أقلام ثقافية

العقل والدين!!

sadiq alsamaraiالعقل: الحِجر والنُهى، ضد الحُمق، والمعقول ما تعقله بقلبك، والقلبُ العقل، وعقل الشيئ يعقله عقلا : فهمه.

ويعقلون: يفهمون.

وكلمة يعقلون تكررت كثيرا في القرآن، الذي فيه تأكيد وتعظيم للعقل ودوره وضرورته للحياة والوعي والإدراك السليم لجوهر الأفكار ومعاني الدين.

فبدون العقل ينتفي الدين، ولولا العقل ما معنى الدين، وإن "إقرأ" الكلمة الأولى التي ترددت في غار حراء وهي  نداء موجه للعقل، وإقرار بأن الدين خطاب عقلي، ومن ضرورات سلامته وإستقامته العقل السليم.

فأين العقل في منطق ومناهج المدّعين بالدين؟

 إن العديد من الأديان لتهمل العقل أو تقلل من شأنه، لكن القرآن يركز على العقل بأسلوب واضح ومتكرر وبخطاب شديد، وكأن الآيات التي تنتهي بكلمة "يعقلون"، ذات شحنات إيقاظية ونداءات قوية وطاقات إمعانية.

وكم ترددت كلمة " أفلا يعقلون"، وكلمة "يتفكرون"  لكن الدين الذي يبدو في الواقع المعاصر بلا عقل، أو أن العقل ممنوع من الدين، فلا يجوز للعقل أن يكون حيث يكون الدين، وما على الناس إلا أن تتبع وتخنع وتخضع لمن يدّعي بأنه يمثل الدين أو هو العارف بالدين، بل أن الأمر قد إتخذ أساليب عجيبة نقلت البشر إلى مصاف القدسية وربما التفويض الإلهي، وغيره من الإضفاءات التي ما تمتع بها حتى الأنبياء والرسل في تأريخ البشرية، فما عاد للعقل وجود ودور في الحياة الدينية وإنما هي الإنفعالات والعواطف، والنفوس الأمارة بالسوء الداعية لإطلاق المطمورات السيئة الكفيلة بتدمير الحياة والسعي للموت الذي تحسبه الحياة.

إن "إقرأ"، "تعقل"، تفكر"، أركان أساسية من أعمدة الدين الذي يتلخص في القرآن، وبدون العقل والتفكّر لا قيمة للدين ولا دور إيجابي له في الحياة، والذي يتبع دينا بلا تفكّر وتعقّل لهو كالبهائم الراتعة في مرابع الجزر الأكيد.

إن ظاهرة عزل العقل عن الدين من أخطر الممارسات التي عانت منها البشرية على مر العصور، وبرغم التأكيد على العقل في القرآن فأن الإجتهاد بنفي العقل وإقصائه من أفظع الممارسات التي عانت منها الأمة على مر العصور، وأسهم في تعزيزها المئات من أدعياء الدين المتنعمين بعطايا الكراسي والسلاطين الذين يريدون تمرير رغباتهم وفقا لرؤى وتصورات دينية، وما هي إلا أضاليل وبهتان مشين.

وعليه فأن الأمة بحاجة لإذكاء العقول وتحفيزها وإطلاقها حرة في مواكبة التحديات وصناعة الحياة، وإن الدين في جوهره يدعو إلى حرية العقل والتفكير، وينكر التحجيم والإنغلاق والتعفن والتحجر في أقبية السكون والخواء، وإن الدين في العقل، والعقل هو السبيل الأنور للدين، أما الذين يعطلون العقل وفقا لأهوائهم، فأن الدين عندهم بضاعة يتاجرون بها، ولا تعنيهم سوى مكاسبهم الدنيوية الباهتة.

و "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون" 2:242

فأين العقل يا أمة يعقلون؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم