أقلام ثقافية
لحظة تأمُّل !
إن الكون مليء بالخفايا والأسرار منها ما اكتُشِف ومنها ما جُهِل ومنها ماهو قيد البحث والاستكشاف.
ورغم هذا وذاك فاننا في وسط هذا الكون الشاسع بتفاصيله العميقة كالإبرة وسط القش .
ولكن لو نظرنا إلى التفاصيل الظاهرة أمامنا على وجه الأرض لوجدنا أن لكل سبب مُسبب !
فمثلاً نرى أن الله تعالى جعل لكل موجود هناك مصدر آخر مرتبط به بصورة مباشرة او غير مباشرة، يستمد حركته وديمومته منها. فالنبتة تستطيع البقاء ما دامت جذورها باطن الأرض. والجذور تستمر بالبقاء ما دامت تستمد الأملاح والمعادن من التربة، والتربة تعطي مكوناتها ما دامت رطبة وكذا الجذور تستمر بإمداد النبتة بالحياة ما دامت تشرب الماء. أما الماء فمصدره المطر القادم من تشكل سحابات محملة بالماء تكونت نتيجة لعوامل فيزيائية تجري على البحار والأنهار. هذا بالنسبة للجزء الداخلي للنبتة، أما الجزء الظاهر فيبقى حياً ما دام متعرضاً لأشعة الشمس. وهكذا لو أردنا تتبع تفصيل كل مخلوق على وجه الأرض لوجدنا له عدة مسببات متصلة بعضها ببعض..
إذاً، هي منظومة حيوية متكاملة تستمد ديمومتها عن طريق شبكة علائقية متكاملة تنتهي بالنتيجة إلى مؤثر حيوي تمت خلقته لضمان بقاء الحياة واستمرارها. فالمنظومة الحياتية قائمة على أساس الأسباب الظاهرية غير الإعجازية أو الغيبية لتحقيق مُعادلة مُتزنة ومتكاملة ليتحقق الهدف الأسمى لسبب التكوين وعلّة الإيجاد.
أما البُنية التكوينية لأعظم مخلوق في الكون ألا وهو الإنسان فنجد أن الجسد مكوّن أيضاً من عدّة أعضاء مُرتبطة بعضها بالأخرى لضمان استمرار عملها كمحرك للجسد وكمكملات لوظائف عدة يتضمنها الجسد.
فالمخ الذي هو المصدر الحيوي الأكثر أهمية في جسد الإنسان يستمد بقائه وديمومته من باقي أعضاء الجسم فلا يمكن له الاستمرار من غير توفير ذاك السائل الاحمر المتمثل بالدم الذي تنقله له الأوعية المتصلة بالقلب وهو مضخة الدم لجميع أجزاء الجسد وكذلك حاجته للهواء والذي توفره الرئتين وكل هذه المكونات الداخلية لها علاقة بالمكونات والعوامل الخارجية لضمان استمرارها وعدم تلفها .
لذا فجسم الإنسان عبارة عن شبكة معقدة يرتبط بعضها بالآخر لتقويم هذا الجسد وضمان سلامته.
وهنا يُعقد تساؤل عن المحرك الأساسي لهذا الجسد؟ هل إن هذه الأعضاء الداخلية والخارجية هي المحرك والضامن لديمومة هذا الجسد ؟!
الجواب، إن الله تعالى خلق مخلوقاً عظيم الشأن غير مرئي ولا ظاهري ألا وهو الروح، وأودعها في هذا الجسد لتكون المدير المدبر له. ودونها ينتهي هذا الجسد ويصبح بلا قيمة وفائدة وتنتهي علّة وجوديته.
وبما أن الخلق بأجمعه يعمل وفق الأسباب المرتبطة واحدة بالأخرى فبمَ ترتبط الروح ؟ وماهو محركها؟
قال تعالى: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أُوتيتم من العلم إلا قليلاً".
إذاً فارتباط الروح مباشر بأمر الله وهذا يبرهن عدم قدرة العلم مهما اتسع وتطور في معرفة ماهية الروح! ولا بد أن يصطدم العقل في تفكيره بحواجز لا يستطيع اختراقها أو تحملها مهما اجتهد لأنها من الغيب المطلق !
ولكننا نستطيع أن نحول الفكر إلى شيء آخر يخص الروح. فإن كانت الروح بهذا الثقل والرفعة فكيف نرتقي بها؟ لتبدأ سلسلة أفكار جديدة تتدفق إلى أودية الحجا وتلتقط دُرر البحر الثمينة وتضعها في تلك الأودية لترتقي بقيمتها !
بقلم سجى الجزائري