قضايا

آمال طرزان: قصتي عن "وهم الأمومة"

 (في مناهضة قضية الأم البديلة)

تزوجت نجلاء من زوجها خالد منذ أكثر من سبع سنوات تتميز بابتسامتها المشرقة التي لا تفارق وجهها رغم حزنها الدفين ؛ لحرمانها من تحقيق حلم الأمومة، فقد اضطرت إلى التلقيح الاصطناعي أكثر من مرة، ولكنه باء بالفشل، فقد صرح الأطباء لها ولزوجها باستحالة نجاح عملية التلقيح الاصطناعي لوجود مشاكل صحية في رحمها، إلا أنها ظلت ترد دائما العلم سيتطور ويتقدم فأجد المخرج والعلاج في يومٍ ما.

ومرت الأيام على " نجلاء" وهى تعيش في حالة من الانتظار لتحقيق حلم الأمومة والخوف من الوحدة المفترسة، وقد عثرت أخيرًا في إحدى الإعلانات التسويقية لإحدى الشركات الأجنبية المتخصصة في عملية تأجير الأرحام على مواقع التواصل الاجتماعي والذي مضمونة الأتي: أننا قادرون على أن نحقق لكِ حلم الأمومة بعد سنوات الحرمان، وذلك بتوفير الأم البديلة التي ستحمل بمولودك البيولوجي، وسوف نضمن لك طفلًا سليم البنية. لمعرفة المزيد عليك التواصل على هذه الأرقام أو من خلال موقع التواصل الإلكتروني أو بزيارة أقرب فروعنا إليك.

جاء هذا الإعلان لينقذها من الغرق في بحر الحزن واليأس، وعلى الفور تواصلت مع والدتها ودعتها لتناول وجبة العشاء معها ومع زوجها. عقب تناول وجبة العشاء الدسمة تحدثت إليهما بصوت حزين بعد إقرار الأطباء بأن مسألة الحمل بالنسبة لي غير ممكنة طبيًا، ووجدت حلًا وحيدًا لتحقيق حلم الأمومة –عليّ الإقدام عليه قبل فوات الأوان- ألا وهو إجراء عملية تعرف باسم الحمل البديل، نظر زوجها ووالدتها إليها بدهشة وتعجب!

- نجلاء: استكملت حديثها إنني سأقوم باستئجار رحم بديل ليحمل بويضة منى وتخصيبها من الحيوانات المنوية من زوجي، وسوف تتم عملية الحمل والولادة مقابل مبلغ من المال سيدفع للأم البديلة، سيصبح رحم تلك المرأة مجرد وعاء لحمل الجنين الخاص بنا.

والدة نجلاء: كيف سمحتِ لنفسك يا ابنتي أن تستغلي امرأة أخرى؛ بسبب ضيق معاشها وفقرها واحتياجها للمال بأن تستأجري رحمها وتقولي أن رحمها ليس إلا مجرد وعاء لإنتاج طفلك، فهذا أمر مناف للواقع؛ لأنه من الطبيعي أن يتأثر الجنين بالأم البديلة المساهمة في تكوينه الجيني لاختلاط دمه بدمها وهرموناتها. ألم تصاحبي نفسك في رحلة بخيالك كيف ستصبح بنية الأسرة مع هذا الحمل الذي يشارك في إنجابه ثلاثة من الأفراد أنتما بالخلايا الجنسية فقط والأم البديلة التي ستحمل بالجنين ثم تتخلى عن الطفل المولود. ألأ تعلمين يا ابنتي أنه مع الرحم البديل سينقسم مفهوم الأمومة إلى قسمين أمومة بيولوجية للمرأة صاحبة البويضة وأمومة إجتماعية للمرأة الحامل في الجنين. ويقف الطفل حائرًا بين أمه البيولوجية وأمه البديلة الذي رافق قلبها قبل عينها يأنس وحدته بنبضاتها تسعة أشهر ترى سينتمى إلى من؟ فمن الممكن أن يكون ولاؤه وانتماؤه بعد الإنجاب للمرأة التي حملته وأرضعته؟

- نجلاء: لعل رأيك متوافق مع آراء المناهضين لتأجير الأرحام في حين نسيت أنني لم أستغل الأم البديلة؛ لأن مؤجرة الرحم يحق لها أن تتصرف في جسدها بوصفه ملكا لها كيفما تشاء، وهى لا تتنازل لنا عن طفلها؛ لأنه ليس طفلها الجيني إنما هى ترد الأمانة إلى أصحابها؛ فنحن الأبوين الحقيقيَّن للطفل المولود أما بشأن ولاء الطفل فهو لن يلتقي بالأم البديلة سوى يوم مولده وهو يوم رحليها عنه، وسيصبح في حضني يتربى ويكبر وينضج

- الزوج: أخذ يوضح لها أن ذلك الأمر ليس أمرًا شرعيا، فلا تتركي حلمك بالأمومة يدمرنا، فنحن نعيش في سعادة ويجمع بيننا الحب والمودة فلما ندخل في مخالفة شرع الله، فمن حق الأم البديلة الاحتفاظ بالطفل ومخالفة العقد مع الأم الأخرى.

- نجلاء: لا تخف زوجي الحبيب فقد بحثت على الإنترنت ولقد وجدت من أباح ذلك وجعلته يقرأ إحدى النصوص الدينية في هاتفها تجيز مسألة تأجير الأرحام والذي كان نصه كالآتي: فقد استندوا إلى مسألة تأجير الثدي (الرضاعة)، استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تنصّ على أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات. ولكن يشترط أن تكون الحيوان المنوي من الزوج والبويضة من الزوجة، ثمّ يتم التلقيح في رحم الأم البديلة، ثم يتم تسليم الجنين بعد الولادة لأبوية. فنحن لن نخالف الشرع ما علينا سوى أن نسافر بالخارج لإحدى الدول الأجنبية أو العربية التي تجيز العملية بشكل قانوني حتى يصبح الأمر رسميًا وقانونيًا. أدركت "نجلاء" من نبرة والدتها رفضها القاطع للموضوع.

والدة نجلاء: ليس كل ما يقدم من فتاوى دينية يؤخذ بها؛ فلابد من إعمال العقل يا ابنتي إذا كانت الأم البديلة الحامل لطفلك امرأة متزوجة ألم تضعي في تفكيرك باحتمالية أن تفشل عملية التلقيح بعد تلقيح رحم الأم البديلة، وأن تحمل هذه مستأجرة الرحم من زوجها حملا طبيعيًا؛ فيحدث اختلاط أنساب. ألم تعلمي أن في حالة كون الأم البديلة سيدة متزوجة خلال فترة الحمل تعد محرمة على زوجها؛ لأن رحمها مشغول بحمل الأم البيولوجية وأننا بذلك يا ابنتي نخالف الدين؟

- نجلاء: من الممكن اختيار المرأة حاملة الطفل إما عزباء أو مطلقة أو أرملة لا تقلقي يا أمي فهناك الكثير من الحلول والبدائل.

ومع ذلك أصرت الأم على موقفها، في حين أنهى زوجها الجدال بنبرة شديدة ممزوجة بملامح التعاطف والخوف الشديد على زوجته رفقَا بقلبها الذي يخفق بشدة من البكاء وهى تردد "حلمي بالأمومة أريد تحقيقه قبل فوات الأوان لما تحرماني منه؟"

وأخذت الأيام والشهور تمر عليها؛ فلا فجر جديد آت يبشر قلبها بتغير الحال بينها وبين زوجها وقد لاحظ الزوج إلى أي مدى كست علامات الحزن الشديد وجه زوجته واختفت بسمتها المشرقة في ظل مشيب القلب، وشعر بأن الحياة لديها قد توقفت. ولحبه الشديد لها وخوفه على فقدانها قرر الموافقة على السفر إلى المركز الطبي الشهير في إحدى الدول الأجنبية، في حين ظلت والدتها على رفضها الشديد للموضوع. وبالفعل سافرا وعند وصولهما إلى المقر الرئيسي للمركز الطبي التقيا بأحد الأطباء الذي يدعي "جون" وهو يجيد اللغة العربية بشكل جيد.

- الطبيب جون: "أهلا بكما أود أن أخبركما بضرورة أن تخضعا إلى عديد من الفحوصات حتى نحدد نوع عملية تأجير الرحم. وهنا قاطعته الزوجة أيوجد أنواع من العملية. نعم يوجد نوعان لعمليّة تأجير الرحم: الأولى استئجار الرحم التقليدي: حيث يتم استخدام بويضات الأم البديلة التي يتم تأجير رحمها؛ مما يترتب عليه ارتباط بيولوجي بين الأم البديلة والطفل المولود نظرًا لاستخدام بويضاتها. أما الثاني هو استئجار الرحم الحملي: يتم فيه استخدام بويضات الزوجة وتخصيبها عن طريق الحيوانات المنوية من الزوج، ثم يتم إجراء عملية التلقيح الاصطناعي في الرحم الأم البديلة في هذه الحالة يرث المولود جميع الخصائص الجينية من الوالدين البيولوجيين؛ لانعدام الصلة الجينية بينه وبين الأم البديلة.

نجلاء: لكنني ارغب في النوع الثاني ....قاطعها الطبيب قائلا: "الأمر ليس اختيارك إنما سيتم تحديد نوعية تأجير الرحم عقب الفحوصات الطبية".

وبعد الفحوصات الطبية للزوجين تم تحديد إجراء النوع الثاني من عمليات تأجير الأرحام لهما . وفي هذه اللحظة غمرت السعادة الغارمة قلب نجلاء، وقد التقت بالأم البديلة وهي امرأة عزباء تشبه نفس لون بشرتها الخمرية تحكى ملامحها ذكريات من اليأس والوحدة – لثواني معدودة ترددت من إجراء العملية وشعرت بانقباض قلبها، ولكن قالت لنفسها: "لما التردد أنه يتوافر فيها جميع شروط الأم البديلة" فعمرها أقل من خمسة وثلاثين عام والفحص الطبي الذي خضعنا له يؤكد عدم إصابتنا بأية أمراض معدية بجانب سلامة صحتنا النفسية والعقلية. كما أن الفحوصات الطبية أثبتت خلو الأم البديلة من الأمراض الخطيرة، فهي لا تعاني ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري وصورة الموجات فوق الصوتية طبيعية وتقرير الطبيب المتابع يؤكد سلامة رحمها. وبالفعل تم إبرام عقد الاتفاق بین الطرفين الطرف الأول المتمثل في الزوجان، والطرف الثاني المتمثل في الأم البديلة والذي ينص على حق استئجار الرحم البدیل الخاص بها من أجل حمل الجنين المتعلق بالطرف الأول على أن يسلم المولود لهما عقب عملية الإنجاب مباشرة مع التأكيد على عدم أحقية الأم البديلة في الاحتفاظ بالطفل أو الاعتراض على تسليمه للأبوين البيولوجيين. بالإضافة إلى تحديد المبلغ المالي والنفقات الطبیة داخل العقد.

وقد تم تحديد موعد العملية في المركز الطبي حين كان يوجد عديد من الأزواج على الرغم من اختلاف جنسياتهم إلا أنهم اتفقوا على الهدف نحو تحقيق حلم الأمومة والأبوة. بل ما أثار دهشة نجلاء وخالد وجود زوجين من نفس الجنس يرغبان في الإنجاب – نعم فالشركة على استعداد لمساعدة الأزواج المثليين لتحقيق حلم الأبوة والأمومة بتقديم خدمة الأم البديلة، فقد أصبحنا مع الأرحام المستأجرة نستطيع دعم حقوق المهمشين في تكوين الأسر غير النمطية بدعوة الحرية الفردية. وبعد إتمام العملية بنجاح شعرت "نجلاء" بإقبال الحياة عليها مرتدية ألوانها الزاهية.

وجاء اليوم المنتظر التي ظلت تحلم به منذ سنوات ولكن ما أصعبه من يوم كأن عقارب الساعة لا تتحرك وزوجها يقف بجوارها وإذا بهما يسمعان صوت عالي لزوجين يتحدثان اللغة العربية بلهجة لبنانية مع المسئول في المركز الطبي بأن الأم البديلة ترفض تسليم الطفل لهما متحدثة بأن القانون المدني يمنح الطفل للأم البديلة ما هو الحل لاسترداد طفلنا؟ . توتر كل من نجلاء وزوجها وفجأة استدعاهما أحد المسئولين بالمركز لرؤية الطفل المولود، فوجئت بما لم تضعه في الحسبان أنه معاق أخذت تشكك في أنه ليس بابنها وأصرت على إجراء تحاليل DNA وقد تبين من التحاليل بأنه طفلها. فقد أصيبت الأم البديل بمرض نادر أثناء شهور الحمل الأخيرة. أخذ يهتف قلبها المكلوم لم أضع ذلك في الحسبان؟ أنني لا أرغب في استلام الطفل وأريد طفلًا بديلًا سليم البنية ثم دخلت في حالة من الانهيار فنظر إليها زوجها نظرة غضب معلن فيها الانفصال عنها بعد تجردها من إنسانيتها في تعاملها مع الطفل المولود بوصفه سلعة متجاوزا حالة الصمت قائلا: كان الأمر قائمًا على وجود التراضي والمصلحة المشروعة بيننا وبين الأم البديلة ولكن تغافلنا بأن جسد الإنسان له قدسيته وليس سلعة يمكن استئجارها.

عزيزي القارئ عزيزتي القارئة ترى كيف يؤثر تأجير الأرحام على مستقبل مفهوم الأبوة والأمومة والروابط الأسرية بشكل عام؟ هل تؤدي عمليات تأجير الأرحام إلى الإتجار في الأطفال؟ وهل ستساعد تلك العمليات من تحقيق حلم الأبوة والأمومة للأزواج الذين يعانون من مشكلات في الإنجاب، أم أنها ستعمل على فكرة الاستغلال الجسدي للنساء الفقيرات؟

***

د. آمال طرزان

في المثقف اليوم