أقلام ثقافية

ريح صدفة.. من جيل "كورونا" اللعين

محسن الاكرمينحين كان الكاتب يخطط للبطل أن يعيش وسط زوبعة من مآسي أمواج الحياة التراكمية، فوصف وضعه الحياتي" تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن". لحظة وأنا أتابع قراءتي لأحداث رواية "ريح الصدفة.. من جيل "كورونا" اللعين"، أحسست أن البطل انتفض من اسمه الافتراضي على الكاتب، ولم يعد يقدر على تحريكه مثل "الكراكيز" المسلوبة الإرادة والحياة التفاعلية، لم يعد يقدر البطل على لعب أدوار إرضاء "الكومبارس" المحتشد وتوزيع الابتسامات الماكرة والخادعة، ولا حتى أمام الجمهور في قاعة العرض بنهاية تصفيقات باهتة و أخذ صورة يتيمة.

اقتنعت أن  أتعاطف مع البطل الافتراضي وبدون خلفيات سلبية ضد الكاتب، حين وقفت عند أسئلة تصدر من حنقه وتكتسي مطالب احترام  الذات وتصورات الحياة الاختيارية بالحرية لا بالعنف الفيزيائي الرمزي. عندها  تساءل البطل ووجه استفساراته للكاتب: لما تلقي بي من مأزق لآخر دون أن تجد لي حلولا إيجابية أرتاح بها من كيد الحياة، ولو بالتقطع في الزمن والمكان؟ لماذا تعتبرني مسيرا في كتاباتك لا مخيرا؟ لما لا تحترم قدراتي العقلية، ومنطق التفكير تجاه الخير والشر؟ لما تحاول الفتك بي في نهاية الرواية بالموت المأساوي، لتنصع منه لحظة بكاء جماعية، وتصفيقات مدوية عن الألم والوجع؟

يقول البطل للكاتب: أنا من اليوم لن ألعب أدوار البطولة الموجهة منك بمحو ذاتي وتفكيري وكيان وجودي، فرغم أني من جيل الافتراض والخيال فإني أحمل قبسا من نور الصدق والخير،ويمكن أن أتحتمل الكذب والشر في كتاباتك ولو بالإرضاء والنفاق . أنا من تلقي به عنوة في حضن مصانع تدوير الأحداث، ولا تنصفني إلا بالموت عند نهاية الرواية . أحسست  عندها أن البطل رمى بقلم الكاتب الأسود وخاطبه " أسدي أنا باغي نعيش، باغي شوية ديال الحرية المسؤولة"، لما لا تكتب "" تأتي الرياح بما تشتهيه السفن" وأعيش مطمئنا على مسارات حياتي، ودون خوف الغرق والموت، والذي بات يراود حلمي المتكرر كلما رأيتك تحمل ذاك القلم الأسود وممحاة البياض.

حين انتهى البطل من ثورته الفزعة ولأول مرة في وجه الكاتب وأدوات اشتغاله وتنميطه للأحداث، حين خمد حنقه الزائد والمفرط من إحساسات ظلم الكاتب له في تسطير مجالات تحركه الافتراضي بالجرح والتعديل، وجدت بأن الحق بجانبه والأكبر، وجدت أن تفكير الكتابة قد تدنى من دبر السلبية والخوف من خبايا المستقبل، ويمكن أن يلقي الكاتب بالبطل في السجن مثل سيدنا يوسف ظلما، وجدت حتى أن في تعبيرات التعليم  قد علموا التلاميذ "لبس قدك يواتيك" علمومهم أن الطموح مستحيل بوجود مطبات تخفيض السرعة المتتالية، رسبوا فيهم الإحباط وصوروا المستقبل بحرب البطالة التي لا كر عليها، علموهم أن ابن الفلاح فلاح، وأن ابن الخراز إسكافي خريج من مراكز التكوين، وأن ابن الغني مقاول عائلي، ومنعش اقتصادي.

لأول مرة أرى أن البطل الافتراضي ينتفض على صانع أحداثه، وأصفق له وبدون توقف. لأول مرة أرى البطل يطالب برؤية ايجابية، وثقة في الغد والمستقبل وبدون تحكم من الكاتب. لأول مرة أصفق على البطل لا على الكاتب وأعترف له أنه كان يريد الحرية فقط، لأول مرة وددت أن أحصل على نسخة من رواية "ريح الصدفة... من جيل "كورونا" اللعين" موقعة من البطل الافتراضي لا من الكاتب.

 

محسن الأكرمين

 

 

في المثقف اليوم