قراءة في كتاب

صباح شاكر العكام: قراءة في كتاب "المعلم" لعدنان الحسيني

كل امة تفتخر بعلمائها وادباءها ومثقفيها، وكل مدينة او قرية يكون كل الفخر بإبراز دور رجالها ممن قدموا لها وللبشرية من خدمات جليلة. ومن قرية الحصين التي تغفو على الضفة اليسرى لشط الحلة جنوب مدينة الحلة برز المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي، الشاعر والخطيب الدكتور حازم سليمان الحلي، ان لقب المعلم الذي اطلقه المؤلف على الدكتور حازم الحلي يستحقه وبجدارة، لأنه سبق واطلق على فلاسفة عظام مثل ارسطو والفارابي.

صدر عن دار الصادق في الحلة كتاب "المعلم حازم سليمان الحلي" للأستاذ عدنان محمد الحسيني، وهو السيرة الشخصية لمعلمه واستاذه الشخصية الوطنية الشاعر والخطيب والعالم اللغوي الدكتور حازم سليمان الحلي . الكتاب يحوي على 382 صفحة من الحجم الوزيري، يحتوي على مقدمة وأربعة فصول مع ملحق وملحق للصور .

تقدم الكتاب شهادة للدكتور عدنان حسين العوادي بعنوان "حازم سليمان الحلي – صورة بألوانها "، استعرض فيها السيرة الشخصية للسيد حازم ابن قرية الحصين التي شغلته شؤونها واحوال أهلها، لقد اصبح معلم مدرستها ثم مديراً لها ولسنين طويلة فتتلمذه على يده الكثير من تلامذة القرية . نشأ السيد حازم في اسرة توارثت دراسة علوم الشريعة، ونظم الشعر والقاء الخطابة، فكان سليل المنبر الحسيني الذي تخلخل في اعماقه، فسار على سيرة اباءه واجداده لإحياء مآثر آل بيت النبي (ص) عبر القرون. التحق السيد حازم بكلية الفقه بالنجف الاشرف وهو مستمر بالدوام في احدى مدارس النجف التي نقل اليها، فكان طالباً مثابراً ونشيطا حتى تخرج منها، فكانت شهادته التي حصل عليها سبيله الى اكمال دراسته العليا في مصر ليحصل على شهادة الماجستير في علوم اللغة. فعاد من مصر لينال شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد، ثم عمل استاذاً في كلية الفقه التي كان أحد طلابها ليصبح من بعد معاون لعميدها.

تطرق الدكتور عدنان العوادي الى "ندوة عشتار"، وكان السيد حازم الحلي في طليعة الداعين اليها، وهو القائم على توثيق مسيرتها، فكان شاعر القصيدة العربية بتقاليدها العريقة وموضوعاتها العصرية. ثم تطرق الى ثقافة السيد حازم بظهور سمة "المعلم الخطيب"، فالخطابة هي قوام ثقافته، وكان له من المنبر الحسيني بدءاً، ثم منبر التعليم المدرسي، فمنبر التعليم الجامعي، والتي كانت تعبيراً عن النزوع الجمعي فكانت غايتها ان يُبّلغ الخطيب رسالته الى متلقيه بحيث تكون واضحة ومفهومة .

في الفصل الأول تطرق المؤلف الى نشأت حياة الدكتور حازم الحلي وسيرته العلمية، فذكر تاريخ ولادته التي صادفت النصف من رمضان عام 1354هـ المصادف 25 كانون الأول من عام 1935م في قرية الحصين، وكان والده قد درس في حوزة النجف الاشرف فتعلم تفسير القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية فيها، فاصبح من خطباء المنبر الحسيني، ومرجعاً في المسائل الفقهية والشرعية لسكان قرية الحصين والقرى المجاورة لها، وذكر نسبه واسرته (اخوته واخواته) وحياته العائلية . ثم تطرق المؤلف الى دراسته الابتدائية في مدرسة الإبراهمية الابتدائية التي تقع في الضفة الأخرى لشط الحلة لعدم وجود مدرسة في قريته الحصين، وعندما أصبح في الصف الخامس الابتدائي عام 1953م قام بفتح صف لمحو الامية في مضيف شيخ قريته ومختارها السيد ضايع كريم لتعليم شباب القرية الأميين القراءة والكتابة.

ان فتح صف لتعليم شباب القرية الاميين وهو لا زال في الصف الخامس الابتدائي يدل على موهبة كبيرة ومقدرة عالية يتمتع بها السيد حازم الحلي بالرغم من صغر سنه.

ولعدم وجود متوسطة أو اعدادية في قرية الحصين فقد أكمل السيد حازم الدراسة المتوسطة في متوسطة الحلة للبنين والثانوية في ثانوية الحلة للبنين ليتخرج منها عام 1958م، ثم دخل دورة تربوية لمدة سنة واحدة ليصبح معلماً في مدرسة التقدم الابتدائية التي فتحت في قريته الحصين عام 1959م، ثم أصبح مديراً لها.

لم يكتفي السيد حازم بشهادة الدراسة الإعدادية فدخل كلية الفقه في النجف الاشرف عام 1964م، فدرس فيها الفقه الإسلامي وعلوم اللغة العربية ليتخرج منها سنة 1968م، وينتقل الى التعليم الثانوي ليعمل في ثانوية 17 تموز للبنين في الحلة.

حصل السيد حازم الحلي على قبول في كلية دار العلوم في القاهرة لنيل شهادة الماجستير في الادب العربي فحصل عليها سنة 1978م، وبعد عودته الى العراق نقلت خدماته الى وزارة التعليم العالي سنة 1979م استاذاً في كلية الفقه جامعة الكوفة، وهي الكلية التي حصل منها على شهادة البكالوريوس. لم يكتفي السيد حازم بشهادة الماجستير بل حصل على شهادة الدكتوراه من كلية الآداب جامعة بغداد. وقد استمر استاذاً في كلية الفقه، ثم معاوناً لعميدها حتى خروجه من العراق سنة 1991م على أثر مشاركته في انتفاضة آذار(الشعبانية) التي حصلت ضد نظام حزب البعث بعد هزيمة الجيش العراقي من الكويت.

تطرق المؤلف الى إمكانية السيد حازم كشاعر وخطيب، فقد نشأ في كنف والده السيد سليمان مرزة الحلي، الذي كان حوزوياً وشاعراً، فلازمه في حله وترحاله، فوجهه لحفظ سور من القرآن الكريم ونصوص من نهج البلاغة وبعض المختارات الشعرية، فكان يمتلك الجرأة الأدبية والقدرة العالية في أداء ما استحفظه في المجالس الحسينية. لقد كان للسيد حازم موهبة عالية في حفظ الشعر، فقد كان يحفظ قصائد بكاملها لقدامى الشعراء. لذلك فقد برع في نظم الشعر، فكان يلقي شعره في كل المناسبات الدينية والوطنية التي حضر فيها سواء كانت في قريته أو مدينة الحلة، وقد شارك في مهرجانات الخطابة عندما كان طالباً في مرحلة الثانوية، كما كان يلقي شعره في الاحتفالات التي تقام في كلية الفقه عندما كان طالب يدرس فيها، أو عندما أصبح استاذاً فيها. لقد تميز التاريخ الشعري للسيد حازم بتوثيق المناسبات التي حصلت في قريته أو في مدينة الحلة أو في مدينة النجف الاشرف.

في الفصل الثاني تطرق المؤلف الى "ندوة عشتار" التي ولدت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وهو تجمع ثقافي ضم لفيف من الادباء والمثقفين الحليين، يُقرأ فيه نتاجاتهم الأدبية من شعر وقصة قصيرة، ويعرض الفنانون التشكيليون لوحاتهم والمسرحيون نتاجاتهم المختلفة، وتتبادل فيه الأفكار الأدبية المختلفة الأنماط الشعرية والنقدية.

كان السيد حازم الحلي صاحب فكرة تأسيس الندوة، حيث كان الاجتماع الأول في داره ومنها انبثقت فكرة تأسيس الندوة وانتخاب هيئتها الإدارية وانتخب السيد حازم أميناً لسرها.

لقد كانت مساهمة السيد حازم الحلي في اماسي ندوة عشتار فعالة سواء بإلقاء قصائده الشعرية في المناسبات الدينية والوطنية، او تقديم أوراق نقدية حول القصائد الشعرية أو القصص القصيرة التي تلقى في الندوة منذ انطلاقها في آذار 1971م حتى توقفها في آذار 1973م بعد ان نظمت 33 أمسية.

في الفصل الثالث تطرق المؤلف الى انتفاضة آذار (الشعبانية) سنة 1991م التي اندلعت في البصرة وامتدت الى مدن الوسط والجنوب وبضمنها مدينة الحلة ضد نظام حزب البعث الحاكم، على أثر هزيمة الجيش العراقي في الكويت من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. لقد كان للدكتور حازم الحلي دور بارز في التنسيق بين ثوار الحلة والنجف، فكان ينقل التوجيهات من النجف الى المنتفضين في الحلة. وكان للدكتور حازم الحلي دور في مساندة وتشجيع الشباب على الثورة والنهوض ضد نظام القمع البعثي الصدامي، ولكن بعد أيام من تحرير الحلة اجتيحت من قبل قوات السلطة البعثية مستخدمين المدفعية والدبابات والطائرات السمتية واستطاعت قمع الانتفاضة والسيطرة على مدينة الحلة.

بدأت رحلة الدكتور حازم الحلي وعائلته من مدينة النجف متوجهاً الى الديوانية ثم الكوت في محاولة للخروج من العراق نحو ايران، فلم يكن هنالك سبيل للخروج منها فاتجه نحو العمارة ثم الى بغداد ثم الى الموصل وتلعفر محاولاً التوجه نحو سوريا، فكانت الأمور من الصعوبة الوصول الى الحدود السورية، فرجع الى الموصل ومنها الى أربيل والتوجه نحو الحدود الإيرانية عن طريق حاج عمران حتى وصل الى مدينة (خوي) ثم مدينة (قم) وعمل فيها أستاذاً للغة العربية في جامعة الامام الصادق .  لكن الظروف التي وجدها في ايران غير مشجعة لبقائه فيها منها الخلافات بين الفصائل المعارضة لنظام البعث، والتي يأس من التقريب بينها، وعدم قبول بناته في الجامعات الإيرانية مما اضطره في عام 1992م الى ترك ايران والتوجه الى سوريا التي قضى فيها عدة أشهر ومنها انتقل الى ليبيا عن طريق تونس. وفي ليبيا استقر في مدينة الزاوية التي تقع في اقصى الغرب الليبي، فعمل في جامعة السابع من ابريل أستاذاً للنحو واللغة العربية، واستمر فيها الى نهاية شهر أيلول عام 1995م، وقد قضى فيها قرابة ألاربع أعوام .

غادر الدكتور حازم مع أسرته ليبيا الى المانيا، فعمل في جامعة نوتردام الإسلامية في هولندا لتدريس النحو والصرف وعلوم القرآن لمدة سنتين، ومنها حصل على درجة الاستاذية للمرة الثانية (حصل عليها في المرة الأولى من جامعة الكوفة في نهاية عقد الثمانينيات). وفي المانيا عمل في جامعة غيلنغن في جنوب المانيا وقد أشرف على عدة رسائل جامعية.

تطرق المؤلف الى زيارات الدكتور حازم الحلي الى العراق بعد سقوط نظام البعث عام 2003م، وكانت زيارته الأولى الى الحلة سنة 2005م ترافقه زوجته، فزار قرية الحصين حيث الحنين الى الطفولة والصبا والشباب وتفقد بستانه التي قطعت اشجارها آليات السلطة البعثية بعد انتفاضة 1991م، وبعد ان تفقد اهله واقربائه وأصدقائه وترحم على المتوفين منهم، زار حسينية الزهراء والقى محاضرة حول الخلافة والتنافس الذي شهدته سقيفة بني ساعدة بُعيدة وفاة النبي(ص) عام11هـ لاختيار خليفة المسلمين. كما زار جامعة الكوفة والتقى مع زملائه في كلية الفقه ومن تبقى من معارفه في النجف الاشرف، ثم عاد بعدها الى المانيا. بعدها تكررت زيارات الدكتور حازم الحلي الى العراق وبفترات متباعدة، وشارك أثناء زياراته بعدة نشاطات ثقافية واجتماعية أقيمت في محافظات النجف الاشرف وبابل وكربلاء، وفي رحاب جامعة الكوفة وجامعة بابل وبعض المنتديات والتجمعات الثقافية والاجتماعية، والقى فيها محاضرات ثقافية وقصائد شعرية.

في الفصل الرابع تطرق المؤلف الى مؤلفات وبحوث الدكتور حازم الحلي التي ابتدأ فيها منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان طالباً في كلية الفقه، واولها تحقيق ديوان جده السيد مرزة الحلي في مراثي آل البيت (عليهم السلام)، حتى آخر كتاب له (علي مع الحق والحق مع علي). فقد استعرض المؤلف مؤلفات الدكتور حازم الحلي التي بلغت 15مؤلفاً، شملت ديوانه الشعري اطلالة الفجر، تحقيق ديوان السيد مرزة الحلي، اطوار المعجم العربي، الشريف الرضي وجهوده النحوية، القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة، السيد حيدر الحلي شاعر عصره، الاصفهاني المؤرخ الادبي، النبي وآله في الشعر العربي، الحلة واثرها العلمي والادبي، موسيقى الشعر العربي، أثر المحتسب في الدراسات النحوية، أضواء على ندوة عشتار، اول حماة الإسلام أبو طالب ولاميته، الجهاد الليبي في الشعر العراقي، علي مع الحق والحق مع علي.

كما تطرق المؤلف الى بحوث ومنشورات الدكتور حازم الحلي على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ذكر منها: المعنى واللفظ في العبارة، فلسفة التاريخ في الفكر الإسلامي، قبس من اسرار القرآن، من بديع القرآن وتضمن معنى القطمير والنقير والفتيل، من بيان القرآن، المحاولات الفاشلة لمسح اسم الحلة، مظلومية الامام علي(ع)، مع سيبويه وشيخه الخليل، عبقري من الحلة (سيرة الشيخ عبد الحسين الحلي)، اعتداء داعش على قبر الصحابي حجر بن عدي، مولد الامام الحسن (ع)، مولد الامام الحسين (ع)، لا تصدقوا كل ما يقال، عيد الفطر السعيد، السلام عليكم أسود العرين (وهي قصيدة بحق القوات المسلحة والحشد الشعبي الذين حرروا ارض العراق من احتلال داعش)، من أدب قراءة القرآن وفضل قراءته.

في ملحق الكتاب ملف لابن عم الدكتور حازم الحلي السيد شاكر محمد الحلي بعنوان (الدكتور حازم سليمان الحلي قدوة وصديق) تناول فيه علاقته المميزة مع الدكتور حازم عبر عقود من الزمن منذ الولادة وحتى انتقاله للسكن في مدينة الحلة، ولولع السيد شاكر بالشعر فقد تأثر بشخصية الدكتور حازم المتميزة وجعل منه قدوة في حياته. وقد تطرق الى بعض المواقف والاحداث التي حصلت وكان له دور متميز فيها، وتطرق الى القصائد الشعرية المتبادلة بينهم.

وفي نهاية الكتاب ملحق للصور الخاصة للدكتور حازم الحلي ولبعض النشاطات الثقافية والاجتماعية التي ساهم فيها عند زياراته الى العراق.

***

صباح شاكر العكام

في المثقف اليوم