوةً

كالطّيبِ  إنْ خَرَجَتْ مع الأنفاسِ

*

فهي الــفريدةُ في المحاسنِ كلِّها

بــجمالِها سَـحَرَتْ قــلوبَ النّاسِ

*

قــد أبــهرتْ أهلَ البلاغةِ والنُّهَى

بــطــرائـفٍ  ونـــوادرٍ ونِــفــاسِ

*

فإذْا سَـمِعتَ لـوَقْعِـها ولـرَجْعِها

نــالــتْ مــن الآذانِ والإحــساسِ

*

يــمنيةٌ  بــنتُ الــملوكِ تَــرَعْرَتْ

كــأميرةٍ فــي حــجرِ ذي نــوَّاسِ

*

حــطَّ الــمطافُ بــها بِبُرقَةِ ثَـهمَدِ

فــغـدتْ لــكلِّ الــعُرْبِ كالنّبـراسِ

*

فــتهافتَ الــشّعراءُ نحو حياضِها

كــتبوا الــقصيدَ بــقدِّها الــميَّاسِ

*

واسـتعرضَ الفرسانُ كلَّ فنونِهم

مــن قــدرةٍ و بـطولةٍ و مِــرَاسِ

*

فتَــسَلَّقَ الــضّليلُ خِــدرَ عُــنيزةٍ

ومــهلهلٌ يــغزو عــلى جــسّاسِ

*

وبــها  الــشرائعُ أُكمِلَتْ وتَكَمَّلَتْ

فـي مُـحْكَمِ التنـزيـلِ كالقِسـطاسِ

*

وبها المآذنُ خاطبتْ سمْعَ الورى

وبسحرِها استغْنتْ عن الأجراسِ

*

كــالأمِّ  تَـحفظُـنا وتــجمعُ شَــمْلَنا

مِــنْ نـينوى حــتى رُبَـى مَكْناسِ

*

أســفي عـلى من يستسيغُ رَطَانةً

يــســتبدلُ الصـلصـال بالألمـاس

***

عبد الناصرعليوي العبيدي

تدور رحى الكون في راحة المجهول

الأفكار والظنون تائهة....أربكها الدوار

هي الآن في حالة غثيان

تستنير بحلمتي العراء

مذ نسيت أن التكوين يبدأ بأول السفر

فدخلت عنفوان السبي!

خارج الدائرة كائنات غريبة

ترتب المواعيد

على مقاس أهل العجل المارق...تفصلها

ليختل الشروقُ والغروبُ

وتتدحرج المواقيتُ خارج التاريخ

تمويها لجغرافيةِ الارض

اعتمادا لمبيان التدحرج والانسباب

على طاولة الشر

يرسم النكوصُ معالم أوطان غريبة

بحكايا ألف ليلة وليلة يلونها

انتظارا لنيازك يوم الحسير

حين ينقلب البصر خاسئا

ويعلن الرصاص موتَ الخرير

*

ها قد استبيحَ لجينُ الصبر

في قفص الصدر

الأيام تركضُ مذعورة

عكس الدوران

نسيتْ لياليها المعتقلةَ

في زنازين الهوان

معتقلات الابتذال

وعلب فيها تجيد العيون مطاردة السراب

ردم الأحلام في هوة انسحاق

حيث فتيان الربيع المغدور

يرتلون صحف الاولين

حاملين الوعد

ياسمينا مذبوحا إلى تربة النور

وسط ليل تأبى حلكته الزوال

*

السيف يبكي مذ حولوه

إلى ناي يرثي الردى

وهو معقوف إلى أجراس العبث

يسائل أطلال الدياجير =

متى سيفطم ذاك الصبي

لتتضوع الجنة وتزكيه

ملحمة تخلده لغد الطيلسان

مجدا لنجوم السراديب؟

*

فمتى ...كيف تورق بذرة الموت

ليطلع الشجر من بياض الكفن ؟

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أيا (أولاد) زِفْت ِالطَيْش ِ

والماخور ِ

والهيروين ِ...

والحسْرَة ْ !

سلوا عنَّا...

سلوا عنّا

(غُزاة الأمس ِ)

هل كُنّا

لهُمْ سُخْرَة ْ؟!

وهل ظلوا...؟!

وهل نالوا............؟!

وهل كانت لهم دارٌ..

سوى (الحُفْرَة)؟!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

٢٠١٧م

 

في هذا المساء البارد وقف ينظر متأملا الوجوه الواجمة، وفي نفسه شيء من الحسرة والضيم. ظل واقفا في مكانه ينتظر صديقه مدة زمنية، فأخذ يشغل نفسه بالسيارات التي تمر أمامه، وكلما بلغ المائة فالألف أعاد الكرة، وبدأ العد من الصفر حتى باغته منبه سيارة صاخب.

أطل من نافذة السيارة شاب مدور الوجه، مكفرة ملامحه، فخاطب الواقف:

- أنت لا تخاف الموت..

نظر إليه الواقف مشدوها دون أن ينبس بكلمة، فأخذ يعد بسرعة أكثر من السابق، والشاب يلاحقه بنظراته الشزراء، وينتظر منه تعقيبا أو ردا على كلامه. لم يقف طويلا وإنما امتطى سيارته بخفة، ثم انطلق كالسحابة يطوي الطريق.

بعد انتظار طويل، أتى صديقه وهو يجر قدميه ويتفرس ملامح الواقف. قال في نفسه إن التعب قد هده، وبلهجة المعتذر قال:

- تأخرت كثيرا عن لقائك.

بابتسامة رد الواقف:

- لا تعتذر لأني شغلتك معي..

لم يضف كلمة بل ظل يقرأ أفكار صديقه المسطورة على صفحة وجهه.. كان خاطره مضطربا لأن الحوار لم يجد نفعا مع رب العمل، لذلك ارتأى أن يخاطبه بصراحة:

- رفض تشغيلك..

حك رأسه ثم أضاف:

- عليك أن تحلق لحيتك صديقي..

بهت وتحسس شعرات لحيته الكثيفة، فرد معقبا:

- لن أفعل صديقي.. إنها مبدأ.

- ليس هذا زمن المبادئ والالتزام، بل زمن الأقنعة.

- كيف؟

- أحلق لحيتك، وبمجرد ما تحصل على العمل عد إلى سيرتك الأولى..

حلق ذقنه وتحصل على عمل في المعمل، فعلم أن لا خير في هذا الزمن، وأن النجاة من سوق البطالة تقضي النفاق: السياسي، والديني، والاجتماعي.

كان ذائبا في عمله ذات صباح، فسمع صوتا مبحوحا قريبا منه، التفت فوجد أمامه رجلا ضخم البنية، ذا عينين جاحظتين، يرتدي معطفيا جلديا أسود، وفي يده هاتفان. وقف أمامه ينظر إليه نظرات قوية اخترقت كيانه، فارتعدت يداه، فسقط الثوب منهما على الطاولة، ثم خاطبه الرجل ذو الصوت المبحوح:

- أنت الشاب الذي التحق بالمعمل هذا الأسبوع؟

فرد عليه بصوت تخنقه الرهبة:

- نعم سيدي.

- هل أخبروك بقانون العمل معنا؟

أجاب مستغربا:

- لا.

- حسنا، عليك أن تترك عينيك ولسانك في المعمل، وإلا فلا مكان لك بيننا.

هز رأسه موافقا دون أن يفهم القصد من وراء هذه الكلمات، فطأطأ رأسه منشغلا بالثوب، لكنه يلقي نظرات خاطفة إلى الوجوه الواجمة، ويتساءل عن سبب صمت العمال داخل المعمل، وعن انهماكهم في العمل دون أن ينبسوا ببنت شفة أو عين.

مر  عامان سريعين على دخوله المعمل، وتعلم خلالهما أن يترك عينيه ولسانه في المعمل، وفهم أن قصد تلك الكلمات التي سمعها من صاحب المعمل منذ التحاقه بأسبوع هو البكم والعمى؛ لأنه يعرف أن ما يجري داخل المعمل لا ينبغي أن تنتبه إليه العين، وأن لا ينقله اللسان إلى الآخرين.

أحس أن سيف الرقيب وعينيه بدآ يتراجعان، وتنفس حيزا من الحرية في التحرك داخل المعمل، وفي ارتداء الملابس التي تحلو له، ففكر في ترك لحيته تنمو على سجيتها، واستمر في عيش هذه الحرية الضيقة طولا وعرضا، وأخذ يعمل على الاعتناء بلحيته أكثر، ويصلي صلواته في وقتها على مرأى ومسمع من العمال والمكلفين بمراقبة المعمل، وتوزيع المهام والخدمات على العمال.

تأخر ذات يوم في الطريق، ولما بلغ باب المعمل وقف متسمرا، يطرق الباب في خفوت، فتح الباب وتسلل منه كالسهم، ثم وجد نفسه في الساحة أمام الرجل ذي الصوت المبحوح، سلم عليه بكلمات منفلتة، ثم خفظ بصره إلى أسفل، وارتعش من تلك النظرات التي تفحصه من رأسه إلى أخمص قدميه.

قال الرجل ذو الصوت المبحوح مخاطبا الشاب:

- لا تعتقد أن العين التي غضت طرفها عنك قد أصابها العمى، إنني أعرف عنك كل صغيرة وكبيرة.

توقف لحظة يرقب وقع كلماته في نفس الشاب، ولما لم يظفر منه بكلمة، أردف قائلا:

- يشفع لك تفانيك في عملك، والتزامك بصلاتك في وقتها، تعال معي.

خطا الرجل خطواته البطيئة وهو يلقي نظرة يمينا وشمالا، يحذوه الشاب في صمت، فلما وصلا الإدارة ودلفا مكتب الرجل، أذن له بالجلوس، وأخذ ينظر إليه تلك النظرات المعهودة، وظلا دقائق صامتين لا يتحدثان إلا بالنظرات الهادفة.

قال له، بعد صمت دام دقائق، بنبرة مستعطفة:

- بلغني أن العمال يستعدون لخوض إضراب، ولا شك أن لك علما بهذا الأمر.

- لم أسمع أو أرى ما يخص الإضراب.

- إنهم رفعوا مطالب كثيرة إلى الإدارة، يريدون ظروف عمل ملائمة، كأنهم يعملون في المناجم.

- لا علم لي بهذا سيدي، ولا دخل لي في الإضراب.

ابتسم الرجل ابتسامة عريضة، فتابع الشاب كلامه:

- إني مؤمن بقسمة الله، وقنوع بما يأتي من فضلكم.

كان صاحب المعمل يعرف أن الشاب بدوي، فقير اجتماعيا وفكريا، وأنه لا يملك إلا بصيص إيمان في قلبه، وهو زاده وموجهه في ما يفعل ويقول، لذلك عهد إليه بمهمة رفع تقارير حول حركات العمال وسكناتهم، وقد أخبره أنه ليس صاحب المعمل، فهو مدير له فحسب، وأن صاحبه هو رجل علية القوم، وأنه سيتحدث له عن تفانيه وإخلاصه في العمل.

تسرب فرح صغير إلى قلب الشاب، فأخذ يرفع التقارير تباعا وبانتظام، حتى تفاجأ ذات يوم بالعمال يشبكون أيديهم حول عنقه، حاول الانفلات منهم، ولم يتركوه حتى كادت روحه أن تخرج، فارتمى على الأرض يتنفس بمشقة كبيرة.

بلغ مدير المعمل ما جرى، فنادى على الشاب، وعاتبه لأنه لم يؤد مهمته كما اتفق، فقرر تسريحه من العمل بحجة أنه يسبب الفوضى بين العمال. بهت الشاب من حجم الصدمة، فانفلتت دمعة ساخنة من عينيه المحمرتين، ثم انصرف خائبا يجر انكساراته، ويحمل في قلبه جرحه.

تعلم الشاب أن النفاق بلسم العلاقات الاجتماعية المسمومة، وأن اللحية باتت علامة على الشيطنة، وشماعة تعلق عليها أخطاء وإخفاقات الأقوياء، وأن من يحمل في قلبه بصيص إيمان صار ضحية ذوي القلوب الجوفاء من الإيمان.

عاد إلى القرية يحمل جرحه بين أضلعه، فظل منزويا في غرفة مظلمة شهرا كاملا، لا يغادرها إلا لقاء حاجاته. تناول غذاءه الذي أحضرته أمه، فنظرت إليه نظرة حزينة، فذرفت عيناه دمعات معسّلة، ثم انسحبت وهي تنتحب، كأنها فطنت بموت ابنه الجريح في مساء ذات اليوم؛ مات وهو كظيم بعدما خضب لحيته دموعا ونحيبا.

***

محمد الورداشي

منذ ان رضعنا الحليب

من أثداء امهتنا

ونحن نحاول ان نكون

نوتة سمفونية

لا تنسجم مع الايقاع العام

ثم صرنا نضرب على طبل مثقوب

كونشيرتو اناشيد الحرية المزعومة

*

وهكذا وبسطل دهان وفرشاة

قمنا برسم خيوط متوازية

لا تلتقي ابدا

ووضعنا جندي عربي

مصاب بالاحباط

كانت خيوط العنكبوت

قد طمست بندقيته العتيقة

وكتبنا عن جنرال مثقل بالاوسمة والنياشين

التي حصل عليها اثناء قيامه

بالحروب البطولية الوهمية

*

أما عرب اليوم

فهم مهتمون بنشرات الطقس

ويقرأون عن حظهم

في صفحة الابراج

وخسوف القمر

واستخارة فناجين القهوة

ويرون في حشائش البحر

ما لا يراه الحوت الازرق

في جوف التماسيح

*

قبل الاوان

حرقنا معظم فحم المنفى

فلا رماد يدفئنا

ولا حطب يحمينا

وخرجنا من دائرة الغربة

ولم نعد

ثم دخلنا كرنافلات المنبوذين

*

وحملنا الصخرة الى قمة الجبل

وتركنا سيزيف

يعد الحصى وشظايا الشتات

وفي راحة ايدينا المشققة حرثنا

ما تبقى من السنين العجاف

*

كلنا في وطننا

نحتاج لفصيلة دم نادرة

ووشم غير ثابت

يحدد هويتنا

*

اكلنا الحمير كلها

ولم نأكل الحمير التي تحكمنا

يا ترى هل جلودها اصبحت خشنة

ام طعمها فاسد نتن

عسير المضغ

*

من مسامات الارض

خرجنا من اكفاننا

وردمنا كل قبر

لا يرحب بنا

***

بن يونس ماجن

 

رُوَيـدًا يـا ابْـنَ بـاديـةِ الـسـمـاوةِ

إنـهُ الـسـيّـابْ:

*

إمـامُ الـشـعـرِ ..

كـاهـنُـهُ ..

وأوَّلُ مـنْ تَـوَضَّـأ بـالـمِـدادِ

وأَمَّ فـي مـحـرابِ "عـبـقـرَ" جَـمـعَـنـا

مُـسـتَـسـقِـيـاً مَـطـرًا جـديـدًا لـلـقـصـيـدِ

يُـعِـيـدُ ـ بـعـدَ كـهـولـةٍ ـ روحـًـا ونـبـضَ شــبـابْ

2096 يحيى السماوي في بيت السياب

أصِـخْ قـلـبًـا

ودُقَّ الـبـابْ:

*

بِـنـبـضِـكَ

أو حَـريـرِ الـجـفـنِ والأهـدابْ

*

فـربَّـتـمـا يـكـونُ الانَ مُـنـشـغِـلاً (*)

بـنـسـجِ قـصـيـدةٍ يَـرثـي بـهـا "جـيـكـورَ "

مـنـذ " بُـوَيـبَ" جَـفَّ

وعـن دجـى بـسـتـانِـهِ قـمـرُ الـطـفـولـةِ غـابْ

*

وربَّـتـمـا

يُـخـيـطُ الان جُـرحَ " أبـي الـخـصـيـبِ " الــقـفْـرَ

بـالأزهـارِ والـحِـنَّـاءِ والأعـشـابْ

*

وربَّـتـمـا

يُـعِـدُّ رسـالـةً لـلـمُـتـخَـمـيـنَ

الـقـائـمـيـنَ عـلـى شـؤونِ الـقـمـحِ

فـي وادي الأرامـلِ والـثـكـالـى والـجـيـاعِ

يَـصـبُّ فـيـهـا دَمـعـهُ نـهـريـنِ

مـن جـمـرٍ ومـاءِ عـتـابْ

*

يُـسـائـلُـهـم عـن الأسـبـابْ:

*

لـمـاذا شـاصَ فـي الـنـخـلِ الـنـضـيـدُ

وبـاتـتِ الأقـمـارُ تـسـتـجـدي مـن الـفـانـوسِ

بـعـضَ شـهـابْ؟

2098 يحيى السماوي في بيت السياب

وبـاتَ "بُـوَيـبُ" يـسـتَـجـدي الـسُــقـاةَ

ولـو

كـؤوسَ ســرابْ

*

ولِـمْ

لِـلـسـومـريـيـنَ الــدُّجـى

والـنـورُ للأغـرابْ؟

*

وربَّـتـمـا .. وربَّـتَـمـا ..

فـلا تُـوقِـظْـهُ مـن أحـلامِ يـقـظـتِـهِ

فـإنَّ الـشـعـرَ كـالـعـصـفـورِ:

يَـهـربُ حـيـنَ يَـفـجَـؤُهُ صَـدى قـرعٍ

ويَـجـفـلُ ..

فـاســتَـعِـنْ بـالـصـمـتِ

واخـلـعْ نـعـلـكَ الأرضـيَّ قـبـلَ دخـولِـكَ

الـمـحـرابْ

***

يحيى السماوي

البصرة / أبو الخصيب / جيكور

15/12/2023

.......................

(*) ربتما: مصدر الفعل "راب" متكونة من حرف التقليل "رب" و "ما" الزائدة. وتعرب إعراب "ربما"، وتعني: الظنّ، الشك، عدم التأكد .. الخ .

 

يزهو بميلادِكَ الميمونِ إنْشادي

أضْعافَ مايزْدَهي في عيدِ ميلادي

*

فَيا مَسيحَ الورى أُهْديكَ أُغْنيَةً

امْسحْ بِها دمعةَ الغِرّيدِ والشادي

*

وامسحْ فَديْتُكَ أوْجاعاً بِقافِيَتي

كما مَسحْتَ قُروحَ الشاكي والصادي

*

أشجارُ ميلادِكَ الخضراءُ قد رُوِيَتْ

بالعيدِ من دَمِنا : طوبى لأعيادِ !

*

كَنيسةُ المْهْدِ تبْكيها حَمائِمُها

إِذْ لا نَجاةَ لها من شَرِّ صيّادِ

*

وقلْبُ مَرْيَمَ مذعوراً يُشاهِدُها

فجراً وَيَتْبَعُها كالرائحِ الغادي

*

نَتْلو لِمَرْيَمَ في القُرْآنِ سورَتَها

وَنسْتطيبُ بِها في خَيْرِ أوْرادِ

*

عن عِطْرِ سيرَتِها القرآنُ حَدّثنا

لَسْنا لِفِلْذَتِها يوماً بأضدادِ

*

ولا نُبالي بِما قَالَتْ مَحافِلِهمْ

إِذْ رغْمَ خَيْبَتِنا نحظى بِحُسّادِ

*

كُلُّ النَبيّينَ أخيارٌ بِشِرْعَتِنا

يَسوعُ من روحِهِ والمصطفى الهادي

*

حينَ اصطفى ربُّنا الأخيارَ بَشّرَهمْ

فَسَبّحوا إسْمَهُ عن كلِّ أنْدادِ

*

وفي ضميري حُداءٌ جِئْتُ أنْفُثُهُ

لعلَّ مَرْيَمَنا تصغي إلى الحادي

*

مَنْ حَرّضَ الرومَ ليلاً يامُطهَّرةً

سِوى أبالِسَةٍ من شعبِكِ السادي

*

حاكوا صَليبَ الأسى من جوْفِ قَسْوَتِهمْ

كانَ الدليلَ على أطباعِ أوْغادِ

*

خانوا الطبيبَ المداوي فيهُمو عِلَلاً

صبراً يُواسيهُمو في السَهْلِ والوادي

كأنَّ داءَ الرِبا الموْبوءَ عاوَدَهمْ

فأضمروا شرّهمْ في المحفلِ النادي

*

حَقيقةٌ في فَمِ التاريخِ صادحةٌ

خانوهُ كي يُبْدِعوا أنشودةَ الفادي

*

يُدْمي فؤادي سؤالٌ ياإبْنَ مَرْيَمِنا

مَنْ ذلكَ المُعْتدي أمْ مَنْ هُوَ البادي

*

سبعونَ عاماً دَمُ الأطفالِ مُنْهَمِرٌ

ولا زعيمَ تَصَدّى من ذَوي الضادِ

*

هُزّي جُذوعَ نخيلِ الكونِ أجْمَعِها

على قلوبٍ شَكَتْ جَوْراً وأكْبادِ

*

على نِساءِ غَزّةَ تَحْتَ النارِ خاشِعةً

أرواحُهُنَّ ولكنْ دونَ أجْسادِ

*

على صبايا بِذاكَ الحَيِّ قدْ وُئِدَتْ

على صغارٍ قَضَوْا حَرْقاً وأولادِ

*

على أسودٍ هُنا (قَسّامُها) وَعَدا

أن يزرعَ (العِزّ) في أرواحِ أحفادِ

(تَحَمّسوا) شَرَفاً (لِلْعِزِّ) وإنْفَجَروا

طوفانَ ثأْرٍ لِآباءٍ وَأجْدادِ

*

لَهُمْ أَعَدّوا مع الأرواحِ نَخْوَتَهمْ

ما ذنْبُهمْ حُرِموا من فيضِ إعْدادِ؟

*

نادوا على مَدَدٍ من ربِّهم وَأَبوْا

سُؤالَ (أعْرابِنا) عن بعضِ إمْدادِ

*

تَحَرّروا من قُيودِ الخوفِ وإنطلقوا

وَخَلّفوا عَرَباً في ذُلِّ أصفادِ

*

موتوا بِخُذلانِكُمْ حُكّامَنا خجلًا

لَسْتُمْ سوى عَدَدٍ أوْدى بِأعْدادِ

*

لا تلْعنوهم فَمُ التاريخِ يعرفهم

نَعامَةٌ خيْرُهمْ في ثوبِ جَلّادِ

*

إلّاكِ يا يَمَنَ الأحرارِ يابَلداً

لَمْ يُثْنِهِ فقْرُهُ عن خيرِ إسْنادِ

*

وفي جَنوبِ ذُرى لبنانَ أفئدةٌ

صارت لِخيْمَتِنا الثكلى كأوتادِ

***

د. مصطفى علي

 

في ذكرى ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي 2011

هذه أشعاري اقرأوها

واحفظوها.... ورددوها

فهي منّي ومنكم

وإليكم

*

. ازرعوها سلاما من أجل السلام

لمن زرع السلام

سنابل قمح

وورودا

ومزاهير غرام

*

وازرعوها عواصف عاتيات

لمن زرع الآلام

*

. هاذي خواطري

حروفها من مواجع وطني

من تونس الخضراء

من دماء الشّهداء

*

فدماؤهم مزروعة

مزرعة

مجرحة

ملحمة...تخطّها الأيام

*

دماؤهم

تحت لحاف ترابك يا خضراء

تتحسّس أرجل المارّين عليها

تستطلع الأقدام

*

دماؤهم دماؤنا

لا استنكار

ولا استنفار

ولا احتدام

*

دماؤهم تزهر كل ديسمبر

عاما بعد عام

بعد عام

*

فتحمل عطرها ريح الفقارى

والحيارى

تهدهدها الأحلام

*

هاذي حروفي أخطها

ذوابل أوجاعي ...سللتها

فاخطفوها

واحرقوها

وانفخوا ذر رمادها

رمدا..في أعين الحكام

*

فتستحيل عيونهم عميا

خرابا

وركام

*

هم دمّروا أحلامنا

هم كسّروا أقلامنا

هم جوّعوا أبناءنا

هم طمسوا آفاقنا

واستلبوا خبزة الأيتام

*

هم زوّروا التاريخ

هم دلّسوا السّجلات

والمحافظ

والشّهائد

وأعداد الإمتحانات

وحرّفوا التأريخ

*

انتهكوا المكاتب

ووزّعوا الحقائب

وتقاسموا الغنائم

وتثعبنوا

ونصيبنا السّموم ... والفحيح

*

. كنوزهم من فقرنا

وفقرنا من ظلمهم

قصورهم من قهرنا

وجوعنا من فرزهم

*

غرباء نحن

في عقر ديارنا

خلف أبوابنا

تحت حيطاننا البالية

وسط بطوننا الخاوية

*

نحن الكادحون

نحن المنتجون

نحن ملح الأرض

نحن صون العرض.. حماة الديار

*

بأظافرنا نزرع السّنابل

بسواعدنا نرفع الأحجار في المناجم

ونحيلها دررا

جواهر

*

فيقبلون

كآكلات الجيف

كالوباء

كالكواسر...

*

كالوباء يقبلون

يلهفون

ويغنمون... وينعمون

*

ويتركون لنا الأوهام

فهم الحكام

*

فاغرزوا من جوعكم شوك السّنابل

واسقطوا من بؤسكم حجر المناجم

رمدا ..

في أعين الحكام

***

زهرة الحواشي

من كتاب رأسي في قفص الاتهام

مع ترجمة إلى اللغة الانكليزية

بقل: د. يوسف حنا

***

إلى تنديار جاموس

لقد ألهبت ذاكرتي تنديار الرائعة

***

- كانت أمي ساحرة مذهلة

تضعنا على كتفيها في الليل

ثم تطير بنا مثل حمامة جيدة

في أعالي السماء

كانت الملائكة ترشقنا بالفواكه

والملابس الثمينة

كان الفقر أشبه بدينصور طائر

يلاحقنا لقطع رؤوسنا

والتهام الحمامة الجيدة.

كان عمنا جبرائيل طيبا للغاية

يطلق عطورا نادرة من قوادمه

ويعدنا ببيت أنيق في الجنة

يقينا هجوم الدينصورات اللاحمة

والشياطين التي تجمع مياه المتناقضات

في سلال مثقوبة.

بعد موت الحمامة الجميلة

إختفى عمنا جبرائيل إلى الأبد

وبقينا رهائن في قفص الفقر.

كلما مرت حمامة فوق رؤوسنا

قلنا أمنا جاءت لتخلصنا من الأسر

وتقاتل الفقر بضحكتها العميقة

وجناحيها الشبيهين بأجنحة الآلهة.

***

فتحي مهذب – تونس

...................

The witch

By Fathi Muhadub / Tunisia

From Arabic Dr. Yousef Hanna / Palestine

***

To wonderful Tandyar Jamous who ignited my memory.

My mom was an amazing witch

She puts us on her shoulders at night

Then flies us like a good pigeon.

High in the sky,

Angels throw at us fruits

And precious clothes.

Poverty was like a flying dinosaur

Chasing us to cut our heads off

And to devour the good pigeon.

Our uncle Gabriel was very kind

He releases rare perfumes from his primary quills

And promises us an elegant home in heaven

Protecting us from carnivorous dinosaurs' attack

And the demons that gather the waters of contradictions

In drilled baskets.

After the beautiful pigeon's death

Uncle Gabriel is gone forever

And we remained hostages in the cage of poverty.

Whenever a pigeon passes over our heads

We say our mother came to release us out of captivity,

To fight poverty with her deep laugh

And with her wings corresponding gods' ones.

Envoyé depuis mon appareil mobile Samsung.

لم أعتد يوماً أن يستمع إلي أحد... ولم أعتد أن أجعل الأبواب مواربة من قبل....

منذ الوهلة الأولى اعتقدت أنك تتحدث إلى المرأة التي تجلس بجوار منضدتي...

أعتقدت ان الصوت الذي حمل إسمي وسقط في أذني قد أخطأ التصويب...

وما أدهشني حقاً هو عندما كنت أقف على شرفتي  لمحت ظلك على الشرفة المقابلة في ذاك المنزل الجديد للحظة أعتقدت إن الأمر أشبه بمصادفة قدرية...

كيف لك أن تخرج من حقول الورق وأزمنة اللغة إلى واقع ممتلئ بكل شيء إلا الأبجدية المفقودة إلى حيث تقف بكل ثبات؟!

أنا أقف الآن شاخصة النبض ولا أستطيع أن أمد يدي إلى ستار الشرفة  أو أن أنسحب إلى الداخل وكأن قدماي مغروستان لا أقوى على الحراك كأني جيش مهزوم لا يعرف في أي إتجاه يذهب خوفاً من أن تلتفت بنصف وجهك وألتقيك على بعد مسافة وهمية...

يلزمك فقط أن تستدير نص حرف حتى تلتقي الأحرف الكتابية الصماء واقعاً خارج حلبة الورق...

يلزمك أن تطفئ سجارتك التي تبقيك غافلاً بترف شعور كأن شيء ما يخطف إنتباهك....

لما تركت ساحة المفردات وخرجت منسحباً من سجالات أقلامنا واتيت على مقربة من جدران باردة وأرصفة حجرية وضجيج مدينة؟!

لما نسيت أحرف قصيدتك منسية في مرفأ قلمك وأتيت هنا كفصل مختلف  لا يشبهك؟!..

شريان قلمك وحده الذي يستطيع أن يعيدك إلى عالم الورق ويعيدني إلى بستان سطر وحرف....

***

مريم الشكيلية /سلطنة عُمان....

سَلامًا غَزَّةَ الشُّهَدا سَلامَـا

وَيافَخْري بِمَنْ هَبُّوا غِضابَــا

*

رِجالُ اللهِ، يا عَجَباً عُجابَا

لَقَدْ هَتَكوا لِصَهْيـونٍ حِجـَابــَا

*

بِهِ كانوا، فَباتوا ثُمَّ أَضْحَوْا

عَرايا، مَعْ بَـني صُفْـرٍ طِلابَـا

*

مَتَى مَيْتٌ بُعَيْدَ الْمَوْتِ آبَا

فَـمَـا مَـنَعَـتْهُــمُ نَـمِـرٌ عَـــذابَــا

*

ولا أُخْرى لَهُمْ تُدْعَى مِرْكَفَا

فَياسِــينٌ لها رَصَــدًا، شِــهَابـَـا

*

فَهاجُوا مِنْ عَلٍ قَصْفاً رَهيبَا

فَـيالـَهْـفِي عَـلَى طِـفْـلٍ أُصِـيـبَـا

*

وَآخَرَ صَارَ أَشْلاءً، وَ أُخْرَى

تُــنَـادي أُمَّـهَا، هَــلاَّ جـَـــوَابَــا

*

فَغُضَّ الطَّرْفَ يَا جُوزِفْ أَمِرْكَا

فَـلاَ شِـيـبًا حَمَـيْـتَ، وَلاَ شَــبَا بَـا

*

وَلاقـَانُـونَ سِلْـمٍ إِحْــتَرَمْتُـمْ

وَلاقـانُـونَ حَــرْبٍ، إِذْ أَهـــَـابـــا

*

نَقَضْتُمْ وَقْفَ حَرْبٍ، قَدْ أَبادَتْ

ضِعافاً، دُورُهُمْ بَاتَتْ يَـبَابَا

*

أَلاَسُحْقًا مَغُولَ الْعَصْرِ سُحْقًـا

فَهَذا ظَـافِـرٌ قُـطُـزُ، أَجـَـابَـا

***

محمد العربي حمودان

الجراح

كيفَ أنفذُ لِجُرحِكَ لأُضَمِدهُ؛ ولأعماقِ روحِكَ المسحوقةِ لاخففَ ألمها، أوأصرخُ معكِ صرخةً تنفجر من نياطِ القلبِ، كما الحشرجةُ بحنجرةِ المحتضرِ، وكيفَ أبكي؛ وأجعلُ دموعي تسيلُ قاطعةً المسافةَ الطويلةَ بيننا، لتصلَ لعينيكِ، لتكونا معاً عيناً واحدةً تغرقُ بالدموعِ، لنكنْ جُرحاً واحداً ينزفُ حتى الموتِ، وحُزناً موحداً يختصرُ كلَّ الأحزانِ، ودمعةً واحدةً بحجمِ كلِ القنابلِ.

صرخةٌ واحدةٌ هادرةٌ تخترقُ الأهوالَ؛ قويةٌ رغمَ فداحةَ الخطبِ، تنفذُ من هواءٍ ملوثٍ بالفسفور، الى عنانِ السماءِ، لتصلَ للملكِ العادلِ.

عيون الأطفال

كيفَ أنا المحتمي بجدرانِ صمتي وخوفي؛ اشاركم أهوال الرعب ! كيف أستعيرُ منك شفتيك؛ اللتين قبلتَ بهما طفلتكَ، التي فاضتْ روحُها بين يديكَ، لأواسيكَ بكلمات خرساء، وهل أجرأ أن أنظرَ الى عينيها كما نظرتَ انتَ.. رأيتُكَ تفتحهما برفقٍ بأناملكَ، وتنظرُ حزيناً لعينيها، لو أني أستطعتُ تلكَ اللحظةِ أنْ أكونَ كجني سليمانَ، وأقفُ جنبكَ، ماذا تراني سأقولُ لكَ، وانتَ تودعُ طفلتكَ الصغيرةَ، تحملُها بين يديكَ، كأنها لعبةً توقفتْ عنِ الحركةِ.

قالوا في خضمِ المأساةِ، كيف سننظرُ بعدَ الآنِ في عيونِ أطفالِ غزةَ " ؟

سأقولُ إن كان السؤالُ بريئاً.. سيطولُ الإنتظارُ، حتى تكفُ الوحوشُ الخارجة من أوجارهِا المظلمةِ، عن نهشِ أجسادِ الأحياءِ. وسيعيدُها الضميرُ العالمي الى المكانِ الذي إنفلتت منه.

هما دائرتان

دائرةُ الخوفِ التي أتسعتْ في أحداقِ الأطفالِ، ودائرةُ الأمانِ التي ضاقتْ في عيونِ الأشرارِ، وستكونُ هي التي تقضي عليهم في نهايةِ المطافِ..

لمسةُ حنانٍ

هل سيجرأُ أحدٌ من الآباء الذين صبوا حِممَ النيرانِ من السماءِ، انْ يلمس وجهَ طفلٍ أو طفلتةٍ من أبناءهِ لمسةَ حنانٍ؛ بتلك اليدِ التي ضغطتْ على ازرارِ الموتِ، ويقول له او لها: "أحبكَ أو أحبكِ، ام سيدسُ وجههُ بترابِ العارِ لفظاعةِ جريمته، ولنظراتِ أطفالِ العالمِ الذي تلاحقه، لأن اعيادُ ميلادهم ستنقلب رثاءٍ باكٍ، وشموعهم ستضئُ قبورَ الأطفالِ الشهداءِ في غزة...

هل يستحقُ هؤلاءِ القتلةِ شرفَ الأبوةِ، فنخاطبهم كآباء.. بكلمةِ أبٍ التي لا تليقُ بوغدٍ مأجورٍ؛ ومعبدهُ مأخور.

وسائلُ الأعلام شهدتْ ورأتْ وبثتْ صورَ المأساةِ المروعةِ، ولكن عجزوا عن معرفة أسماء الضحايا الذي يسقطون كل يوم، لكن اللهَ في علياءهِ، يعرفُ أسمائهم كلهم؛ فهذا الطفلُ الشهيد: أسمهُ البحرُ فيصبحُ المحيطُ، و صبيٌ آخر اسمهُ البطل فيصير الأبطال، وطفلةٌ اسمها الزهرةٌ تصبحُ خمائلُ الأزهارٍ، وصبيةٌ اسمها السماءُ يكبرُ إسمُها حتى يصيرُ السماواتٌ، وأخرى اسمُها المسرةُ، وأخوها أسمه السلامُ، فيرتفعُ هتافُ الملائكةِ

(المجدُ للهِ في الأعالي، وعلى الأرضِ المسرة والسلام)

وكما انَّ اللهَ يعرفُ اسماؤهم واحداً واحداً، يعرفُ أيضاً ألوانَ أعينهم، أعسليةً كانت كلونِ ضفيرةِ صبيةٍ فلسطينيةٍ، أم خضراء بلون زيتون فلسطين، أو زرقاء كبحرِ غزةَ، أم هي سوداءُ كدمعةِ أمٍ مفجوعةٍ حزينةٍ.

الجريمة المكتمة الأركان

لدى اللهُ أرشيفاً كاملاً بأسماءِ القتلةِ؛ أحصاهُم وعدهُم عدا، لكنه لا يناديهُم بأسمائِهم، يومَ تنعقدُ محكمتُه الإلهيةِ، ينادى عليهم : تعالَ يا قاتلُ، ينكسونَ رؤوسهم الى الأرضِ حتى تلامسَ ارجلهم المقيدة بالسلاسل، وأيديهم بالأغلال.

الصغارُ يكبرون في تلك اللحظة الحاسمة، وقاتليهم يصغرون حتى يصيروا كالنمالِ، يخافون ان تسحقهم النعال، في قاعة المحكمة المكتضة بستةِ آلافِ طفلٍ .

أحقيقة ما نرى !!!

كنتُ مسحوقاً جداً، حتى كدتُ من شدةِ انسحاقي وتأثري أن اخترقَ الشاشةَ الضوئية وأنفذُ للداخل، قال البعضُ من شدةِ استيائِهم، أيحدثُ هذا أمامَ العالمِ أجمع، وبوجود اللهِ في السماءِ والأرض، ومحكمةِ العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة وحقوق الأنسان، كل هذه المنظمات الأممية موجودة ايضا؛ فماذا سيحصل أكثر من ذلك إذا لم يوجدُ اللهُ، وبغياب تلك المنظمات التي لا قيمة لها؛ فماذا سيحصلُ إذاً !!!..

الجريمة عمياء وكسيحة

في رؤوسِ الصهاينة ورثة النازية (شعب الله المحتار وليس المختار)، عيونٌ ولكنها مطفأةً، ولهم أقدام ولكنها كسيحة، فأين ستهربون من العقاب !!

جرائمكم كبيرة لا تغتفر، ستحدث مساومات وأتفقات، قد تكون عادلة أو جائرة، ولكن مهما كانت سيقتصُ اللهُ منكم جميعا وإلا حاشاه ... سيخسرُ لقبه " ألحاكمُ العادلُ"

للدم لون واحد

لا يسمحُ في مجلس " الملأِ الأعلى" السماوي، أن يرفع صوت الفيتو الأمريكي، وليس عندهم محاباةٍ لشعب مختار، لأن اللهَ لم يخلقْ دماً مقدساً وآخرا مدنسا، كذبَ من أدعى :

"أن قطرة دم واحدة مقدسة، تعادل الف قطرة دم مدنسة"

كذبتم .. ستغرقون في بحر دم متلاطم؛ الدماء التي سفكت لن تختفي؛ أو تتبخر في رمال صحراء النقب، ولن تمنحكم مزيداً من الأرض، ستلاحقكم تلك الدماء كألسنة نارٍ تحرقكم .

ودم تحت ألأظافر

لا يخدعنَّكم الوهمُ،عند مرآى قطرة دمٍ تحت أظافركم، فتظنوا أنها من جرحٍ صغيرٍ باداةِ قصِ حادةِ، كلا انها قطرةُ دمٍ حيةٍ؛ تشهدُ على ما اقترفته ايديكم، قطرة ُ دمِ طفل قتلتموه؛ سترونها كل مرةٍ تنبعُ قانية تحت أظافركم، وإذا كرهتم ان تروها، كفوا عن تقليمها؛ حتى تطول وتصل لأقدامكم، فتتعثرون بها في الطريق، تقومون ثم تسقطون الى ما لا نهاية...

***

صالح البياتي

 

(الى الصديق الشاعر الفلسطيني جميل حمادة.. في خريف كهذا.. بوسعك أن تنهي نصف فوضى كأن تزيح عن النهر غطاءه وتهب الطريق اسمها الجديد.. كي تتساقط أوراق العمر بلطف.. الكل يحب الهدوء).

***

مثل جدة قديمة.. الشجرة تحكي شجنها للأغصان

تقص نواحها الخافت على الأوراق.. هي تفعل كل ذلك..

بينما حطابون ينعمون بموسيقى الفؤوس..

***

في نزهة الأحد.. تركت يدا للريح.. والاخرى للشجرة.. ردا على تحايا قديمة.. ليس خريفا هذا.. شمس الاحد الصيفية.. تهجم على كل شيء.. الأخبار تترنح كرائحة بن برازيلي.. الذي يحدث.. الكركدن يعبث بالعشب يرفس الأزهار والوردات.. والطفل يراقب ذلك.. كل ذلك متسلحا بالدهشة العارمة.. وبقصائد هي أناشيده الأولى.. " يا وردتي ما.. ".. في نزهة هذا الأحد.. أرض يباب وموسيقى يثقبها العمى.. وكرنفال أعرج جاء من بعيد.. كي ينعم الجلادون.. والشهداء.. في نزهة الأحد الموالي.. استل الشاعر يديه ليحضن الكلمات وهي تعلن انتصار الشجرة..

***

غزة.. أي نعم..

يلزمنا كلام للحجر.. لغة للشظايا.. والأنين.. يا من يترجم هذا الظلام القابع من قرن.. مدن للانوار مثل أكذوبة أفريل.. تتحطم على أطياف حلم.. وتعتعة طفل بلا ماء.. لا لعبة ليديه ولا دمية لصباحاته.. ولا يد ثانية.. كي يصفق للشهداء والمنسيين.. لغة للحطام.. لرقصة فتاة باذخة على ايقاع الروح بين نهوند وصبا.. اسمها غزة..

***

قال البستاني وهو يرش الشهداء بماء الورد التونسي:

ما بال اقوام مخلوعي القلوب.. يصرخون.. فكأنما حل بهم عطب عظيم.. ليس لهم من الأبدان غير.. الأفواه..

***

قال البستاني:

.. ان الظل صديق قديم..

كان النهر يحدث سرب حمام..

الليل ودود والسماء لون مجدكم.

ما هذا العطش المبارك

خسارة باذخة أن تسافر دون شجرة أيها الولد الطاعن في الخضرة..

كن في تلك الأيام حيث تستذكر شجرة نائية سيرة نهر..

كان على ضفاف دجلة شعراء

يسردون طفولات تلمع عابرة..

و حكايات لا تصلح لكتب التاريخ والروايات

على طاولاتهم سمك مسكوف وخبز وغلال.. وحزن يانع..

كنت أعبر تاركا بصري في ساحة الأندلس

أين يدعك جواد سليم فكرة حاله

و هو يلهج بالتواريخ ينحت خياله كموسيقى نينوى الطالعة

كدخان ضائع وبلا رافدين..

ها هي الظلال العائدة من الغابة

مقطوعة الآمال..

تبحث عن اليد اليمنى.

الظلال أجساد أخرى لظلالها تظهر كأصدقاء قدامى.

نعم.. الظل صديق قديم..

و قليل ما ليس في النهر.. كثير كل هذا الذي ليس فيه..

***

في الطريق اليها.. قال البستاني

.. ورايت بساتين منهوبة عبثت رياح شتى بأثاثها الزاخر بالخضرة.. ألفيت النهر ينتحب والأشجار بلا قصائد.. عثرت على اعشاب بلا معنى.. كان الورد بلا لونه والازهار لم تعد ازهارا.. وانا في الطريق اليها...اضعت الطريق.. تبخرت أغنيات جمة.. يا لهذا الخراب المبين..

***

يكفي أن تقول الشجرة.. لتخضر العيون

ها هي الشجرة خارج بستانها تبتكر أمكنة أخرى بلا أعشاب.. بلا ذاكرة

تدعو موسيقى بلا وقت لا نعرفها..

نعم.. تصفق الريح باستمرار

للشجرة خارج البستان.

تعزف لها لحنا.. لا ينتهي معه الغناء..

الغناء شجن بارد.. والشعر بريء من أسمائه..

بمقهى العابرين تمر الآن الشجرة.. حيث يلمع الكلام وهو يمشي من الأفواه..

نعم.. كل الحكاية.. مرآة مهشمة ورؤوس من نحاس ومصاعد لا تعرف غير النزول..

سوف تذهب الأرض في جولة وسيتبعها النهر والشجرة والصراخ.. وبعض شعراء النثر.

و سوف تقول السلحفاة أسرعوا.. ولا تزعجوا الموتى.. ازرعوا الكلمات.. والأسرار فليس للنهر تاريخ.. كما الهواء تماما والوقت كائن غير منتبه لغيره..

في خريف كهذا.. بوسعك أن تنهي نصف فوضى كأن تزيح عن النهر غطاءه وتهب الطريق اسمها الجديد.. كي تتساقط أوراق العمر بلطف.. الكل يحب الهدوء.

في هذا الخريف.. أرسل النهار لليل يسأله عن الكدمات والأرق ولا تقل كانوا يحلمون.. ابق في الشرفة وترشف قهوة المجد بوجه طفل وشموخ فراشة وقل للنهر لا عليك.. انما هي فسحة للعبور مرهقة.. كان لا بد منها لتعرفك الشجرة وتلقى سرك مأهولا بالخلق.. لا عليك هذا صوت لن تمله الطيور وهي تغدو الى ما تفكر فيه..

قال النهر للعاصفة ما جدوى أن ترفع الأيام أصواتها في خريف كهذا..

النهر صديق الغرباء.. يحضنهم كما لو كانوا أعداء الشجرة..

تصفق الريح للشجرة.. يصفق النهر للشجرة.. تصفق الشجرة للبستاني الذي يقول الشجرة فتخضر العيون..

***

شمس الدين العوني

ألا تــباً لأصــحابِ الــمَعَالي

مــن الأنــذالِ أشــباهِ الرجالِ

*

لــمَنْ لــلرُّومِ قد أمسوا عبيداً

ومَــنْ لــلفرسِ بــاتوا كالنِّعالِ

*

إذا لــمْ يُــنقذوا الأطفالَ حالاً

بــغزةَ مــن جــحيمِ الإحتلالِ

*

فــهلْ يرجون خيراً من عدوٍ

من الأخلاقِ والأعرافِ خالي

*

عــدوٍ غــاشمٍ مــا صانَ عهداً

وفــي كــلِّ الــشرائعِ لايبالي

*

وجــيشٍ يحرقُ الأطفالَ حرقاً

ويــبقرُ بَــطْنَ ربَّاتِ الحِجَالِ

*

ويَــنْزَعُ مِــنْهُمُ الأرواحَ نزعاً

فــتمضي للخلودِ إلى الأعالي

*

فــطــبعُ الــذئبِ غــدَّارٌ لــئيمٌ

ورَدْعُــهُ بــالكلامِ مِن المحالِ

*

ولــكنْ بــالنَفِيرِ بــما استطعتمْ

عــلى التَجييشِ من جُنْدٍ ومالِ

*

فــيهربُ حِــينَها رَهَباً وخوفاً

ويُــذْعِنُ لــلسَّلامِ بــلا جــدالٍ

*

ولــكــنْ قــدْ تــخَاذَلتُمْ فــكُنتمْ

لــكلِّ الــمجرمينَ أَبَــا رُغَالِ

***

عــبد الناصرعليوي العبيدي

 

يَسألونكَ عن الثّورةِ

قُلْ

عندمَا يُرفرفُ العَلمْ

ونَرى الشّهداءَ فيه

واحدًا واحِدًا

ومَا وَهبُوهُ مِنْ دمْ

ويحنَا إنْ نحنُ نَسِيناهُم يومًا

فلنْ ينفعَ النّدمْ

**

يَسألونكَ عن الثّورةِ

قُل

عندمَا نستخلصُ من الماضي الدّرُوسْ

وتمتلئُ بالخير النّفوسْ

سَيّانَ في الحَقّ

الرئيسُ والمَرؤوسْ

**

يسألونك عن الثّورة

قلْ

عِندمَا نختلفُ ونختلفُ

لاَ بُدّ أخيرًا نأتلفُ

في اِحترامٍ ونظامْ

دائمًا

نَمضي إلى الأمامْ

**

يسألونك عن الثّورة

قلْ

عِندما نعترفُ

أنّنا قد نُصيبُ وقد نُخطئُ

وأنّنا لسنا أنبياءَ أو ملائكهْ

فقَد تتمزّقُ ثيابُنا

في الأسلاك الشّائكهْ

**

يسألونكَ عن الثّورة

قُل

عندما يُقلّم كلُّ واحدٍ منَّا

أظافرَ الأنانيّهْ

فيُعطي أكثرَ مِمّا يأخُذُ

بِمَحبّةٍ وعفويّهْ

**

يسألونكَ عن الثّورةِ

قُل

عندما تُصبحُ الصّحافهْ

حَصافةً وثقافةً ولطافهْ

لا نَشرَ غسيل

وسَخافهْ

**

يسألونك عن الثّورة

قُلْ

عندما تُصبحُ المَزارعُ والمصانعْ

بلا اِستغلال أو اِستِذلال

ولا يَبقَى في الشّوارعْ

عاطلٌ أو جائعْ

**

يسألونك عن الثّورة

قُل

عندما يَسودُ الأمنُ والأمانْ

وكل النّاس مُتضامِنُون إخوانْ

مِنْ بنزرتَ إلى بنقردانْ

**

يسألونَك عن الثّورة

قُل

عندمَا تنطلقُ في سَاعتِها المُواصلاتْ

وتَصِلُ في مواعيدِها إلى المحطّات

وعندما نقفُ صَفًّا صفًّا

نكونُ عَشْرةً أو ألْفًا

**

يسألونكَ عن الثّورة

قُل

عندما تزْدَانُ بالزُّهور النّوافِذُ والشُّرفاتْ

وتَكونُ نظيفةً

جميعُ الطرقاتْ

**

آنذاكَ…

إذا سَألوك عن الثّورة

فَقُل

تونسُ الخضراءُ

تُونسُ حُرّهْ

وأنجزتْ ثَورهْ !؟

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

مجرّد خبر

مجرّد عدد

مجرّد أنين

مجرّد ذلّ

مجرّد تشرّد...

تعزف خرافة المجبولين بالوهم،

بالخرافة،

سمفونية النّحيب الكاذب

على أوتار صخرة خرج منها ماء

على وقع أقدام

عبَرت مستنقعات الدّم،

يقودها منذ البدء

السّفّاح الأعظم...

وهم الوهم.

خرافة تصارع خرافة

على وقع صمت الأشلاء

على مرأىً من عين عمود النّار.

خرافة تنازع خرافة

وتغلب،

وتمضي،

وتبني مذبحاً،

وتقول:"ها أنا، غلبت، لأنّي رأيت ما رأيت وبقيت حيّة!"

مجرّد خبر

مجرّد عدد

مجرّد أنين

مجرّد ذلّ

مجرّد تشرّد...

الموت الجائع لا يشبع

أتون النّار لا يخمد

يتجرّع الفتية الصديقين

ولا تصير النّار برداً

يتضرعون واللّهيب يستعر

يسبّحون ولا من يستجيب.

إنّ يعقوب هناك

يصارع الله

ويغلب.

إنّ يعقوب هناك

على مذبح اللّعنة

يسبّح نفسه،

ويغلب!

***

مادونا عسكر

 

باغتني العياء المتوحش، وأنهك جسدي النحيل في سكون الليل، فأخذت أتقلب على سريري المليء بالمنعرجات، ويفرُّ النوم من عيني المتعبتين، أستلقي على ظهري، أحس ألما شديدا، وأتقلب على جانبي الأيسر، فأشعر بوجع ممض في معدتي، ثم أستدير جهة اليمين، ولكن النوم لا يزورني ولا يقترب من عينيّ قيد أنملة. أحاول النوم جاهدا، فأغمض عيني رغما عنهما وضدا في الأرق، فأسمع صوتا مزعجا في الشارع، أنهض متثاقلا وأطل من نافذة المطبخ، فلا أرى إلا أشباحا تمضي مسرعة كالبرق، وأعيد النظر بعدما حاولت فتح عيني، فيتراءى لي قطان أسودان يتعاركان، ويصدران أصواتا حزينة ومبهمة، أحاول فهمها وهتك غموضها، ولكني لا أقرّ على رأي واحد تجاه هذه الأصوات التي تمزج بين الحزن والشكوى، بين الإعلان عن الأذى المحدق والتعبير عن الانزعاج. لم يرقني هذا المنظر؛ لأني لا أحب مشاهدة الحيوانات وهي تنهش جسد بعضها البعض، يؤلمني كثيرا أن أرى حيوانا ضعيفا يلحقه الأذى من قبل حيوان أقوى منه، من قبل إنسان يكره الحيوان، ويرى فيه عدوا يجب اضطهاده حيثما وجد.

أكره النظر إلى الكائنات الضعيفة وهي تُؤذى من قبل الأقوى منها؛ لذلك أغلقت النافذة بهدوء، وسرحت ببصري في المطبخ، فوقعت عيناي على بقايا طعام وفواكه، ارتمت يدي على تفاحة حمراء، أحب التفاح الأحمر، أحب الفواكه الحمراء أكثر من غيرها، لأنها تبعث في نفسي الحياة، وتروي عطش النفس إلى الإحساس بالشبع والارتواء.

شربت كأس ماء بارد، وعدت إلى الغرفة بخطى وئيدة لئلا أوقظ النائمين، أعرف حب البشر للنوم، وكرههم الشديد لمن يوقظهم دون إرادة منهم، أو يكون سببا في يقظتهم. أنا أيضا أكره من يزعجني، فيكون سببا في فرار النوم من عيني؛ لكني لا أحب النوم لذاته، وإنما لغيابه الطويل عني.

ارتميت بجسدي العليل على السرير، نظرت إلى الساعة التي تشير إلى الرابعة صباحا، لم أحزن على الزمن الذي يمضي مسرعا، لم أقلق يوما لأني ظللت حتى آخر الليل باحثا عن نوم مرغوب؛ لأني ألفت السهر والأرق، والقراءة والتأمل كلما نام الناس، أو دخلوا في حضرة النوم مستسلمين غير محتجّين.

حملت هاتفي وأخذت أتصفح الأخبار، وألقي نظرة على بوح الأصدقاء الافتراضيين والواقعيين، تستوقفني خاطرة صديق، وأتأمل كلمات صديق آخر يرى نفسه فيلسوفا، وأعجب من كثرة الشعراء والأدباء، وأشجب تعسفهم على الشعر والأدب؛ لأنهم لا يقرأون بقدر ما يكتبون، ولا يبدعون أكثر من ما يجترون، فيغمرني حزنٌ ومللٌ قاتمان، وأرمي الهاتف على الوسادة، ثم أعود إلى ذاتي المنطفئة، أغور في أعماقها، وأنبش في غياهبها حتى يطاوعني النوم بعد طول انتظار.

يرن جرس الساعة، فأحمل جسدي بتثاقل، وأتجه صوب الحمام حتى أتوضأ، فأصلي بضع ركعات، ثم أرتدي ملابسي الشتائية، وأبحث في جيبي عن بضعة دراهم، وأنزل الدرج متجها نحو الفرن. أجد المكان مزدحما بالنساء أكثر من الرجال، فأتساءل في خلدي عن ما يفعله الرجال في البيت، والموانع الحائلة دون تواجدهم أمام الفرن عوض نسائهم، لكني لا أظفر بجواب يشفي الغليل، فيحين دوري وأبتاع الخبز، ثم أعود إلى البيت متسللا، وأعد فطوري البسيط متثائبا.

أتناول فطوري والهاتف في يدي اليسرى، أتصفح الأخبار الصباحية، وأمعن النظر والتفكير في الوضع الاجتماعي، يهمني المجتمع وقضاياه أكثر من اهتمامي بالسياسة والاقتصاد. أجدني في حركة المجتمع الدائبة أكثر من قضايا أخرى.

أقرأ أخبارا عن الاحتجاج التعليمي المغربي، وأمعن النظر في كل تصريحات الفريقين، أقصد الجهات الرسمية المسؤولة والأساتذة المتضررين، وتتفاعل نفسي مع هذه الأخبار بين الإيجاب والسلب، ثم أنظر إلى الساعة التي تشير إلى الحادية عشرة صباحا.

أغلق الباب بهدوء، وأنزل الدرج متعجلا، فأجدني مندمجا في الشارع بعد بضع خطوات، أرى وأُرى، أبتسم ويُبتسم لي، فأمضي على هذه الحال حتى أبلغ المقهى. أبحث عن كرسي شاغر، وأجلس مطمئن البال، تمر دقيقة أو دقيقتان فتكون قهوتي السوداء جاهزة، يعرفني النادل كما يعرف الزبناء الآخرين، كانت خمس سنوات كافية ليعرف كل منا صاحبه. أتجرع قهوتي هادئا، وأتصفح الهاتف بتؤدة، فترمق عيناي جريدة، أقفز نحوها وأفتح أوراقها واحدة عقب أخرى، يصيبني الملل من التكرار والاجترار، فأردد متمتما "لا جديد تحت الشمس".

يسرح بصري في من يدخلون المقهى ويغادرونه، أمعن النظر في شخص يلفت نظري، أرقب حركاته وسكناته خلسة، ويزداد اهتمامي به كلما صدرت عنه حركة ما. يجلس أمامي رجل اشتعلتْ رأسه شيبا، جسده نحيف جدا، وعيناه ضيقتان كأنه صيني، يرتدي جاكيتا جلديا قديما،  وسروالا ذا بُقع ورُقع كثيرة، وينتعل حذاءً جلديا بُنيَّ اللون، له مقدمةٌ تشبه رأس أفعى سامة، وتعلوه خروق وشقوق.

يحتسي قهوته مائل الظهر، ينظر إلى شيء أمامه، يحرك يده صوب هذا الشيء، أتململ في كرسيَّ، فأرى أنه ينظر إلى هاتفه على الطاولة، أعاود النظر إليه خلسة، يشدهني منظره على بعد أمتار قليلة: ظهرٌ مُنحن نحو الأمام، وعينان ضيقتان كأنه نائم، أو راهبٌ يتمتم بدعوات ما، ويؤدي طقسا تعبديا مهابا.

يلتفت نحوي فجأة، يرمقني بعينيه الضيقتين، فيبتسم لي وهو يلوح بيده اليمنى، أرد عليه بالحركة والابتسامة نفسيهما. يسألني، وقد كشف عن فمٍ خالٍ من الأسنان:

- أين وصلتم؟

أرد عليه بصوت مرتفع:

- لم نصل إلى شيء ذي مصداقية بعد.

يحك رأسه بحركة سريعة، ثم يعقب مستنكرا:

- لا، لقد قالوا في الأخبار إنهم رفعوا من أجوركم.

صمتَ برهة، ثم أضاف مبتسما:

- مبارك عليكم، نحتاج دعوة إلى مأدبة.

ابتسمت بدءا، ثم سرعان ما انفجرت ضحكتي التي لفتت إلي الأنظار، فقلت موضحا:

- لم تكن الزيادة هدفا أولا لنا..

يرمقني بالنظرات المستنكرة نفسها، فأردف بجدية أكثر:

- نريد الكرامة الإنسانية أولا، ثم بعد ذلك تأتي المطالب الأخرى.

- الله يجعل لكم مخرجا.

أرد بلفظة "آمين"، ثم أطأطئُ رأسي منغمسا في الكتاب الذي أحمله معي، لكني لاحظت أن هذا الرجلَ العجوزَ يفكر في أمر ما، أحسست أن في نفسه كلاما كثيرا يريد قوله، فبادرته مبتسما:

- الحمد لله أنكم واعون بمشروعية نضال ومطالب الأساتذة.

فرد وعلامات الغضب تطفو على وجهه:

- أنا أستاذ متقاعد يا ولدي، لقد قضيت زهرة عمري في التعليم.

سألته ووقْعُ المفاجأة يغمرني:

- لم أتفطن لهذا الأمر، ما شاء الله يا أستاذ.

حرك رأسه ونشوة فخر تغزو ملامحه، فسألته:

- كم سنة قضيت؟

- أربعون سنة كلها عمل ونشط.

- ما شاء الله

- أفنيت عمري وصحتي معهم، والنتيجة أمامك.

قلت له مخففا من أمواج الحزن المتلاطمة في غياهب نفسه:

- أجركم على الله تعالى، أما البشر فلا تنتظر منهم فضلا أو اعترافا بجميلك.

- ما يسعدني هو لقاء تلاميذي الذين ولجوا وظائف مختلفة.

- خير الثمار قطفتَ وجنيتَ.

- فعلا يا ولدي، ولكني فقدتُ صحتي.

توقفت لحظة أمام كلماته الحزينة، وفكرت في مصير كل من أحبَّ هذه المهنةَ النبيلةَ، فسألتُ نفسي إن كان مصيري سيكون مثله، وعن الأسباب التي تجعل هؤلاء الرجال المحاربين يعانون الويلات أثناء عملهم وبعده.

خطابني بكلمات مؤثرة، حاول من خلالها إطالة عمر الحوار بيننا:

- كانوا مستخفين بنا، ومستغلين لصمتنا وتساهلنا، ولكنكم جيل أعاد للمهنة هيبتها وقيمتها، أنتم الجيل الذي سيحقق ما عجزنا عنه سنوات طوالا.

ابتسمت ابتسامة حزينة، ولأن نفسي لم تعد تطيق ألما وحزنا، قلت:

- لكل زمن أناسه وظروفه الخاصة، ولكنا نرجو الله أن ينعم علينا وعليكم بالصحة والعافية.

ردد لفظة "آمين" بصوت خافت، ثم انغمس في طقسه التعبدي، وعدت إلى كتابي أتصفحه، بيد أني لم أكن أقرأ بقدر ما كنت أفكر في مصيرنا، وفي الأوضاع المضطربة التي تغمرنا من كل جانب، فتخطف الفرحة من قلوبنا المرهفة، والابتسامة من وجوهنا السمحة. كنت أتساءل لمَ يتلذذ الإنسان بتعذيب أخيه الإنسان، ولا يعترف له بفضل أو جميل.

أغلقت دفتي الكتاب، أدخلته في محفظتي بيدي المرتعشة، ثم دفعت ثمن قهوتي وقهوة الأستاذ المتقاعد، الميت القاعد، وانصرفت بعدما ودعته بكلمات رقيقة وابتسامة خجولة، فوجدتني في الشارع أتحرك كالحشرة وسط الضجيج والازدحام الشديدين، وأخطو خطواتي صوب البيت.

***

محمد الورداشي

 

لا سبيلَ للقاءٍ

في بلاد الضّياعِ

في بلادٍ

أَضعتُ فيها وجهَ أُمّي

وأبي

وملامحَ أخي

أتدثَّرُ  ابتسامةَ أُختي

في يومٍ شتويٍّ

وأنحني اشتياقاً

لكلِّ زقاقٍ

يجلسُ فيه الرِّفاقُ

يَتسامرون

هائمٌ على وجهي

في شوارعَ عريضةٍ

بسيّارةٍ فارهةٍ

وأمامَ ضخامةِ المباني

أبحثُ عن بيتيَ القديمِ

وعن ابتساماتٍ يابسةٍ

في ركنٍ فارغٍ

حتى همساتِنا

عن شجرةٍ

كانت تحنُو على أجسادنا

بظلالها

وهي تطاردُ صلفَ الشَّمسِ

فالنّومُ على جذعها

أمومةٌ

تُعانقُ الكونَ

أيُّها الضَّياعُ

عُدْ بي

إليهم

فإمّا الموتُ

وإمّا اللقاءْ

بُعدكم هو

كلُّ الفناءْ

***

سلام البهية السماوي - ملبورن

 

اوصت ابنتي ابنتها قائلة

- اعتني بجدك فهو ابي اولا وثانيا هو كبير السن يحتاج الى رعاية كبيرة

ترعبني وصية ابنتي التي ما احسست يوما انها بحاجة الى رعاية الاب الذي كنته، ماتت امها وهي في الشهر الاول من عمرها وتعهدتها بالرعاية امي، لم اشعر بحب نحو هذه الابنة التي تغرقني اليوم بفضائها الكبيرة، سارعت الى الزواج من امرأه ثانية بعد رحيل زوجتي الاولى، وشبت هذه الابنة التي اخذتني الى بيتها بعد ان طردني ولدي الاكبر الذي كنت اظنه سندا لي في كبري وحين يدركني العجز والمرض، ولم تر هذه الابنة المدرسة ولم تحظ بالعناية التي يلمسها كل المتعلمين، فكانت امية لا تعرف الكتابة والقراءة ولكنها كانت هادئة وطيبة يحبها جميع من يعرفها، خطبتها اختي الكبيرة لابنها الدكتور الذي لم يشتك يوما ان زوجته لا تناسبه فهو الدكتور الحاصل على ارقى الشهادات العلمية من بغداد ولندن، وزوجته امية لا تعرف التحدث في الجلسات التي يعقدها في منزله للمتعلمين والمثقفين امثاله ورغم انها لا تعرف اصول الكلام كما يعرف ضيوفها ولكن جميع من زارها احبها وحمل في قلبه الحب لها والتقدير الا انا، ولا ادري لماذا؟ ولم اسأل نفسي يوما لماذا لم ارع ابنتي هذه التي ترعاني الان في منزلها ولم اشعر نحوها بالحب كما هي طبيعة الاباء كلهم، وهل الذنب في هذا كله يقع على زوجتي التي استأثرت هي وولدها بكل اهتمامي، انا التاجر المالك لكثير من الشركات والبيوت والعمارات كيف استطاعت زوجتي ان تجعل من ابنها مسيطرا على ارادتي يوجهني الوجهة التي يشاء، انجبت ابنتي هذه الابنة الجميلة التي اصبحت طبيبة كابيها وتفي اليوم ببعض ما عليها من دين لوالدتها فهي لم تكن عاقة كما كان ابني، وابوها المنعم الكريم لم يتنكر لواجبات الاب كما فعلت انا، اسمع ابنتي تطلب من ابنتها:

- جدك كبير السن يحتاج الى نظام غذائي يختلف عنا نحن الذين ما زلن ننعم بروح الشباب .

اشعر بآثم كبير وانا استمع الى نصائح ابنتي

 حين مات زوج ابنتي جاءت الى منزلي ظنا منها انها تجد مكانا يضاهي منزل الراحل، وكانت ابنتها ما زالت في السنة الاخيرة من الجامعة، لم تمكث سوى اسبوع وجاء ولدي قائلا:

- الضيف يبقى يوما او يومين وهذه المرأة بقيت اسبوعا كاملا، هل تنوي بقاءها دائما؟

- ابنتها ما زالت طالبة وحين تتخرج نطلب منها المغادرة!

- وهل انتظر لذلك الوقت، اذهب الى عمها، واطلب منه ان يأتي ويأخذ كنته من منزلنا!

- هل ترى هذا يا ولدي؟

- نعم . اني امرك!

 لم تستوقفني هذه الكلمة من ولدي الذي تعبت في تربيته والذي صرفت عليه كثيرا ليتعلم خارج العراق مع اننا نملك في بلدنا المدارس الكثيرة والجامعات المتخصصة بمختلف الاختصاصات .

 في صباح اليوم التالي سافرت الى منزل عم ابنتي التي لم اعترف يوما انني ابوها، وحين استقبلني الرجل الكريم مرحبا وقام بواجبات الضيافة التي لم تجعلني اخجل من القول :

- تعال وخذ كنتك من بيتي!

- من؟ ام هناء؟ هي ابنتي ايضا كما ان الراحل العزيز كان ولدا لي

لبيت ما امرني به ولدي العاق الذي اشعلت له كل شموع حياتي، وبعد مرور عام على الحادث الفظيع الذي قمت به انا، ولن ازعم انني اب صالح وهذا الابن حولني وجردني من عناصر الطيبة التي يملكها الاباء، قال لي هذا الولد :

- وانت هل تظل هنا؟

- ماذا تعني؟ أليس هذا بيتي؟

- لا ليس بيتك، الم تكلفني ان اكون وكيلك؟ سجلت كل املاكك باسمي انا – عيب هذا!

- اي كلمة لا اريد! غادر الان، اذهب الى بيت الطبيبة!

***

صبيحة شبر

23 تشؤين الثاني 2023

 

بمناسبة اليوم العالمي للغة الضّاد .

كان يكون كونا

فعل الكون

والأمر منه: كُنْ !!

*

واستكان يستكين استكانا.

هو السداسي استفعل يستفعل استفعالا.

والجذع واحد .

*

الفعل السداسي له ثلاث دلالات:

طلب الشيء

طلب الشيء والحصول عليهح

ووجود الشيء على صفة

*

مثل طلب الشيء

استنجد واستغاث

واستعان

*

ومن الاستعانة

من ارتد على الأهل والأوطان

واستعان عليهم

بالطغيان والعدوان

*

فاستباح

واستكان

وخان

*

وبين كان واستكان

تاريخ..... وعبر

*

وأما مثل طلب الشيء والحصول عليه

فمثله استفاق

واستنار

واستبان

*

فمن يستفق من غيبوبته

ويطلب العلم ويكشف الفعل

ويرفع الجهل

ويقدم العقل عن النقل

فقد أنار

واستنار

*

وبين كان واستكان

علوم ... وكنوز

كالدرر

*

وأما في باب وجود الشيء على صفة

مثل كان يا ما كان

في قديم الزمان

وسالف العصر والأوان

*

فقد تشابه الإنسان بالحيوان

وانحنى للكذب والبهتان

والشعوذة والأديرة والرهبان

والخرافة

وسلطة الأديان

*

فاستعبدوه

واستضعفوه

واستنزفوه

واستلبوا منه الذكاء

والبرهان

*

فما كان بل استكان

وبين كان واستكان

صراع وصروف.... وعبر

*

ثم تقدم الزمان

وتعاظم الإنسان

إسأل الإغريق.... واسأل الرومان

علوم وفلسفة وبيان

وتبيان

*

واسأل الأطلس

ولا يدخلن علينا

إلا العالم الفنان،،

*

وسقراط وانشتاين

والنسبية.. والمجرات

والأرض وڨاليليو

وعلوم الميكانيكا

والأرض والدوران.ّ.

*

وبين كان واستكان

كامل علوم الإنسان

قارات وأقطار.... ومصر

*

وهنا الإنسان لم يستكن

بل صنع التاريخ والمجد ..

فكان !

*

وبين كان واستكان

يفرق التاريخ

بين الإنسان ... والحيوان

فكن أنت ألإنسان...

أيها الإنسان...!!

*

فبين كان واستكان

معان ...... وعبر .

***

زهرة الحواشي

من كتاب رأسي في قفص الاتهام

 

تاريخكُمْ أوكــــــــارُ

وفَصِيلكمْ مَكَّـــــــارُ

*

وحُلُومـــكمْ يلهو بها

الجِنْسُ.. والـــدولارُ

*

ودِماؤكمْ يَجري بها

إبليسُ.. والأحبـــارُ

*

فصنيعكمْ مُتَسَتِّرٌ

وضميركمْ مِنْشارُ!

*

وصغاركم مَطِيَّـــةٌ

وكباركم تُجّــــــارُ!

*

وتَغَوَّلَتْ أفكـــاركم

فتفجَّرَتْ أقطـــارُ!

*

وبفضلكمْ قد قَتَّلَوا

أطفالنا..وأغـــــاروا

*

والدين أصبح سلعةً

يبتاعها الكفـــــــارُ !

*

بِعْتُمْ (قضيتنا) لَهُمْ

وتبــــــاكت الأعذارُ !

*

فَرِهانكم في كفَّةِ الــ

خُسْــــــــــرَانِ أوزارُ

*

رأس البلاءِ أساسهُ

وأساســـكم أشرارُ

*

تحت النِعالِ أُنوفكمْ

ياأيها الأقــــــــذارُ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

٢٠٢٣/١٢/١٣م

وقصص قصيرة جدا

1- عندليب

ذات  مساء رأيت عندليبا حزينا فوق صخرة قلت ما بك أيها العندليب؟

غرد تغريدته الحزينة ومن ثم طار غير عابئ بسؤالي.

**

2 – أنين

ذات صباح خلف حرش يابس عوى ثعلب وقرب سياج حقل، هدلت يمامة وحين المساء كانت اليمامة بين أنياب الثعلب تئن.

**

3 - امراة

امرأة كانت تحمل زنبيلا وكان هناك كلب ينبح خلفها وفجاة ظهرت قطة في الجانب الاخر من الشارع فجن جنون الكلب وشرع ينبح على القطة بحقد فهرولت المراة تجاه منزلها شاكرة الله لخلاصها من عضة كلب محققة.

***

سالم الياس مدالو

أفزعها أزيرالرصاص الذي كان يخترق الآفاق كوابل من المطر مرعوبة من هول المفاجأة لتصحى من نوم عميق كانت تغط فيها بعد أن نقلتها من عالم اليقظة الى عالم الأحلام واضعة عشرها على رأسها غارقة في حلمها الذي لم يكتمل بعد أن فشلت في إستذكار ما حلمت به لتعبث بخصلات شعرها المتدلي على وجنتيها مغمضة العينين ترتجف من الفزع فلا أنيس يؤنسها سوى مواء قطة صغيرة دأبت على إطعامها ومداعبتها لتجد نفسها وحيدة في منزلها الذي غادره أهلها تحت جنح الظلام خوفاَ من عصابات داعش التي داهمت القرية لتقع فريسة سهلة بيد أعداء الإنسانية وتجد نفسها سبية تباع في سوق النخاسة وهي لا تتعدى العاشرة من عمرها لتتلقى شتى أنواع التعذيب على يد سجانيها ناهيك ما تقوم به كخادمة لخدمتهم ليلاَ ونهاراَ، وكل حلمها الذي كان يراودها أن تكمل دراستها لتتخرج طبيبة تخدم بني جلدتها التي إبتعدت عنها عنوة لضعف حالتة ذويها المادية، حاولت جاهدة تتحين الفرص للخلاص من قبضة المجرمين لتغير مسار حياتها ويحدوها الأمل في النجاة من قبضة المجرمين بمساعدة أحدهم حتى تمنكت من الإفلات سراَ وفي ساعة متأخرة من ليلة ليلاء لتنجو بنفسها بعد أن قطعت عشرات الكيلومترات مشياَ على الأقدام حتى تصل منطقة الأمان بعيدة عن عيون المتوحشين وفي مخيلتها تبحث عن أغلى ما عندها من المفقودين من أفراد أسرتها ناسية لغتها الأم بعد سنوات عجاف عاشتها في كنف عديمي الضمائروعشاق الجرائم وتخزن في ذاكرتها قصة عذاب يندى لها جبين الإنسانية من سوء المعاملة الوحشية التي تلقتها على يد أولئك الأوباش لتعيش وحيدة بقية عمرها بعد أن علمت بفقدان أفراد أسرتها بإنفجار لغم تحت عجلات سيارتهم التي أقلتهم هرباَ من بطش الحاقدين.

***

حسن شنكالي

....................

* هذه قصة معاناة من خيال الكاتب الذي عاش الحدث بمخيلته لاحدى الفتيات كنموذج من بين آلاف الضحايا اللاتي وقعن أسارى وأصبحن سبايا بين ليلة وضحاها بيد خوارج العصر مجرد أنهن لا يتفقن معهم في العقيدة والرأي وهو أمر خارج عن إرادتهن لأنهن ولدن وترعرعن في عوائل تحمل تلك العقيدة المنحرفة حسب وجهة نظرهم بل ويكفرونهن لحد أنزال القصاص بحقهن، يا ترى في أي زمن نعيش وبأي عقلية نفكر بعد آلاف السنين من تعاقب الأديان السماوية التي تدعو جميعها الى التسامح والإخوة والمساواة، أين نحن من حقوق الإنسان في زمن التكنولوجيا وعصر العولمة خلافاَ لمبدأ التعايش السلمي بين مكونات المجتمع كافة بجميع مللهم ونحلهم وطوائفهم وقومياتهم وأديانهم ومذاهبهم والذي نص عليه الدستور العراقي، ألسنا أحراراَ في عقيدتنا وتفكيرنا أم لا زلنا عبيداَ نباع ونشترى في سوق النخاسة كما يحلو لهم، ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (لكم دينكم ولي دين).

 

مِنْ سِنينْ

كانَ لا فَرْقَ لديْكِ

بينَ شكٍّ و يقينْ

كنتِ لا تَسْتَفْسِرينْ

لا تُجِيبينَ، ولا تَسْتَغْربينْ

والدّروبْ

بكِ تَمْتَدُّ

وتَمْتَدُّ

ويَمْتَدُّ السّرابْ

كلّما أوغلتِ فيها

كلّما اِزدادُ الضّبابْ

*

كُنْتِ لا تَلْتَفِتِينْ

للوراءْ

فمراراتِ السنينْ

عَلّمَتْكِ

كَيْفَ تمشين على الشوكِ...

وكَيْفْ

لا تَحُسِينَ ببردٍ في شِتاءْ

لا تَحُسِينَ بحرٍّ  يومَ صَيْفْ

كُنْتِ تمشينَ و لا تكترثينْ

للَّذينْ

حاولوا أنْ يَحْجِبُوا

عنكِ آفاقاً بها تَسْتَبْشِرينْ

وفناراتٍ بها تَسْتَرشِدِينْ

*

كَبَرَ العُمْرُ، وها أنتِ كَبَرْتِ

فَغَدَوْتِ

تَحْسِبِينْ

إنّكِ الآن أخَذْتِ

تَعْبرينْ

بَحْرَ  نيرانٍ و لا تَحْتَرِقِينْ

***

شعر: خالد الحلّي

عاد من عمله متأخرا بعد الثالثة زوالا بقليل، فتح باب البيت بمفتاحه الخاص ثم دلف الى البيت؛ كان يدندن بأغنية شعبية قديمة.. هدوء يعم البيت، يدرك أن الخادمة غير موجودة من يومين، فقد سافرت الى قريتها لحضور زواج أخيها. ربما بديعة زوحته قد عادت مبكرا من عملها فنامت..

استغرب كيف لم يجد مائدة الغذاء معدة كما تعود!!..

فتح باب غرفة النوم ودخل، لم يفاجئه نومها، فقد رقدا مـتاخرين بعد ليلة ساهرة:

ـ ترى متى عادت من عملها؟ ربما كانت تعبة؟

وضع سبابته على خدها ثم رفعها الى فمه يقبلها..

غير ملابسه، هل يوقظها؟ فجأة وكمن لسعته عقرب يتذكر أن زوجته قد أخبرته أنها ستزور طبيبتها لتتأكد من حملها:

ـ يا ويحي ماذا فعلت؟ كيف نسيت حدثا رائعا كهذا؟

أعمال كثيرة في مكتبه شتتت ذاكرته، مذ تعين المدير الجديد وهو يرزح تحت ضغوط العمل بحكم أقدميته وخبرته، فلايتعامل مع المدير الجديد الذي نزل بلا أهلية بمظلة قرابة حزبية الا كل متملق وصولي، وإلا كيف يمكن تفسير تعيين شاب صغير بلاخبرة، حديث تخرج من معهد أجنبي على رأس إدارة للتصدير والاستيراد؟

 بلا حس أخرج جلبابا خفيفا من بين جلابيبه، دخل فيه وخرج حذرا أن يصدر منه صوت فتنتبه زوجته..

صار يذرع قيسارية الذهب حانوتا بعد أخرى، عيونه لا تستقر على هدية حتى تزيغ الى غيرها، احتار..لاول مرة في حياته يجد نفسه في موقف لاخبرة له به، لو كانت زوجته بديعة معه لاختارت بسرعة، بارعة في هذا المجال..

لماذا لا يسأل صاحب المتجر؟.. أليس هو أحسن من يمكن أن يرشده الى مايريد؟..

صوت أنثوي خلفه يقول:

ـ سعدات للي عندها راجل يفكر فيها ويشري لها هدية ذهبية..

يلتفت.. بنت عمته تعانقه بضحكة وقبلات على خده..

تبادره كانها تذكره بماض عنها لم يغب:

ـ سنتان لم اشم فيهما هذه الرائحة الزوينة..

لهلا يجعل أحبابنا ينساونا..

هند بنت عمته، خطيبته الأولى قبل زوجته، كانت له هوى، جميلة، بل فاتنة لا ينكر أنه كان يسكر بجمالها، حمل حبها أملا كوضوح النهار، لكنها كانت أخف من رزقها، الخيانة في دمها هدير غليان لا يخمد حتى يتحرك، قبله ارتبطت بثلاثة رجال، وبعده كل يوم لها في رجل مطلب ورغبة.. تركها بعد أن صار غمزات العيون، وثَرْثراتُ الأَلسِنة تطوحه بجَهر وهَمس..

سألته عما يريد شراءه؛ لم يجرؤ على الإفصاح، يعرف طمعها، لن تتركه حتى تسل منه هدية لنفسها..

ادعى أنه فقط كان يقارن بين دملج اشترته زوجته وبين ما يوجد في الواجهة..

بسرعة ودعها معللا ان بديعة في انتظارة..

خرج من القيسارية الى سوق الأحذية، بلغة نسائية مطرزة لفتته بانتباه..شرع يستذكر مقاس قدم زوجته، تبسم وهو يتذكر دغدغة أخمص قدمها وهي تفرك ساقيه بأصابعها، كان يعشق أن يتملاها فهي له هدية عمر، استطاعت أن تنسيه بنت عمته التي ماكان يغفر لها زلة حتى تغرق في غيرها، كانت الخيانة دمها الساري في جسدها..

لا ينكر أثرعشقها الذي لم يخمد أواره الا بعد أن تعرف على بديعة التي استطاعت بذكائها وخفة دمها أن تحول عيونه اليها توق رغبة، وله فتحت اشتياقها سعادة نسيان تكنس خساراته في بنت عمته..

قدم بديعة تلاعب عينيه، تحمل سيقانا مفتولة ممتلئة، طلب رقم 36، تسلم البلغة وعاد الى سوق الذهب، دلف الى متجر كبير مشهور..

لا يهم إن كانت أثمنته مرتفعة، المهم أن يقدم له هدية في مستوى حبه لبدبعة، عشق عمره الماطر لزوجة لا تهفو الا لسعادته..

تقدم من بنت تكون إحدى طاقم المبيعات، يسألها عن هدية تليق بزوجة في أول حملها.

ضحكت وقالت: هل حقا تحبها؟

ـ طبعا أحبها، أليست زوجتي؟ !!..

ساعطيك اجمل هدية ذهبية: زينة ومنفعة وذوق:

ـ سماعات مخصصة للجنين في بطن الأم، آلة لمكبر الصوت تلصقها الام ببطنها ثم تشغل اية نغمة تريد ان تربطها بالطفل الذي ينمو داخل أحشائها وهي وسيلة للتواصل مع الصغيرالقادم، الفكرة اللطيفة هي ان اكسسوراتها تتحول الى خلخال به قطع ذهبية ولؤلؤات يزين قدم الام بعد ولادتها..

أدى الثمن ثم عاد أدراجه الى البيت..

دخل على رؤوس أصابعه، فهو يريد أن يفاجئ بديعة، لا حركة في البيت.. تذكر مثلا كانت تردد ه المرحومة حماته:

"(العافية مطفية والقطة مجلية)"

بكامل الهدوء يتسلل الى غرفة النوم.. لازالت نائمة.. هل يُصحيها؟..

الفرحة تملأ كل كيانه، قر يبا يصبح أبا، وبديعة أما، ضحك للصورة تملا خياله.. معا يتشاركان الفرحة، لا هو من سيشاركها غبطة عمرها، أن تصير أما:

ـ طفل منك يصيرني ملكة الوجود، وأنت لنا لباس الزمان..

كانت ليلة أمس، جذلى وسعادتها في عيونها لامعة، تغزو ضلوعه برسوخ.. كانت بين أحضانه متعة رحيق مسكونة بعشقه..

ـ في أحشائي حبيبي قد زرعت لك بذرة !!..

لك أسقيها حنينا وحبا..

أحس بتعبها، يضمها لتهدأ، لكنها تقاوم كطوفان صارم

ـ ما أحسه حبيبي هو أقوى مما خالجني ليلة دخلتنا، حبك طاغ ياحبيبي !!.. معك أعيد صياغة الهواء في رئتي بخبرة الشوق

حين يعطرنا صبيب..

يضع الهدية على طاولة صغيرة، عيناه لا تفارقان بديعة وهو ينزع عنه جلبابه، ثم يندس الى جانبها..

استغرب لاستغراقها في نومها، كانت بسرعة تصحو ولو في نومة منها عميقة، متى تناهى اليها خطوه، كانت تصحو وله تفتح الأذرع..ثم كقطة تغفو بين أحضانه..

ينفزع والرعب ما شرع يتملكه حين حاول ان يضع يدها بين راحتيه..كانت يدها ثقيلة و قطعة من ثلج، أثارته زرقتها، استقام في مكانه، تلمس جبهتها، برودة تلسع يده..

شفاهها غابت عنهما الحياة، حركها.. أزاح الغطاء عنها، وضع يده على بطنها، ناداها بأعلى صوته.. لا صدى منها، ولاردة فعل فالقلب قد توقف عن الوجيب..عليها رد الغطاء بستر..

هاتف والديه، ثم هاتف الطبيبة الذي أكدت له زيارة زوجته لكنها انصرفت من عندها وهي قلقة عما كشفت عنه الأشعة

بلهفة سألها:

ـ وماذا كشفته الأشعة؟..

ـ ألم تخبرك أن كرة لحمية ضخمة في بطنها ويلزمها عملية بأقصى سرعة؟

صاح كمفزوع داهمة زلزال:

ـ ماتت ياسيدتي، ماتت !!..ماتت وأنا عنها بعيد، ماتت، وما لحقت أن تبلغني ما يغيض، فما تعودت منها غير التفاؤل بمتعة كلمات كالجلنار؟.. حتى الحروف منها كانت كلذة القبل لا تتقاطر على ذاتي الا كعناقيد من جمال النبض.. ماتت فهيهات بعدها أن تلفني بشائر؟..

هوى على كرسي يترقب والديه، دموعه ماطرات وقلبه يكاد يتوقف عن الوجيب

(يا لرزايتك حبيبتي !!..فقدت أبويك وكنت تمنين النفس بطفل يخفف يتمك..

مت حبيبتي بلا وداع دون أن اقبل لك يدا أو أمسح لك وجها بكف، ما انتظرت ُولا تريَّثت فكيف لك قد تسرع قرار؟..)

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

يقول لك الطبيب:

- انت متعبة وعندك التهاب بالمفاصل، لا تحملي ثقلا ولا تنحني، مهما سقطت منك حاجة ثمينة، اتركيها في مكانها، وحافظي على صحتك وامنحي نفسك بعض الراحة، لا تجعلي الاعمال المنزلية تستنزف طاقتك، اعمال المنزل يمكن ان تنتظر، وحين تشعرين بالتعب خذي راحتك بالتمشي، الوقوف يضرك، فقط المشي جيد لصحتك..

تنفذين نصائح الطبيب، فتخرجين لبعض الوقت خارج المنزل، وتزورين جارتك التي بيتها ملاصق لبيتك ـ وحين نعودين... تجدينه قد وقع على الارض وافترش المكان قرب المنزل

- ماذا جرى؟

- وقعت على الارض وجئت زحفا الى هنا !

- هل تستطيع القيام؟

- لا... مستحيل..

تهرعين الى الجارة، تطلبين من ابنها ان يستفسر عن الاطباء الموجودين في عياداتهم:

- لا احد باق، كلهم غادروا، لقد انتهى دوامهم..

-  والمضمد؟

- يقول انه لا يستطيع ان يفعل شيئا، ويجب علينا ان نسرع الى المستشفى.. تأخذين معك راتبك وتنزلين معهم

حمله ابن الجارة، نزل به الدرجات، تسمعين امه:

- ولدي انتبه الى ظهرك ! يا ابني انتبه الى نفسك

ماذا يمكنك ان تفعلي؟ وانت لا تحبين ان تكلفي الناس فوق طاقتهم، كما انه لا احد معك يمكن ان يقوم بالمهمة بدلا عن ابن الجارة، فتصمتين على استحياء..

- هل تصحبني ونذهب به الى المستشفى خالتي؟

- ضروري.....كما تشائين خالتي !

يسرع ابن الجارة في استئجار سيارة اجرة تقلكم الى المستشفى:

وبعد الاشعة:

- يحتاج الى عملية، اصيب بكسر من الفخذ والقدم وبعض من الركبة، اجرة العملية ثماني ملايين من غير تكاليف العلاج، هل توافقين على اجراء العملية هنا ام تذهبين الى مستشفى حكومي؟

توافقين على البقاء في المستشفى الاهلي، وتتصلين بالمعارف والاصدقاء والاقارب، واولادك الذين تزوجوا واستقلوا في بيوتهم،علهم يساعدونك، فانت لا تملكين شيئا فوق راتبك، وكل ما تستلمينه من نقود تصرفينه على متطلبات المنزل، من ايجار ومولدة وانترنت وطعام وادوية، فانت مريضة بعدد من الامراض تحتاج الى عناية والى شراء ادوية باستمرار...يلبي الاصدقاء وابناؤك ما تطلبينه منهم وتجمعين نصف المبلغ المطلوب، ويبقى النصف الاخر، وهو مبلغ كبير، من اين لك تدبيره؟ وتخبرين جارتك التي جاءت تزورك في المستشفى بمعاناتك:

- سوف استدين ما تحتاجين من نقود.. وانا لا املك منها شيئا...

انه مريض وانت تركضين ملبية ما يطلبون منك مرة اشعة واخرى تخطيط وثالثة دواء ورابعة تحليلات، وتسمعين كلمات تدل على التعاطف معك:

- انت مريضة وتحتاجين الى من يرعاك..أليس معك من يعتني بك، نحن معك سنقوم بما يطلبون منك، فانت متعبة..

تصرفين كل ما معك من نقود على الدواء والتحليلات والاشعة، وحين تزوره ابنة عمه تطلبين منها ان تبقى مع قريبها لبعض الوقت ريثما تذهبين الى المنزل لتأتي بملابس له ليغير ملابسه القديمة ولتدبري بعض النقود فقد نفذ ما عندك من نقود، تعتذر ابنة العم لأن عندها شغل، لكنها توافق بعد الحاح منك.. وانت في سيارة الاجرة في طريقك الى المستشفى تسمعينها تتصل بك بالهاتف:

- هيا عودي، انا عندي شغل.. انت قلت دقائق واعود..

تعودين الى المستشفى، تسمعين توبيخا من المريض:

- لماذا تتركين قريبتي لوحدها، انت تعلمين انها مشغولة..

وماذا يمكنك ان تقولي وكل هذا التعب يذهب دون فائدة، تأتيك احدى النزيلات في المستشفى...

- سيدتي هل تحتاجين الى مساعدة؟ يمكنني ان اقدم لك ما تريدين؟

- شكرا لك بارك الله بك..

- انت متعبة وتعتنين بمريض، يبدو عليك انك اكثر مرضا من مريضك..من الواجب ان نساعدك.

- نحن معنا من يساعدنا، وأنت وحيدة، اي شيء تحتاجين لنقوم به بدلا عنك

وصف الطبيب ادوية جديدة،فتأتيك الممرضة

- خذي هذه الوصفة واشتريها من الصيدلية قرب المستشفى..

تذهبين وتعودين بسرعة مع حزمة من الادوية، تأتيك مرة اخرى احدى الممرضات.

- هذه ادوية يحتاجها المريض في العملية !

تسرعين للصيدلية التي قرب المستشفى، تجدين المصعد عاطلا، تذهبين الى مصعد آخر، تجدين الازدحام شديدا في الصيدلية وأنت لا تقدرين على صعود الدرجات الكثيرة لتطلبي الدواء الذي في الوصفة:

- سيدتي هاتي الوصفة وانا اطلبها لك..

- سنلبي حاجتك اولا، فانت لا تستطيعين الانتظار.

تأتيك الطبيبة وتخبرك ان مريضك سوف يدخل غرفة العمليات بعد قليل.

بعد ان دخل غرفة العمليات اتتك الممرضة:

- في غرفة العمليات يطلبون منك ان تذهبي اليهم..

- ماذا جرى؟

- لا ادري... اذهبي لتعرفي..

- المريض حالته المعنوية سيئة، ونريد ان نخبرك انه اصيب بالشلل، لا تخبريه الان، ليعلم الحقيقة بالتدريج !قولي له بعد ان يخرج: ان العملية نجحت

يخرج المريض بعد اجراء العملية:

- مبارك لك نجحت العملية.

توزعين عليهم ما تستطيعين عليه من قطع ورقية من النقود

- غدا سوف يخرج من المستشفى، لا فائدة من بقائه في المستشفى..اتفقي مع من يمكنه ان ينقله الى البيت،

تتصلين بسيارة الاسعاف، وتتفقين معهم على نقل المريض الى البيت..

تتصل بك صديقتك الدكتورة وتخبرك:

- لماذا اجريتم العملية في مستشفى اهلي، سوف اتحدث مع احد المستشفيات الحكومية التي تعرف بحسن عنايتها بالمرضى واتفق معها على نقل مريضك اليهم.. لا تخبرين صديقتك بحالة المريض الفعلية...وانه اصبح مشلولا.

تخبرين المريض بفكرة انه يمكن ان ينتقل الى مستشفى حكومي:

- فكرة حسنة، وهناك مستشفيات حكومية معروفة بحسن الرعاية.

يتصل بأبنة عمه ويخبرها انه يمكن ان ينتقل الى مستشفى حكومي.، فتثور ويعلو صوتها بالهاتف:

- لماذا؟ انا لا اوافق، ابق في المنزل وعلي زوجتك العناية بك...

يلتفت اليك المريض:

- لن أذهب الى مستشفى حكومي ولن اعطيك النقود التي تقولين انك صرفتها علي في المستشفى، فهذا واجبك.. وان كنت لا توافقين اذهبي الى بيت خالتك في الديوانية...

- وهل هذا ليس بيتي؟ حتى اخرج منه الى منزل اخر ليس لي، لن اخرج من منزلي مهما حاولت...

يسكت المريض..وانت لم تخبريه بعد بحقيقة مرضه..

***

صبيحة شبر

17 ايار 2022

وضعت يدها اليمنى على خاصرته وسحبته الى جانبها وبصيغة عتاب بين احباب، قالت له: "تاليها وياك؟”، حركة مفاجئة لم يتوقعها ابن الجيران، ولم تخطر له على بال، ارتعش جسده دون هوادة، وارتخت قدماه ولم يستطع تثبيتهما على الأرض.  كان ذلك في أحد ايام رمضان من ستينات القرن الماضي حينما فاجأته بنت الجيران، اثناء وجوده في مطبخ البيت يمارس شيء يحبه جداً وهو المساعدة في تجهيز فطور رمضان.

سمعت بنت الجيران خطوات اقدام أم البيت قادمة الى المطبخ، فانسحبت وتركت البيت بعد ان قضت حاجة مفتعلة معها. كان نساء الجيران في الاحياء الشعبية يتزاورون كثيراً، ويمونون على بعضهم البعض عند الاحتياج.  تركته وهو في منتهى الذهول، مرعوباً ولكن في غاية الفرح والسرور. شيء هام وغير متوقع قد حدث سيكون له أثر كبير على مجريات حياته. كان في بداية المراهقة لم يتجاوز عمره الاربعة عشر عاماً بينما كانت بنت الجيران أكبر منه سناً فيما لا يقل عن ثلاث او أربع سنوات، مكتملة الانوثة جميلة نحيلة وذات شعر طويل وعيون واسعة ذات نظرة حادة متلهفة لشيء ما.

حينما جذبته اليها لم يستطع حتى ان يستدير بوجهه كي يقابلها او ان يمد يديه الى مفاتن جسمها او ان يحضنها كما حضنته. لم يدم ذلك سوى لحظات معدودة، بقي اثناءها متسمراً في ارضه، إلا انها لحظات مٌزلزلة ارتجت لها كل اوصال مفاصله. انه الحدث الذي نقل ابناء الجيران من الطفولة البريئة الى النضوج الغريزي المبكر، ومن الخيال الى الواقع الملموس، ومن التمني الى التوقع المتكرر، ومن المجهول في عالم الألفة بين الجنسين الى ممارسة يومية لنوع من انواعه.

كان ذلك اليوم هو آخر يوم يقضيه صاحبنا صائماً، رغم انه ظل متظاهراً من انه صائم. كيف يصوم ويصلي وهو مستغرق بأفكار واحلام تثير غريزته وفضوله الطبيعي وغير الطبيعي. كيف يصوم واصبحت زياراتها المتحججة بأنها تريد ملح للطبخ او انها تريد تصريف ربع دينار كي تعطي اخوتها مصروفهم اليومي، او انها طبخت اكلة شهية واستذكرت جيرانها بحصة منها.

كانت تأتي بهذه الحجج المفتعلة وهي تعلم انه في البيت وليس في المدرسة حيث كان ما يزال طالباً في المتوسطة آنذاك، لم تكلمه بعد تلك المقولة المذهلة: تاليها وياك! لأنه لم يكن هناك وقت كي يضيعانه في الكلام، كانا يخطفان لحظات العناق والقبلات الحارة على استعجال خوفاً من الاكتشاف، يسحب نفسه الى مكان ما في البيت ومعظمه كان في مدخل البيت حيث هناك باب ذات زجاج غير شفاف يفصل بين الباب الرئيسية وغرفة الجلوس من جهة وغرفة الضيوف من الجهة الأخرى، في ذلك المربع الصغير كانا يتعانقا ويتبادلان القبلات العنيفة المحرمة على استعجال وتمتد ايديهم الى اماكن مجهولة في اجسادهم لم يكونا قد اكتشفاها من قبل، يكتشفون ما استطاعوا دون كفاية، وكل مرة ينفكا بسرعة عن بعضهما قبيل الارتواء. ارتواء نهايته عطش مستديم.

كل ذلك دون ان ينبسوا بكلمة واحدة، لم تقل له احبك ولم يقل لها ذلك، كلام لا قيمة له هنا، كان هوساً أساسه حرمان لرغبة جامحة في صدر بنت الجيران، هوت على جارهاَ فتلقفها وهوى عليها. كان حباً غريزياً بامتياز واشباع لرغبات جامحة مكبوتة بين بنت الجيران مع ابن الجيران توهجت من حرارتها الجدران ما بين بيوت الجيران.

***

محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

 

قبل ثلاثين سنة كُسر أنفي في عركة. سال الدم منه بغزارة على صدري. فصُبغت دشداشتي البيضاء الجديدة بلون أحمر في أول أيام العيد. صراحة لم يهمني كثيراً الدم وأنفي الذي تورّم. بل الشيء الوحيد الذي آلمني ودفعني للانتقام هو "أبو صماخ"**. الصبي الذي باغتني بنطحة على وجهي في ذلك اليوم. ولم نكن مخطئين حين أطلقنا عليه لقب "أبو صماخ" لحجم رأسه الكبير وجبهته الصلبة. تلك الجبهة التي درّبها على نطح الخرفان والتيوس، حين كان يستعرض هذا أمامنا في حضيرة المواشي التي كانت ملكاً لأبيه القصّاب. ثم لاحقاً صار يستعرض قوة نطحاته على الأبواب وسيقان الأشجار. حيث كان يفتح الباب بنطحة واحدة. ونطحة أخرى كافية على ساق شجرة حيث كنا نلتف حوله، منتظرين ثمرها الذي يتساقط من قوة النطحة. بعد أن ضربني بجبهته في العركة اعتراني شعورُ غضبٍ هائل دفعني بشدة للانتقام. خصوصاً أن "أبو صماخ" لم يضرب أحداً من البشر في حياته سواي. كل ما في الآمر أن بعض الصبية شجعوه على ترك المناطحة مع الحيوانات والأبواب وأعمدة المرور والأشجار. وأن يجرب "صماخه" (رأسه) في نطح أحدهم. واختارني القدر لهذه العركة في واحدة من مئات العركات التي تحدث عادة بين الصبية في صباحات الأعياد. مازلت أذكر كيف هرول هارباً إلى منزله خوفاً بعد أن نطحني على أنفي. وكيف أخذت وقتاً لم يتعد عشر ثوان لكي أستجمع قوتي وتركيزي. لقد كنتُ مدهوشاً لأنني لم أتوقع أن يباغتني ويضربني!!. ثم أن الشيء المضحك أنني أيضاً لم أجرب العراك في حياتي. وقد كنتُ أملك ذراعين وكفين فيهما من القوة الكافية لتحطيم جدار. لأنني قد درّبتهما سابقاً على حمل الطابوق ورميه صوب أبي. أيامها حين كان يعمل بنّاءً. اضافة لحمل أكياس الإسمنت والرمل وخبطهما بالمسحاة. ولكن ما الفائدة في قوة كفّي وذراعي؟!!. خصوصاً في الواقعةُ بيني وبين "أبو صماخ" التي كانت أول عركة في حياتي، وقد فشلت فيها فشلاً جسيماً، حيث سبقني صاحب الرأس الكبير وخطف مني حلاوة الفوز بتلك العركة. في الحقيقة لم يكن في حساباتي أن أتعارك مع أحدهم في يوم. أكره العراك ولا أميل له مطلقاً. ولولا تشجيع الصبية وتحريضهم لم أدخل في تلك العركة البائسة، ولم تستمر هذه العداوة بيني وبينه لمدة ثلاثين سنة.. على أية حال.. بعد فراره من قبضتي عقب العركة، قررتُ أن أمكث له وأطارده إن عثرت عليه. في شارع أو سوق أو أي مكان لا يهم. المهم أن أمسك به واضربه بكفي "راجدي"، سيظل طنينه يَصرُّ في أذنه حتى آخر يوم في عمره. ومنذ ذلك اليوم لم أهمل تدريب ذراعي لهذا "الراجدي" المؤجل. أي شيء أراه أمامي من غصن شجرة أو مقبض باب أو حجر، أعصره عصرة قوية لكي أقوّي أعصاب كفي. وأكون مستعداً لهذه المهمة التي لم يشغلني شيء غيرها في ذلك الوقت. وصرتُ أراقب مواعيد خروجه من دارهم. مختبئاً خلف جدار منزل في شارعهم تارة، وتارة أخرى خلف شجرة أو سياج المدرسة. ولم أفلح حقيقة في رصده لمدة من الزمن. ربما لأنني اوصلت رسالة تهديد له عبر الصبية أبناء المحلّة فصار يأخذ حذره من مواجهتي. حين قلت لهم أن يخبروه أنني سأصطاده في يوم، وسأضربه بكفّي القوية التي صرتُ أتباهي بها أمام الصبية. ففي الوقت الذي لم أفلح فيه في العثور على "أبو صماخ". كنتُ أمارس هوايتي في تحطيم الطابوق بباطن كفي، وذلك بضربة واحدة أهوي بها صوب الطابوقة. تماماً كما يفعل لاعبو الكاراتيه في استعراضاتهم. وسط صيحات اعجاب الصبية التي ادخلت السرور إلى نفسي وأنستني ثأري. وبالفعل تناسيتُ عامداً أو غير عامد عركتي المنتظرة، وتركت "الراجدي" الذي كنتُ أريد طبعه على خدِّ غريمي للمصادفة بيني وبينه. أين يفلتُ منّي فالدنيا صغيرة ومحلّتنا صغيرة وسأعثر عليه بلا شك. حتى جاء اليوم الذي صادف أن لمحته من بعيد وهو ينوي ركوب باص. وحين رآني حثَّ الخطى صوب الباص مهرولاً. لكنني على الرغم من رغبة الانتقام التي كانت تعتريني لم أهرول وراءه. بل سرتُ على مهل منتظراً أن يفلت مني ويركب تلك السيارة!!. وتكررت المصادفات التي جمعتني به ولم أفعل شيئاً. مرة عند السوق رأيته ورآني، فهرول مسرعاً لكي يدخل في حشد الناس الكثيف. ومرة أخرى تصادفنا عند حلّاق كان يجلس على كرسيه وأنا جالس خلفه داخل المحل. كان ينظر لي عبر المرآة بعينين مملوءتين بالذعر، وأنا أردّ عليه التحديق بعينين مملوءتين بالشزر والغيظ. وحين انتبهتُ إلى قرب انتهاء الحلاق من حلاقة رأسه الكبير، لم أنهض لكي أنتظره خارج المحل وأضربه ذلك "الراجدي" المنتظر. بل نهضتُ وذهبت إلى مغسلة متظاهراً أنني أغسل وجهي. منتظراً منه الإفلات من قبضتي التي تعرّقت من شدة العصر والتوتر. وبالفعل حين عدتُ إلى الكرسي الذي كنت جالساً عليه، كان قد غادر صالون الحلاق فتنهدت مُرتاحاً!!. وهكذا مرت السنوات، وأبو صماخ كلما رآني في مكان ما يفلت مني بإرادتي، فاسحاً له المجال لكي يولي هارباً. ولم أكن أتوقع أن لعبة القط والفأر هذه ستؤدي بنا إلى ما وصلنا إليه الآن. لقد كبرنا ولم أنس غضبي ولم ينس هو خوفه!!. لو كنتُ قد سامحته في الصبا، وتجرّعت مرارة النطحة تلك، لما وقعت هذه المصيبة التي حلّت علينا الآن. على الأقل لو كنتُ قد أخذت حقّي منه بصفعة واحدة، كان قد أنتهى كل شيء بيني وبينه، وصرنا متعادلين لأنسى ثأري وينسى هو الآخر خوفه. لأن الكارثة التي سقطت علينا بعد مرور سنوات لم تكن هيّنة. حدث ماحدث بعد أن رسا قارب عمري في رحلته عند شاطئ العمل الوظيفي. حين صرت أعمل مُعتمداً في دائرة، وكان عملي يتطلب سفري المستمر من أجل المراسلات الرسمية. في إحدى سفراتي الوظيفية، والتي كنتُ أحمل فيها حقيبة مليئة بأوراق لقضاء حوائج الناس المراجعين لدائرتي. ركبت في سيارة أجرة مع بضعة أنفار من المسافرين. ولم أكن أرغب إلا في الجلوس وراء كرسي السائق، بسبب نصيحة قالها ذات يوم صديق. أن الحوادث في السير ينجو منها السائق عادة ومن يجلس خلفه. ولم أعرف أن السائق الذي كان يقود السيارة هو نفسه أبو صماخ!!. كنتُ منكباً على مراجعة الأوراق الرسمية تارة، وتارة أخرى أطالع هاتفي خشية أن يتصل أحدهم. ولكن حين اهتزت السيارة بعد أن رفعتُ ذراعي لكي أحكّ رأسي، انتبهت إلى أن السائق ينظر ناحيتي عبر المرآة المعلقة وسط السيارة. والتي كان من خلالها يصوّب النظرات نحوي. وعندما طالعت عينيه المعكوسة صورتهما في المرآة، عرفتُ فوراً أن سائق هذه السيارة هو نفسه أبو صماخ. ولوهلة توقعتُ أن سبب اهتزاز السيارة كان بسبب أنه كان يطالعني ولم ينتبه إلى دربه. هنا أنزلتُ حقيبتي وحشرتُ جهاز الهاتف في جيب سترتي. وعدتُ إلى لعبتي القديمة. سأتسلى في طريق السفر وأنا أقذف الرعب في قلب "أبو صماخ". وصرتُ بين الفينة والأخرى أرفع ذراعي لكي أحكّ رأسي عامداً. فيظنُّ أنني أنوي ضربه، فتهتز السيارة يميناً وشمالاً بعد أن يفقد السيطرة عليها. ولما يستقر على الدرب يعاود النظر إليّ عبر المرآة، والعرق والذعر يملآن وجهه وقلبه. لم أكن أعلم أن كفّي التي أدّخرت له ذلك "الراجدي" المؤجل، هي ذاتها التي ستكون سبباً للمصيبة التي وقعت علينا. فبعد نظرات ونظرات بيني وبينه عبر مرآة السيارة. تلك النظرات ذاتها التي كنّا نتبادلها منذ ثلاثين سنة وحتى تلك اللحظة. نظراتي المليئة بالثأر والغضب، ونظراته المليئة بالريبة والحذر. ظهر أمامنا حيوان كان ينوي عبور الطريق على رسله، وإذا بي أمدّ ذراعي نحوه وأصرخ منبهاً إياه أن ينظر إلى الطريق (أبو صماخ احذر..). لكنه لم ينتبه للطريق وظنّ أنني أحاول خداعه، لكي أصفعه وأنال ثأري منه أمام الناس. ثم فقدتُ الوعي ولم أفتح عينيّ إلا وإنا في المستشفى. راقداً على سرير وكان أبو صماخ ينام على سرير قربي. لستُ أدري ماذا حلّ بباقي الرّكاب المساكين الذين كانوا معنا في السيارة. لكنني أعلم ماذا حلّ بنا أنا وأبو صماخ. على الرغم من الألم الشديد الذي كنتُ أشعر به، لم يمنعني هذا من الضحك على حالي وحاله، حينما عرفت لاحقاً أن بدني كله سليم. ماعدا ذراعيّ وكفيّ اللواتي تهشمن في الحادث، حين كنتُ لا شعورياً أذود بهن عن وجهي وبدني. ولم يكن ظاهراً من ذراعيّ شيء بسبب جبيرتيهما. ولم أستطع حتى تحريكهما لأن الحركة كانت جدّ مؤلمة. أما أبو صماخ المسكين كان بدنه كله سليماً ماعدا رأسه المرضوخ. والذي كان ملفوفاً أيضاً بجبيرة كبيرة لم تظهر منها سوى عينيه. وكنّا نتبادل ذات النظرات القديمة بيننا، ونحن راقدين على سريرينا في ردهة المستشفى.. 

***

أنمار رحمة الله

 ...................

* راجدي أو راشدي: باللهجة العراقية تعني (صفعة). **أبو صماخ: باللهجة العراقية تعني (صاحب الرأس الكبير). 

 

شاعر

نعشك فراشة

تئز في الهواء.

يلاحقها قطيع من الأكف المصطفقة.

في انتظار وصلة أندلسية

في دار الأوبرا.

يؤديها ستون مترا من الغمام العائلي.

**

لبؤة بأربع عجلات.

وحدها صفارة سيارة الإسعاف

تكسر أغصان الوعي

بمخالب بحتها الحزينة.

**

الهاوية .

الظل يقترب من شباك العجوز.

كم هو موجع إيقاع عكازته .

وقرقعة صمته العدمي.

**

النبع الذي جن.

النبع الذي جن في مرتفعات صوتك البني.

الوقت ليس مناسبا

لقطع شحمة أذنيك

ورميها من الطائرة.

دعي الأشباح لحالها

أطلقي سراح الدلالة المعتقلة.

**

العدم عش الكينونة.

لا يزعجني الموت كثيرا

ولا قرع النعاة لطبول التأبين.

لا يزعجني النوم طويلا

متأبطا اللاشيء.

العدم عش الكينونة.

**

القطار فاكهة المسافر.

المسافة كلب سلوقي.

أرنب صلواتي منطفىء.

الأشجار شهود على مقتلي

في غابة الكلمات.

القطار فاكهتي في الشتاء.

***

فتحي مهذب - تونس

 

"إلى الجد المسن أبو المنذر نبهان،

الذي قال أمام جثة حفيدته:

اصحِ يا ريم، كان نفسي أعمل عيد ميلاد لك"

***

أنا ريم يا جدي

وكانت غزة العامرة مساحات طفولتي

وحلمي

إن بقيتَ حياً يا جدي

ورحلت الدبابات والطائرات

وأقشعت مدينتنا من تحت دخان الحرب

وعدت تزرع القمح في أرضنا

انظر يا جدي إلى السماء

ستراني ما زلت نجمة في عالمك

أرسل إليك كل مساء شعاع الأمل

***

سعيد الشيخ - شاعر فلسطيني

أتقَنتُ الرَّقصَ على اشْلائي

قبل وِلادَتِي و بعدَ الفِراق

السُّفنُ راحِلةٌ

لا تطلبُ مِنِّي التَعلُّقَ بمياهِ البَحْر

مالِحةٌ جداً

بينَ طيَّاتِها المحُ اسْراراً تَتَهادَى

مَطرٌ صامتٌ

يَهمسُ  مِنَ الصَّدى

أبقَى هُناكَ طِفلةٌ  قُربَ الشَّاطِئ

مُدلَلَةُ المَوجْ

تُطعِمُ فَراشاتِها المُلَونَةِ

تُعانقُ الخَيالَ في كُوخِها الرَّملِي

والرِّيحُ تنسِجُ المُستَحيلَ

مَلائكةُ الحَقِ  نَثرَتنِي

لُؤلُؤةً على نَحرِ القَمر

الفراشاتُ لا تُؤذي الأثير

ملاكُ الحَقِ حَوَّلنِي

نَسمَةً وضُوءٍ

ألمِس نَبضِيَ

فيه أسرارُ الشَّغفِ

ماذا  لَو لَم تُشرقُ الشَّمس؟

كُنْ فصلاً  سَرمَدياً، وليسَ كُلَ الفُصول..

كُنْ  وطناً صَامِداً

***

سلوى فرح - كندا

المُفترونَ.. يَفقأونَ عُيُونَهْ

ويَدَّعونَ أنهــمْ (حُرّاسَهُ)

ر ِجَالهُ..

قدّاسَهُ

وأنهم بعُمْرهِمْ

وأهلِهِمْ.. يَفدُونَهْ!

لكنّهُم

هُمْ باسمِهِ يُؤْذُنَهْ!

فهُمْ أولو ظَلاَلَةٍ..

وهم أولو عمالةٍ..

وهم أولو خشونهْ!

هُم واحِدٌ..

في ناديين ِاثنين ِ

ــ في مَرْمَاه ــ يَهزِمُونَهْ!

علماء (ريال ٍ)..

و(قِرْشـِ)ـلونهْ!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

٢٠١٧/١٠/٧م

 

في نصوص اليوم