أقلام ثقافية

ضياء نافع: بوشكين وزوجته والقيصر و بزيع

ضياء نافعكان يمكن لهذه المقالة ان تكون بعنوان آخر، وهو: قراءة في مقاله الشاعر شوقي بزيع حول بوشكين، المنشورة في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 5 كانون  ثاني / يناير عام 2022، والتي جاءت تحت عنوان – ناتاليا نيكولايفنا وبوشكين ..الجمال والموت على سرير واحد، وعنوان اضافي تحته، وهو – هل كان ارتباطهما الزوجي هو الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر؟.

ترجمت هذا العنوان المثير لصديقي الروسي، فاندهش جدا، وركّز خصوصا  على جملتين فيه، الجملة الاولى هي - (الجمال والموت على سرير واحد)، والجملة الثانية هي – (الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر)، وسألني – هل انت متأكد من ترجمتك هذه ؟ قلت له – نعم،نعم، هذه ترجمة حرفية للعنوان، وسألته أنا بدوري – لماذا تشك في ترجمتي لنص عربي امامي من جريدة عربية مشهورة ؟ فقال صديقي – لأني لا اتصور بامكانية الكتابة عن بوشكين هكذا ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، فضحكت أنا  وطلبت منه ان يوضح رأيه بشكل دقيق، فقال ببساطة، ان جملة (الجمال والموت على سرير واحد) مرعبة جدا، وغير شاعرية بتاتا، ولا يمكن لشاعرمعاصر في زماننا ان يكتبها عن بوشكين، هذا اولا، وثانيا، كيف يمكن لشاعر معاصر ان يعتقد، ان قيصر الامبراطورية الروسية (ينصب فخا للايقاع بالشاعر)؟ قلت لصديقي، انك تفكر بطريقة مغايرة، ولا تعرف، ان الاسلوب العربي في كتابة العناوين يعتمد على اثارة القارئ العربي ولفت انتباهه لقراءة المقالة . فسألني – هل ان الجمال والموت عندما ينامان معا على سرير واحد يثير القارئ العربي فعلا ؟، ثم هل يثير هذا القارئ عندما يقولون له، ان امبراطور روسيا بنفسه  (ينصب فخا لشاعر)؟ ثم، هل استشهد شاعركم في مقالته هذه ولو بمقطع من قصائد بوشكين، كي يثبت للقارئ رأيه هذا؟. لم استطع ان اجيبه عن السؤال الاول ولا عن السؤال الثاني، ولكني اجبت فقط عن السؤال الثالث، وقلت له – نعم، هو استشهد بمقطع من قصيدة (النبي) لبوشكين، وكتب امام هذا المقطع ما يأتي – (أطلق بوشكين عبر قصيدته (النبي)  دعوة غير مواربة للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي ) ثم يذكر المقطع من تلك القصيدة،  فقال صديقي الروسي– اقرأ لي رجاء هذا المقطع، اذ ربما سيثبت كاتب المقالة بواسطة هذا المقطع من قصيدة النبي لبوشكين  عناصر طريفة وجديدة لم انتبه عليها أنا بشأن دعوة بوشكين (للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي!) عندما قرأت انا قصيدة النبي، فقرأت له المقطع الموجود في تلك المقالة، وهو كالآتي، وترجمته الى الروسية –

الا انهض يا رسول روسيا

والتفّ بهذه الحلة المنسوجة من العار

وتقدم والحبل يشدّ على عنقك

امام القاتل الكريه .

 قال صديقي، انه لا يحفظ قصيدة النبي لبوشكين عن ظهر قلب، لهذا دعنا نرجع الى قصيدة النبي في ديوان بوشكين بالروسية، ونجد المقطع . وهكذا رجع الى ديوان بوشكين، وبحث في الفهرس عن القصيدة ووجدها، وقال لي، ترجم المقطع الى الروسية، كي اجده في النص الروسي، قلت له ضاحكا، لقد ترجمت هذه القصيدة قبل اكثر من عشرين سنة، فقال – حسنا، ارجع الى كتابك الموسوم (ثمان وثلاثون مقالة عن بوشكين)، وانا أذكر مقالتك في ذلك الكتاب بعنوان (قصيدة النبي لبوشكين بثلاث ترجمات)، وهكذا وجدت الكتاب، وأخذ صديقي يقرأ  النص الروسي للقصيدة حسب مقاطعها، وانا اقرأ الترجمة العربية، ولكننا لم نجد ذلك المقطع الذي استشهد به كاتب تلك المقالة بتاتا، بل لم نجد حتى ولا اي شئ شبيه به او مقاربا له من حيث المعنى . فقال صديقي وهو يضحك – انشر نص قصيدة النبي كاملا مرة اخرى، كي يقتنع القارئ العربي بما نقول، فقلت له – سانشره حتما، وها هو النص –

(ظمأ الروح اضناني / وانا في عتمة البيداء وحدي / اجرّ بالكاد اقدامي،/ وفي مفترق الطرق / الملاك سيرافيم – المعلّى الاثير / ذو الاجنحة الستة / ظهر امامي، / وكالحلم، وبانامله الرقيقة / لمس مقلتيّ، / فانفتحت المقلتان المتنبئتان، / كما تفعل انثى النسر المرتعبة . / لمس الملاك اذنيّ / وملأهما بالضجيج و الرنين، / واصغيت انا لارتعاش السماء، / وتحليق ملائكة الجنان، / ومسير الاحياء في عمق البحار، / وخمول الكروم في الوديان . / انحنى الملاك على شفتيّ / واجتث لساني الآثم / والماكر والثرثار، / ووضع بيمناه التي يقطّر منها الدم / لسان حيّة حكيمة / في ثغري الاصم، / وشجّ صدري بسيفه / وانتزع القلب المرتعب / وغمد في جوفه / جمرة تلتهب . / استلقيت كالجثة في البيداء / وصوت الرب ناداني - / قم، ايها النبي، وابصر / وانصت،/ ونفّذ ارادتي، / واجّج  بالكلمات قلوب البشر / وانت تجوب البّر والبحر .

 

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم