أقلام ثقافية

في المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب بموسكو

ضياء نافعبدعوة كريمة من معهد الترجمة في موسكو شاركت باعمال المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب، الذي انعقد من 6 الى 9 ايلول/ سبتمبر2018 في مكتبة الادب الاجنبي بموسكو، وقد ساهم في هذا المؤتمر مترجمون وباحثون في مجال الترجمة من (57) بلدا من بلدان العالم، وكان الوفد الروسي طبعا أكبر الوفود (عددا وعدة !)، اذ كان يضم (107) عضوا بين باحث ومترجم واداري، اما البلدان العربية التي شاركت في اعمال المؤتمر   فكانت ثلاثة بلدان فقط مع الاسف، وهي (حسب حروف الهجاء) كل من – سوريا والعراق ومصر، اذ لا تتابع بلداننا العربية - بحكوماتها ومنظماتها - حركة المؤتمرات الثقافية والفكرية في العالم ولا تعرف اهميتها وقيمتها .

انعقد المؤتمر تحت شعار – (الترجمة الادبية - وسيلة الدبلوماسية الثقافية)، وعلى الرغم من تسمية المؤتمر وشعاره، فان اعماله ترتبط طبعا باللغة الروسية وآدابها والترجمة عنها واليها بالاساس، وهذا أمر طبيعي جدا، اذ لا يمكن لاي مؤتمر ان يبحث شؤون الترجمة الادبية بشكل عام وفي كل اللغات، ولهذا، فقد اختتم المؤتمر اعماله باعلان الجوائز لاربعة مترجمين اجانب، الذين ترجموا الى لغاتهم القومية الادب الروسي في القرن التاسع عشر و الادب الروسي في القرن العشرين والادب الروسي المعاصر، واخيرا الشعر الروسي . لقد نادوا للصعود الى منصة المسرح اربعة مرشحين لكل جائزة، ثم تم الاعلان عن فائز واحد منهم للجائزة، اما الاخرون فقد استلموا شهادة تكريمية فقط، وقد سررت جدا، عندما نادوا على زميلنا المترجم المبدع عبد الله حبه ضمن مترجمي الادب الروسي في القرن العشرين باعتباره قد ترجم الى العربية رواية بولغاكوف الحرس الابيض (انظر مقالتنا بعنوان – رواية بولغاكوف الحرس الابيض بالعربية) . وعلى الرغم من عدم حصول المترجم الكبير عبد الله حبه على الجائزة تلك، الا ان وقوفه ضمن المرشحين الاربعة وحصوله على شهادة التكريم من لجنة التحكيم تعتبر بحد ذاتها عملا يثير الفخر و الاعتزاز لكل العراقيين والعرب جميعا، اذ انه كان قاب قوسين من نيل الجائزة .  

   تم افتتاح اعمال المؤتمر بجلسة عامة في القاعة الكبرى لمكتبة الادب الاجنبي، حيث تحدّث اربعة من اعضاء الوفد الروسي وواحدة من اعضاء الوفد الفرنسي، وتوقف المحاضرون الروس عند شعار المؤتمر (الترجمة الادبية باعتبارها وسيلة الدبلوماسية الثقافية)، وعند عام 2018 باعتباره عام وحدة الادب الروسي الكلاسيكي، وذلك لان روسيا في هذا العام بالذات تحتفل بذكرى الميلاد اليوبيلي لكل من تورغينيف وتولستوي وغوركي وماياكوفسكي وسولجينيتسن (انظر مقالتنا بعنوان – روسيا تحتفل بذكرى سولجينيتسن وغوركي وتورغينيف) حيث تحدث المحاضر قليلا عن كل واحد من هؤلاء الادباء الكبار واعتبر هذه الاحتفالات اعلانا لوحدة الادب الكلاسيكي الروسي بغض النظر عن موقع واهمية كل اسم من تلك الاسماء، و كذلك تحدثوا بعدئذ عن موقع ومكانة اللغة الروسية في عالم اليوم، واخيرا عن الاسماء والظواهر الجديدة في الادب الروسي بروسيا اليوم، اما المندوبة الفرنسية فقد تحدثت عن حركة ترجمة الادب الروسي في فرنسا وصولا الى ما يمكن ان نسميه – (المكتبة الفرنسية للادب الروسي)، وهو مصطلح بدأ يطرق اسماعنا في الفترة الاخيرة ويرتبط طبعا بحركة ترجمة الادب الروسي الى لغات العالم الرئيسية، ومن الطريف ان نشير هنا، الى ان عنوان كلمتها كان كما يأتي – (المترجم يجب ان يعرف كل شئ). ثم توزعت اعمال المؤتمر بعد جلسة الافتتاح تلك الى ثمانية أقسام، وكانت هناك طبعا قاعة خاصة لكل قسم، وذلك حسب طبيعة البحوث التي يقدمها كل مشارك، وهذا أمر طبيعي جدا في مؤتمر عالمي يشارك فيه (277) مندوبا . ان هذا التنوع في طبيعة البحوث قد حرمني طبعا من الاستماع الى العديد من تلك الكلمات، التي رغبت بالاستماع اليها عندما اطلعت على عناوين البحوث في دليل المؤتمر، فقد وضعت اشارة عند تلك البحوث، منها على سبيل المثال وليس الحصر، بحوث الزملاء العرب د. مكارم الغمري (من مصر) التي تحدثت عن دور الترجمة في بلورة الاجناس الادبية في المسرح العربي بمصر نموذجا، ود.محمد الجبالي (من مصر) الذي تحدث عن صعوبات الترجمة الادبية من اللغة الروسية الى العربية ومن العربية الى الروسية، و د. ثائر زين الدين (من سوريا) الذي تحدث عن وزارة الثقافة في سوريا وتجربتها بتنظيم ترجمات الادب الروسي باللغة العربية، وهو موضوع كبير يقف منذ زمن طويل امام كل مترجمي الادب الروسي في العالم العربي . هناك طبعا الكثير من البحوث الاخرى الطريفة والمهمة، وأشير الى بعضها ليس الا، اذ أثار اهتمامي البحث الموسوم – (بوشكين الفارسي – شاعر ام ناثر؟) لباحث ايراني، ويتناول صعوبات ترجمة شعر بوشكين الى الفارسية، او، (الترجمة الى نفس اللغة ولكن في بلدين اثنين) لباحثة فنلندية، وهي مشكلة تقف امام المترجمين العرب، او، (مشاكل ترجمة عناوين الكتب) لباحثة بريطانية، او، (فلسفة النص والتعبير عنها في الترجمة / الشعر الغزلي عند حافظ في الترجمة الى الروسية نموذجا) لباحث أذربيجاني، او، (ترجمة حكايات تولستوي لاطفال المكسيك) لباحثة مكسيكية، وغيرها من البحوث المهمة والمرتبطة بواقع الترجمة ومشاكلها . وباختصار، فقد كان هذا المؤتمر فرصة رائعة للاطلاع على قضايا الترجمة من الروسية الى اللغات الاخرى وبالعكس، وقد كانت الادارة وتنظيمها للمؤتمر ناجحة جدا، ودقيقة   جدا، وكم اتمنى ان نتعلم من ذلك التنظيم في مؤتمراتنا العربية .

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم