أقلام ثقافية

أحمد حسين قاصًا

شاكر فريد حسنلا يختلف الراحل أحمد حسين القاص عن الشاعر، فهو يبرع ويبدع في كلا اللونين والاتجاهين، وله اسلوبه الخاص المتميز الذي يتفرد به عن مجايليه وغيره من الأقلام القصصية الفلسطينية والعربية، ويحقق شروط الفن المعرفي والايديولوجي والمعرفي والجمالي من وجهة نظر واقعية باعتبار أن الشرط الجمالي من حيث وظيفة الفن المغايرة لوظيفة العلم الذي يعطينا معرفة الواقع بصورة جمالية، ويقدم لنا أحمد نموذجًا ابداعيًا نرى فيه الظاهرة تشع من الجوهر بشكل واضح .

وباعتقادي أن احمد حسين قامة وظاهرة أدبية قلما نجد لها مثيلًا في الادب الفلسطيني والعربي المعاصر، من حيث التوجه والرؤيا الوطنية والفكرية والالتزام بقضايا وهموم شعبنا، وبقضايا الانسان أينما وكيفما كان .

ظهرت أول كتابات راحلنا أحمد حسين القصصية على صفحات مجلة " الفجر " التي كان يشرف على صفحاتها الادبية شقيقه الشاعر الشهيد راشد حسين، وكان فيها من الحدة والتميز في مضامينها وطرحها ومعالجتها لموضوعات قومية وثورية ووطنية مختلف لما كان يكتب في تلك المرحلة التي سيطرت فيها الروح القومية الناصرية، ما تلقفها القراء بشغف وأقبل على قراءتها ومواكبتها والاحتفاء بها .

وفي منتصف الستينات توقف أحمد عن الكتابة لمدة طويلة، نتيجة لعدم توفر منابر النشر الملتزمة التي تتفق مع فكره وتوجهاته، لكنه عاد في بداية السبعينات ليكتب وينشر ويرفد المشهد الابداعي بقصصه القصيرة، على صفحات مجلة " الجديد " الثقافية الفكرية، وكان يوقعها باسم مستعار هو " أحمد ناظم " .

وفي اواخر السبعينات وتحديدًا في العام 1979 قامت دار " الصوت " في الناصرة، لنشر الوعي والفكر الفلسطيني بإصدار مجموعته القصصية الموسومة " أحمد حسين "، وكتبت اللجنة الادبية للصوت في مستهلها : " تتسم هذه المجموعة بالوعي النافذ والرؤية الواضحة لأبعاد المأزق الجحيمي لأبناء الشعب الفلسطيني إذ هو الضحية وإنما عبر مؤامرات مستمرة ومتنوعة وذلك لكون هذا الشعب صاحب حق هو بمثابة الضمير الشاهد على تداخل المصالح المشتركة بين الصهيونية كفكر ومنشأ والترديدات الحضارية المعوقة والغبية على الساحة الفكرية العربية، ومن هنا تأتي الثورة لتكون رفضا ونفيا لواقع فاسد صورته هذه المجموعة من خلال شخصيات قصصية كالشيخ على الثائر على مفاهيم اسطورية، وقعنا كلنا تحت تأثيرها المباشر، وغير المباشر، وذلك في سبيل ان نصبح " قاعدة مثلث " نصرخ مع " عيد " " يما ااااااه " فلسطيني وكفى " .

ما يميز قصص أحمد حسين في أنها تعبر بمعظمها عن مواقف اجتماعية وسياسية ووطنية وقومية وفكرية وتراثية تتناول مسألة الصراع الفلسطيني – الصهيوني، أي ان قصصه تلتزم القضية الوطنية بمختلف أبعادها . فقصصه تعكس بواقعية وبصدق واقع العرب الفلسطينيين في البلاد من جميع النواحي في مواجهة القهر والظلم التاريخي، وتختصر أبعاد القضية بتركيز مكثف .

وتعتمد قصص أحمد حسين المونولوج الداخلي والمهارة في بناء الأحداث وتطوراتها وعنصر المفاجأة الذي يشد القارئ، وشخصياته واقعية مسحوبة من حياة الريف والقرية الفلسطينية، وجلها شخصيات حية متحركة تتأثر بالأحداث وما يدور في محيطها، ونجده يسبر اغوارها ويتعمق في نفسياتها ويكشف عما يختلج في أعماقها .

وتنساب حواراته باللغة العامية القروية التي تلائم شخصياته التي ينتمي بمجملها للطبقات الشعبية الفقيرة المسحوقة .

أحمد حسين قاص بارع يمتلك قدرة وصفية كبيرة، وفي قصصه صور موحية عميقة مسحوبة من واقع الاحداث، ويوظف في قصصه الامثال العامية والتراث الشعبي .

ويبقى القول، أحمد حسين منشد الالم والوجع الفلسطيني، والصوت الكنعاني، الذي صوّر في قصصه أحزاننا وآلامنا وأحلامنا وطموحاتنا الوطنية، وهو المغني الجوال الذي ستبقى كنعان وعنات تبكيانه وتشتاق له عشتروت، وتحنُّ اليه المدن والاماكن التي أحبته وأحبها، إنه آخر العاشقين، لم يخلص أحد للفن والابداع القصصي كما أخلص لفنه الجمالي .

 

بقلم : شاكر فريد حسن

 

في المثقف اليوم