أقلام ثقافية

أهمّيّة الإختراع وحتميّة التّوازن

الحياة قائمة على أساس التّوازن، سواء أكان هذا التّوارن طبيعيٌ مقرون بطبيعة خلق الكون أو التّوارن الذي يصنعه البشر . فكلّ اكتشاف او اختراع قام به الإنسان على مرّ القرون جاء بما يناسب وقته وبتوفّر العناصر والأسباب الأساسيّة لاختراع او اكتشاف شيء ما .

وعند تتبعّ الأسباب النّاجمة عن اختراع أكثر الأشياء تأثيراً وأهمّيّة للوجود، نجد أنّ سبيل اكتشافها كان محاطاً بهالة من الضّغوط والاضطرار وظروف صعبة ومتشابكة، وجد الفرد عندها أنه بحاجة ماسة إلى هذا العنصر. فتحرّكت بداخله كوامن الإبداع لابتداع شيء يواكب متطلبه. ولا شكّ أنّ هذا المخرون الإبداعي بداخله لم يكن ليكتشف لولا الاضطرار والحاجة. فانكفأ يبحث ليجد ضالته التي ستغدو فيما بعد شيئاً مهمّاً يخدم البشريّة كافّة.

كثير هو التساؤل حول الحكمة من خلق الباطل في هذا العالم؟ ما الحكمة من بقاء الأشرار على قيد الحياة يصنعون الحروب والقتل والدّمار. ينتجون الاسلحة والمتفجرات الّتي هي أساس خراب العالم والسّبب الرّئيسي لفناء مجتمعات باكملها.، فالأسلحة الكبيرة عندما تقيض بأيدي الأشرار لا شك أنّها ستؤدي إلى هلاك الحرث والنسل .

الحكمة الكونيّة دائماً ما تعطي أسبابها وغاياتها . فإنّنا لو أحطنا بالخير المطلق والعدل والمساواة والحبّ والاستقامة والرّاحة المطلقة المشتملة على جميع بني البشر، فإنّنا ومن ناحية سنأخذها بغض النّظر عن عدة نواحٍ لما استطعنا أن نلتمّس الحاجة النّاجمة عن فعل الاضطرار الّذي يؤدّي بالنتجية إلى الاختراع والاكتشاف ؟ إنّ الاكتشاف هو أحد مفاتيح الغموض الّتي تحيط بهذا الكون العظيم وهو باب موصد بعدة اقفال مختلفة التصميم. تولج لنفس الخارطة وتفتح باب المعرفة والاختراع .

العالم الامريكي صامويل موريس مخترع جهار التلغرام يعدّ أنموذجا حيّاً لمدى براعة الإنسان إن أراد الغوص في عمق هذا العالم واستخراج الجوهرة بجو يحيطه الخذلان والإهمال. فكان اكتشافه قفزة نوعية في انتاج وسيلة لم تكن متاحة أو ربّما صعبة التّخيل بإمكانيّة استيجادها. ولكنّه كافح وخرج بها في جوّ اضطراري عندما كان يريد التّواصل مع ذويه في المدن الأخرى ليعطي اختراعه سلسلة نتاجات فكرية انتهت بالتّكنولوجية الحالية المتطورة المتضمنة عملية ارسال البيانات بواسطة البث اللامرئي.

ولنفس المضمون ها هو العالم البريطاني أرثر سي كلارك والذي استلهم فكرته من الصاروخ الحربي وانطلاقته حول الأفق بأن يبحث عن إمكانيّة البث حول العالم بواسطة الأقمار الصّناعية، ليخرج بثورة علميّة تكنولوجيّة يعتمد عليها العالم الحالي في مختلف مجالاته وهي المرتكز الرئيسي لتقدمه وتطوره. وقد كان الصاروخ الحربي ملهما له!

نتمنى لو كانت هذه الاختراعات باجواء تسودها الطمأنينة والاسترخاء والسلام والعدالة ! ولكن النظام الطبيعي للخليقة يفرض غير ذلك كي تتحقق عمليّة التوازن المستمرة بتقدّم الأجيال واختلاف الأزمان وتبدل الأحوال. وبالنّهاية فإنّ الأمر يؤدي الى سلسلة من النتائج التي تنتهي إلى قضية فصل واحدة. أما عملية التوازن الكوني فهي غير محتاجة إلى أي ممّا يقدمه البشر ويكتشفه ويخترعه ويبتكره. لأنّ الطّبيعة الكونية قائمة على نظام دقيق محدّد منذ الأزل ولن يختلف باختلاف الأزمان وتقدمها. فالبحر ينضب ان انقطع المطر. والمطر لا ينقطع ما دامت البحار والأنهار والمحيطات موجودة. والحياة تنعدم لولا وجود الأوكسجين في التركيبة الكيميائية للهواء. والأوكسجين لا يختفي ما دام الغلاف الجوّي موجود. وهكذا بالنسبة لباقي الموجودات المرئية والمحسوسة في الكون، بعضها مكمّلاً للآخر ومحقّقا توازناً طبيعيّا وفق نظام محدّد لا يحيد منذ مليارات السّنين.

الحكمة تسبق الحكم فمن كان يمتلك الحكمة، لِمَ يتعجّل في إصدار أي من قراراته وترسيخ اعتقاده!

وكثيراً ما امرنا القرآن بالتفكّر والتّدبّر وكان في موضع التّدبر يخاطب أولي الألباب وليس عامّة الناّس ..

فاللب هو العمق وان سبر اغواره يؤدي الى التوصل لعمق المسالة واهميتها .

وقد خلق الله تعالى البابا استطاعت ان تقتحم عالم الاكتشاف والاختراع كي تعطي تفسيرا واضحا او صورة عميقة عن ماهية التوازن الكوني ودرجة دقة الخلق.

 

بقلم سجى الجزائري

 

 

في المثقف اليوم