أقلام ثقافية

العالم يبدأ من جلدك

ishraf sherazاللمس فعل محبة واقتراب .. والحرمان من اللمس أكثر شراسة من وجع الضرب.

أما زالت حواسنا ساذجة ..؟

في زمن اخترعت فيه الحواجز الإلكترونية.. وتبوأت في حياتنا مركز الطليعة.. نحن من نختفي خلف مساحيق التكنولوجيا المتبرجة.. كلنا متورطون في استخدام أدواتها الفاتنة. زرعت بيننا مسافة جافة.. وبينما نحن نتلف تدريجيا في انسجامنا مع الحياة الحديثة الرقمية .. التي تدفعنا إلى الأمام لتسقطنا لا إراديا، ونحن نتعامل مع تكنولوجيا تتنكر لكيمياء اللقاء.. أصبح جلدنا عاجزا عن تلقي المحبة.

الأيقونات التعبيرية المكتنزة .. تشبه الفرق الواضح بيننا .. وقد مدت أذرعها الطويلة لتعانقنا مثل أغنية هابطة.. تغمرنا بمشاعر تحمل ولا تلد .. تجمعنا كلنا في حفنة .. تسرق ذواتنا.. تأخذ بطاقاتنا الشخصية .. وتبيعنا. حينها فقط عرفت أنها تحمل لنا قدرا كبيرا من الشراسة.. وعرفت فداحة خسارتنا.

الأجهزة برغم عظمتها وجلال خدماتها .. مجروحة بالعتاب لأنها بقصد أو بدون قصد.. أساءت لسمعة البشرية. إنها التكنولوجية بكل ما استطاعت من تأليف، جريمة موفقة.. ولعنة لعلنا لا نستحقها.

الوسائل التي تدعي التواصل. أوصلتنا إلى حد القطيعة .. إننا نتباعد ونتوارى كعورة في مجتمع مكبوت.. ظهور شعرة تسيل لعابه.

تأخذ الملامسة صفة القرب.. ولأن أجسادنا لا تباركها الأيدي.. نحن نعيش زمن الجوع إلى الأحضان الصادقة..

أذكر تلك اللمسة التي أبلغته المستحيل .. ذلك المنبوذ المريض في جلده.. مرضه الذي يؤمن بالعار.. عاش كشيء لا يجب لمسه.. تصحرت روحه فبات كحيوان نافق .. حين مد يده ولمسه السيد المسيح الممتلئ بالقدرة بلمسة شافية .. منحه لمسة رممت ثقوبه .. واغترابه .. ملأه بصنف فاخر من العلاقة كانت أول شفائه ... جعل عذابه الأول مثل مياه هاربة... ورفعت كيانه كمسلة .. تراه بعد ذاك إنسانا كاملا وقد أدركته المحبة في جلي فرحه فائض.. هذا ما حدث بالأمس ويحدث كما اليوم كما غد .. كما بعد بعده ..

إنها اللمسة.. المفردة المقنعة التي تلين القلب.. لها طاقة شفاء وسلام .. لنلامس بعضنا بمحبة وطهارة .. ولا نكف أبدا عن المحاولة... لنتصافح فاللمسة الحقيقة التي تصدق وكل ما عداها كاذب، يتبخر كأيَ وهم.

 

أحب أشيائي بقلب كامل ..

لا قيمة للأشياء عندما نمتلكها ..هي كشيء تافه.. كلا شيء... نعم نفرح بها في البدء بقوة شديدة وننغمس فيها بشكل أعمق.. نحلق بها ساعة في الأعلى فيسطع نجمها.

ثم ينتقل اهتمامنا سريعا إلى فضاء أرحب.. فيمحو ما فرحنا به توا من الدائرة التي كانت تقفز فيه... ليس فجأة وليس تماما .. لكن سطوعهايخفت ثم يخبو ثم يدخل في عنوان آخر في اطمئنان مهيب... بدون أن نخشى ضياعه.

...

كم نحن مخلصون لأشيائنا بشكل عكسي... بل نتمرد عليها كما لو كان يربكنا وجودها لنجدد العهد مع البدائل التالية ..أشياء عديدة لا تكون لنا فيها مأرب... ولا تغرس ثباتنا إلا لوقت موجز قبل استبعادها مجددا ... نرتبها ترتيبا تنازليا بحسب تاريخ امتلاكنا لها.. وترتبنا هي الأخرى بقدر ما تتسع روحها لنا بالصبر... وبقدر فرصتها الوجيزة كبائسة... فترى بكاء الأشياء حين تنظمَ صاغرة إلى معسكر المهمل.

أشياؤنا المفزوعة منا، ترى حياتها بجوارنا قصيرة .. غير منصفة.. فيما التغيير لصيق بنا كالحبل السرَي فلا يود قطيعة... بحجة التقادم .. بحجة المولع بالبدائل .. بحجة المهووس بالشراء.. بحجة النوبات التي لا تعرف الشفقة ..

نريد القبض على كل شيء.. الأشياء التي تحفل بالأسماء .. تلعب لعبة الكراسي ثم تتحول إلى أرصدة فارغة .. إلى الأرفف الخلفية .. إلى الأدراج.. إلى نباتات جافة... وأمام جبل عظيم من الجماجم .. ومن فرط التكدس.. وكل الكراكيب التي تُركل.. نتحول إلى جامعي قمامة.

نلاحق دائما بكارة الأشياء.. وما هو ليس لنا .. ونواضب.

الأشياء التي لن يكون حظها أفضل من أسلافها لدينا.. إننا ندير رغباتنا بشكل سيء.. من يطيق هذا الامتلاء!!.

ماذا نفعل لو دبرت لنا الأشياء بقلبها المفطور مؤامرة ..أشياؤنا التي إذا توجعت لن تغفر لنا ولن تدَخر جهدا لتصفعنا.. كأن تسقط سقوطا عظيما، وتتهشم.. فتنتحر جميعها دفعة واحدة .. أيَ خسائر بظنَنا سوف نتكبد!

أنا المرأة التي تثـق في أنــــــاقة الاختيـــار.. إذا امتلكتُ شيئا تعلقت به فيصبح لديَ كاملا وغير مهدد بالاهمال .. كما لو كان بيننا صلة قربى.. فأقنعه كل صباح أنه جزء مني.. كنز عمري.. فيتدفــأ عليَ وينــــام.

أحب أشيائي القليلة .. أحب أشيائي الصغيرة جدا .. والمتناهية في الصغر.. لست من أضيع وقتي في رشوة الرغبات الفسيحة.. فنسيان ما لديَ والرغبة الرحبة في امتلاك ما ليس لي، يقودانني إلى وحشة هائلة.

وأنا أدخل حالة تأمل .. التأمل الذي يدخلني في أخطر المعارك الوجودية .. فأتساءل:

هل للأشياء أرواح؟؟

عليك أن تثق في ذلك .. إنها تفيض بالروح الحية وبأعظم الإحساس.. تتسلل إلى ذاكرتك المقدسة .. حين تكون عجوزا على مقعدٍ هزاز وأنت تسعل.. تتنفس بصعوبة لولا ملاك الأشياء التي تُقبل رئتيك بكل ألوان الله الزاهية .. فتشفع.. وهذا ما تريد الأشياء رسمه .. ملامحك.. فتدق لبهجة حياتك التوابل لطعم أطيب.. حين تتغير أيامك وتصير في الوحدة حـــــــــــــــــامضة.

 

إشراف شيراز

 

في المثقف اليوم