أقلام ثقافية

دور الاهازيج باشعال الحماس بين الجماهير

الطوب احسن لو مكواري..

تعرف الاهزوجة على انها نوعا من الاناشيد الشعبية الغنائية، وهزج المغني اي ترنم في غناءه، والهزج بحر من بحور الشعر العربي وسمي كذلك لتقارب اجزاءه، ولايصاحب الاهزوجة اي نوع من انواع الالات الموسيقية، بل تعتمد على المد الطويل للكلمات مع اصدار الصوت الواضح الدال على هذا التمديد.

كما وان الاهزوجة تولد من رحم محيطها وبيئتها متاثرة ومؤثرة بحدث معين القيت لاجله، فهي تتبع اللهجة المحلية "الشعبية" لتؤدي الغرض منها وهو اثارة الحماس بين الجماهير، وتتخذ تسميات مختلفة حسب البلد، ففي العراق مثلا تسمى"الهوسة" ويسمى مؤديها"المهوال"وغالبا مايؤديها الرجال لاشعال الحماس خصوصا في الظروف الاستثنائية كالمظاهرات والحروب.

والاهزوجة فن ادبي عربي قديم له جذور في الاسلام وماقبل الاسلام، بل ان العهد السومري تميز بوجود الاهازيج وهذا ما تؤكده الوثائق المكتوبة التي وصلتنا، ومنها ماذكره عالم الاثار العراقي فوزي رشيد عن الملك السومري "كوديا"وعلاقته بالاهازيج.

والاهزوجة بشقيها الجاد والساخر تعتبر جزء من الشعر الشعبي او العامي المرتجل ويسمى كذلك "زجل "او"الحداء" حسب البلد ويكتسب قوته من مؤديه ثم تسلقه الالسن وتتوارثه الاجيال، وقد كان الانسان البسيط يستخدمه في مواسم الزراعة والحصاد والقحط وكسوف الشمس او خسوف القمر حيث كان الناس يرددون وقت الخسوف والاطفال كذلك وهم يطرقون بايديهم عل الصفيح مرددين

ياحوتة يامنحوتة..هدي كمرنا العالي..(لاعتقادهم ان القمر قد ابتلعه الحوت)..وغيرها من الاهازيج التي لازال الاجداد وكبار السن يروونها بشيء من الحنين.

وللاهزوجة قوة حماسية تؤثر بمشاعر الناس وتشحذ هممهم فهي تؤدي دورا كبيرا له اهميته على المضي والاستمرار..

تمر هذه الايام ذكرى ثورة العراق الكبرى"ثورة العشرين" ضد الاحتلال البريطاني الذي كان مخيما على العراق بكل مايحوي الاحتلال من مطامع استعمارية وتعسفية تنخر جسد البلد المحتل.

انطلقت الشرارة الاولى للثورة عندما قام الحاكم البريطاني "ليجمان"باستدعا ء وسجن "شعلان ابو الجون" رئيس عشيرة الظوالم، ومحاولة ترحيله عن طريق القطار لانه بات خطرا على المحتل بسبب افكاره الرافضة للاحتلال.

ومن المعروف ان ثورة العشرين سبقتها عدة محاولات و ثورات في عموم العراق كثورة النجف وبغداد لكنها جوبهت واقمعت بالقوة.

والسؤال هل كانت ثورة العشرين ثورة عشوائية وليدة لحظتها!!

لا ابدا لم تكن الثورة عشوائية بل كانت على درجة من التنظيم والوعي بمسؤولية القضية التي ادارها علماء دين ومثقفين ورؤساء عشائر تميزوا بالحكمة والقدرة على ادارة الرحى مع قلة العدة والاسلحة مقارنة بجيش عتديد مسلح هدفه اصلا الاحتلال، فالامر لم يكن هينا ابدا، بل كان يمتاز بالجدية العالية والقدرة الكبيرة على بذل كل شئ في سبيل انجاح الثورة .

استمرت الثورة خمسة اشهر تكبدت فيها القوات البريطانية خسائر فادحة في الارواح والمعدات، ورغم عدم التكافؤ بين الثوار الذين لم يكونوا يمتلكون غير اسلحة بسيطة وقليلة وكان لل"مكوار" دور الريادة في القتال وهو عصا غليظة راسها من القير الصلب، والفالة وهي الاداة المستخدمة لصيد السمك مقارنة بعتاد الجيش البريطاني من طائرات ومدافع واسلحة متطورة.

استخدم الثوار طرقا ستراتيجية دقيقة لتضليل المحتل وكان الهجوم من اربع جهات يبدا من غروب الشمس ويستمر طوال الليل، وبسبب الظلام فقد كان المحتل يرمي بصورة عشوائية دون ان يكون له تاثير، وهنا برز احد المقاتلين زاحفا محتميا بالظلام حتى وصل الى المدفع فوثب على الجندي وقتله ثم اعتلى المدفع واطلق هوسته المشهورة (الطوب احسن لو مكواري) والتي كانت رمزا فاعلا ومؤثرا في صفوف المقاتلين، خصوصا بعد استشهاده وعمله البطولي الذي كان ولازال حديث الاجيال..

وبعد قتال دام خمسة اشهر اضطر الجيش البريطاني الرضوخ وتغيير سياسته ووضع الخطوات الاساسية لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة في 25 تشرين الاول 1920.

وبقي "المكوار"رمزا للبطولة والفداء رغم بساطته فيما تحول

 "الطوب" الى رمز ايضا مستخدما لحد الان لاطلاق اطلاقة الافطار في الشهر الفضيل..

"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين"..البقرة 249

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم