أقلام ثقافية
تغييب التبّصّر
لعُمُق النّظرة طموحاتٍ تختلفُ في مراسيها من كائنٍ لآخر. ذاك التّركيب الكرويّ المُستدير الّذي يستقبلُ الضّوء بأبعادٍ مُختلفة. فيأخذُ المضمون ويحوّله الى إشاراتٍ كهربائيّة ويُرسلهُ كمادةً فعّالةً ينبغي التّعاملُ معها كمكوّن. فيستجيبُ لها الدماغ ويُحوّلها إلى فكرٍ مُعين أو عالم آخر أو وجودٍ ما .
إنهُ البصرُ النّافِذ الّذي يرمي بشباكهِ على طُعمه فيرتشفهُ غذاءً فكرياً، يتحوّل إلى مادةً دسمة على موائِد الإبداع .
إنّهُ الاختلاف التّكويني للبصر والبصيرة من فردٍ لِآخر. فالنّظرة السّطحية لكُلّ تفصيلٍ من نصيب كثيرين، لكنها لم تَكُنْ يوماً شيئاً في قواميس المُتنّفذين .
مُتنفذي العِلوم ومُتبّحري الوجود بحقائقه وخفاياه الّتي تملأ قلوبهم بومضات وهّاجة، تتعاظمُ في ذاتهم حتّى تتحوّل إلى موجودٍ شاهقٍ كالشفق القُطبي. يملأهم دهشةً ويُظهروا روعة إنجازهم للعالم حتّى يرى ما يجهله في هذا الكون العجيب بتفاصيله الغريب في موجوداته! فيوّظفوه شُعاعاً نفّاذاً بأريج البلسم العذب الذي يُعالج الجراح المُتعطشّة ويمحو شوائب الجهل ويتحوّل إلى قوامٍ غني يكسو تصدّعات الافكار .
بِرجاءٍ يملأ عِرقَ اُمةٍ كبيرة أنْ يكفينا توكؤاً على عصا الغير. البـُنية الروحية تطمحُ للارتقاء والاعتماد الذاتي في البحث والتقدم العلمي والعملي والتّوظيف الفعّال لمراسي الوجود بعملٍ جادّ لاستخدام البصر النّافذ. وهي حاجة روحية مُلّحّة لتطوير الذّات وابتداع مهنٍ جديدة على صعيد البُعد الجُغرافي لبُقعةٍ ما.
أما آن الاوان لسُحُب المعرفة أن تتجمّع يوماً على سماء بقاع الشرق لتمطر علوماً وفيرة وتروي ظمأ شغف العقول المُتعطشة لابتداع افكار ومِهن ذاتية ؟
البصرُ يبكي اهتماماً ويحتفظُ بنظراته النفاذة لموجودات محيطه وبَعدها يُغلقُ الأجفان على استكشافاته المُحتّم عليها بِظُلمةِ الاقدار
للكاتبة سجى حامد الجزائري