أقلام ثقافية

المولدي فرّوج: عربية العرب

المولدي فروجحفظنا عن أساتذتنا أن للعربية جذعا ثلاثيا على وزن فَعَل،َ تعود اليه الأفعال الرباعية والخماسيّة والسّداسيّة. ويبدو أننا كنّا على خطا أو نقصان فالذين درّسونا العربية لم يتحدّثوا عن الجذع الثّنائي ولو على سبيل الافتراض او الاحتمال. وبمطالعتنا لبعض الآراء وجدنا أن

اللّغة العربية ترتكز على جذع يتكوّن من حرفين سمّاه أهله المثاني. من هؤلاء نذكر احمد فارس الشّدياق الذي ألف كتابا معجميا تناول فيه المسالة، وتبنّى انستاس الكرملي نفس النظرية وأكد ان العربية إنما بدأت بهجاء واحد (حركة وسكون) ثم تلاه المضاعف فالأجوف ثم الناقص والمهموز قبل ان يظهر الثلاثي الصّحيح، ونحا جرجي زيدان نفس المنحى.

واللغة تعني اصطلاحا الصوت الذي يعبّر من خلاله الإنسان عن أغراضه فهي اذن لا يمكن أن تكون خارج المنطوق، مارسها الإنسان

قبل أن يخترع الكتابة وقبل أن ينشئ شكلا جديدا من التعبير معتمدا على ذكائه ومستندا على ما يصدر من أصوات سواء بتحريك أعضائه وحنجرته أو بمحاكاة أصوات الطّبيعة والحيوانات. ثم اخترع الحرف كحجر الأساس في الخطاب المكتوب. والحرف في واقع الأمر هو لفظ مفرد عندما يكتب وهو أكثر من ذلك عندما يُنطق كما سنبيّن، وبما أن اللغة هي منطوق قبل أن تكون مكتوبة، حتى إن قرأناها صامتين، فهذا يعني أنّ الحرف يكون خارجها كالغريب عنها.

واللغة كغيرها من الصنائع الأخرى تنشد الكمال وتحاول ان تحقق الاكتمال فتنطلق من ابسط عناصرها وتسعى إلى الزيادة والامتداد.

فما هو هذا العنصر البسيط الذي تتشكل من خلاله لغة الإنسان؟

يستطيع الإنسان ان يكتب الحرف الواحد ببساطة وسهولة ولكنه لا يستطيع ان ينطق الحرف مفردا فهو إذا نطق حرف الألف مثلا أو الباء أو الفاء أو أي حرف آخر إنما في الحقيقة ينطق هكذا: بَأْ أو بَا وفأْ أو فا ويمكن بالتقنيات الحديثة المتوفرة، تجزئة أي حرف ينطقه الإنسان إلى آلاف الأجزاء بتمطيط الفتحة التي يمكن أن تقسم أيضا إلى عديد الأجزاء لتعطي لنا شيئا مختلفا. وينطبق هذا الأمر على جميع اللغات ففي الفرنسية ننطق على سبيل المثال حرف S هكذا آسْ ( es) وحرف الــ m  ننطقه آم (em) وحرف (B)ينطق (Bé) ونفس الشيء في الانجليزية. والحرفان (المثاني)هما حجر الأساس في بناء الفعل الذي سيتجسد بإضافة الحرف الثالث لذلك نجد الأفعال التي تحمل نفس الجذع الثّنائي تتشابه في معانيها ومقاصدها إلى حد كبير. وفي اللغة دلائل عديدة على ما ذهبنا إليه فلنأخذ مثلا الأفعال المتوالدة من حرف الفاء والراء (ف،ر) نجد  فرا وفرى أي قطع الشيء وشقه (أي خلق منه نصفين)و فرّ (أي هرب من مكان إلى مكان ثان/ نصف ثان) وفرم وفرق وفرط وفرس (شقّ الصّحراء الى نصفين) وفرع وفرش وفرج وفرك وفرض وفرح كلها تقترب في

المعنى  الدال على حركة يشترك فيها عنصرين في  احتكاك او انفصال طرف عن آخر، ونرى أيضا ان الأفعال المتوالدة عن ثنائي النون والهاء لا تبتعد عن معنى العنف والخروج عن السائد فنها ونهب ونهر ونهك ونهم ونهل ونهق ونهض ونهش متشابهة في مقاصدها وهي العنف أو الخروج عن المألوف وكذلك الفعل الثلاثي المتولّد عن الجذع الثنائي نـقـ... (نقى ونقب ونقد ونقه ونقر ونقش ونقض ونقص ونقل ونقم ونقح (أي فرز الجيد من الرديء) ونقط (الحرف ليميّزه عن آخر) كلها متشابهة في المعنى المقصود.

وقد عرف العرب بحبهم للزيادة على الأفعال بصيغ كثيرة وبكرههم للتنقيص. فاذا زادوا الحرف إلى الثنائي في أوله سموه تصديرا وإذا زادوه في وسطه سموه حشوا وأما إذا جاءت الزيادة في الآخر فتسمى كسعا ونلاحظ أيضا أن المبدا العام يشمل أيضا حروف التصدير: زيادة حرف في أول الثنائي ليصبح ثلاثيا دون ان يبتعد كثيرا عن المعنى المشترك. ونرى ان بعض الحروف تؤسس لحالات متقاربة.

ويرى البعض أن ظهور اللغة العربية قد سبق ظهور العرب بقرون وان هؤلاء صنعوا لغتهم التي نتكلمها اليوم معتمدين على نفس المثاني.

ويرجح بعض العلماء ان اللغة العربية سبقت العرب بآلاف السنين، ويعتبر أقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري (شلما نصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد ومعلوم أن العرب ينقسمون الى عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة وان اللغة العربية هي لغة سامية نسبة الى سام ابن نوح، الذي مات قبل العرب بستة قرون تقريبا.

 

المولدي فرّوج

 

في المثقف اليوم