أقلام ثقافية

امراة مع مرتبة الشرف..

بموجب قرار الامم المتحدة رقم661 الصادر في 6 اب1990فرضت العقوبات الاقتصادية على العراق او مايسمى (الحصار الاقتصادي) وقد شملت العقوبات حظرا تجاريا كاملا باستثناء المواد الطبية والغذائية المحدودة، وقد خضع الشعب لنظام البطاقة التموينية التي كانت تضم المواد الغذائية الاساسية وحليب الطفل الذي ينقطع عند بلوغه عمر السنة ليستبدل بعد ذلك اما بالعصير اوالماءاو يفطم الطفل رغم حاجته الماسة للحليب، ولايخفى على احد ان العقوبات طالت بصورة مباشرة الطبقة المتوسطة المتمثلة بالموظفين واصحاب المحال والطبقة الفقيرة المتمثلة بالكسبة الذين يجنون قوتهم يوما بيوم كالعامل والسائق والخ...

استمرت العقوبات سنين طويلة استنفذت جهد العراقيين وصبرهم، وبدا الناس ببيع كل شئ واي شئ لسد الحاجة، فنشطت بذلك سوق المواد المستعملة كحل بديل لمواجهة الغلاء ونقص السيولة النقدية، فكان البيع على قدم وساق كل شئ قابل للبيع والشراء قطع الاثاث، مواد منزلية، مفروشات، ملابس، اجهزة كهربائية، حتى العاب الاطفال لم تسلم من البيع والشراء، فكانت بحق سنين عجاف بكل ماتحمل الكلمة من معنى..

وهنا برز دورالمراة العرقية وبقوة، فلم تدخر وسعا في سبيل توفير الحياة المريحة لعائلتها، مارست جميع المهن خياطة، خبازة، طباخة، كانت تتفنن في كل شئ، تكيل حصة كل يوم بمثقال لكي تصل الى نهاية الشهر بسلام، لم يكن الطحين فاخرا بل في اغلب الاحيان مخلوطا بالذرة وغير قابل للخبز لكنها كانت تخبزه بروحها وجهدها لتصنع منه ارغفة لتطعم به اسرتها وهي قانعة وراضية بل ومبتسمة وممتنة وهي ترى الفرحة في عيون افراد اسرتها، اغلب البيوتات كانت تصنع الخبز والمعجنات والكبة بانواعهاوالمخللات والمربيات والمعجون ودبس التمر، وكانت المراة العراقية تتفنن بصنع الحلويات من التمر بسبب غلاء السكر انذاك، وتحوّر طبخ الطعام بايجاد بدائل اخرى في حال شحت عندها اي مادة، وكانت الموائد عامرة بما لذ وطاب ومن مواد محلية بسيطة، وقد كانت تزرع بحديقتها ماامكنها من خضروات تغنيها عن شرائها من السوق لتوفر ثمنها، ناهيك عن تربيتها للدواجن للحصول على البيض،

في كل بيت كان تنور وماكنة خياطة وادوات حياكة، كل هذه الاعمال كانت تزاولها برضىً وقناعة، فتغير فصال ملابسها القديمة لتبدو بحلّة جديدة لها ولاطفالها بل وتتباهى لانها خاطت فستان او حاكت بلوزا او جاكيتا لابنها او لابنتهاوتشعر بالفخر والراحة لانها ادخلت الفرحة على نفوس اطفالها في العيد، فحققت بذلك اكتفاءا ذاتيا استطاعت من خلاله ان تصل بعائلتها الى بر الامان..

لم تجعل هذه المراة السنين تتغلب عليها بل تغلبت هي على السنين وصرعتها وحولت الالم الى امل والعسر الى يسر والحزن الى ابتسامة، واستمرت الحياة رغم صعوبتها ورغم سنينها العجاف واصبحت ذكريات بحلوها ومرها..

لقد ادارت المراة العراقية رحى السنين العجاف بكفاءة وصبر عاليين وحافظت على اسرتها من العسر رغم التقشف ورغم الماسي لاستشهاد احد افراد اسرتها وبقيت صامدة رغم كل شئ ولازالت تقدم اروع الصور لتكون بحق امراة مع مرتبة الشرف..

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم