تجديد وتنوير

مؤيد ال صوينت: الشيعة والبناء الموازي

يبدو للتتبع التاريخي الرائز للمقولات الشيعية إمكانية الكشف عن نسق مضمر من المضامين المنغرسة في الهيكل البنيوي للأدبيات الشيعية، وهو ما يفسر على نحو واضح طبيعة الثنائيات الحاكمة للفاعلية الشيعية ولاسيما في عراق ما بعد 2003، وإذا كانت الثنائيات متعالقة بشكل منهجي مع المقولات البنيوية، فإن طبيعة الثنائيات الشيعية هي أقرب إلى البناء الموازي منه إلى المقولات المنهجية للبنيوية، هذا البناء يقوم على ثنائية المركز- البناء وما يساوقها من اجتراح شيعي مواز، ففي حين يوسم القران الكريم بمركزية محورية في المعتقدات الإسلامية قدّم الشيعة الدعاء بوصفه مساراً موازياً كجانب تعبدي مع القران الكريم، فمن النادر أن تجد بيتاً شيعياً لا يحتفظ بكتاب أدعية –مهما كان سنده وصحة ما ورد فيه- بجانب القران الكريم، ومع أن القران الكريم ذكر الزكاة في عشرات الآيات إلا أن البناء الموازي قدّم الخُمس المذكور في آية واحدة مُختلف في تفسيرها كسلوك تعبدي يوازي الزكاة بل لعله أكثر أهمية في الادبيات الشيعية، ورغم أن الحج من فروع الدين عند الشيعة الا انهم قدموا الزيارة بوصفها البناء الموازي لفريضة الحج، وسطروا عشرات الروايات في فضل الزيارة رغم أن الحج مذكور في القران الكريم لا الزيارة، ويمكن تعميم هذا المعطى على ثنائية عيد الغدير بإزاء عيد الفطر والأضحى، والقسم بأبي الفضل العباس إزاء القسم بالله، هذا الإرث التاريخي انعكس على السلوك الشيعي تجاه الأسئلة الجوهرية التي واجهت التجربة الشيعية عند تعاطيها مع الواقع العملي وليس التعبدي فقط، فقدمت الأدبيات الشيعية الحوزة بوصفها بناءًا معرفيا موازيا للجامعة، وقدمت المرجعية بوصفها بناءًا موازيا للسلطة، وقدمت مدير مكتب الوزير بوصفه بناءًا موازيا للوزير، وقدمت الهيئات الاقتصادية بوصفها بناءًا موازيا للمالية -الدولة، وقدمت الفصائل المسلحة بوصفها بناءًا موازياً للجيش النظامي، وهذا البناء الموازي يمكن تتبع تمفصلاته حتى في ثنائية المسجد- الحسينية، ولعله يفسر الى حدّ ما قيام العشوائيات في المناطق الشيعية بدلا من بناء مدن حقيقية جديدة رغم أن مساحة الأرض المستغلة واحدة! فضلا عن تقديم الفاعل الشيعي لكل ما هو رثّ من أشخاص –سياسيين وإعلاميين – كبناء مواز للنخب والمؤسسات.

***

د. مؤيد ال صوينت

في المثقف اليوم