آراء

رائد عبيس: التمثيل العشائري انتخابياً

السياسة في المجتمعات القبلية لها شأن خاص تختلف عن كثير من المجتمعات المفتوحة بآفق الحريات العامة، والخاصة، والبيئات السياسية المتنوعة. وهذا الحال قد نجده له أمثلة كثيرة في بعض بلدان العالم الثالث، ومنه العالم العربي الذي يتشابه مع العراق، في كثير من الصفات والخصائص. ومع ذلك تبقى لأي بلد خصوصيته المحلية، وكذلك العراق الذي يعاني من اضطراب سياسي مزمن وذلك لعدة أسباب، منها الخصائص العشائرية والقبلية التي باتت تداخل في ما هو سياسي،حتى أصبحت بعض خصائص السياسية ذات بعد عشائري وقبلي صرف. مثل: فكرة الاستقطاب العشائري – داخل العشيرة الواحدة، والانفتاح على الأوساط العشائرية المختلفة. أو التكوين السياسي ذات البعد المناطقي والعشائري لكثير من الأحزاب. حيث خلط البنية السياسية مع البنية العشائرية وجعل مبدأ التخادم وسيط فاعل  في وجود والحضور الفاعلية العشائرية -السياسية وفي السياسية - العشائرية . كان هذا واضح منذ تشكيل مجلس الحكم وحتى تجربة الانتخابات الأولى في 2005. حيث العراق كان دائرة انتخابية واحدة. والمستهدف الأول بالتأكيد هو العمق العشائري الموحد والمتعدد مناطقياً وإنتمائياً، فالهدف كان هو التعمق العشائري الأوسع،حيث وحدة العشيرة، ووحدة الحزب، وجماهيريته في مدن مختلفة ومتعددة.

وأستمر الحال كما هو عليه، حتى بدأ تقسيم العراق إلى دوائر متعددة بحسب المحافظة، وصولاً إلى مرحلة تقسيم هذه الدائرة الواحدة إلى عدة دوائر في أنتخابات 2021 بعد تغيير القانون الأنتخابي، جراء الضغط الجماهيري في ثورة تشرين. والتي سرعان ما اكتشفت فيه الأحزاب افلاسها السياسي، والاجتماعي، والعشائري، بالبعد السياسي للعشيرة – فسارعت إلى إعادة صياغة القانون الانتخابي والعودة به إلى سانت ليغو مع أضافة بعض التعديلات التي لا تضر بهم جماهيرياً. بدأت ملامح تصحيح مسار هذه الخسارة من إعادة تشكيل القوائم الانتخابية، والكيانات، والتحالفات عشائرياً.

ولعل معترض يقول: الاعتماد على العشائرية ليست بجديد في الانتخابات ! نقول نعم، ولكن الجديد في الأمر أن الصفة السياسية للانتخابات باتت عشائرية إلى حد كبير. بمعنى أن الثقل السياسي لأي حزب، أو تحالف، لم يعد بمقدوره كسب التأييد الجماهيري، والعشائري، وتحريك بوصلة الميول السياسية !  بل باتت التوازنات المناطقية العشائرية هي من تغير طيبة الحضور السياسي لأي مرشح، أو كيان انتخابي. بل بات التخادم العشائري عابر لحدود الدائرة الأنتخابية لأي محافظة، تحت مصلحة "تحريك الجمهور" خارج الدائرة - بما هو داخل الدائرة - وهذا ما يتمثل بالمؤتمرات العشائرية الداعمة لأبنائها المرشحين في كل محافظة يتم بها  التخادم عبر هذه الآلية.

وهنا نختصر هذه المعادلة بالسؤال : كيف نؤشر الضعف السياسي لأحزاب الانتخابات التقليدية والجديدة ؟ يمكن أن نحدد الإجابة عن ذلك بعدة نقاط منها :

1- مازال شيوخ العشائر عينات إجتماعية مهمة للكسب الإنتخابي.

2- لم تكترث كثير من الأحزاب لاسيما التقليدية إلى الإنتماء السياسي والولاء، بقدر ما يتركز جهدها على أقناع واجهات عشائرية سياسية للدخول معها في قائمة أنتخابية وتحالف سياسي موقت ينتهي بعد أعلان النتائج.

3- لم نلحظ أي جهد تنظيمي لهذه الأحزاب . يفوق شعبية كثير من الواجهات الاجتماعية التي يُنظر لها كأصوات جاهزة ومضمونة، لو نجحوا في كسب تأييدها.

4- التعويل على الإنتهازية كوسيط موثر بين الأحزاب، والجماهير يسهل خداعها بالمال والمغريات.

5- العمل بآلية (الفزعة) و(الوكفة) لأبن العشيرة المرشح أنتخابياً أكثر من آلية التعريف بالبرنامج الإنتخابي وحق التصويت.

وهناك عوامل كثيرة ممكن أن نؤشرها لتعليل سبب هذا الضعف الذي تعاني منه الأحزاب السياسية. فيما يقرأ في الوقت ذاته عنصر قوة داخل العشيرة لا سيما تلك التي يحصل أبنائها على مقاعد في المجلس النيابي أو المجلس المحلي. كذلك من السهولة ملاحظة عوامل الضعف السياسي لهذه الأحزاب في سعيها لهذا التمثيل، بينما تتنافس العشائر داخل هذا التمثيل الانتخابي أو الحكومي، وتعده عنصر قوة لها، بين توازناتها العشائرية، والسياسية، والحزبية،حيث التحالفات، والعلاقات القائمة على التخادم الضامن لديمومة الحضور السياسي والفاعلية الاجتماعية .

***

د. رائد عبيس

في المثقف اليوم